قِصَّةُ حَيَاةٍ
بَرَكَاتُ يَهْوَهَ فَاقَتْ كُلَّ تَوَقُّعَاتِي
‹هَلْ تَكُونُ حَيَاتِي فِي خِدْمَةِ ٱلْفَتْحِ مُمْتِعَةً؟›. ظَلَّ هٰذَا ٱلسُّؤَالُ يَشْغَلُ بَالِي. فَقَدْ أَحْبَبْتُ عَمَلِي فِي تَصْدِيرِ ٱلْمَوَادِّ ٱلْغِذَائِيَّةِ مِنْ أَلْمَانِيَا إِلَى مُدُنٍ إِفْرِيقِيَّةٍ مِثْلِ دَارِ ٱلسَّلَامِ، أَلِيزَابِيثْفِيل، وَأَسْمَرَة. وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِي قَطُّ أَنِّي سَأَخْدُمُ يَهْوَهَ كَامِلَ ٱلْوَقْتِ فِي تِلْكَ ٱلْمَنَاطِقِ وَغَيْرِهَا بِإِفْرِيقْيَا.
بَعْدَمَا تَغَلَّبْتُ عَلَى مَخَاوِفِي وَأَصْبَحْتُ فَاتِحًا، ٱنْفَتَحَ لِي بَابٌ لِأَعِيشَ حَيَاةً فَاقَتْ كُلَّ تَوَقُّعَاتِي. (اف ٣:٢٠) إِلَيْكُمُ ٱلْقِصَّةَ.
وُلِدْتُ فِي بِرْلِين بِأَلْمَانِيَا عَامَ ١٩٣٩، بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنِ ٱنْدِلَاعِ ٱلْحَرْبِ ٱلْعَالَمِيَّةِ ٱلثَّانِيَةِ. وَعَامَ ١٩٤٥، تَعَرَّضَتْ بِرْلِين لِقَصْفٍ جَوِيٍّ عَنِيفٍ. فَهَرَبْتُ مَعَ عَائِلَتِي إِلَى أَحَدِ ٱلْمَلَاجِئِ. ثُمَّ ٱنْتَقَلْنَا إِلَى إِرْفُورْت، مَسْقَطِ رَأْسِ أُمِّي.
مَعَ وَالِدَيَّ وَأُخْتِي فِي أَلْمَانِيَا نَحْوَ عَامِ ١٩٥٠
كَانَتْ أُمِّي تَبْحَثُ عَنِ ٱلْحَقِّ. فَقَرَأَتْ كُتُبًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَفَحَصَتْ أَدْيَانًا عَدِيدَةً، لٰكِنَّهَا لَمْ تَقْتَنِعْ بِأَيٍّ مِنْهَا. وَنَحْوَ عَامِ ١٩٤٨، دَقَّتْ أُخْتَانِ بَابَنَا. فَرَحَّبَتْ أُمِّي بِهِمَا، وَطَرَحَتْ عَلَيْهِمَا أَسْئِلَةً كَثِيرَةً. وَبَعْدَ أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ، قَالَتْ بِحَمَاسَةٍ لِي وَلِأُخْتِي ٱلصَّغِيرَةِ: «قَدْ وَجَدْتُ ٱلْحَقَّ!». وَسُرْعَانَ مَا بَدَأْنَا نَحْنُ ٱلثَّلَاثَةَ نَحْضُرُ ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ فِي إِرْفُورْت.
عَامَ ١٩٥٠، عُدْنَا إِلَى بِرْلِين وَحَضَرْنَا ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ فِي جَمَاعَةِ بِرْلِين-كْرُوزْبِرْج. ثُمَّ ٱنْتَقَلْنَا إِلَى جَمَاعَةِ بِرْلِين-تَمْبِلْهُوف. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ ٱعْتَمَدَتْ أُمِّي، أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ مُتَرَدِّدًا.
اَلْخَجَلُ وَٱلتَّرَدُّدُ
أَعَاقَ ٱلْخَجَلُ تَقَدُّمِي. فَطَوَالَ سَنَتَيْنِ، رَافَقْتُ ٱلْإِخْوَةَ فِي ٱلْخِدْمَةِ دُونَ أَنْ أَتَحَدَّثَ إِلَى ٱلنَّاسِ. لٰكِنَّ ٱلْوَضْعَ تَغَيَّرَ حِينَ بَدَأْتُ أُعَاشِرُ إِخْوَةً خَدَمُوا يَهْوَهَ بِوَلَاءٍ وَشَجَاعَةٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ عَانَى فِي مُعَسْكَرَاتِ ٱلِٱعْتِقَالِ ٱلنَّازِيَّةِ أَوْ سُجُونِ أَلْمَانِيَا ٱلشَّرْقِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَاطَرَ بِحُرِّيَّتِهِ وَحَيَاتِهِ لِيُهَرِّبَ ٱلْمَطْبُوعَاتِ إِلَى أَلْمَانِيَا ٱلشَّرْقِيَّةِ. فَأَثَّرَ فِيَّ مِثَالُهُمْ كَثِيرًا، وَفَكَّرْتُ: ‹إِذَا خَاطَرَ هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةُ بِحُرِّيَّتِهِمْ وَحَيَاتِهِمْ مِنْ أَجْلِ يَهْوَهَ وَإِخْوَتِهِمْ، أَفَلَا يَجِبُ أَنْ أُخَفِّفَ مِنْ خَجَلِي؟›.
بَدَأْتُ أَتَغَلَّبُ عَلَى خَجَلِي حِينَ شَارَكْتُ فِي حَمْلَةٍ خُصُوصِيَّةٍ عَامَ ١٩٥٥. فَفِي رِسَالَةٍ نُشِرَتْ فِي اَلْمُخْبِرُ،a أَعْلَنَ ٱلْأَخُ نَاثَان نُور أَنَّهَا سَتَكُونُ إِحْدَى أَكْبَرِ ٱلْحَمَلَاتِ ٱلَّتِي نَظَّمَتْهَا ٱلْهَيْئَةُ. وَإِذَا شَارَكَ فِيهَا كُلُّ ٱلنَّاشِرِينَ، «فَسَنَقْضِي أَرْوَعَ شَهْرٍ فِي ٱلْكِرَازَةِ». وَكَمْ كَانَ عَلَى حَقٍّ! بَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ نَذَرْتُ حَيَاتِي لِيَهْوَهَ، ثُمَّ ٱعْتَمَدْتُ عَامَ ١٩٥٦ مَعَ أَبِي وَأُخْتِي. وَلٰكِنْ سُرْعَانَ مَا وَاجَهْتُ قَرَارًا مُهِمًّا آخَرَ.
رَغْمَ أَنِّي رَغِبْتُ أَنْ أُصْبِحَ فَاتِحًا، بَقِيتُ أُؤَجِّلُ هٰذِهِ ٱلْخُطْوَةَ طَوَالَ سَنَوَاتٍ. فَقَدْ أَرَدْتُ أَوَّلًا أَنْ أَتَعَلَّمَ تِجَارَةَ ٱلْجُمْلَةِ وَٱلِٱسْتِيرَادَ وَٱلتَّصْدِيرَ فِي بِرْلِين. ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أُمَارِسَ هٰذِهِ ٱلْمِهْنَةَ كَيْ أَكْسِبَ ٱلْخِبْرَةَ. فَقَبِلْتُ وَظِيفَةً عَامَ ١٩٦١ فِي هَامْبُورْغ، أَكْبَرِ مِينَاءٍ فِي أَلْمَانِيَا. وَلِأَنِّي أَحْبَبْتُ عَمَلِي كَثِيرًا، أَجَّلْتُ خِدْمَةَ ٱلْفَتْحِ.
لٰكِنِّي أَشْكُرُ يَهْوَهَ لِأَنَّهُ سَاعَدَنِي مِنْ خِلَالِ إِخْوَةٍ مُحِبِّينَ أَنْ أُرَتِّبَ أَوْلَوِيَّاتِي. فَٱلْعَدِيدُ مِنْ أَصْدِقَائِي أَصْبَحُوا فَاتِحِينَ. كَمَا أَنَّ ٱلْأَخَ أَيْرِيخ مُونْد، أَحَدَ ٱلنَّاجِينَ مِنْ مُعَسْكَرَاتِ ٱلِٱعْتِقَالِ، شَجَّعَنِي أَنْ أَتَّكِلَ عَلَى يَهْوَهَ. فَأَخْبَرَنِي أَنَّ ٱلْإِخْوَةَ ٱلَّذِينَ ٱتَّكَلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي مُعَسْكَرِ ٱلِٱعْتِقَالِ لَمْ يَبْقَوْا أَقْوِيَاءَ. أَمَّا ٱلَّذِينَ ٱتَّكَلُوا عَلَى يَهْوَهَ كَامِلًا، فَبَقُوا أَوْلِيَاءَ لَهُ وَأَصْبَحُوا أَعْمِدَةً فِي ٱلْجَمَاعَةِ.
عِنْدَمَا أَصْبَحْتُ فَاتِحًا عَامَ ١٩٦٣
كَمَا أَنَّ ٱلْأَخَ مَارْتِن بُويْتْسِنْغِرَ، ٱلَّذِي خَدَمَ لَاحِقًا فِي ٱلْهَيْئَةِ ٱلْحَاكِمَةِ، شَجَّعَ ٱلْإِخْوَةَ بِٱسْتِمْرَارٍ قَائِلًا: «اَلشَّجَاعَةُ هِيَ أَغْلَى مَا نَمْلِكُ». وَبَعْدَمَا تَأَمَّلْتُ فِي كَلِمَاتِهِ، ٱسْتَقَلْتُ مِنْ وَظِيفَتِي، وَأَصْبَحْتُ فَاتِحًا فِي حَزِيرَانَ (يُونْيُو) ١٩٦٣. وَكَانَ هٰذَا أَفْضَلَ قَرَارٍ. فَقَدْ دُعِيتُ لِأَخْدُمَ فَاتِحًا خُصُوصِيًّا بَعْدَ شَهْرَيْنِ، حَتَّى قَبْلَ أَنْ أَبْدَأَ بِٱلْبَحْثِ عَنْ وَظِيفَةٍ جَدِيدَةٍ. وَبَعْدَ بِضْعِ سَنَوَاتٍ، مَنَحَنِي يَهْوَهُ بَرَكَةً تَفُوقُ كُلَّ تَوَقُّعَاتِي، إِذْ دُعِيتُ إِلَى ٱلصَّفِّ ٱلـ ٤٤ لِمَدْرَسَةِ جِلْعَادَ.
دَرْسٌ مُهِمٌّ فِي جِلْعَادَ
أَحَدُ أَهَمِّ ٱلدُّرُوسِ ٱلَّتِي تَعَلَّمْتُهَا، خُصُوصًا مِنَ ٱلْأَخِ نُور وَٱلْأَخِ لَايْمَن سْوِينْغِل، هُوَ: «لَا تَتَخَلَّوْا عَنْ تَعْيِينِكُمْ بِسُرْعَةٍ». قَالَ لَنَا ٱلْأَخُ نُور: «لَا تُرَكِّزُوا عَلَى ٱلْقَذَارَةِ وَٱلْحَشَرَاتِ وَٱلْفَقْرِ. بَلْ لَاحِظُوا ٱلْأَشْجَارَ وَٱلْأَزْهَارَ وَٱلْوُجُوهَ ٱلْفَرِحَةَ، وَأَحِبُّوا ٱلنَّاسَ». وَذَاتَ مَرَّةٍ، دَمَعَتْ عَيْنَا ٱلْأَخِ سْوِينْغِل وَهُوَ يَشْرَحُ لِمَ تَخَلَّى ٱلْبَعْضُ سَرِيعًا عَنْ تَعْيِينَاتِهِمْ. وَٱضْطُرَّ أَنْ يُوقِفَ خِطَابَهُ قَلِيلًا حَتَّى يَهْدَأَ. فَمَسَّنِي ذٰلِكَ وَصَمَّمْتُ أَلَّا أُخَيِّبَ أَمَلَ ٱلْمَسِيحِ وَإِخْوَتِهِ ٱلْأُمَنَاءِ. — مت ٢٥:٤٠.
أَنَا وَكْلُود وَهَايْنْرِخ فِي تَعْيِينِنَا ٱلْإِرْسَالِيِّ فِي لُوبُومْبَاشِي بِٱلْكُونْغُو عَامَ ١٩٦٧
بَعْدَمَا تَسَلَّمْنَا تَعْيِينَاتِنَا، رَاحَ إِخْوَةٌ مِنْ بَيْتَ إِيلَ يَسْأَلُونَنَا إِلَى أَيْنَ سَنَذْهَبُ. وَكَانُوا يَقُولُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَعْلِيقَاتٍ إِيجَابِيَّةً عَلَى تَعْيِينِهِ، حَتَّى جَاءَ دَوْرِي. فَحِينَ أَخْبَرْتُهُمْ أَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى «ٱلْكُونْغُو (كِينْشَاسَا)»، فُوجِئُوا ثُمَّ قَالُوا: «إِلَى ٱلْكُونْغُو! لِيَكُنْ يَهْوَهُ مَعَكَ». فَآنَذَاكَ، لَمْ نَسْمَعْ عَنْ هٰذَا ٱلْبَلَدِ إِلَّا أَخْبَارَ ٱلْحَرْبِ وَٱلِٱغْتِيَالَاتِ. لٰكِنِّي أَبْقَيْتُ فِي بَالِي ٱلدُّرُوسَ ٱلَّتِي تَعَلَّمْتُهَا. وَبَعْدَ وَقْتٍ قَصِيرٍ مِنْ تَخَرُّجِنَا فِي أَيْلُولَ (سِبْتَمْبِر) ١٩٦٧، سَافَرْتُ أَنَا وَهَايْنْرِخ دِنْبُوزْتَال وَكْلُود لِينْزِي إِلَى كِينْشَاسَا، عَاصِمَةِ ٱلْكُونْغُو.
تَدْرِيبٌ عَمَلِيٌّ رَائِعٌ
بَعْدَ وُصُولِنَا إِلَى كِينْشَاسَا، دَرَسْنَا ٱلْفَرَنْسِيَّةَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ سَافَرْنَا جَوًّا إِلَى لُوبُومْبَاشِي (ٱلَّتِي كَانَتْ تُدْعَى أَلِيزَابِيثْفِيل) فِي أَقْصَى ٱلْجَنُوبِ، قُرْبَ حُدُودِ زَامْبِيَا. وَسَكَنَّا فِي بَيْتٍ لِلْمُرْسَلِينَ وَسَطَ ٱلْمَدِينَةِ.
وَبِمَا أَنَّ مُعْظَمَ لُوبُومْبَاشِي لَمْ يَكُنْ مَخْدُومًا، فَرِحْنَا كَثِيرًا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يُوصِلُ رِسَالَةَ ٱلْحَقِّ إِلَى عَدِيدِينَ مِنْ سُكَّانِهَا. وَلَقِينَا تَجَاوُبًا رَائِعًا، حَتَّى إِنَّنَا لَمْ نَقْدِرْ أَنْ نَدْرُسَ مَعَ كُلِّ ٱلْمُهْتَمِّينَ. وَكَرَزْنَا أَيْضًا لِرَسْمِيِّينَ فِي ٱلْحُكُومَةِ وَٱلشُّرْطَةِ. وَقَدِ ٱحْتَرَمَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ وَعَمَلَنَا ٱلتَّبْشِيرِيَّ. وَبِمَا أَنَّ ٱلنَّاسَ عُمُومًا تَكَلَّمُوا ٱلسَّوَاحِلِيَّةَ، تَعَلَّمْنَا أَنَا وَكْلُود هٰذِهِ ٱللُّغَةَ أَيْضًا. وَأُرْسِلْنَا بَعْدَ ذٰلِكَ إِلَى جَمَاعَةٍ سَوَاحِلِيَّةٍ.
صَحِيحٌ أَنَّنَا مَرَرْنَا بِٱخْتِبَارَاتٍ حُلْوَةٍ، لٰكِنَّنَا وَاجَهْنَا أَيْضًا بَعْضَ ٱلتَّحَدِّيَاتِ. فَكَثِيرًا مَا وَجَّهَ إِلَيْنَا جُنُودٌ سَكَارَى أَوْ أَفْرَادٌ مِنَ ٱلشُّرْطَةِ تُهَمًا بَاطِلَةً. وَذَاتَ مَرَّةٍ، دَاهَمَ رِجَالُ ٱلشُّرْطَةِ ٱجْتِمَاعًا لِلْجَمَاعَةِ فِي بَيْتِ ٱلْمُرْسَلِينَ، وَأَخَذُونَا إِلَى مَرْكَزِ ٱلشُّرْطَةِ. وَهُنَاكَ، أَجْبَرُونَا أَنْ نَجْلِسَ عَلَى ٱلْأَرْضِ حَتَّى ٱلسَّاعَةِ ٱلْعَاشِرَةِ مَسَاءً تَقْرِيبًا. ثُمَّ أَطْلَقُوا سَرَاحَنَا.
عَامَ ١٩٦٩، عُيِّنْتُ نَاظِرَ دَائِرَةٍ. فَكُنْتُ أَمْشِي مَسَافَاتٍ طَوِيلَةً عَلَى طُرُقٍ مُوحِلَةٍ بَيْنَ ٱلْأَعْشَابِ ٱلطَّوِيلَةِ فِي ٱلْغَابَاتِ ٱلْإِفْرِيقِيَّةِ. وَذَاتَ مَرَّةٍ، نَامَتْ دَجَاجَةٌ وَصِغَارُهَا تَحْتَ سَرِيرِي فِي إِحْدَى ٱلْقُرَى. وَلَا أَنْسَى كَيْفَ أَيْقَظَتْنِي بِصَوْتِهَا ٱلْعَالِي قَبْلَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ. بِٱلْمُقَابِلِ، لَا تُفَارِقُ بَالِي ٱلْأَحَادِيثُ ٱلرُّوحِيَّةُ ٱلْحُلْوَةُ مَعَ ٱلْإِخْوَةِ حَوْلَ ٱلنَّارِ فِي ٱلْأُمْسِيَاتِ.
أَحَدُ أَكْبَرِ ٱلتَّحَدِّيَاتِ ٱلَّتِي وَاجَهْتُهَا هُوَ ٱلْإِخْوَةُ ٱلدَّجَّالُونَ مِنْ حَرَكَةِ ٱلْكِيتَاوَالَا.b فَقَدْ تَسَلَّلَ بَعْضُهُمْ إِلَى ٱلْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ أَصْبَحُوا شُيُوخًا. لٰكِنَّ ٱلْإِخْوَةَ ٱلْحَقِيقِيِّينَ كَشَفُوا ٱلْعَدِيدَ مِنْ تِلْكَ «ٱلصُّخُورِ ٱلْمَخْفِيَّةِ». (يه ١٢) وَفِي ٱلنِّهَايَةِ، طَهَّرَ يَهْوَهُ ٱلْجَمَاعَاتِ، مِمَّا أَدَّى إِلَى نُمُوٍّ كَبِيرٍ.
عَامَ ١٩٧١، تَعَيَّنْتُ فِي مَكْتَبِ ٱلْفَرْعِ فِي كِينْشَاسَا، حَيْثُ ٱهْتَمَمْتُ بِٱلْمُرَاسَلَاتِ، طَلَبَاتِ ٱلْمَطْبُوعَاتِ، وَشُؤُونِ ٱلْخِدْمَةِ. وَتَعَلَّمْتُ أَنْ أُنَظِّمَ ٱلْعَمَلَ فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ يَفْتَقِرُ إِلَى ٱلْخِدْمَاتِ ٱلْأَسَاسِيَّةِ. فَأَحْيَانًا ٱسْتَغْرَقَ وُصُولُ بَرِيدِنَا إِلَى ٱلْجَمَاعَاتِ عِدَّةَ أَشْهُرٍ. فَكَانَ يُرْسَلُ بِٱلطَّائِرَاتِ، ثُمَّ يُحَمَّلُ عَلَى قَوَارِبَ تَتَأَخَّرُ بِسَبَبِ أَعْشَابِ يَاقُوتِيَّةِ ٱلْمَاءِ ٱلْكَثِيفَةِ. إِلَّا أَنَّ ٱلْعَمَلَ ٱسْتَمَرَّ رَغْمَ كُلِّ ٱلْعَقَبَاتِ.
أَدْهَشَنِي كَثِيرًا كَيْفَ عَقَدَ ٱلْإِخْوَةُ مَحَافِلَ كَبِيرَةً رَغْمَ ٱلْمَوَارِدِ ٱلْمَحْدُودَةِ. مَثَلًا، حَوَّلُوا هِضَابَ ٱلنَّمْلِ ٱلْأَبْيَضِ إِلَى مِنَصَّاتٍ، أَقَامُوا سِيَاجَاتٍ مِنَ ٱلْأَعْشَابِ ٱلطَّوِيلَةِ، وَلَفُّوا هٰذِهِ ٱلْأَعْشَابَ لِتُشَكِّلَ مَقَاعِدَ لِلْجُلُوسِ. وَٱسْتَعْمَلُوا ٱلْخَيْزَرَانَ لِصُنْعِ أَعْمِدَةٍ، وَٱلْقَصَبَ لِصُنْعِ سُقُوفٍ وَطَاوِلَاتٍ. كَمَا ٱسْتَخْدَمُوا لِحَاءَ ٱلْأَشْجَارِ بَدَلَ ٱلْمَسَامِيرِ. فَأَذْهَلَتْنِي قُدْرَةُ هٰؤُلَاءِ ٱلْإِخْوَةِ عَلَى ٱبْتِكَارِ ٱلْحُلُولِ. وَكَمِ ٱفْتَقَدْتُهُمْ حِينَ ٱنْتَقَلْتُ إِلَى تَعْيِينٍ جَدِيدٍ! فَقَدْ صَارُوا أَعِزَّاءَ جِدًّا عَلَى قَلْبِي.
اَلْخِدْمَةُ فِي كِينْيَا
عَامَ ١٩٧٤، ٱنْتَقَلْتُ إِلَى مَكْتَبِ ٱلْفَرْعِ فِي نَيْرُوبِي بِكِينْيَا، حَيْثُ كَانَ لَدَيْنَا عَمَلٌ كَثِيرٌ. فَٱلْفَرْعُ أَشْرَفَ عَلَى عَشَرَةِ بُلْدَانٍ مُجَاوِرَةٍ، وَكَانَ عَمَلُنَا مَحْظُورًا فِي بَعْضٍ مِنْهَا. وَقَدْ زُرْتُ تَكْرَارًا تِلْكَ ٱلْبُلْدَانِ، وَخُصُوصًا إِثْيُوبْيَا حَيْثُ تَعَرَّضَ إِخْوَتُنَا لِٱضْطِهَادٍ شَدِيدٍ. فَكَثِيرُونَ مِنْهُمْ عُومِلُوا بِوَحْشِيَّةٍ، سُجِنُوا، أَوْ حَتَّى قُتِلُوا. لٰكِنَّهُمْ حَافَظُوا عَلَى أَمَانَتِهِمْ بِفَضْلِ عَلَاقَتِهِمِ ٱلْقَوِيَّةِ بِيَهْوَهَ وَبِإِخْوَتِهِمْ.
عَامَ ١٩٨٠، شَهِدَتْ حَيَاتِي تَغْيِيرًا رَائِعًا. فَقَدْ تَزَوَّجْتُ أُخْتًا كَنَدِيَّةً ٱسْمُهَا غَيْل مَاثْسُون. كُنَّا فِي ٱلصَّفِّ نَفْسِهِ فِي جِلْعَادَ. وَبَقِينَا نَتَرَاسَلُ فِيمَا كَانَتْ تَخْدُمُ فِي تَعْيِينِهَا فِي بُولِيفْيَا. وَبَعْدَ ١٢ سَنَةً، ٱلْتَقَيْنَا مُجَدَّدًا فِي نْيُويُورْك. وَتَزَوَّجْنَا فِي كِينْيَا بُعَيْدَ ذٰلِكَ. أُقَدِّرُ غَيْل كَثِيرًا، لِأَنَّهَا ٱمْرَأَةٌ رُوحِيَّةٌ وَقَنُوعَةٌ. فَهِيَ رَفِيقَةُ عُمْرِي ٱلْغَالِيَةُ وَٱلدَّاعِمَةُ.
عَامَ ١٩٨٦، تَعَيَّنْتُ أَنَا وَغَيْل فِي ٱلْعَمَلِ ٱلْجَائِلِ، وَفِي ٱلْوَقْتِ نَفْسِهِ كُنْتُ عُضْوًا فِي لَجْنَةِ ٱلْفَرْعِ. لِذَا كُنَّا نَزُورُ عَدَدًا مِنَ ٱلْبُلْدَانِ ٱلَّتِي يُشْرِفُ عَلَيْهَا فَرْعُ كِينْيَا.
أُلْقِي خِطَابًا فِي مَحْفِلٍ فِي أَسْمَرَة عَامَ ١٩٩٢
لَدَيَّ ذِكْرَيَاتٌ عَزِيزَةٌ عَنْ مَحْفِلٍ عُقِدَ فِي أَسْمَرَة (بِإِرِيتْرِيَا) عَامَ ١٩٩٢، قَبْلَ أَنْ يُحْظَرَ عَمَلُنَا. لِلْأَسَفِ لَمْ نَجِدْ إِلَّا زَرِيبَةً لِنَعْقِدَ فِيهَا ٱلْمَحْفِلَ. وَكَانَ شَكْلُهَا قَبِيحًا مِنَ ٱلْخَارِجِ، وَأَقْبَحَ مِنَ ٱلدَّاخِلِ. لٰكِنِّي ذُهِلْتُ حِينَ رَأَيْتُ كَيْفَ حَوَّلَهَا ٱلْإِخْوَةُ إِلَى مَكَانٍ يَلِيقُ بِعِبَادَةِ يَهْوَهَ. فَعَائِلَاتٌ عَدِيدَةٌ أَحْضَرَتْ أَقْمِشَةً مُزَخْرَفَةً، وَغَطَّتْ بِمَهَارَةٍ كُلَّ ٱلْعُيُوبِ. وَقَدْ تَمَتَّعْنَا كَثِيرًا بِهٰذَا ٱلْمَحْفِلِ ٱلَّذِي حَضَرَهُ ٢٧٩,١ شَخْصًا.
شَكَّلَ ٱلْعَمَلُ ٱلْجَائِلُ تَحَدِّيًا لَنَا بِسَبَبِ ٱلْفَرْقِ ٱلْكَبِيرِ بَيْنَ أَمَاكِنِ إِقَامَتِنَا. فَمَرَّةً نَزَلْنَا فِي جَنَاحٍ فَخْمٍ فِي فِيلَّا عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ. وَمَرَّةً أُخْرَى، نَزَلْنَا فِي كُشْكٍ مَعْدِنِيٍّ فِي مُخَيَّمٍ لِلْعُمَّالِ، يَبْعُدُ ٱلْحَمَّامُ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ١٠٠ م. لٰكِنَّ أَعَزَّ ٱلذِّكْرَيَاتِ عَلَى قَلْبِنَا هِيَ ٱلْأَيَّامُ ٱلطَّوِيلَةُ ٱلَّتِي قَضَيْنَاهَا فِي ٱلْخِدْمَةِ مَعَ ٱلنَّاشِرِينَ وَٱلْفَاتِحِينَ ٱلْغَيُورِينَ. وَقَدِ ٱضْطُرِرْنَا أَنْ نَتْرُكَ هٰؤُلَاءِ ٱلْأَصْدِقَاءَ ٱلْأَعِزَّاءَ عِنْدَمَا تَغَيَّرَ تَعْيِينُنَا.
بَرَكَاتٌ فِي إِثْيُوبْيَا
بَيْنَ عَامَيْ ١٩٨٧ وَ ١٩٩٢، تَسَجَّلَ عَمَلُنَا شَرْعِيًّا فِي عَدَدٍ مِنَ ٱلْبُلْدَانِ ٱلَّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا فَرْعُ كِينْيَا. فَصَارَ فِيهَا مَكْتَبُ فَرْعٍ أَوْ مَكْتَبُ بَلَدٍ. وَعَامَ ١٩٩٣، تَعَيَّنَّا فِي ٱلْمَكْتَبِ فِي أَدِيس أَبَابَا بِإِثْيُوبْيَا، حَيْثُ نِلْنَا ٱلِٱعْتِرَافَ ٱلشَّرْعِيَّ بَعْدَ سَنَوَاتٍ مِنَ ٱلْحَظْرِ.
فِي ٱلْعَمَلِ ٱلْجَائِلِ فِي ٱلرِّيفِ ٱلْإِثْيُوبِيِّ عَامَ ١٩٩٦
بَارَكَ يَهْوَهُ ٱلْعَمَلَ فِي إِثْيُوبْيَا. فَكَثِيرُونَ أَصْبَحُوا فَاتِحِينَ. وَمُنْذُ عَامِ ٢٠١٢، أَصْبَحَ ٱلْفَاتِحُونَ يُشَكِّلُونَ أَكْثَرَ مِنْ ٢٠ ٪ مِنَ ٱلنَّاشِرِينَ. كَمَا عُقِدَتْ مَدَارِسُ ثِيُوقْرَاطِيَّةٌ عَدِيدَةٌ، وَبُنِيَ أَكْثَرُ مِنْ ١٢٠ قَاعَةَ مَلَكُوتٍ. وَعَامَ ٢٠٠٤، ٱنْتَقَلَتْ عَائِلَةُ بَيْتَ إِيلَ إِلَى مَبْنًى جَدِيدٍ. وَفِي ٱلْمَوْقِعِ نَفْسِهِ، هُنَالِكَ قَاعَةُ مَحَافِلَ يَسْتَفِيدُ مِنْهَا ٱلْإِخْوَةُ كَثِيرًا.
اَلْإِخْوَةُ فِي إِثْيُوبْيَا مُحِبُّونَ وَلُطَفَاءُ جِدًّا. وَعَلَى مَرِّ ٱلسِّنِينَ، نَمَتْ صَدَاقَاتٌ حَمِيمَةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. وَلٰكِنْ بِسَبَبِ صِحَّتِنَا ٱلضَّعِيفَةِ، ٱضْطُرِرْنَا مُؤَخَّرًا أَنْ نَنْتَقِلَ إِلَى فَرْعِ أُورُوبَّا ٱلْوُسْطَى. اَلْإِخْوَةُ هُنَا يَهْتَمُّونَ بِنَا كَثِيرًا، لٰكِنَّنَا نَشْتَاقُ جِدًّا إِلَى أَصْدِقَائِنَا ٱلْأَعِزَّاءِ فِي إِثْيُوبْيَا.
يَهْوَهُ كَانَ يُنْمِي
لَقَدْ رَأَيْنَا كَيْفَ نَمَّى يَهْوَهُ عَمَلَهُ. (١ كو ٣:٦، ٩) مَثَلًا، حِينَ كَرَزْتُ أَوَّلَ مَرَّةٍ لِعُمَّالٍ رُوَانْدِيِّينَ فِي حِزَامِ ٱلنُّحَاسِ بِٱلْكُونْغُو، لَمْ يُوجَدْ نَاشِرُونَ فِي رُوَانْدَا. أَمَّا ٱلْآنَ، فَهُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ ٠٠٠,٣٠. وَعَامَ ١٩٦٧، كَانَ عَدَدُ ٱلنَّاشِرِينَ فِي ٱلْكُونْغُو (كِينْشَاسَا) حَوَالَيْ ٠٠٠,٦. أَمَّا ٱلْآنَ فَهُنَاكَ ٠٠٠,٢٣٠ نَاشِرٍ تَقْرِيبًا، وَبَلَغَ حُضُورُ ٱلذِّكْرَى عَامَ ٢٠١٨ أَكْثَرَ مِنْ مِلْيُونِ شَخْصٍ. وَقَدْ تَخَطَّى عَدَدُ ٱلنَّاشِرِينَ فِي ٱلْبُلْدَانِ ٱلَّتِي كَانَتْ تَحْتَ إِشْرَافِ فَرْعِ كِينْيَا ٠٠٠,١٠٠.
قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ ٥٠ سَنَةً، سَاعَدَنِي يَهْوَهُ مِنْ خِلَالِ إِخْوَةٍ عَدِيدِينَ أَنْ أَبْدَأَ ٱلْخِدْمَةَ كَامِلَ ٱلْوَقْتِ. وَمَعَ أَنِّي لَا أَزَالُ خَجُولًا، تَعَلَّمْتُ أَنْ أَتَّكِلَ عَلَيْهِ كَامِلًا. وَتَعَلَّمْتُ ٱلصَّبْرَ وَٱلْقَنَاعَةَ مِنْ خِدْمَتِي فِي إِفْرِيقْيَا. وَأَنَا وَغَيْل نُقَدِّرُ كَثِيرًا إِخْوَتَنَا ٱلَّذِينَ يُظْهِرُونَ ٱلضِّيَافَةَ، ٱلِٱحْتِمَالَ، وَٱلثِّقَةَ بِيَهْوَهَ. وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أُقَدِّرُ نِعْمَتَهُ عَلَيَّ. فَبَرَكَاتُهُ فَاقَتْ كُلَّ تَوَقُّعَاتِي. — مز ٣٧:٤.
a دُعِيَتْ لَاحِقًا خِدْمَتُنَا لِلْمَلَكُوتِ، وَٱلْآنَ حَلَّ مَحَلَّهَا دَلِيلُ ٱجْتِمَاعِ ٱلْخِدْمَةِ وَٱلْحَيَاةِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ.
b تُشْتَقُّ كَلِمَةُ «كِيتَاوَالَا» مِنْ مُصْطَلَحٍ سَوَاحِلِيٍّ يَعْنِي «يَسُودُ، يَقُودُ، أَوْ يَحْكُمُ». فَهٰذِهِ ٱلْحَرَكَةُ ٱلسِّيَاسِيَّةُ سَعَتْ لِلِٱسْتِقْلَالِ عَنْ بَلْجِيكَا. وَقَدْ حَصَلَتْ مَجْمُوعَاتُ ٱلْكِيتَاوَالَا عَلَى مَطْبُوعَاتِ شُهُودِ يَهْوَهَ، دَرَسَتْهَا، وَوَزَّعَتْهَا. لٰكِنَّهَا حَرَّفَتْ تَعَالِيمَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ لِتَدْعَمَ أَفْكَارَهَا ٱلسِّيَاسِيَّةَ، عَادَاتِهَا ٱلْخُرَافِيَّةَ، وَحَيَاتَهَا ٱلْفَاسِدَةَ.