قصة حياة
«الحَربُ هي لِيَهْوَه»
في يَومٍ شَتَوِيٍّ بارِدٍ مِن أيَّامِ كَانُون الثَّاني (يَنَايِر) ٢٠١٠، وبِالتَّحديدِ في الـ ٢٨ مِن ذلِكَ الشَّهر، وَجَدتُ نَفْسي في مَدينَةِ سْتْرَاسْبُورْغ الفَرَنْسِيَّة الجَميلَة. لكنِّي لم أكُنْ هُناك لِأتَفَرَّجَ على المَعالِمِ السِّياحِيَّة، بل لِأقومَ بِتَعييني ضِمنَ فَريقٍ قانونِيٍّ يُدافِعُ عن حُقوقِ شُهودِ يَهْوَه أمامَ المَحكَمَةِ الأُورُوبِّيَّة لِحُقوقِ الإنسان. وكانَتِ القَضِيَّةُ المَطروحَة هل يَحِقُّ لِحُكومَةِ فَرَنْسَا أن تُطالِبَ إخوَتَنا هُناك بِدَفعِ ضَريبَةٍ خَيالِيَّة قيمَتُها ٦٤ مَليونَ يورو تَقريبًا (٨٩٬٠٠٠٬٠٠٠ دولارٍ أمِيرْكِيّ). والأهَمُّ هو أنَّ اسْمَ يَهْوَه، صيتَ شَعبِه، وحُرِّيَّتَهُم في العِبادَةِ كانَت كُلُّها مُرتَبِطَةً بِالقَضِيَّة. وما حَصَلَ في جَلسَةِ الاستِماعِ أكَّدَ لنا أنَّ «الحَربَ هي لِيَهْوَه». (١ صم ١٧:٤٧) دَعوني أُخبِرُكُمُ التَّفاصيل.
بَدَأَ النِّزاعُ القانونِيُّ في أواخِرِ التِّسعيناتِ حينَ فَرَضَتِ الحُكومَةُ الفَرَنْسِيَّة ضَريبَةً غَيرَ مُبَرَّرَة على التَّبَرُّعاتِ الَّتي تَلَقَّاها فَرعُ فَرَنْسَا بَينَ ١٩٩٣ و ١٩٩٦. رَفَعْنا القَضِيَّةَ إلى المَحاكِمِ الفَرَنْسِيَّة، بِما فيها مَحكَمَةُ الاستِئنافَ، لكنَّنا لم نَصِلْ إلى نَتيجَة. فصادَرَتِ الحُكومَةُ أكثَرَ مِن أربَعَةِ مَلايينِ يورو ونِصفٍ (٦٬٣٠٠٬٠٠٠ دولارٍ أمِيرْكِيّ) مِن حِسابِ الفَرعِ في المَصرِف. ولم يَعُدْ أمامَنا إلَّا أمَلٌ واحِدٌ هوَ المَحكَمَةُ الأُورُوبِّيَّة لِحُقوقِ الإنسان. ولكنْ قَبلَ أن تَبُتَّ المَحكَمَةُ في النِّزاع، طَلَبَت أن نَحضُرَ نَحنُ والفَريقُ القانونِيُّ التَّابِعُ لِلحُكومَةِ جَلسَةَ تَسوِيَةٍ تَسبِقُ المُحاكَمَةَ أمامَ أمينَةِ سِجِلِّ المَحكَمَة، وهي واحِدَةٌ مِنَ المَسؤولينَ عنِ النَّشاطاتِ الإدارِيَّة والقَضائِيَّة لِلمَحكَمَة.
تَوَقَّعنا أن تَضغَطَ علَينا أمينَةُ سِجِلِّ المَحكَمَةِ لِنَحُلَّ المَسألَةَ ونَدفَعَ جُزْءًا مِنَ المَبلَغِ المَطلوب. لكنَّنا كُنَّا نَعرِفُ جَيِّدًا أنَّنا إذا دَفَعنا ولَو يورو واحِدًا، نَكونُ نُخالِفُ مَبادِئَ الكِتابِ المُقَدَّس. فالإخوَةُ والأخَواتُ تَبَرَّعوا لِيَدعَموا عَمَلَ مَملَكَةِ اللّٰه، لِذلِك فإنَّ تَبَرُّعاتِهِم لَيسَت مِلْكًا لِلحُكومَة. (مت ٢٢:٢١) مع ذلِك، حَضَرنا الجَلسَةَ احتِرامًا لِبْروتوكولِ المَحكَمَة.
فريقنا القانوني أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، سنة ٢٠١٠
عُقِدَتِ الجَلسَةُ في إحْدى القاعاتِ الفَخمَة في المَحكَمَة. وكَما تَوَقَّعنا، لم تَكُنْ بِدايَتُها مُوَفَّقَة. ففي التَّعليقاتِ الأُولى لِأمينَةِ سِجِلِّ المَحكَمَة، قالَت لنا إنَّها تَتَوَقَّعُ مِن شُهودِ يَهْوَه في فَرَنْسَا أن يَدفَعوا ولَو جُزْءًا مِنَ الضَّريبَةِ المَطلوبَة. فشَعَرنا فَجْأةً أنَّ شَيئًا ما يَدفَعُنا أن نَسألَها: «هل حَضرَتُكِ على عِلمٍ بِأنَّ الحُكومَةَ سَبَقَ أن صادَرَت أكثَرَ مِن أربَعَةِ مَلايينِ يورو ونِصفٍ مِن حِسابِنا في المَصرِف؟».
فبَدَت على وَجهِها عَلاماتُ الصَّدمَة. وعِندَما تَأكَّدَت مِنَ الفَريقِ القانونِيِّ التَّابِعِ لِلحُكومَةِ أنَّهُم فَعَلوا ذلِك، تَغَيَّرَ مَوْقِفُها كُلِّيًّا. فهي وَبَّخَتهُم بِقُوَّةٍ على ما فَعَلوهُ وأنْهَتِ الجَلسَةَ فَوْرًا. فأدرَكتُ في تِلكَ اللَّحظَةِ أنَّ يَهْوَه قَلَبَ المَوازينَ وغَيَّرَ مَجْرى المُحاكَمَةِ بِطَريقَةٍ لم نَتَخَيَّلْها أبَدًا. خَرَجنا مِنَ الجَلسَةِ ونَحنُ نَطيرُ مِنَ الفَرَحِ ولا نُصَدِّقُ ما حَصَل.
في ٣٠ حَزِيرَان (يُونْيُو) ٢٠١١، أصدَرَتِ المَحكَمَةُ الأُورُوبِّيَّة لِحُقوقِ الإنسانِ قَرارًا بِالإجماعِ لِصالِحِنا. فهي ألْغَتِ الضَّريبَةَ وأمَرَتِ الحُكومَةَ بِأن تُعيدَ المالَ الَّذي صادَرَته، ومع فائِدَةٍ أيضًا! وهذا الحُكمُ التَّاريخِيُّ ما زالَ يَحْمي العِبادَةَ النَّقِيَّة في فَرَنْسَا حتَّى اليَوم. فذلِكَ السُّؤالُ الوَحيدُ الَّذي طَرَحناهُ بِعَفْوِيَّةٍ كانَ مِثلَ الحَجَرِ الَّذي انغَرَزَ في جَبهَةِ جُلْيَات وحَسَمَ المَعرَكَة. ولِماذا حَقَّقنا هذا الانتِصار؟ لِأنَّ «الحَربَ هي لِيَهْوَه»، كما قالَ دَاوُد لِجُلْيَات. — ١ صم ١٧:٤٥-٤٧.
لم يَكُنْ هذا هوَ الانتِصارَ الوَحيد. فحتَّى هذا التَّاريخ، ورَغمَ المُقاوَمَةِ الشَّديدَة مِن رِجالِ الدِّينِ والسِّياسَة، أصدَرَتِ المَحاكِمُ العُلْيا في ٧٠ بَلَدًا وعِدَّةُ مَحاكِمَ دُوَلِيَّة أُخْرى ١٬٢٢٥ قَرارًا لِصالِحِ شُهودِ يَهْوَه. وهذِهِ الانتِصاراتُ القانونِيَّة تَحْمي حُقوقَنا الأساسِيَّة، مِثلَ حَقِّنا أن يَكونَ لنا وَضعٌ شَرعِيٌّ بِصِفَتِنا دينًا رَسمِيًّا، نَقومَ بِعَمَلِ التَّبشيرِ عَلَنًا، نَرفُضَ الاشتِراكَ في الاحتِفالاتِ الوَطَنِيَّة، ونَرفُضَ نَقلَ الدَّم.
ولكنْ ما الَّذي أوْصَلَني إلى أُورُوبَّا لِأُشارِكَ في هذِهِ القَضِيَّةِ القانونِيَّة؟ فأنا كُنتُ أخدُمُ في المَركَزِ الرَّئيسِيِّ العالَمِيِّ لِشُهودِ يَهْوَه في نْيُويُورْك بِالوِلَايَاتِ المُتَّحِدَة الأمِيرْكِيَّة.
رَبيتُ على مَحَبَّةِ الخِدمَةِ الإرسالِيَّة
تَخَرَّجَ والِدايَ جُورْج ولُوسِيل مِنَ الصَّفِّ الـ ١٢ لِمَدرَسَةِ جِلْعَاد، وكانا يَخدُمانِ في إِثْيُوبْيَا عِندَما وُلِدتُ سَنَةَ ١٩٥٦. وقد سَمَّياني فِيلِيب على اسْمِ المُبَشِّرِ فِيلِبُّس في القَرنِ الأوَّل. (أع ٢١:٨) وفي السَّنَةِ التَّالِيَة، حَظَرَتِ الحُكومَةُ عَمَلَنا. ومع أنِّي كُنتُ صَغيرًا جِدًّا، أتَذَكَّرُ بِوُضوحٍ كَيفَ كانَت عائِلَتي تَعبُدُ يَهْوَه في السِّرّ. كانَ ذلِك مُشَوِّقًا جِدًّا بِالنِّسبَةِ إلى وَلَدٍ صَغير! ولكنْ معَ الأسَف، أجبَرَنا المَسؤولونَ أن نَترُكَ البَلَدَ سَنَةَ ١٩٦٠.
ناثان نور (في أقصى الشمال) يزور عائلتي في أديس أبابا بإثيوبيا، سنة ١٩٥٩
عِندَما انتَقَلَت عائِلَتُنا إلى وِيتْشِيتَا في وِلايَةِ كَانْسَاس الأمِيرْكِيَّة، أخَذَ والِدايَ معهُما شَيئًا غالِيًا على قَلبِهِما: مَحَبَّتَهُما لِلخِدمَةِ الإرسالِيَّة. وقد عاشا الحَقَّ وغَرَسا القِيَمَ الرُّوحِيَّة في قَلبِنا أنا وأُختي الكَبيرَة جُودِي وأخي الصَّغيرِ لِيسْلِي اللَّذَيْنِ وُلِدا هُما أيضًا في إِثْيُوبْيَا. فاعتَمَدتُ بِعُمرِ ١٣ سَنَة. وبَعدَ ثَلاثِ سَنَوات، انتَقَلَت عائِلَتُنا لِتَخدُمَ حَيثُ هُناك حاجَةٌ أكبَرُ في مَدينَةِ أرِيكِيبَا بِالبِيرُو.
وسَنَةَ ١٩٧٤ حينَ كانَ عُمري ١٨ سَنَةً فَقَط، عَيَّنَني فَرعُ البِيرُو أنا وأربَعَةَ إخوَةٍ آخَرينَ كفاتِحينَ خُصوصِيِّين. ولَزِمَ أن نُبَشِّرَ في مُقاطَعَةٍ غَيرِ مَخدومَة في أعالي جِبالِ الأَنَدِيز الوُسطى. وهذا عَنى أن نُبَشِّرَ السُّكَّانَ الأصلِيِّينَ الَّذينَ يَتَكَلَّمونَ الكِتْشُوَا والآيْمَارَا. كُنَّا نَعيشُ في بَيتٍ مُتَنَقِّلٍ سَمَّيناهُ «الفُلك» لِأنَّهُ يُشبِهُ الصُّندوق. وما زِلتُ أتَذَكَّرُ بِفَرَحٍ كَيفَ كُنَّا نَستَعمِلُ الكِتابَ المُقَدَّسَ لِنُظهِرَ لِلسُّكَّانِ الأصلِيِّينَ أنَّ يَهْوَه سيُزيلُ قَريبًا الفَقرَ والمَرَضَ والمَوت. (رؤ ٢١:٣، ٤) وقد قَبِلَ كَثيرونَ مِنهُم رِسالَةَ مَملَكَةِ اللّٰه.
«الفُلك»، سنة ١٩٧٤
إلى المَركَزِ الرَّئيسِيِّ العالَمِيّ
سَنَةَ ١٩٧٧، أتى إلى البِيرُو الأخ أَلْبِرْت شْرُودِر، الَّذي كانَ عُضوًا في الهَيئَةِ الحاكِمَة لِشُهودِ يَهْوَه. وقد شَجَّعَني أن أُقَدِّمَ طَلَبًا لِأخدُمَ في بَيْت إيل في المَركَزِ الرَّئيسِيِّ العالَمِيّ. وهذا ما فَعَلتُه. وبَعدَ وَقتٍ قَصير، في ١٧ حَزِيرَان (يُونْيُو) ١٩٧٧، بَدَأتُ أخدُمُ في بَيْت إيل بِبْرُوكْلِين. وخِلالَ السَّنَواتِ الأربَعِ التَّالِيَة، عَمِلتُ في قِسمَيِ التَّنظيفِ والصِّيانَة.
يوم زفافنا، سنة ١٩٧٩
وفي حَزِيرَان (يُونْيُو) ١٩٧٨، تَعَرَّفتُ على أُختٍ اسْمُها إِلِيزَابِيث أَفَالُون في اجتِماعٍ أُمَمِيٍّ في نْيُو أُورْلِيانِز بِوِلايَةِ لْوِيزِيَانَا. وهي أيضًا تَرَبَّت مِثلي في عائِلَةٍ عاشَتِ الحَقّ. وكانَت تَخدُمُ كفاتِحَةٍ عادِيَّة مُنذُ أربَعِ سَنَوات، وتَرغَبُ مِن كُلِّ قَلبِها أن تُكمِلَ حَياتَها في الخِدمَةِ كامِلَ الوَقت. فبَقينا على اتِّصال. ولم يَمْضِ وَقتٌ طَويلٌ حتَّى وَقَعنا في الغَرام. فتَزَوَّجنا في ٢٠ تِشْرِين الأوَّل (أُكْتُوبَر) ١٩٧٩ وبَدَأنا نَخدُمُ معًا في بَيْت إيل.
أوَّلُ جَماعَةٍ تَعَيَّنَّا فيها كانَت جَماعَةَ بْرُوكْلِين الإسْبَانِيَّة. وقد رَحَّبَ بنا الإخوَةُ والأخَواتُ هُناك وفَتَحوا لنا قَلبَهُم. وعلى مَرِّ السِّنين، استَقبَلَتنا ثَلاثُ جَماعاتٍ أُخْرى مَليئَة بِالمَحَبَّةِ ودَعَمَتنا خِلالَ خِدمَتِنا في بَيْت إيل. ونَحنُ نُقَدِّرُ كَثيرًا مُساعَدَتَهُم لنا، وكَذلِكَ اهتِمامَ أصدِقائِنا وأفرادِ عائِلَتِنا الَّذينَ ساعَدونا أن نَعتَنِيَ بِوالِدينا حينَ كَبِروا في العُمر.
خدام من بيت إيل كانوا معنا في جماعة بروكلين الإسبانية، سنة ١٩٨٦
حينَ بَدَأتُ أُشارِكُ في المَعارِكِ القانونِيَّة
تَفاجَأتُ كَثيرًا حينَ تَعَيَّنتُ في كَانُون الثَّاني (يَنَايِر) ١٩٨٢ في قِسمِ القَضايا القانونِيَّة في بَيْت إيل. وبَعدَ ثَلاثِ سَنَوات، طُلِبَ مِنِّي أن أذهَبَ إلى الجامِعَةِ لِأدرُسَ القانونَ وأصيرَ مُحامِيًا مُرَخَّصًا له. وكم تَفاجَأتُ وفَرِحتُ حينَ تَعَلَّمتُ خِلالَ دِراسَتي أنَّ الحُرِّيَّاتِ الأساسِيَّة الَّتي يَعتَبِرُها مُعظَمُ النَّاسِ شَيئًا عادِيًّا، سَواءٌ في الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَة أو حَولَ العالَم، دَعَمَتها الانتِصاراتُ القانونِيَّة الَّتي حَقَّقَها شُهودُ يَهْوَه! وهذِهِ القَضايا المُهِمَّة كانَت تُناقَشُ بِالتَّفصيلِ في الصَّفّ.
سَنَةَ ١٩٨٦ حينَ كانَ عُمري ٣٠ سَنَة، تَعَيَّنتُ ناظِرًا لِقِسمِ القَضايا القانونِيَّة. ولِأنِّي كُنتُ صَغيرًا ولم يَكُنْ لَدَيَّ فِكرَةٌ كامِلَة عن ما يَنتَظِرُني، شَعَرتُ أنِّي أمامَ امتِيازٍ أكبَرَ مِنِّي.
صِرتُ مُحامِيًا سَنَةَ ١٩٨٨، لكنِّي لم أنتَبِهْ كم سَمَحتُ لِهذا الإنجازِ أن يُؤْذِيَ روحِيَّاتي. فالتَّعليمُ العالي يُمكِنُ أن يُغَذِّيَ لَدَينا الرَّغبَةَ في البُروزِ ويَزرَعَ في عَقلِنا الفِكرَةَ أنَّ مَعرِفَتَنا المُتَخَصِّصَة تُرَفِّعُنا فَوقَ باقي النَّاس. لكنَّ إِلِيزَابِيث أنقَذَتني. فهي ساعَدَتني أن أعودَ إلى الرُّوتينِ الرُّوحِيِّ الَّذي كانَ لَدَيَّ قَبلَ أن أدخُلَ الجامِعَة. صَحيحٌ أنَّ ذلِك أخَذَ بَعضَ الوَقت، لكنِّي استَعَدتُ تَدريجِيًّا صِحَّتي الرُّوحِيَّة. وأشهَدُ مِن خِبرَتي الشَّخصِيَّة أنَّ الشَّيءَ الأهَمَّ في الحَياةِ لَيسَ العَقلَ المَليءَ بِالمَعلوماتِ المُتَخَصِّصَة. فما لهُ قيمَةٌ فِعلًا في الحَياةِ هوَ العَلاقَةُ القَوِيَّة بِيَهْوَه والمَحَبَّةُ العَميقَة لهُ ولِشَعبِه.
الدِّفاعُ عنِ البِشارَةِ وتَشريعُها بِالقانون
بَعدَما انتَهَيتُ مِن دِراسَةِ الحُقوق، رَكَّزتُ على تَنظيمِ الخِدماتِ القانونِيَّة اللَّازِمَة في بَيْت إيل، وعلى الدِّفاعِ عن عَمَلِ مَملَكَةِ اللّٰهِ في المَحاكِم. وكانَ دَعمُ هَيئَتِنا الَّتي تَنْمو وتَتَقَدَّمُ بِسُرعَةٍ وتَتَبَنَّى بِاستِمرارٍ أفكارًا جَديدَة شَيئًا مُمتِعًا وصَعبًا في نَفْسِ الوَقت. مَثَلًا في بِدايَةِ التِّسعينات، طُلِبَ مِن قِسمِ القَضايا القانونِيَّة أن يَأخُذَ القِيادَةَ في تَغييرِ عادَةٍ كُنَّا نَتبَعُها مُنذُ وَقتٍ طَويل، وهي أن نَطلُبَ تَبَرُّعًا مُقابِلَ مَطبوعاتِنا. فصارَ شُهودُ يَهْوَه يُقَدِّمونَها مَجَّانًا. وهذا بَسَّطَ العَمَلَ في بَيْت إيل وفي الحَقل، وما زالَ حتَّى الآنَ يَحْمي نَشاطاتِنا مِنَ الضَّرائِبِ غَيرِ المُبَرَّرَة. البَعضُ ظَنُّوا أنَّ هذا التَّغييرَ سيَخفِضُ مَوارِدَنا ويُعَرقِلُ خِدمَتَنا. ولكنْ حَصَلَ العَكس. فمُنذُ سَنَةِ ١٩٩٠، صارَ عَدَدُ الَّذينَ يَخدُمونَ يَهْوَه أكثَرَ مِن ضِعفِ ما كان، واليَومَ يَقدِرُ الجَميعُ أن يَحصُلوا مَجَّانًا على الطَّعامِ الرُّوحِيِّ الَّذي يُنقِذُ حَياتَهُم. وقد شَهِدتُ شَخصِيًّا أنَّ هذا التَّغييرَ والكَثيرَ جِدًّا مِنَ التَّغييراتِ التَّنظيمِيَّة الأُخْرى لم تَكُنْ لِتَنجَحَ لَولا قُوَّةُ يَهْوَه وتَوجيهُهُ لِلعَبدِ الأمين. — خر ١٥:٢؛ مت ٢٤:٤٥.
نادِرًا ما تَكونُ الانتِصاراتُ القانونِيَّة نَتيجَةَ جُهودِ المُحامينَ البارِعينَ فَقَط. ففي أغلَبِ الأحيان، سُلوكُ شَعبِ يَهْوَه الجَيِّدُ هوَ الَّذي يُؤَثِّرُ في الَّذينَ في السُّلطَةِ ويَدفَعُهُم أن يَأخُذوا مَوْقِفًا لِصالِحِنا. وقد رَأيتُ مَثَلًا على ذلِك سَنَةَ ١٩٩٨ حينَ حَضَرَ ثَلاثَةُ أعضاءٍ مِنَ الهَيئَةِ الحاكِمَة وزَوجاتُهُمُ اجتِماعاتٍ سَنَوِيَّة مُمَيَّزة في كُوبَا. فسُلوكُهُمُ اللَّطيفُ والمَليءُ بِالاحتِرامِ ساهَمَ أكثَرَ مِن أيِّ شَيءٍ قُلناهُ خِلالَ الاجتِماعاتِ الرَّسمِيَّة في إقناعِ السُّلُطاتِ بِأنَّنا أشخاصٌ حِيادِيُّونَ سِياسِيًّا.
ولكنْ عِندَما نَعجَزُ عن حَلِّ المَسائِلِ القانونِيَّة بِطَريقَةٍ حُبِّيَّة، نَلجَأُ إلى «الدِّفاعِ عنِ البِشارَةِ وتَشريعِها بِالقانونِ» في المَحاكِم. (في ١:٧) مَثَلًا، طَوالَ عَشَراتِ السِّنين، لم تَعتَرِفِ السُّلُطاتُ في أُورُوبَّا وكُورْيَا الجَنُوبِيَّة بِحَقِّنا أن نَرفُضَ الخِدمَةَ العَسكَرِيَّة. وبِسَبَبِ ذلِك، حَوالَيْ ١٨٬٠٠٠ أخٍ في أُورُوبَّا وأكثَرُ مِن ١٩٬٠٠٠ أخٍ في كُورْيَا الجَنُوبِيَّة قَضَوْا سَنَواتٍ في السِّجنِ لِأنَّ ضَميرَهُم لم يَسمَحْ لهُم أن يَتَجَنَّدوا.
ولكنْ أخيرًا، في ٧ تَمُّوز (يُولْيُو) ٢٠١١، أصدَرَتِ المَحكَمَةُ الأُورُوبِّيَّة لِحُقوقِ الإنسانِ القَرارَ التَّاريخِيَّ في قَضِيَّةِ بَايَاتْيَان ضِدَّ أَرْمِينْيَا الَّذي يَفرِضُ على كُلِّ الدُّوَلِ الأُورُوبِّيَّة أن تَفسَحَ المَجالَ لِلخِدمَةِ المَدَنِيَّة البَديلَة. ثُمَّ تَبِعَهُ قَرارٌ مُشابِهٌ أخَذَتهُ المَحكَمَةُ الدُّستورِيَّة في كُورِيَا الجَنوبِيَّة في ٢٨ حَزِيرَان (يُونْيُو) ٢٠١٨. وطَبعًا، لم يَكُنْ أيُّ واحِدٍ مِن هذَيْنِ الانتِصارَيْنِ مُمكِنًا لَو سايَرَ ولَو عَدَدٌ صَغيرٌ مِن شُبَّانِنا على إيمانِهِمِ المَسِيحِيّ.
إنَّ قِسمَنا القانونِيَّ والأقسامَ القانونِيَّة في الفُروعِ حَولَ العالَمِ تَعمَلُ بِكُلِّ اجتِهادٍ لِتُدافِعَ عن عَمَلِ مَملَكَةِ اللّٰه. ولنا الشَّرَفُ أن نُمَثِّلَ إخوَتَنا وأخَواتِنا الَّذينَ يُواجِهونَ المُقاوَمَةَ مِنَ الدَّولَة. وسَواءٌ انتَصَرنا أو لا، فإنَّ دِفاعَنا يُقَدِّمُ شَهادَةً لِلحُكَّامِ والمُلوكِ والدُّوَل. (مت ١٠:١٨) فالقُضاة، مُمَثِّلو الحُكومَة، وَسائِلُ الإعلام، والنَّاسُ عُمومًا يَطَّلِعونَ على الآياتِ الَّتي نَذكُرُها في مُستَنَداتِنا القانونِيَّة وخِلالَ المُرافَعاتِ أمامَ المَحكَمَة. وهكَذا يَعرِفُ الَّذينَ قُلوبُهُم طَيِّبَة مَن هُم شُهودُ يَهْوَه وما هو أساسُ مُعتَقَداتِهِم. وبَعضُ هؤُلاءِ الأشخاصِ صاروا مِن إخوَتِنا الرُّوحِيِّين.
شُكرًا لكَ يا يَهْوَه
خِلالَ الـ ٤٠ سَنَةً الماضِيَة، كانَ لَدَيَّ الامتِيازُ أن أتَعاوَنَ مع مَكاتِبِ فُروعٍ حَولَ العالَمِ في المَسائِلِ القانونِيَّة، وأن أمثُلَ أمامَ العَديدِ مِنَ المَحاكِمِ العُلْيا والمَسؤولينَ الكِبار. وأنا أُحِبُّ وأحتَرِمُ رِفاقي في العَمَلِ في قِسمِ القَضايا القانونِيَّة في المَركَزِ الرَّئيسِيِّ العالَمِيِّ وفي أقسامِ القَضايا القانونِيَّة حَولَ العالَم. فِعلًا، أعيشُ حَياةً مَليئَة بِالأفراحِ والبَرَكات!
طَوالَ الـ ٤٥ سَنَةً الماضِيَة، وَقَفَت إِلِيزَابِيث إلى جانِبي بِوَلاءٍ ومَحَبَّةٍ في الأوْقاتِ الحُلْوَة والمُرَّة. وأنا أُقَدِّرُها كَثيرًا لِأنَّها ما زالَت تَدعَمُني رَغمَ مَرَضِها الَّذي يُضعِفُ جِهازَها المَناعِيَّ ويَحُدُّ مِن قُوَّتِها.
على مَرِّ السِّنين، شَهِدنا بِعُيونِنا أنَّ القُوَّةَ والانتِصاراتِ لا تَأتي نَتيجَةَ قُدُراتِنا الشَّخصِيَّة. فكَما قالَ دَاوُد: «يَهْوَه هو قُوَّةُ شَعبِه». (مز ٢٨:٨) فِعلًا، «الحَربُ هي لِيَهْوَه».