قصة حياة
حَياةٌ مَليئَة بِالدُّروسِ مِن مُعَلِّمِنا العَظيم
حَواجِزُ تَفتيشٍ مُسَلَّحَة، أعاصير، حُروبٌ أهلِيَّة، وهَرَبٌ مِن بَلَدٍ إلى آخَر. هذِه بَعضُ المَخاطِرِ الَّتي واجَهناها أنا وزَوجَتي خِلالَ خِدمَتِنا كفاتِحَيْنِ ومُرسَلَيْن. مع ذلِك، لا نُبدِلُ حَياتَنا هذِه بِأيِّ شَيءٍ آخَر! ففي كُلِّ ما عِشناه، شَعَرنا بِدَعمِ يَهْوَه وبَرَكَتِه. وهو كانَ مُعَلِّمَنا العَظيمَ الَّذي أعْطانا دُروسًا مُهِمَّة. — أي ٣٦:٢٢؛ إش ٣٠:٢٠.
مِثالُ والِدَيَّ
سَنَةَ ١٩٥٧، هاجَرَ والِدايَ مِن إيطَالْيَا إلى بَلدَةِ كِينْدِرْسْلِي في سَاسْكَاتْشِيوَان بِكَنَدَا. وبَعدَ وَقتٍ قَصير، تَعَلَّما الحَقَّ وجَعَلاهُ كُلَّ حَياتِنا. أتَذَكَّرُ أنِّي في صِغَري، قَضَيتُ أيَّامًا طَويلَة في الخِدمَةِ مع عائِلَتي، لِدَرَجَةِ أنِّي أقولُ الآنَ على سَبيلِ المَزحِ إنِّي «خَدَمتُ كفاتِحٍ إضافِيٍّ» بِعُمرِ ثَماني سَنَوات!
مع عائلتي، حوالي سنة ١٩٦٦
كانَ والِدايَ فَقيرَيْن. مع ذلِك، رَسَما مِثالًا رائِعًا في التَّضحِيَةِ مِن أجْلِ يَهْوَه. مَثَلًا سَنَةَ ١٩٦٣، باعا الكَثيرَ مِن أغراضِهِما لِحُضورِ اجتِماعٍ أُمَمِيٍّ في مَدينَةِ بَاسَادِينَا بِوِلايَةِ كَالِيفُورْنْيَا الأمِيرْكِيَّة. وسَنَةَ ١٩٧٢، أرادَ والِدايَ أن يُساعِدا في الحَقلِ الإيطَالِيّ. فانتَقَلنا إلى مَدينَةِ تْرَايْل في كُولُومْبِيَا البَرِيطَانِيَّة بِكَنَدَا، الَّتي تَبعُدُ عن بَلدَتِنا ١٬٠٠٠ كيلومِترٍ تَقريبًا. وهُناك عَمِلَ أبي في التَّنظيف، ورَفَضَ عِدَّةَ تَرقِياتٍ لِيُرَكِّزَ على الرُّوحِيَّات.
أشكُرُ يَهْوَه على المِثالِ الرَّائِعِ الَّذي رَسَمَهُ والِدايَ لي ولِإخوَتي الثَّلاثَة. فقد كانَ أساسًا قَوِيًّا لِتَدريبي الثِّيوقراطِيِّ اللَّاحِق. كما أنَّ والِدَيَّ عَلَّماني دَرسًا رافَقَني مَدى الحَياة: إذا وَضَعتُ مَملَكَةَ يَهْوَه أوَّلًا، فهو سيَهتَمُّ بي. — مت ٦:٣٣.
حينَ ذُقنا لِأوَّلِ مَرَّةٍ طَعمَ الخِدمَةِ كامِلَ الوَقت
سَنَةَ ١٩٨٠، تَزَوَّجتُ أُختًا جَميلَة اسْمُها دِبِي، وكانَ لَدَيها أهدافٌ روحِيَّة واضِحَة. فقَرَّرنا أن نَشتَرِكَ في الخِدمَةِ كامِلَ الوَقت. لِذلِك بَدَأَت دِبِي تَخدُمُ كفاتِحَةٍ بَعدَ ثَلاثَةِ أشهُرٍ مِن زَواجِنا. وبَعدَ سَنَةٍ مِن زَواجِنا، انتَقَلنا إلى جَماعَةٍ صَغيرَة حَيثُ هُناك حاجَة، وبَدَأتُ أنا أيضًا أخدُمُ كفاتِح.
يوم زفافنا، سنة ١٩٨٠
بَعدَ فَترَة، شَعَرنا بِالإحباطِ وقَرَّرنا أن نَترُكَ المِنطَقَة. ولكنْ قَبلَ ذلِك، تَكَلَّمنا مع ناظِرِ الدَّائِرَة. قالَ لنا بِمَحَبَّةٍ ولكنْ بِصَراحَة: «أنتُما تُصَعِّبانِ المُشكِلَةَ على نَفْسِكُما لِأنَّكُما تُرَكِّزانِ على الجَوانِبِ السَّلبِيَّة لِوَضعِكُما. حاوِلا أن تُفَتِّشا عنِ الإيجابِيَّات، وسَتَجِدانِها بِالتَّأكيد». هذِه بِالضَّبطِ هيَ النَّصيحَةُ الَّتي احتَجنا إلَيها. (مز ١٤١:٥) فطَبَّقناها فَوْرًا. وبَعدَ وَقتٍ قَصير، لاحَظْنا أنَّ هُناك بِالفِعلِ الكَثيرَ مِنَ الإيجابِيَّاتِ في الجَماعَة. فعَدَدٌ كَبيرٌ مِنَ الإخوَةِ والأخَواتِ أرادوا أن يَزيدوا خِدمَتَهُم لِيَهْوَه، ومِن بَينِهِم بَعضُ الصِّغارِ في العُمرِ وآخَرونَ رِفاقُ زَواجِهِم لَيسوا في الحَقّ. كانَ هذا دَرسًا قَوِيًّا لنا. لقد تَعَلَّمنا أن نُفَتِّشَ عنِ الأشياءِ الجَيِّدَة ونَنتَظِرَ يَهْوَه أن يُصلِحَ الأوْضاعَ الَّتي قد تَبْدو مُزعِجَة. (مي ٧:٧) وهكَذا استَعَدنا فَرَحَنا. ومعَ الوَقت، تَحَسَّنَتِ الأُمور.
في أوَّلِ مَدرَسَةِ فَتحٍ حَضَرناها، كانَ المُدَرِّسونَ قد خَدَموا في تَعييناتٍ خارِجَ بَلَدِهِم. وفيما أرَوْنا صُوَرًا مُنزَلِقَة وأخبَرونا عنِ التَّحَدِّياتِ والبَرَكاتِ الَّتي عاشوها، زَرَعوا فينا الرَّغبَةَ أن نَخدُمَ كمُرسَلَيْن. فقَرَّرنا أن نَضَعَ هذِهِ الخِدمَةَ هَدَفًا لنا.
أمام قاعة ملكوت في كولومبيا البريطانية، سنة ١٩٨٣
وكَي نَصِلَ إلى هَدَفِنا، انتَقَلنا سَنَةَ ١٩٨٤ إلى كِيبَك الَّتي تَبعُدُ أكثَرَ مِن ٤٬٠٠٠ كيلومِترٍ عن كُولُومْبِيَا البَرِيطَانِيَّة. النَّاسُ هُناك يَتَكَلَّمونَ الفَرَنْسِيَّة، وهذا عَنى أنَّ علَينا أن نَتَأقلَمَ مع حَضارَةٍ مُختَلِفَة ونَتَعَلَّمَ لُغَةً جَديدَة. تَحَدٍّ آخَرُ واجَهناهُ هو أنَّنا في أغلَبِ الأحيانِ لم نَكُنْ نَملِكُ ما يَكْفي مِنَ المال. وفي بَعضِ الأوْقات، عِشنا على البَطاطا الَّتي كُنَّا نَجمَعُها مِن حَقلِ أحَدِ المُزارِعين. فصارَت دِبِي بارِعَةً في ابتِكارِ أطباقٍ مِنَ البَطاطا! ولكنْ رَغمَ التَّحَدِّيات، عَمِلْنا كُلَّ جُهدِنا لِنُحافِظَ على فَرَحِنا. ورَأينا كَيفَ اهتَمَّ يَهْوَه بنا يَومًا بَعدَ يَوم. — مز ٦٤:١٠.
في أحَدِ الأيَّام، تَلَقَّينا اتِّصالًا هاتِفِيًّا لم نَتَوَقَّعْه. فقد دُعينا لِنَخدُمَ في بَيْت إيل بِكَنَدَا. وقَبلَ ذلِك، كُنَّا قد قَدَّمْنا طَلَبًا لِنَحضُرَ مَدرَسَةَ جِلْعَاد. لِذلِك كانَت مَشاعِرُنا مُتَضارِبَة. لكنَّنا قَبِلْنا الدَّعوَة. وعِندَما وَصَلنا، طَرَحنا هذا السُّؤالَ على الأخ كِينِيث لِيتِل، عُضوٍ في لَجنَةِ الفَرع: «وماذا عن جِلْعَاد؟». أجابَنا: «سنَتَكَلَّمُ عنِ المَوْضوعِ في وَقتِه».
وبَعدَ أُسبوعٍ فَقَط، أتى هذا الوَقتُ لِأنَّنا دُعينا إلى جِلْعَاد. فكانَ علَينا أن نَأخُذَ قَرارًا. قالَ لنا الأخ لِيتِل: «مَهْما كانَ قَرارُكُما، ففي بَعضِ الأيَّامِ قد تَتَمَنَّيانِ لَو أخَذتُما القَرارَ الآخَر. لَيسَ هُناك واحِدٌ أفضَلُ مِنَ الآخَر؛ فيَهْوَه يُمكِنُ أن يُبارِكَكُما في الحالَتَيْن». فقَبِلْنا الدَّعوَةَ إلى جِلْعَاد. وعلى مَرِّ السِّنين، رَأينا أنَّ نَصيحَةَ الأخ لِيتِل كانَت في مَحَلِّها. وغالِبًا ما اقتَبَسنا كَلِماتِهِ ونَحنُ نَتَكَلَّمُ مع أشخاصٍ علَيهِم أن يَختاروا بَينَ تَعيينَيْن.
حَياتُنا كمُرسَلَيْن
(إلى اليمين) يوليسيز غلاس
(إلى الشمال) جاك ردفورد
فَرِحنا كَثيرًا بِأن نَكونَ بَينَ التَّلاميذِ الـ ٢٤ في الصَّفِّ الـ ٨٣ لِمَدرَسَةِ جِلْعَاد. وقد عُقِدَ هذا الصَّفُّ في بْرُوكْلِين بِنْيُويُورْك في نَيْسَان (أبْرِيل) ١٩٨٧. وكانَ المُدَرِّسانِ الرَّئيسِيَّانِ الأخَوَيْن يُولِيسِيز غْلَاس وجَاك رِدْفُورْد. مَرَّتِ الأشهُرُ الخَمسَة بِسُرعَةِ البَرقِ وتَخَرَّجنا في ٦ أيْلُول (سِبْتَمْبِر) ١٩٨٧. وقد تَعَيَّنَّا في هَايِتِي مع جُون ومَارِي غُود.
في هايتي، سنة ١٩٨٨
لم يَكُنْ قد أُرسِلَ إلى هَايِتِي مُرسَلونَ مِن جِلْعَاد مُنذُ سَنَةِ ١٩٦٢، السَّنَةِ الَّتي طُرِدَ فيها آخِرُ مُرسَلٍ مِنَ البَلَد. وبَعدَ ثَلاثَةِ أسابيعَ مِنَ التَّخَرُّج، وَجَدنا أنفُسَنا نَخدُمُ في هَايِتِي مع جَماعَةٍ صَغيرَة مِن ٣٥ ناشِرًا في مِنطَقَةٍ جَبَلِيَّة نائِيَة. كُنَّا صَغيرَيْنِ وبِلا خِبرَة، وسَكَنَّا أنا ودِبِي وَحْدَنا في بَيتِ المُرسَلين. النَّاسُ هُناك كانوا فُقَراء، ومُعظَمُهُم لا يَعرِفونَ القِراءَة. وخِلالَ تِلكَ الأيَّامِ الأُولى مِن خِدمَتِنا، كانَ هُناك في المَناطِقِ الَّتي عِشنا فيها اضطِراباتٌ مَدَنِيَّة، انقِلابات، وأعاصيرُ أيضًا.
تَعَلَّمنا الكَثيرَ مِنَ الإخوَةِ والأخَواتِ في هَايِتِي الَّذينَ احتَمَلوا بِفَرَح. كَثيرونَ مِنهُم عاشوا حَياةً صَعبَة، لكنَّهُم أحَبُّوا يَهْوَه والخِدمَة. مَثَلًا، إحْدى الأخَواتِ المُسِنَّاتِ لم تَكُنْ تَعرِفُ القِراءَة. مع ذلِك، حَفِظَت حَوالَيْ ١٥٠ آيَة! وقد قَوَّتِ التَّحَدِّياتُ اليَومِيَّة اقتِناعَنا بِأن نَظَلَّ نُبَشِّرُ عن مَملَكَةِ اللّٰهِ لِأنَّها الحَلُّ الوَحيدُ لِمَشاكِلِ البَشَر. وكم فَرِحنا حينَ رَأينا بَعضَ الَّذينَ دَرَسنا معهُم في أوَّلِ خِدمَتِنا يَخدُمونَ كفاتِحينَ عادِيِّين، فاتِحينَ خُصوصِيِّين، وشُيوخ!
حينَ كُنَّا في هَايِتِي، الْتَقَيتُ شابًّا اسْمُهُ تْرِيفُور كانَ مُرسَلًا لِلكَنيسَةِ المُورْمُونِيَّة. وسَمَحَت لنا الفُرصَةُ أحيانًا أن نُناقِشَ معًا مَواضيعَ مِنَ الكِتابِ المُقَدَّس. وبَعدَ سَنَوات، تَلَقَّيتُ مِنهُ رِسالَةً فاجَأَتني وفَرَّحَتني. فهو كَتَبَ لي: «سأعتَمِدُ في الاجتِماعِ الدَّائِرِيِّ القادِم! أُريدُ أن أعودَ إلى هَايِتِي وأخدُمَ كفاتِحٍ خُصوصِيٍّ في نَفْسِ المِنطَقَةِ الَّتي كُنتُ فيها مُرسَلًا لِلمُورْمُون». وهذا ما فَعَلَهُ هو وزَوجَتُه، وبَقِيا سَنَواتٍ طَويلَة يَخدُمانِ هُناك.
أُورُوبَّا ثُمَّ إفْرِيقْيَا
حين كنت أخدم في سلوفينيا، سنة ١٩٩٤
تَعَيَّنَّا لِنَخدُمَ في جُزْءٍ مِن أُورُوبَّا حَيثُ كانَ حَقلُ الخِدمَةِ يَنفَتِحُ تَدريجِيًّا. وسَنَةَ ١٩٩٢، وَصَلنا إلى لْيُوبْلِييَانَا عاصِمَةِ سْلُوفِينْيَا، وهي قَريبَةٌ مِنَ المِنطَقَةِ الَّتي تَرَبَّى فيها والِدايَ قَبلَ أن يَنتَقِلا إلى إيطَالْيَا. كانَتِ الحَربُ لا تَزالُ مُشتَعِلَةً في مَناطِقَ مِن يُوغُوسْلَافْيَا السَّابِقَة. وكانَ الإخوَةُ في فَرعِ فْيِينَّا بِالنَّمْسَا، وكَذلِك في المَكتَبَيْنِ في بِلْغْرَاد بِصِرْبِيَا وزَغْرِب بِكِرْوَاتِيَا، يُشرِفونَ على العَمَلِ في المِنطَقَة. ولكنِ الآنَ لَزِمَ أن يَكونَ لَدى كُلِّ جُمهورِيَّةٍ مُستَقِلَّة بَيْت إيل خاصٌّ بها.
عَنى ذلِك أن نَتَعَوَّدَ مِن جَديدٍ على حَضارَةٍ مُختَلِفَة ولُغَةٍ جَديدَة. كانَ أهلُ البَلَدِ يَقولون: «يِزِيك يِه تِزِيك»، ما يَعْني «اللُّغَةُ صَعبَة». وفِعلًا كانَتِ اللُّغَةُ صَعبَة! وقد تَأثَّرنا بِوَلاءِ الإخوَةِ والأخَواتِ الَّذينَ كانوا مُستَعِدِّينَ أن يَقبَلوا التَّعديلاتِ التَّنظيمِيَّة، ورَأينا كَيفَ بارَكَهُم يَهْوَه. ومَرَّةً أُخْرى، لَمَسْنا كَيفَ يُصَحِّحُ الأُمورَ دائِمًا بِمَحَبَّةٍ وفي الوَقتِ المُناسِب. وقد رَسَّخَتِ السَّنَواتُ الَّتي قَضَيناها في سْلُوفِينْيَا اقتِناعَنا بِالدُّروسِ الكَثيرَة الَّتي تَعَلَّمناها مِن قَبل، كما أنَّها عَلَّمَتنا دُروسًا جَديدَة.
ولكنْ كانَ بِانتِظارِنا المَزيدُ مِنَ التَّغييرات. ففي سَنَةِ ٢٠٠٠، تَعَيَّنَّا في سَاحِلِ العَاج بِإفْرِيقْيَا الغَربِيَّة. وفي تِشْرِين الثَّاني (نُوفَمْبِر) ٢٠٠٢، اضطُرِرنا بِسَبَبِ الحَربِ الأهلِيَّة أن نَهرُبَ إلى سِيرَالْيُون، الَّتي كانَت قد عانَت مِنَ الحَربِ الأهلِيَّة طَوالَ ١١ سَنَة. إستَصعَبنا أن نَترُكَ سَاحِلَ العَاج فَجْأةً. لكنَّ الدُّروسَ الَّتي كُنَّا قد تَعَلَّمناها ساعَدَتنا أن نَظَلَّ فَرِحين.
رَكَّزنا على المُقاطَعَةِ المُثمِرَة وعلى الإخوَةِ المُحِبِّينَ الَّذينَ احتَمَلوا سَنَواتٍ مِنَ الحَرب. ورَغمَ فَقرِهِم، أرادوا أن يُعْطوا بِكَرَمٍ مِمَّا عِندَهُم. مَثَلًا، عَرَضَت أُختٌ على دِبِي بَعضَ الثِّياب. وحينَ تَرَدَّدَت دِبِي في قُبولِها، أصَرَّتِ الأُختُ قائِلَة: «خِلالَ الحَرب، الإخوَةُ في بُلدانٍ أُخْرى دَعَمونا كَثيرًا. والآنَ جاءَ دَورُنا». لقد تَأثَّرنا بِما قالَتهُ ووَضَعنا هَدَفًا أن نَتَمَثَّلَ بالإخوَةِ في سِيرَالْيُون.
عُدنا أخيرًا إلى سَاحِلِ العَاج. لكنَّ الوَضعَ الأمنِيَّ المُتَوَتِّرَ انفَجَرَ مِن جَديد. لِذلِك في تِشْرِين الثَّاني (نُوفَمْبِر) ٢٠٠٤، هَرَبنا مِنَ البَلَدِ في طائِرَةٍ مِروَحِيَّة ومعنا حَقيبَتانِ فَقَط وَزنُ الواحِدَةِ مِنهُما ١٠ كيلوغرامات. نِمنا تِلكَ اللَّيلَةَ على الأرضِ في قاعِدَةٍ عَسكَرِيَّة فَرَنْسِيَّة. وفي اليَومِ التَّالي، رَكِبنا الطَّائِرَةَ إلى سُوِيسِرَا. حينَ وَصَلنا إلى الفَرعِ نَحوَ نِصفِ اللَّيل، كانَت بِانتِظارِنا لَجنَةُ الفَرعِ والمُدَرِّسونَ في مَدرَسَةِ تَدريبِ الخُدَّامِ وزَوجاتُهُم. إستَقبَلونا بِمُعانَقاتٍ حارَّة، طَعامٍ لَذيذ، والكَثيرِ مِنَ الشُّوكولاتَةِ السُّوِيسِرِيَّة. وهذا حَسَّسَنا بِمَحَبَّتِهِمِ الصَّادِقَة.
فيما أقدِّم خطابًا للاجئين في ساحل العاج، سنة ٢٠٠٥
تَعَيَّنَّا وَقتِيًّا في غَانَا. وعِندَما هَدَأَ الوَضعُ الأمنيّ، عُدنا إلى سَاحِلِ العَاج. وبِفَضلِ لُطفِ عائِلَتِنا الرُّوحِيَّة، تَحَمَّلْنا الهَرَبَ مِن بَلَدٍ إلى آخَرَ والتَّغييرَ المُستَمِرَّ في تَعييناتِنا. صَحيحٌ أنَّ هذِهِ المَحَبَّةَ الأخَوِيَّة هي أمرٌ مُتَوَقَّعٌ في هَيئَةِ يَهْوَه، لكنَّنا صَمَّمنا أن لا نَعتَبِرَها أبَدًا شَيئًا عادِيًّا. وفي الواقِع، تَبَيَّنَ لنا أنَّهُ حتَّى تِلكَ الأوْقاتُ المَليئَة بِالاضطِراباتِ كانَت جُزْءًا مُهِمًّا مِن تَدريبِنا.
إلى الشَّرقِ الأوْسَط
في الشرق الأوسط، سنة ٢٠٠٧
سَنَةَ ٢٠٠٦، وَصَلَتنا رِسالَةٌ مِنَ المَركَزِ الرَّئيسِيِّ العالَمِيِّ تُخبِرُنا أنَّنا تَعَيَّنَّا في الشَّرقِ الأوْسَط. وهذا عَنى مُغامَرات، تَحَدِّيات، لُغات، وحَضاراتٍ كُلُّها جَديدَة. وكُنَّا سنَتَعَلَّمُ دُروسًا كَثيرَة في هذِهِ المِنطَقَةِ الَّتي تُعاني مِنَ المَشاكِلِ لِأسبابٍ سِياسِيَّة ودينِيَّة. وقد أحبَبنا كَثيرًا التَّنَوُّعَ في اللُّغاتِ ضِمنَ الجَماعات، ورَأينا الوَحدَةَ الَّتي تَأتي مِنِ اتِّباعِ التَّوجيهاتِ الثِّيوقراطِيَّة. وأُعجِبنا بِالإخوَةِ لِأنَّ مُعظَمَهُمُ احتَمَلوا بِشَجاعَةٍ المُقاوَمَةَ مِن عائِلَتِهِم، جيرانِهِم، ورِفاقِهِم في المَدرَسَةِ والعَمَل.
حَضَرنا سَنَةَ ٢٠١٢ اجتِماعًا سَنَوِيًّا خُصوصِيًّا في تَلّ أَبِيب. وهذِه كانَت أوَّلَ مَرَّةٍ يَجتَمِعُ فيها شَعبُ يَهْوَه في هذِهِ المِنطَقَةِ بِهذا العَدَدِ الكَبيرِ مُنذُ يَومِ الخَمسينَ سَنَةَ ٣٣ بم. لن نَنْسى أبَدًا هذِهِ المُناسَبَة!
خِلالَ تِلكَ السَّنَوات، أُرسِلنا لِنَزورَ بَلَدًا عَمَلُنا فيهِ مُقَيَّد. وأخَذْنا معنا بَعضَ المَطبوعات، اشتَرَكنا في خِدمَةِ الحَقل، وحَضَرنا اجتِماعاتٍ دائِرِيَّة صَغيرَة. كانَتِ الميليشياتُ وحَواجِزُ التَّفتيشِ مُنتَشِرَةً في كُلِّ مَكان، لكنَّنا أحسَسنا بِالأمانِ فيما كُنَّا نَتَنَقَّلُ بِحَذَرٍ مع بَعضِ النَّاشِرينَ في البَلَد.
العَودَةُ إلى إفْرِيقْيَا
فيما أحضِّر خطابًا في الكونغو، سنة ٢٠١٤
سَنَةَ ٢٠١٣، حَصَلنا على تَعيينٍ مُختَلِفٍ جِدًّا: أن نَخدُمَ في فَرعِ كِينْشَاسَا بِالكُونْغُو. هذا البَلَدُ كَبيرٌ جِدًّا وطَبيعَتُهُ جَميلَة، لكنَّه يُعاني مِنَ الفَقرِ الشَّديدِ والكَثيرِ مِنَ النِّزاعاتِ المُسَلَّحَة. في البِدايَة، قُلنا لِأنفُسِنا: «نَحنُ نَعرِفُ إفْرِيقْيَا جَيِّدًا، نَحنُ جاهِزان». ولكنْ كانَ علَينا أن نَتَعَلَّمَ الكَثيرَ بَعد، وخاصَّةً عنِ التَّنَقُّلِ في بَلَدٍ حَيثُ الطُّرُقاتُ الجَيِّدَة قَليلَةٌ جِدًّا. مع ذلِك، وَجَدنا الكَثيرَ مِنَ الأشياءِ الإيجابِيَّة لِنُرَكِّزَ علَيها. ومِن بَينِها مَحَبَّةُ الإخوَةِ لِلخِدمَة، مُثابَرَتُهُم وفَرَحُهُم رَغمَ الضِّيقَةِ الاقتِصادِيَّة، وجُهودُهُم لِيَحضُروا الاجتِماعاتِ الأُسبوعِيَّة والدَّائِرِيَّة. وقد رَأينا بِعُيونِنا كَيفَ تَقَدَّمَ عَمَلُ مَملَكَةِ يَهْوَه، وذلِك فَقَط بِدَعمِهِ وبَرَكَتِه. حَقًّا، سَنَواتُ خِدمَتِنا كامِلَ الوَقتِ في الكُونْغُو تَرَكَت أثَرًا لا يُمْحى مِن ذاكِرَتِنا وأغْنَت حَياتَنا بِالصَّداقات.
خلال عمل التبشير في جنوب إفريقيا، سنة ٢٠٢٣
في آخِرِ سَنَةِ ٢٠١٧، وَصَلنا إلى تَعيينٍ آخَر: جَنوبِ إفْرِيقْيَا. وهذا أكبَرُ فَرعٍ خَدَمْنا فيه. حتَّى تَعييناتُنا كانَت جَديدَةً علَينا. ومَرَّةً أُخْرى، كانَ علَينا أن نَتَعَلَّمَ الكَثير. لكنَّ الدُّروسَ السَّابِقَة وَجَّهَتنا في خِدمَتِنا هُنا. ونَحنُ نُحِبُّ مِن كُلِّ قَلبِنا هؤُلاءِ الإخوَةَ والأخَواتِ الَّذينَ يَحتَمِلونَ كَثيرًا مُنذُ عَشَراتِ السِّنين. ولا نَقدِرُ إلَّا أن نَندَهِشَ حينَ نَرى عائِلَةَ بَيْت إيل هُنا تَعمَلُ معًا بِوَحدَةٍ رَغمَ التَّنَوُّعِ الكَبيرِ في العُروقِ والحَضارات! واضِحٌ جِدًّا أنَّ يَهْوَه يُبارِكُ شَعبَهُ بِالسَّلامِ لِأنَّهُم يَلبَسونَ الشَّخصِيَّةَ الجَديدَة ويُطَبِّقونَ مَبادِئَ الكِتابِ المُقَدَّس.
على مَرِّ السِّنين، حَصَلنا أنا ودِبِي على تَعييناتٍ مُفرِحَة، تَعَوَّدنا على حَضاراتٍ مُختَلِفَة، وتَعَلَّمنا لُغاتٍ جَديدَة. صَحيحٌ أنَّ ذلِك لم يَكُنْ سَهلًا، لكنَّنا شَعَرنا دائِمًا بِمَحَبَّةِ يَهْوَه الثَّابِتَة مِن خِلالِ هَيئَتِهِ والإخوَة. (مز ١٤٤:٢) ولَدَينا ثِقَةٌ تامَّة بِأنَّ تَدريبَنا في الخِدمَةِ عَمِلَ مِنَّا خُدَّامًا أفضَلَ لِإلهِنا يَهْوَه.
أُقَدِّرُ كَثيرًا الطَّريقَةَ الَّتي رَبَّاني بها والِداي، دَعمَ زَوجَتي العَزيزَة، والأمثِلَةَ الرَّائِعَة في عائِلَتِنا الرُّوحِيَّة حَولَ العالَم. ونحنُ مُصَمِّمانِ أن نَظَلَّ طَوالَ حَياتِنا نَتَعَلَّمُ مِن وعن مُعَلِّمِنا العَظيم.