تجارة العبيد بين افريقيا والاميركتين كانت عملا مربحا جدا
التحرر من العبودية في الماضي والحاضر
وصلت اليزابيثa الى اوروبا على امل ان تعمل مصفِّفة شعر. ولكن بعد ان تعرَّضت للضرب المتواصل عشرة ايام وتلقَّت تهديدات بإيذاء عائلتها في بلدها، دخلت عالم الدعارة كما كان مخططا لها.
نقش يصوِّر عبيدا مأسورين في مصر القديمة
ان اليزابيث هي واحدة من حوالي ٤ ملايين شخص حول العالم مستعبدين للعمل في تجارة الجنس. فقد وجب عليها ان تجني بين ٢٠٠ و ٣٠٠ يورو في الليلة الواحدة كي ترد دينا فرضته عليها سيدتها قيمته اكثر من ٠٠٠,٤٠ يورو.b تتذكر اليزابيث: «فكرت كثيرا في الهرب، لكني خفت على عائلتي. لقد وقعت في فخ لا مخرج منه».
منذ حوالي ٠٠٠,٤ سنة، كان هناك مراهق يُدعى يوسف باعه اخوته ليتخلصوا منه. فوجد نفسه عبدا في منزل رجل مصري بارز. وبعكس اليزابيث، عامله سيِّده في البداية معاملة جيدة. ولكن حين صد تحرشات زوجة سيده، اتهمته ظلما بمحاولة اغتصابها. فأُلقي في السجن وقُيِّد بالحديد. — تكوين ٣٩:١-٢٠؛ مزمور ١٠٥:١٧، ١٨.
ان يوسف عبد من الماضي القديم، فيما اليزابيث عبدة من القرن الـ ٢١. ولكن كلاهما وقعا ضحية ظاهرة عمرها آلاف السنين. انها ظاهرة الاتجار بالبشر التي تعتبر الناس سلعا تُشترى وتباع ولا يهمها سوى جني الاموال.
الحروب تشتعل والعبودية تزدهر
اظهر التاريخ ان الحروب هي اسهل وسيلة تمكِّن الدول من استعباد الناس. مثلا، يُقال ان الفرعون المصري تحوتمس الثالث أسر ٠٠٠,٩٠ سجين بعد حملة عسكرية واحدة في كنعان. فسخَّرهم المصريون للعمل في المناجم، بناء المعابد، وشق قنوات المياه.
وتحت حكم الامبراطورية الرومانية، ادَّت الحروب الى توفر اعداد كبيرة من العبيد، فيما الحاجة الى العبيد ادَّت احيانا الى نشوب الحروب. حتى ان التقديرات تشير ان العبيد شكَّلوا حوالي نصف سكان روما بحلول القرن الاول. وقد استُغل الكثير من العبيد المصريين والرومان اسوأ استغلال، الى درجة ان العمر المتوقع للعبيد في المناجم الرومانية بلغ نحو ٣٠ سنة فقط.
وبمرور الوقت، لم يكفَّ شبح العبودية عن ملاحقة البشر البائسين. فمن القرن الـ ١٦ الى الـ ١٩، اصبحت تجارة العبيد بين افريقيا والاميركتين واحدة من اكثر الاعمال التجارية المربحة في العالم. يذكر تقرير لليونسكو: ‹يُقدَّر ان ٢٥ الى ٣٠ مليونا من الرجال والنساء والاطفال اختُطفوا وبيعوا›. كما ان مئات الآلاف خسروا حياتهم اثناء عبور المحيط الاطلسي. يخبر أولاودا إكويانو، احد العبيد الذين نجوا من الموت: «عويل النساء وأنين المحتضَرين حوَّلا الوضع بأكمله الى مشهد مرعب لا يتصوره العقل».
ولكن من المؤسف ان العبودية ليست مجرد مأساة من التاريخ. فبحسب منظمة العمل الدولية، لا يزال هناك اليوم حوالي ٢١ مليون رجل وامرأة وطفل مستعبدين للعمل بأجر زهيد او دون مقابل. وهم يشتغلون في المناجم، معامل القماش، معامل الآجر (اللِّبن)، بيوت الدعارة، والمنازل. ورغم ان هذه العبودية مخالفة للقانون، فهي في ازدياد مستمر.
لا يزال الملايين اليوم في قبضة العبودية
من العبودية الى الحرية
ان معاملة العبيد بوحشية دفعت كثيرين منهم الى المناضلة من اجل الحرية. ففي القرن الاول قبل الميلاد، قاد المصارع سبارتاكوس تمردا فاشلا على روما مع حوالي ٠٠٠,١٠٠ عبد غيره. وفي القرن الـ ١٨، ثار عبيد في جزيرة هِسبانيولا الكاريبية على اسيادهم بعد ان ذاقوا المر والعذاب اثناء عملهم في حقول قصب السكر. وقد ادَّى ذلك الى حرب اهلية دامت ١٣ سنة وانتهت باستقلال هايتي عام ١٨٠٤.
اما انجح عملية تحرر من قيود العبودية في التاريخ فهي خروج الاسرائيليين من مصر. فقد تمكنت امة بكاملها مؤلَّفة من ثلاثة ملايين شخص تقريبا ان تستعيد حريتها. ولا شك انهم استحقوا هذه الحرية. فالكتاب المقدس يخبر ان المصريين ‹استعبدوهم باستبداد›. (خروج ١:١١-١٤) حتى ان احد الفراعنة اطلق حملة لإبادة الاطفال كي يحد من تزايد اعداد الاسرائيليين. — خروج ١:٨-٢٢.
وما يميِّز تحرر الاسرائيليين من الظلم في مصر هو ان اللّٰه نفسه تدخَّل لمساعدتهم. فقد قال لموسى: «إني عالم بأوجاعهم. فنزلتُ لأنقذهم». (خروج ٣:٧، ٨) ومنذ ذلك الوقت، يقيم اليهود حول العالم احتفالا بالفصح كل سنة تذكارا لهذا الحدث. — خروج ١٢:١٤.
وداعا للعبودية!
يذكر الكتاب المقدس ان يهوه اللّٰه «إله امانة لا ظلم عنده»، ويؤكد لنا انه لا يتغير ابدا. (تثنية ٣٢:٤؛ ملاخي ٣:٦) فقد ارسل يسوع لينادي «للمأسورين بالعتق . . . وليصرف المسحوقين احرارا». (لوقا ٤:١٨) ولكن بالطبع، لا يعني ذلك الحرية لكل «مأسور» او عبد حرفي. فيسوع اتى ليخلِّص الناس من عبودية الخطية والموت. فقد ذكر: «الحق يحرركم». (يوحنا ٨:٣٢) واليوم ايضا، لا يزال الحق الذي علَّمه يسوع يحرر الناس بطرائق عديدة. — انظر الاطار «عبودية من نوع آخر».
وفي الواقع، ساعد اللّٰه يوسف وإليزابيث ان يفلتا من الاستعباد، كل منهما بطريقة مختلفة. ويمكنك ان تقرأ رواية يوسف الرائعة في الاصحاحات ٣٩ الى ٤١ من سفر التكوين في الكتاب المقدس. اما قصة اليزابيث فلا تقل روعة عن قصة يوسف.
فبعد ان رُحِّلت من البلد الاوروبي الذي عاشت فيه، ذهبت الى اسبانيا. وهناك التقت بشهود يهوه، بدأت تدرس الكتاب المقدس معهم، وقررت ان تعيش حياة نظيفة. فغيَّرت عملها وأقنعت سيدتها السابقة ان تخفِّض لها القسط الشهري للدين. ثم في احد الايام، اتصلت السيدة بإليزابيث وقالت انها تريد اعفاءها من الدين، وطلبت ان تسامحها. فماذا غيَّرها؟ لقد بدأت هي ايضا بدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه. تقول اليزابيث: «فعلا، الحق يحررنا بطرائق مذهلة».
لقد تألم يهوه اللّٰه لما عاناه الاسرائيليون المستعبدون في مصر. ولا بد انه يتألم الآن ايضا حين يرى ظلم الاستعباد حول العالم. صحيح ان انهاء العبودية بكل اشكالها يتطلب تغييرا جذريا في المجتمع البشري، لكنَّ اللّٰه يعد بإجراء هذا التغيير. فالكتاب المقدس يقول: «ننتظر بحسب وعده سموات جديدة وأرضا جديدة، فيها يسكن البر». — ٢ بطرس ٣:١٣.