قصة حياة
رِحلَتي مِنَ الخَجَلِ إلى الخِدمَةِ الإرسالِيَّة
في طُفولَتي، كُنتُ خَجولَةً جِدًّا وأخافُ مِنَ النَّاس. ولكنْ معَ الوَقت، يَهْوَه ساعَدَني أن أصيرَ مُرسَلَةً تُحِبُّ النَّاس. كَيف؟ في الأوَّل، مِن خِلالِ دَعمِ أبي؛ بعد ذلك، بِواسِطَةِ مِثالِ أُختٍ مُراهِقَة حَماسِيَّة جِدًّا؛ وفي الآخِر، مِن خِلالِ صَبرِ زَوجي وكَلِماتِهِ اللَّطيفَة. دَعوني أُخبِرُكُم عن رِحلَتي في الحَياة.
وُلِدتُ سَنَةَ ١٩٥١ في عائِلَةٍ كاثوليكِيَّة تَعيشُ في فْيِينَّا بِالنَّمْسَا. كُنتُ خَجولَةً بِطَبعي، لكنِّي كُنتُ أُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وأُصَلِّي دائِمًا. وحينَ كانَ عُمري تِسعَ سَنَوات، بَدَأ أبي يَدرُسُ مع شُهودِ يَهْوَه. وسُرعانَ ما انضَمَّت إلَيهِ أُمِّي.
مع أختي إليزابيث (إلى الشمال)
ولم يَمْضِ وَقتٌ طَويلٌ حتَّى صِرنا في جَماعَةِ دُوبْلِينْغ في فْيِينَّا. وكُنَّا نَفعَلُ كُلَّ شَيءٍ معًا كعائِلَة: نَقرَأُ الكِتابَ المُقَدَّسَ ونَدرُسُه، نَحضُرُ اجتِماعاتِ الجَماعَة، ونَتَطَوَّعُ في الاجتِماعاتِ الدَّائِرِيَّة. وبِعُمرٍ صَغير، بَدَأ أبي يَغرِسُ في قَلبي مَحَبَّةَ يَهْوَه. حتَّى إنَّهُ كانَ يُصَلِّي دائِمًا أن نَصيرَ أنا وأُختي فاتِحَتَيْن. ولكنْ آنَذاك، لم يَكُنْ هذا هَدَفي.
حينَ بَدَأتُ بِالخِدمَةِ كامِلَ الوَقت
إعتَمَدتُ سَنَةَ ١٩٦٥ بِعُمرِ ١٤ سَنَة. ولكنْ كانَ صَعبًا علَيَّ أن أُبَشِّرَ أشخاصًا لا أعرِفُهُم. وكُنتُ أشعُرُ دائِمًا أنِّي أقَلُّ قيمَةً مِن غَيري، وكانَ كُلُّ هَمِّي أن يَتَقَبَّلَني الشُّبَّانُ والشَّابَّاتُ الَّذينَ مِن عُمري. لِذلِك بَعدَ وَقتٍ قَصيرٍ مِن مَعمودِيَّتي، بَدَأتُ أُعاشِرُ شُبَّانًا وشابَّاتٍ لا يَخدُمونَ يَهْوَه. ومع أنِّي كُنتُ أستَمتِعُ بِعِشرَتِهِم، كانَ ضَميري يُعَذِّبُني لِأنِّي أقْضي الكَثيرَ مِنَ الوَقتِ مع أشخاصٍ لَيسوا مِنَ الشُّهود. لكنْ لم يَكُنْ لَدَيَّ ما يَكْفي مِنَ القُوَّةِ لِأُغَيِّرَ هذِهِ العادَة. فما الَّذي ساعَدَني؟
تعلَّمت الكثير من دوروثي (إلى الشمال)
في تِلكَ الفَترَة، كانَ في جَماعَتِنا أختٌ عُمرُها ١٦ سَنَةً اسْمُها دُورُوثِي. وقد أعجَبَتني حَماسَتُها في الخِدمَةِ مِن بَيتٍ إلى بَيت. كُنتُ أكبَرَ مِنها بِقَليل، لكنِّي لم أكُنْ نَشيطَةً مِثلَها في الخِدمَة. ففَكَّرتُ بَيني وبَينَ نَفْسي: ‹والِدايَ مِن شُهودِ يَهْوَه، لكنَّ دُورُوثِي لا أحَدَ مِن عائِلَتِها في الحَقّ. ومع أنَّها تَعيشُ مع أُمِّها المَريضَة، فهي دائِمًا في الخِدمَة!›. لقد شَجَّعَني مِثالُها أن أخدُمَ يَهْوَه أكثَر. وبَعدَ وَقتٍ قَصير، صِرنا أنا ودُورُوثِي رَفيقَتَيْنِ في عَمَلِ الفَتح. في البِدايَة، كُنَّا فاتِحَتَيْنِ إضافِيَّتَيْن، أو فاتِحَتَيْ عُطلَةٍ مِثلَما كانَ الاسْمُ آنَذاك. ولاحِقًا، اشتَرَكنا معًا في الفَتحِ العادِيّ. كانَت حَماسَةُ دُورُوثِي مُعْدِيَة. فهي ساعَدَتني أن أُؤَسِّسَ أوَّلَ دَرسٍ لي في الكِتابِ المُقَدَّس. ومعَ الوَقت، صارَ أسهَلَ علَيَّ أن أتَكَلَّمَ معَ النَّاسِ على الباب، في الشَّارِع، وفي أماكِنَ أُخْرى.
خِلالَ سَنَتي الأُولى في الفَتحِ العادِيّ، أتى إلى جَماعَتِنا أخٌ مِنَ النَّمْسَا اسْمُهُ هَايِنْتْس. كانَ هَايِنْتْس قد تَعَلَّمَ الحَقَّ في كَنَدَا فيما يَزورُ أخاهُ الَّذي مِن شُهودِ يَهْوَه. وقد تَعَيَّنَ كفاتِحٍ خُصوصِيٍّ في جَماعَتِنا في فْيِينَّا. فأعجَبَني مِنَ النَّظرَةِ الأُولى. لكنَّهُ أرادَ أن يَصيرَ مُرسَلًا. أمَّا أنا فلم أكُنْ أنْوي أن أخدُمَ كمُرسَلَة. لِذلِك في الأوَّل، أخْفَيتُ مَشاعِري عنه. ولكنْ لاحِقًا، بَدَأنا نَتَعارَفُ واحِدُنا على الآخَر، ثُمَّ تَزَوَّجنا وبَدَأنا نَخدُمُ معًا كفاتِحَيْنِ في النَّمْسَا.
هَدَفُ الخِدمَةِ الإرسالِيَّة
كانَ هَايِنْتْس يُخبِرُني دائِمًا عن رَغبَتِهِ أن يَصيرَ مُرسَلًا. ومع أنَّهُ لم يَضغَطْ علَيَّ أبَدًا، كانَ يَسألُني أسئِلَةً تُشَجِّعُني أن أضَعَ هذا الهَدَف، مِثل: «بِما أنَّهُ لَيسَ لَدَينا أوْلاد، فهل يُمكِنُ أن نَخدُمَ يَهْوَه أكثَر؟». ولكنْ بِسَبَبِ طَبعي الخَجول، كُنتُ أخافُ أن أصيرَ مُرسَلَة. صَحيحٌ أنِّي كُنتُ فاتِحَة، لكنِّي شَعَرتُ أنَّ التَّعيينَ الإرسالِيَّ بِأكمَلِهِ أكبَرُ مِنِّي. مع ذلِك، ظَلَّ هَايِنْتْس يُساعِدُني بِصَبرٍ أن أُفَكِّرَ في هذا الهَدَف. كما أنَّهُ شَجَّعَني أن أُرَكِّزَ أكثَرَ على الاهتِمامِ بِالنَّاسِ بَدَلَ أن أُفَكِّرَ في مَخاوِفي. وكانَت نَصيحَتُهُ في مَحَلِّها.
هاينتس يدير درس برج المراقبة في جماعة يوغوسلافية صغيرة في سالزبورغ بالنمسا، سنة ١٩٧٤
تَدريجِيًّا، صارَ لَدَيَّ رَغبَةٌ أن أخدُمَ كمُرسَلَة. فقَدَّمْنا طَلَبًا لِنَحضُرَ مَدرَسَةَ جِلْعَاد. لكنَّ خادِمَ الفَرعِ اقتَرَحَ علَيَّ أن أُحَسِّنَ أوَّلًا لُغَتي الإنْكِلِيزِيَّة. وبَعدَما اجتَهَدتُ ثَلاثَ سَنَواتٍ لِأُحَسِّنَ إنْكِلِيزِيَّتي، تَفاجَأنا عِندَما تَعَيَّنَّا في جَماعَةٍ يُوغُوسْلَافِيَّة في سَالْزْبُورْغ بِالنَّمْسَا. وقد بَقينا في هذا الحَقلِ سَبعَ سَنَوات، بِما فيها سَنَةٌ في العَمَلِ الدَّائِرِيّ. كانَتِ اللُّغَةُ الصِّرْبِيَّة الكِرْوَاتِيَّة صَعبَة، ولكنْ كانَ لَدَينا عِدَّةُ دُروسٍ في الكِتابِ المُقَدَّس.
ثُمَّ سَنَةَ ١٩٧٩، طُلِبَ مِنَّا أن نَذهَبَ في «عُطلَةٍ» إلى بُلْغَارْيَا. كانَ العَمَلُ هُناك تَحتَ الحَظر. فلم نُبَشِّرْ في تِلكَ «العُطلَة». لكنَّنا هَرَّبْنا مَطبوعاتٍ حَجمُها صَغيرٌ مِن أجْلِ الأخَواتِ الخَمسِ اللَّواتي كُنَّ يَعِشْنَ في العاصِمَةِ صُوفِيَا. خِفتُ كَثيرًا، لكنَّ يَهْوَه ساعَدَني لِأقومَ بِهذِهِ المُغامَرَة. وحينَ رَأيتُ شَجاعَةَ هؤُلاءِ الأخَواتِ وفَرَحَهُنَّ رَغمَ خَطَرِ السَّجن، صارَ لَدَيَّ القُوَّةُ والثِّقَةُ لِأقومَ بِأيِّ تَعيينٍ تَطلُبُهُ مِنِّي هَيئَةُ يَهْوَه.
في هذِهِ الفَترَة، قَدَّمْنا مِن جَديدٍ طَلَبًا لِنَذهَبَ إلى جِلْعَاد. وهذِهِ المَرَّة، أتَتنا المُوافَقَة. ظَنَنَّا أنَّنا سنَحضُرُ المَدرَسَةَ بِالإنْكِلِيزِيَّة في الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَة. ولكنْ في تِشْرِين الثَّاني (نُوفَمْبِر) ١٩٨١، بَدَأَت مَدرَسَةُ جِلْعَاد الفَرعِيَّة في بَيْت إيل بِفِيسْبَادِن في أَلْمَانِيَا. فاستَطَعنا أن نَحضُرَها بِالألْمَانِيَّة. وهذا طَبعًا كانَ أسهَلَ علَيّ. ولكنْ أينَ تَعَيَّنَّا؟
الخِدمَةُ في بَلَدٍ تُمَزِّقُهُ الحَرب
تَعَيَّنَّا في كِينْيَا! لكنَّ مَكتَبَ الفَرعِ هُناك طَلَبَ مِنَّا أن نَخدُمَ في أُوغَنْدَا المُجاوِرَة. وقَبلَ أكثَرَ مِن عَشْرِ سَنَوات، حَدَثَ انقِلابٌ في البَلَدِ بِرِئاسَةِ الضَّابِطِ عِيدِي أَمِين الَّذي أسقَطَ الحُكومَة. وفي السَّنَواتِ التَّالِيَة، سَبَّبَ حُكمُهُ الدِّيكتاتورِيُّ المَوتَ لِلآلافِ والعَذابَ لِلمَلايين. ثُمَّ سَنَةَ ١٩٧٩، أُسقِطَتِ الحُكومَةُ في أُوغَنْدَا مِن جَديد. وطَبعًا لا داعي أن أُخبِرَكُم أنِّي كُنتُ خائِفَةً مِنَ الانتِقالِ إلى بَلَدٍ تُمَزِّقُهُ الحَرب. لكنَّ جِلْعَاد كانَت قد عَلَّمَتنا أن نَثِقَ بِيَهْوَه. فوافَقنا أن نَذهَب.
كانَتِ الفَوْضى تَعُمُّ أُوغَنْدَا. وقد وَصَفَ هَايِنْتْس الوَضعَ هُناك في الكِتابِ السَّنَوِيِّ لِعام ٢٠١٠ قائِلًا: «كانَت شَبَكاتُ المِياهِ ووَسائِلُ الاتِّصالِ مُعَطَّلَة . . . كما تَفَشَّت في البَلَدِ عَمَلِيَّاتُ القَتلِ والسَّلبِ وخُصوصًا في اللَّيل. لِذا ما إن يَحِلُّ الظَّلامُ حتَّى . . . يَقبَعَ النَّاسُ في بُيوتِهِم آمِلين، ومُتَضَرِّعينَ في أغلَبِ الأحيان، أن يَمْضِيَ اللَّيلُ بِسَلامٍ دونَ أن يَتَلَقَّوْا زِيارَةً غَيرَ مَرغوبٍ فيها». ولكنْ رَغمَ هذِهِ التَّحَدِّيات، كانَ الإخوَةُ في البَلَدِ يَخدُمونَ يَهْوَه بِفَرَح.
فيما نحضِّر وجبة طعام في بيت عائلة وَييسوا
سَنَةَ ١٩٨٢، وَصَلنا أنا وهَايِنْتْس إلى كَامْبَالَا، عاصِمَةِ أُوغَنْدَا. وخِلالَ الأشهُرِ الخَمسَة الأُولى، بَقينا في بَيتِ سَام وكْرِيسْتِينَا وَيْيِسْوَا وأوْلادِهِما الخَمسَة وأقرِبائِهِما الأربَعَة. وغالِبًا ما كانَ سَام وكْرِيسْتِينَا والأوْلادُ يَتَناوَلونَ وَجبَةَ طَعامٍ واحِدَة في اليَوم، وهذا جَعَلَنا نُقَدِّرُ ضِيافَتَهُم كَثيرًا. وخِلالَ إقامَتِنا في بَيتِهِم، تَعَلَّمنا أنا وهَايِنْتْس الكَثيرَ مِنَ الدُّروسِ العَمَلِيَّة الَّتي ساعَدَتنا في حَياتِنا كمُرسَلَيْن. مَثَلًا، تَعَلَّمنا كَيفَ نُوَفِّرُ الماءَ ونَستَحِمُّ بِلِتراتٍ قَليلَة فَقَط ثُمَّ نَستَعمِلُ الماءَ نَفْسَهُ بَعدَ الدُّخولِ إلى الحَمَّام. وسَنَةَ ١٩٨٣، وَجَدنا أنا وهَايِنْتْس بَيتًا في مِنطَقَةٍ آمِنَة نِسبِيًّا في كَامْبَالَا وانتَقَلنا إلَيه.
إستَمتَعنا أنا وهَايِنْتْس بِالخِدمَةِ كَثيرًا. أتَذَكَّرُ أنَّنا وَزَّعنا في شَهرٍ واحِدٍ أكثَرَ مِن ٤٬٠٠٠ مَجَلَّة! لكنَّ النَّاسَ كانوا أحْلى ما في الخِدمَة. فقد كانوا يَحتَرِمونَ اللّٰهَ ويُريدونَ أن يَتَكَلَّموا عنِ الكِتابِ المُقَدَّس. وعادَةً، كانَ لَدى كُلِّ واحِدٍ مِنَّا بَينَ ١٠ و ١٥ دَرسًا. وتَعَلَّمنا الكَثيرَ مِن تَلاميذِنا. مَثَلًا، كُنَّا نُقَدِّرُ روحَهُمُ الإيجابِيَّة فيما يَسيرونَ كُلَّ أُسبوعٍ إلى الاجتِماعاتِ ويَعودونَ مِنها. ولم نَرَهُم يَومًا يَتَذَمَّرون، بل كانَتِ الابتِسامَةُ دائِمًا على وُجوهِهِم.
في السَّنَتَينِ ١٩٨٥ و ١٩٨٦، حَدَثَ نِزاعانِ عَسكَرِيَّانِ آخَرانِ في أُوغَنْدَا. وفي كَثيرٍ مِنَ الأحيان، كُنَّا نَرى جُنودًا مِنَ الأوْلادِ يَحمِلونَ بَنادِقَ كَبيرَة ويَقِفونَ على حَواجِزِ التَّفتيش. وفي هذِهِ الفَترَة، كُنَّا نُصَلِّي ونَطلُبُ التَّمييزَ وهُدوءَ القَلبِ فيما نَبحَثُ عنِ المُهتَمِّينَ في المُقاطَعَة. وقدِ استَجابَ يَهْوَه صَلَواتِنا. فغالِبًا ما كُنَّا نَنْسى خَوفَنا حالَما نَلتَقي شَخصًا يَتَجاوَبُ مع رِسالَةِ مَملَكَةِ اللّٰه.
أنا وهاينتس مع تتيانا (في الوسط)
وكُنَّا نَفرَحُ أيضًا حينَ نُبَشِّرُ الأجانِب. مَثَلًا، الْتَقَينا طَبيبًا وزَوجَتَهُ مِن تَتَارِسْتَان (رُوسِيَا الوُسطى) اسْمُهُما مُرَات ودِيلْبَار إبَاتُولِين ودَرَسنا معهُما. وقد قَبِلا الحَقَّ واعتَمَدا، وما زالا يَخدُمانِ يَهْوَه بِأمانَة. ولاحِقًا، كانَ لَدَيَّ الامتِيازُ أن ألتَقِيَ تَتْيَانَا فِيلِيسْكَا، امرَأةً مِن أُوكْرَانِيَا كانَت تُفَكِّرُ في الانتِحار. وبَعدَ أنِ اعتَمَدَت تَتْيَانَا، عادَت إلى أُوكْرَانِيَا وخَدَمَت لاحِقًا كمُتَرجِمَةٍ لِمَطبوعاتِنا.a
تَحَدِّياتٌ جَديدَة
سَنَةَ ١٩٩١، فيما كُنَّا أنا وهَايِنْتْس في عُطلَةٍ بِالنَّمْسَا، اتَّصَلَ بنا الإخوَةُ في الفَرعِ هُناك وأخبَرونا عن تَعيينِنا الجَديدِ في بُلْغَارْيَا. فبَعدَ سُقوطِ النِّظامِ الشُّيوعِيِّ في أُورُوبَّا الشَّرقِيَّة، صارَ عَمَلُ شُهودِ يَهْوَه قانونِيًّا في بُلْغَارْيَا. وكَما ذَكَرتُ مِن قَبل، كُنَّا أنا وهَايِنْتْس قد هَرَّبْنا مَطبوعاتٍ إلى ذلِكَ البَلَدِ حينَ كانَ عَمَلُنا تَحتَ الحَظر. ولكنِ الآن، سنَذهَبُ إلى هُناك لِنُبَشِّرَ النَّاس.
طُلِبَ مِنَّا أن لا نَعودَ إلى أُوغَنْدَا. فلم يَكُنْ هُناك مَجالٌ لِنَرجِعَ إلى بَيتِنا، نُوَضِّبَ أغراضَنا، ونُوَدِّعَ الإخوَة. فذَهَبنا إلى بَيْت إيل في أَلْمَانِيَا، أخَذْنا سَيَّارَةً وسافَرنا إلى بُلْغَارْيَا. وقد تَعَيَّنَّا هُناك في فَريقٍ مِن ٢٠ ناشِرًا تَقريبًا في صُوفِيَا.
واجَهْنا العَديدَ مِنَ التَّحَدِّياتِ الجَديدَة في بُلْغَارْيَا. أوَّلًا، لم نَكُنْ نَعرِفُ اللُّغَة. أيضًا، كانَتِ المَطبوعَتانِ الوَحيدَتانِ المُتَوَفِّرَتانِ بِالبُلْغَارِيَّةِ هُما الحَقُّ الَّذي يَقودُ إلى الحَياةِ الأبَدِيَّة و كِتابي لِقِصَصِ الكِتابِ المُقَدَّس. لِذلِك كانَ صَعبًا علَينا أن نَبدَأَ دُروسًا. ولكنْ رَغمَ ذلِك، كانَ فَريقُنا الصَّغيرُ والنَّشيطُ يَتَقَدَّمُ بِشَكلٍ جَيِّد. فلاحَظَتِ الكَنيسَةُ الأُرثوذُكسِيَّة نَشاطَنا وبَدَأَت تُسَبِّبُ لنا مَشاكِلَ كَبيرَة.
سَنَةَ ١٩٩٤، أُلغِيَ تَسجيلُ شُهودِ يَهْوَه وصاروا يُعامَلونَ كبِدعَةٍ مَحظورَة. وقد أُلقِيَ القَبضُ على بَعضِ الإخوَة. كما أنَّ وَسائِلَ الإعلامِ نَشَرَت أكاذيبَ فَظيعَة عنَّا، وادَّعَت أنَّنا لا نَقتُلُ الأوْلادَ فَقَط، بل نُقنِعُ واحِدُنا الآخَرَ بِالانتِحار. كانَ صَعبًا علَينا أنا وهَايِنْتْس أن نُبَشِّر. فغالِبًا ما الْتَقَينا أشخاصًا عِدائِيِّينَ يَصرُخونَ في وَجهِنا، يَتَّصِلونَ بِالشُّرطَةِ لِتُمسِكَنا، وحتَّى يَرْمونَ أغراضًا علَينا. إضافَةً إلى ذلِك، لم يَكُنْ مُمكِنًا إدخالُ مَطبوعاتٍ إلى البَلَد، وكانَ استِئجارُ صالاتٍ لِعَقدِ الاجتِماعاتِ أمرًا صَعبًا جِدًّا. حتَّى إنَّ الشُّرطَةَ اقتَحَمَت مَرَّةً أحَدَ اجتِماعاتِنا السَّنَوِيَّة. لم نَكُنْ أنا وهَايِنْتْس مُعتادَيْنِ على هذِهِ الكَمِّيَّةِ مِنَ الكَراهِيَة. لِذلِك شَعَرنا بِالفَرقِ الكَبيرِ بَينَ النَّاسِ العِدائِيِّينَ هُنا والنَّاسِ اللُّطَفاءِ والمُتَجاوِبينَ في أُوغَنْدَا. ولكنْ ما الَّذي ساعَدَنا أن نَتَكَيَّفَ مع هذا التَّغيير؟
فَرِحنا بِعِشرَةِ الإخوَةِ والأخَواتِ في البَلَد. فقد كانوا سُعَداءَ لِأنَّهُم وَجَدوا الحَقّ، وقَدَّروا كَثيرًا دَعمَنا لهُم. كُنَّا دائِمًا نَقْضي الوَقتَ معًا ونُقَوِّي واحِدُنا الآخَر. وقد تَعَلَّمنا مِن هذِهِ الاختِباراتِ أنَّنا نَقدِرُ أن نَكونَ سُعَداءَ في أيِّ تَعيينٍ ما دُمنا نُحِبُّ النَّاس.
في فرع بلغاريا، سنة ٢٠٠٧
ولكنْ معَ الوَقت، تَحَسَّنَتِ الأوْضاع. فقد تَسَجَّلَت هَيئَتُنا مِن جَديدٍ سَنَةَ ١٩٩٨، وسُرعانَ ما صارَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِن مَطبوعاتِنا مُتَوَفِّرًا بِالبُلْغَارِيَّة. ثُمَّ سَنَةَ ٢٠٠٤، دُشِّنَ مَبْنًى جَديدٌ لِلفَرع. واليَوم، هُناك ٥٧ جَماعَةً في بُلْغَارْيَا فيها ٢٬٩٥٣ ناشِرًا. وفي سَنَةِ الخِدمَةِ الماضِيَة، حَضَرَ الذِّكْرى ٦٬٤٧٥ شَخصًا. ومع أنَّهُ كانَ هُناك في الماضي خَمسُ أخَواتٍ فَقَط في صُوفِيَا، لَدَينا الآنَ تِسعُ جَماعات! فقد رَأينا بِعُيونِنا «الصَّغيرَ . . . يَصيرُ ألفًا». — إش ٦٠:٢٢.
مُواجَهَةُ مَشاكِلِنا الصِّحِّيَّة
عانَيتُ مِن مَشاكِلَ صِحِّيَّة كَثيرَة. فعلى مَرِّ السِّنين، صارَ لَدَيَّ عِدَّةُ أوْرام، بِما فيها وَرَمٌ في رَأسي. وقد تَلَقَّيتُ مُعالَجَةً إشعاعِيَّة وخَضَعتُ لِعَمَلِيَّةٍ جِراحِيَّة في الهِنْد استَغرَقَت ١٢ ساعَةً أزالَ فيها الأطِبَّاءُ الجُزْءَ الأكبَرَ مِنَ الوَرَم. وبَعدَما تَعافَيتُ في فَرعِ الهِنْد، عُدنا إلى تَعيينِنا في بُلْغَارْيَا.
وفي هذِهِ الأثناء، بَدَأ هَايِنْتْس يُعاني مِن مَرَضٍ وِراثِيٍّ نادِرٍ يُسَمَّى داءَ هَنْتِنْغْتُن. وصارَ صَعبًا علَيهِ أن يَمْشِيَ ويَتَكَلَّمَ ويَتَحَكَّمَ بِحَرَكاتِه. وفي مَراحِلَ مُتَقَدِّمَة مِنَ المَرَض، صارَ يَعتَمِدُ علَيَّ أكثَر. شَعَرتُ أحيانًا أنِّي مُرهَقَةٌ جِدًّا وخِفتُ مِمَّا يَنتَظِرُنا بَعدَ ذلِك. لكنَّ أخًا شابًّا اسْمُهُ بُوب كانَ يَدْعو هَايِنْتْس دائِمًا لِيُبَشِّرا معًا. ولم يَكُنْ بُوب يَخجَلُ مِن طَريقَةِ كَلامِ هَايِنْتْس ولا مِن حَرَكاتِهِ غَيرِ المَضبوطَة. وكُنتُ أقدِرُ دائِمًا أن أعتَمِدَ علَيهِ حينَ لا أكونُ قادِرَةً أن أهتَمَّ بِهَايِنْتْس. فمع أنَّنا أنا وهَايِنْتْس قَرَّرنا أن لا نُنجِبَ أوْلادًا في هذا النِّظام، شَعَرنا أنَّ يَهْوَه أعْطانا بُوب لِيَكونَ مِثلَ ابْنٍ لنا! — مر ١٠:٢٩، ٣٠.
عانى هَايِنْتْس أيضًا مِن مَرَضِ السَّرَطان. ولِلأسَف، تُوُفِّيَ سَنَةَ ٢٠١٥. شَعَرتُ بِالحُزنِ الشَّديدِ وعَدَمِ الأمانِ بَعدَما خَسِرتُ زَوجي الحَبيب. لم أُصَدِّقْ أنَّهُ لم يَعُدْ مَوْجودًا. لكنَّهُ ما زالَ حَيًّا في ذاكِرَتي. (لو ٢٠:٣٨) فغالِبًا ما أتَذَكَّرُ خِلالَ يَومي كَلِماتِهِ اللَّطيفَة ونَصائِحَهُ الجَيِّدَة. وأشكُرُ يَهْوَه كَثيرًا على السَّنَواتِ الَّتي خَدَمْنا فيها معًا بِأمانَة.
يَهْوَه لم يَترُكْني أبَدًا
لا شَكَّ أنَّ يَهْوَه دَعَمَني في كُلِّ الضِّيقاتِ الَّتي مَرَرتُ بها. وقد ساعَدَني أيضًا أن أتَغَلَّبَ على خَجَلي وأصيرَ مُرسَلَةً تُحِبُّ النَّاس. (٢ تي ١:٧) وبِفَضلِه، أنا وأُختي نَخدُمُ الآنَ كامِلَ الوَقت. فهي وزَوجُها يَخدُمانِ في دائِرَةٍ بِاللُّغَةِ الصِّرْبِيَّة في أُورُوبَّا. فيَبْدو أنَّ صَلَواتِ أبي مُنذُ سَنَواتٍ طَويلَة استُجيبَت فِعلًا!
إنَّ دَرسي لِلكِتابِ المُقَدَّسِ يَمنَحُني السَّلامَ وراحَةَ البال. وفي الأوْقاتِ الصَّعبَة، تَعَلَّمتُ أن أُصَلِّيَ «بِحَرارَةٍ أكثَرَ» كما فَعَلَ يَسُوع. (لو ٢٢:٤٤) وإحْدى الطُّرُقِ الَّتي يَستَجيبُ بها يَهْوَه صَلَواتي هي مِن خِلالِ مَحَبَّةِ ولُطفِ الإخوَةِ في جَماعَتي في نَادِيجْدَا بِصُوفِيَا. فهُم يَدْعونَني لِأقْضِيَ الوَقتَ معهُم وغالِبًا ما يُعَبِّرونَ لي عن تَقديرِهِم، وهذا يُحَسِّسُني بِفَرَحٍ كَبير.
في أحيانٍ كَثيرَة، أتَأمَّلُ في وَعْدِ اللّٰهِ بِالقِيامَة. فأتَخَيَّلُ أنِّي أرى والِدَيَّ أمامَ بَيتِنا وهُما يَبْدُوانِ جَميلَيْنِ جِدًّا، كما كانا يَومَ زَواجِهِما. وأرى أيضًا أُختي تُحَضِّرُ الطَّعام، وأتَخَيَّلُ هَايِنْتْس يَقِفُ قُربَ حِصانِه. هذِهِ الصُّوَرُ تُبعِدُ عن عَقلي الأفكارَ السَّلبِيَّة وتَملَأُ قَلبي بِالشُّكرِ لِيَهْوَه.
حينَ أُفَكِّرُ في حَياتي وأتَطَلَّعُ إلى المُستَقبَل، أُوافِقُ تَمامًا على كَلِماتِ دَاوُد في المَزْمُور ٢٧:١٣، ١٤: «أينَ أكونُ لَو لم أُؤْمِنْ أنِّي سأرى صَلاحَ يَهْوَه وأنا حَيّ؟ ضَعْ أمَلَكَ في يَهْوَه. كُنْ شُجاعًا وقَوِّ قَلبَك. نَعَم، ضَعْ أمَلَكَ في يَهْوَه».
a أُنظُرْ قِصَّةَ حَياةِ تَتْيَانَا فِيلِيسْكَا في عَدَد ٢٢ كَانُون الأوَّل (دِيسَمْبِر) ٢٠٠٠ مِن إستَيقِظ!، الصَّفَحات ٢٠-٢٤.