مقالة الدرس ٤١
إلهُنا «غَنِيٌّ بِالرَّحمَة»
«يَهْوَه صالِحٌ لِلكُلّ، ومَراحِمُهُ على كُلِّ أعمالِه». — مز ١٤٥:٩.
التَّرنيمَة ٤٤ صَلاةُ المِسكين
لَمحَةٌ عنِ المَقالَةa
١ ماذا يخطُرُ على بالِنا حينَ نُفَكِّرُ في الرَّحمَة؟
حينَ نُفَكِّرُ في الرَّحمَة، نتَخَيَّلُ شَخصًا لَطيفًا، حَنونًا، مُتَعاطِفًا، وكَريمًا. وقدْ يخطُرُ على بالِنا مَثَلُ يَسُوع عنِ السَّامِرِيِّ المُحِبِّ لِلقَريب. فحينَ رأى هذا السَّامِرِيُّ يَهُودِيًّا ضرَبَهُ اللُّصوص، «عامَلَهُ بِرَحمَةٍ» مع أنَّهُ مِن أُمَّةٍ أُخرى. فالسَّامِرِيُّ «أشفَقَ علَيه»، واهتَمَّ بهِ بِمَحَبَّة. (لو ١٠:٢٩-٣٧) يُعَلِّمُنا هذا المَثَلُ عن صِفَةٍ جَميلَة عِندَ إلهِنا: الرَّحمَة. فيَهْوَه يُحِبُّنا، لِذا يُظهِرُ لنا الرَّحمَةَ بِطُرُقٍ كَثيرَة كُلَّ يَوم.
٢ كَيفَ تَظهَرُ الرَّحمَةُ أيضًا؟
٢ حينَ نُفَكِّرُ أيضًا في الرَّحمَة، يخطُرُ على بالِنا شَخصٌ يُعفي أحَدًا مِنَ العِقابِ لِأنَّهُ وجَدَ مُبَرِّرًا لِذلِك. وفي هذا المَجال، يَهْوَه رَحيمٌ جِدًّا معنا. فهو «لم يُعامِلْنا حَسَبَ خَطايانا». (مز ١٠٣:١٠) ولكنْ أحيانًا، يُؤَدِّبُ يَهْوَه الخاطِئَ بِحَزم.
٣ أيَّةُ أسئِلَةٍ سنُجيبُ عنها في هذِهِ المَقالَة؟
٣ في هذِهِ المَقالَة، سنرى جَوابَ الكِتابِ المُقَدَّسِ عن ثَلاثَةِ أسئِلَة: لِماذا يُظهِرُ يَهْوَه الرَّحمَة؟ لِماذا التَّأديبُ الحازِمُ دَليلٌ على رَحمَتِه؟ وماذا يُساعِدُنا أن نُظهِرَ الرَّحمَة؟
لِماذا يُظهِرُ يَهْوَه الرَّحمَة؟
٤ لِماذا يُظهِرُ يَهْوَه الرَّحمَة؟
٤ بِسَبَبِ مَحَبَّتِه. كتَبَ الرَّسولُ بُولُس أنَّ اللّٰهَ «غَنِيٌّ بِالرَّحمَة». وفي ذلِكَ السِّياق، كانَ يُوضِحُ أنَّ اللّٰهَ رَحيمٌ لِأنَّهُ يُعطي رَجاءَ الحَياةِ السَّماوِيَّة لِلمُختارين، مع أنَّهُم ناقِصون. (اف ٢:٤-٧) لكنَّ يَهْوَه لا يُظهِرُ الرَّحمَةَ لِلمُختارينَ فَقَط. كتَبَ دَاوُد: «يَهْوَه صالِحٌ لِلكُلّ، ومَراحِمُهُ على كُلِّ أعمالِه». (مز ١٤٥:٩) فلِأنَّ يَهْوَه يُحِبُّ البَشَر، يُظهِرُ لهُمُ الرَّحمَةَ كُلَّما وجَدَ سَبَبًا لِذلِك.
٥ كَيفَ عرَفَ يَسُوع أنَّ يَهْوَه رَحيم؟
٥ يعرِفُ يَسُوع أكثَرَ مِن غَيرِهِ كم يُحِبُّ يَهْوَه أن يُظهِرَ الرَّحمَة. فقَبلَ أن يأتِيَ يَسُوع إلى الأرض، قضى مع أبيهِ في السَّماءِ وَقتًا طَويلًا جِدًّا. (ام ٨:٣٠، ٣١) ورَآهُ يرحَمُ تَكرارًا البَشَرَ الخُطاة. (مز ٧٨:٣٧-٤٢) لِذا حينَ علَّمَ يَسُوع النَّاس، كَثيرًا ما تحَدَّثَ عن هذِهِ الصِّفَةِ الجَميلَة عِندَ أبيه.
الأب لم يذلَّ ابنه، بل رحَّب به بين عائلته (أُنظر الفقرة ٦.)c
٦ كَيفَ علَّمَنا يَسُوع عن رَحمَةِ أبيه؟
٦ كما رأيْنا في المَقالَةِ السَّابِقَة، أوضَحَ يَسُوع مِن خِلالِ مَثَلِ الابْنِ الضَّالِّ كم يُحِبُّ يَهْوَه أن يُظهِرَ الرَّحمَة. فهذا الابْنُ ترَكَ البَيتَ و «بدَّدَ ما يملِكُ عائِشًا حَياةً خَليعَة». (لو ١٥:١٣) لكنَّهُ لاحِقًا تابَ عن حَياتِهِ الفاسِدَة، تَواضَع، ورجَعَ إلى البَيت. فماذا فعَلَ أبوه؟ أخبَرَ يَسُوع: «إذ كانَ [الابْنُ] لم يزَلْ بَعيدًا، أبصَرَهُ أبوهُ فأشفَقَ علَيه، وركَضَ ووَقَعَ على عُنُقِهِ وقبَّلَه». فالأبُ لم يُذِلَّ ابنَه، بل رحِمَهُ فَورًا. فقدْ سامَحَهُ ورحَّبَ بهِ بَينَ عائِلَتِه. صَحيحٌ أنَّ الابْنَ عمِلَ خَطَأً كَبيرًا، لكنَّ أباهُ سامَحَهُ لِأنَّهُ تابَ فِعلًا. والأبُ الرَّحيمُ في هذِهِ القِصَّةِ المُؤَثِّرَة يُمَثِّلُ يَهْوَه. وهكذا، علَّمَنا يَسُوع أنَّ أباهُ يرغَبُ أن يُسامِحَ الخُطاةَ الَّذينَ يتوبونَ فِعلًا. — لو ١٥:١٧-٢٤.
٧ كَيفَ ترتَبِطُ حِكمَةُ يَهْوَه بِرَحمَتِه؟
٧ بِسَبَبِ حِكمَتِهِ الفائِقَة. حِكمَةُ يَهْوَه لَيسَت صِفَةً خالِيَة مِنَ المَشاعِر. فالكِتابُ المُقَدَّسُ يقول: «الحِكمَةُ الَّتي مِن فَوق . . . مَلآنَةٌ بِالرَّحمَةِ والأعمالِ الصَّالِحَة». (يع ٣:١٧) فيَهْوَه أبٌ مُحِبّ، ويَعرِفُ أنَّ أولادَهُ يحتاجونَ إلى رَحمَتِه. (مز ١٠٣:١٣؛ اش ٤٩:١٥) فهي تُعطيهِم رَجاءً رَغمَ أنَّهُم ناقِصون. لِذا تدفَعُهُ حِكمَتُهُ الفائِقَة أن يُظهِرَ لَهُمُ الرَّحمَةَ كُلَّما وجَدَ سَبَبًا لِذلِك. ولكنْ في الوَقتِ نَفْسِه، يعرِفُ يَهْوَه متى لا يجِبُ أن يُظهِرَ الرَّحمَة. فلِأنَّهُ حَكيمٌ جِدًّا، لا يخلِطُ بَينَ الرَّحمَةِ والتَّساهُل.
٨ أيُّ إجراءٍ ضَرورِيٌّ أحيانًا، ولِماذا؟
٨ مَثَلًا، لِنفرِضْ أنَّ أحَدَ الإخوَةِ قرَّرَ أن يعيشَ حَياةً فاسِدَة. فماذا يحدُثُ في هذِهِ الحالَة؟ أوصانا بُولُس بِالوَحيِ أن ‹نكُفَّ عن مُخالَطَتِه›. (١ كو ٥:١١) فالخاطِئُ غَيرُ التَّائِبِ يُفصَلُ عنِ الجَماعَة. وهذا الإجراءُ ضَرورِيٌّ لِحِمايَةِ الإخوَةِ الأُمَناءِ والالتِزامِ بِمَقاييسِ يَهْوَه. لكنَّ البَعضَ لا يعتَبِرونَ أنَّ الفَصلَ دَليلٌ على رَحمَةِ يَهْوَه. فهل معهُم حَقّ؟
هلِ الفَصلُ دَليلٌ على الرَّحمَة؟
الراعي يعزل الخروف المريض، لكنه يظل يهتم به (أُنظر الفقرات ٩-١١.)
٩-١٠ حَسَبَ العِبْرَانِيِّين ١٢:٥، ٦، لِمَ الفَصلُ دَليلٌ على الرَّحمَة؟ أوضِح.
٩ حينَ نسمَعُ إعلانًا أنَّ أخًا نُحِبُّهُ «لم يعُدْ مِن شُهود يَهْوَه»، نتَضايَقُ ونحزَنُ كَثيرًا. وقدْ نتَساءَلُ هل كانَ فَصلُهُ ضَرورِيًّا فِعلًا. فكَيفَ يكونُ الفَصلُ دَليلًا على الرَّحمَة؟ لَيسَ مِنَ الحِكمَةِ أوِ الرَّحمَةِ أوِ المَحَبَّةِ أن لا يُؤَدَّبَ شَخصٌ يستَحِقُّ التَّأديب. (ام ١٣:٢٤) وهل يُساعِدُ الفَصلُ الخاطِئَ أن يتَغَيَّرَ ويَتوب؟ هذا حصَلَ مع كَثيرينَ مِنَ الَّذينَ وَقَعوا في خَطايا خَطيرَة. فقدْ أحَسُّوا أنَّ الفَصلَ كانَ صَدمَةً ساعَدَتهُم أن يعودوا إلى رُشدِهِم، يتوبوا ويُغَيِّروا سُلوكَهُم، ويَرجِعوا إلى يَهْوَه. — إقرإ العبرانيين ١٢:٥، ٦.
١٠ مَثَلًا، تخَيَّلْ راعِيًا يُلاحِظُ أنَّ أحَدَ خِرافِهِ مَريض. ويَعرِفُ أنَّ مَرَضَهُ هذا يتَطَلَّبُ أن يعزِلَهُ عن باقي الخِراف. لكنَّ الخَروفَ عادَةً يُحِبُّ أن يعيشَ ضِمنَ قَطيع، ويَنزَعِجُ حينَ يكونُ وَحدَه. فهل يكونُ الرَّاعي قاسِيًا إذا قرَّرَ أن يعزِلَه؟ طَبعًا لا. فالرَّاعي يعرِفُ أنَّ الخَروفَ سيُعدي باقيَ الخِرافِ إذا بقِيَ معهُم. لِذا، يعزِلُهُ لِيَحمِيَ كامِلَ القَطيع. — قارن اللاويين ١٣:٣، ٤.
١١ (أ) كَيفَ يُشبِهُ المَفصولُ خَروفًا مَريضًا؟ (ب) ماذا يقدِرُ المَفصولُ أن يفعَل، وأيَّةُ مُساعَدَةٍ ينالُها؟
١١ المَسيحِيُّ الَّذي يُفصَلُ يُشبِهُ ذلِكَ الخَروفَ المَريض. فهو مَريضٌ روحِيًّا. (يع ٥:١٤) والمَرَضُ الرُّوحِيّ، مِثلَ بَعضِ الأمراضِ الجَسَدِيَّة، يُمكِنُ أن يكونَ مُعدِيًا جِدًّا. لِذا، مِنَ الضَّرورِيِّ في بَعضِ الحالاتِ أن يُعزَلَ المَريضُ الرُّوحِيُّ عنِ الجَماعَة. وهذا التَّأديبُ دَليلٌ على مَحَبَّةِ يَهْوَه لِخِرافِهِ الأُمَناء. ويُمكِنُ أن يُؤَثِّرَ في قَلبِ الخاطِئِ ويَدفَعَهُ إلى التَّوبَة. كما أنَّ المَفصولَ يقدِرُ أن يحضُرَ الاجتِماعاتِ الَّتي تُغَذِّيهِ روحِيًّا. ويَقدِرُ أيضًا أن يحصُلَ على المَطبوعاتِ لِيَقرَأَها ويَدرُسَها، ويُشاهِدَ البَرامِجَ الشَّهرِيَّة على مَحَطَّةِ JW. إضافَةً إلى ذلِك، يُراقِبُ الشُّيوخُ تَقَدُّمَهُ ويُساعِدونَه. فمِن وَقتٍ لِآخَر، يُعطونَهُ نَصائِحَ وإرشاداتٍ لِيَستَعيدَ صِحَّتَهُ الرُّوحِيَّة ويَعودَ إلى الجَماعَة.b
١٢ ماذا تدفَعُ المَحَبَّةُ والرَّحمَةُ الشُّيوخَ أن يفعَلوا أحيانًا؟
١٢ مِنَ المُهِمِّ أن نتَذَكَّرَ أنَّ الخاطِئَ لا يُفصَلُ إلَّا إذا كانَ غَيرَ تائِب. والشُّيوخُ لا يستَخِفُّونَ أبَدًا بِهذِهِ المَسألَة. بل يُفَكِّرونَ جَيِّدًا قَبلَ أن يفصِلوا أحَدًا. فهُم يعرِفونَ أنَّ يَهْوَه يُؤَدِّبُ «بِاعتِدال». (ار ٣٠:١١) كما أنَّهُم يُحِبُّونَ إخوَتَهُم، ولا يُريدونَ أن يفعَلوا شَيئًا يُؤذيهِم روحِيًّا. ولكنْ حينَ يكونُ الخاطِئُ غَيرَ تائِب، تدفَعُهُمُ المَحَبَّةُ والرَّحمَةُ أن يفصِلوهُ عنِ الجَماعَةِ فَترَةً مِنَ الوَقت.
١٣ لِماذا لزِمَ أن يُفصَلَ أحَدُ المَسيحِيِّينَ في كُورِنْثُوس؟
١٣ لاحِظْ كَيفَ تعامَلَ الرَّسولُ بُولُس مع خاطِئٍ غَيرِ تائِبٍ في القَرنِ الأوَّل. ففي جَماعَةِ كُورِنْثُوس، كانَ أحَدُ المَسيحِيِّينَ يرتَكِبُ العَهارَةَ مع زَوجَةِ أبيه. وهذِهِ خَطِيَّةٌ بَشِعَة جِدًّا. قالَ يَهْوَه لِلإسْرَائِيلِيِّينَ قَديمًا: «مَن يُقيمُ عَلاقَةً جِنسِيَّة مع زَوجَةِ أبيه، يَجلُبُ العارَ على أبيه. يَجِبُ أن يُقتَلَ الاثنان». (لا ٢٠:١١) طَبعًا، ما كانَ بُولُس لِيَحكُمَ على هذا الرَّجُلِ بِالمَوت. لكنَّهُ أوصى أن يُفصَلَ عنِ الجَماعَة. فسُلوكُهُ كانَ يُؤَثِّرُ على الإخوَةِ الآخَرين، حتَّى إنَّ البَعضَ لم يخجَلوا مِن تَصَرُّفِهِ الفَظيع. — ١ كو ٥:١، ٢، ١٣.
١٤ كَيفَ أظهَرَ بُولُس الرَّحمَةَ لِلرَّجُلِ المَفصولِ في كُورِنْثُوس، ولِماذا؟ (٢ كورنثوس ٢:٥-٨، ١١)
١٤ لاحِقًا، عرَفَ بُولُس أنَّ الرَّجُلَ قامَ بِتَغييراتٍ كَبيرَة دلَّت أنَّهُ تائِبٌ فِعلًا. فماذا فعَلَ بُولُس؟ مع أنَّ هذا الرَّجُلَ شوَّهَ سُمعَةَ الجَماعَة، قالَ بُولُس لِلشُّيوخ: «لا أُريدُ أن أكونَ قاسِيًا جِدًّا». وأوصاهُم أن يُسامِحوهُ ويُعَزُّوه. ثُمَّ أوضَحَ لهُمُ السَّبَبَ قائِلًا: «لِئَلَّا يُبتَلَعَ مِثلُ هذا مِن فَرطِ حُزنِه». فبُولُس أشفَقَ على الرَّجُلِ التَّائِب، ولم يُرِدْ أن يسحَقَهُ الشُّعورُ بِالذَّنْبِ فيَتَوَقَّفَ عن طَلَبِ الغُفران. — إقرأ ٢ كورنثوس ٢:٥-٨، ١١.
١٥ كَيفَ يُوازِنُ الشُّيوخُ بَينَ الحَزمِ والرَّحمَة؟
١٥ مِثلَ يَهْوَه، يُحِبُّ الشُّيوخُ أن يُظهِروا الرَّحمَة. فهُم يُظهِرونَ الحَزمَ عِندَ الضَّرورَة، والرَّحمَةَ كُلَّما أمكَن. وهكَذا لا يخلِطونَ بَينَ الرَّحمَةِ والتَّساهُل. ولكنْ هلِ الشُّيوخُ هُمُ الوَحيدونَ الَّذينَ يجِبُ أن يُظهِروا الرَّحمَة؟
ماذا يُساعِدُنا جَميعًا أن نُظهِرَ الرَّحمَة؟
١٦ حَسَبَ الأمْثَال ٢١:١٣، كَيفَ يتَعامَلُ يَهْوَه معَ الَّذينَ لا يُظهِرونَ الرَّحمَة؟
١٦ على كُلِّ المَسيحِيِّينَ أن يتَمَثَّلوا بِرَحمَةِ يَهْوَه. لِماذا؟ أحَدُ الأسبابِ هو أنَّ يَهْوَه لا يسمَعُ صَلَواتِ الَّذينَ لا يُظهِرونَ الرَّحمَة. (إقرإ الامثال ٢١:١٣.) طَبعًا، لا أحَدَ مِنَّا يُريدُ أن يرفُضَ يَهْوَه سَماعَ صَلَواتِه. لِذا يجِبُ أن ننتَبِهَ لِئَلَّا نصيرَ قُساةً وبِلا رَحمَة. فبَدَلَ أن نتَجاهَلَ وَجَعَ أخينا، لِنَكُنْ مُستَعِدِّينَ دائِمًا أن نسمَعَ «صُراخَ تَشَكِّي المِسكين». ولْنُبقِ في بالِنا أنَّ «مَن لا يُظهِرُ الرَّحمَةَ سيُحاسِبُهُ اللّٰهُ بِلا رَحمَة، لِأنَّ الرَّحمَةَ تَنتَصِرُ وَقتَ الحِساب». (يع ٢:١٣) فإذا كُنَّا مُتَواضِعينَ وتذَكَّرنا كم نحتاجُ إلى الرَّحمَة، نرغَبُ أكثَرَ أن نُظهِرَها. ومُهِمٌّ خُصوصًا أن نُظهِرَ الرَّحمَةَ لِلخاطِئِ الَّذي يتوبُ ويَعودُ إلى الجَماعَة.
١٧ كَيفَ أظهَرَ دَاوُد الرَّحمَة؟
١٧ نجِدُ في الكِتابِ المُقَدَّسِ أمثِلَةً تُساعِدُنا أن نُظهِرَ الرَّحمَةَ ونتَجَنَّبَ القَسوَة. المَلِكُ دَاوُد مَثَلًا أظهَرَ الرَّحمَةَ مَرَّاتٍ كَثيرَة. فمع أنَّ شَاوُل أرادَ أن يقتُلَه، رحِمَ دَاوُد هذا المَلِكَ الَّذي عيَّنَهُ يَهْوَه، ولم يُحاوِلْ أن ينتَقِمَ مِنهُ أو يُؤذِيَه. — ١ صم ٢٤:٩-١٢، ١٨، ١٩.
١٨-١٩ متى لم يُظهِرْ دَاوُد الرَّحمَة؟
١٨ لكنَّ دَاوُد لم يُظهِرِ الرَّحمَةَ دائِمًا. فمَرَّةً، رفَضَ رَجُلٌ قاسٍ اسْمُهُ نَابَال أن يُعطِيَ طَعامًا لِدَاوُد ورِجالِه، وتكَلَّمَ عنهُ بِقِلَّةِ احتِرام. فغضِبَ دَاوُد جِدًّا، وقرَّرَ أن يقتُلَ نَابَال وكُلَّ الرِّجالِ في بَيتِه. لكنَّ أبِيجَايِل، زَوجَةَ نَابَال اللَّطيفَة والصَّبورَة، تصَرَّفَت بِسُرعَة. وبِفَضلِها، لم يرتَكِبْ دَاوُد جَريمَةَ قَتل. — ١ صم ٢٥:٩-٢٢، ٣٢-٣٥.
١٩ في مَرَّةٍ أُخرى، حكى النَّبِيُّ نَاثَان لِدَاوُد عن رَجُلٍ غَنِيٍّ سرَقَ مِن جارِهِ الفَقيرِ نَعجَتَهُ الَّتي يُحِبُّها. فغضِبَ دَاوُد كَثيرًا وقال: «حَيٌّ هو يَهْوَه، إنَّ الرَّجُلَ الفاعِلَ ذلِك يستَحِقُّ المَوت». (٢ صم ١٢:١-٦) لكنَّ دَاوُد كانَ يعرِفُ ماذا تقولُ الشَّريعَة. فالَّذي يسرِقُ نَعجَةً لزِمَ أن يُعَوِّضَ عنها بِأربَعِ نَعجات. (خر ٢٢:١) إذًا، ألَمْ يكُنْ دَاوُد قاسِيًا جِدًّا حينَ حكَمَ على السَّارِقِ بِالمَوت؟ على أيِّ حال، كانَت هذِهِ قِصَّةً اختَرَعَها نَاثَان كَي يُوضِحَ لِدَاوُد بَشاعَةَ جَرائِمِه. ويَهْوَه كانَ أرحَمَ بِكَثيرٍ مِن دَاوُد، ولم يحكُمْ علَيهِ مِثلَما حكَمَ هو على السَّارِق. — ٢ صم ١٢:٧-١٣.
الملك داود لم يُظهِر الرحمة حين سمع قصة ناثان (أُنظر الفقرتين ١٩-٢٠.)d
٢٠ ماذا نتَعَلَّمُ مِن دَاوُد؟
٢٠ لاحِظْ أنَّ دَاوُد كانَ غاضِبًا جِدًّا حينَ قرَّرَ أن يقتُلَ نَابَال وكُلَّ رِجالِه. ولاحِقًا، حكَمَ دَاوُد بِالمَوتِ على السَّارِقِ في قِصَّةِ نَاثَان. فلِمَ أصدَرَ هذا الحُكمَ القاسي، مع أنَّهُ كانَ رَحيمًا عادَةً؟ فكِّرْ كَيفَ كانَت حالَةُ دَاوُد. ففي ذلِكَ الوَقت، كانَ ضَميرُهُ يُعَذِّبُه. مِنَ الواضِحِ إذًا أنَّ الحُكمَ على الآخَرينَ بِقَسوَةٍ هو دَليلُ ضُعفٍ روحِيّ. كما أنَّ يَسُوع حذَّرَنا بِشِدَّة: «لا تَحكُموا على أحَدٍ كَي لا يُحكَمَ علَيكُم. فبِالطَّرِيقَةِ الَّتي تَحكُمونَ بها على الآخَرينَ سيُحكَمُ علَيكُم». (مت ٧:١، ٢) فلْنَعمَلْ جُهدَنا إذًا كَي لا نكونَ قُساة، بل ‹أغنِياءَ بِالرَّحمَةِ› مِثلَ إلهِنا.
٢١-٢٢ كَيفَ يُمكِنُ أن نُظهِرَ الرَّحمَة؟
٢١ كَي نكونَ رُحَماء، لا يكفي أن نُشفِقَ على الآخَرين. فالرَّحمَةُ تدفَعُنا أن نُساعِدَهُم أيضًا. لِذا علَينا أن ننتَبِهَ لِحاجاتِ عائِلَتِنا، جَماعَتِنا، والنَّاسِ حَولَنا. فلا شَكَّ أنَّ هُناكَ فُرَصًا كَثيرَة لِنُظهِرَ لهُمُ الرَّحمَة. مَثَلًا، هل تعرِفُ شَخصًا يحتاجُ إلى تَعزِيَة؟ هل تقدِرُ أن تُحَضِّرَ لِأحدٍ وَجبَةَ طَعامٍ أو تُظهِرَ لَهُ اهتِمامَكَ بِطَريقَةٍ أُخرى؟ هل تعرِفُ مَسيحِيًّا أُعيدَ إلى الجَماعَةِ يحتاجُ إلى أصدِقاءَ يُشَجِّعونَه؟ وهل تبحَثُ عن فُرَصٍ لِتُبَشِّرَ النَّاسَ وتُعطِيَهُم أمَلًا؟ فلا تنسَ أنَّ هذِهِ هي أفضَلُ طَريقَةٍ تُظهِرُ بها الرَّحمَةَ لِكُلِّ الَّذينَ تلتَقيهِم. — اي ٢٩:١٢، ١٣؛ رو ١٠:١٤، ١٥؛ يع ١:٢٧.
٢٢ إذًا، حينَ ننتَبِهُ لِحاجاتِ الآخَرين، نجِدُ فُرَصًا كَثيرَة لِنُظهِرَ الرَّحمَة. وحينَ نستَغِلُّ هذِهِ الفُرَص، نُفَرِّحُ جِدًّا أبانا السَّماوِيّ، الإلهَ «الغَنِيَّ بِالرَّحمَة».
التَّرنيمَة ٤٣ صَلاةُ شُكر
a الرَّحمَةُ مِن أجمَلِ صِفاتِ يَهْوَه، وعلَينا جَميعًا أن نتَمَثَّلَ به. لِذا سنرى في هذِهِ المَقالَةِ لِماذا يُظهِرُ يَهْوَه الرَّحمَة، لِماذا التَّأديبُ دَليلٌ على رَحمَتِه، وكَيفَ نكونُ رُحَماءَ مِثلَه.
b في هذا العَدَد، تُظهِرُ مَقالَة «صلِّحْ عَلاقَتَكَ بِيَهْوَه» كَيفَ يُصلِّحُ المَسيحِيُّ الَّذي أُعيدَ إلى الجَماعَةِ عَلاقَتَهُ بِيَهْوَه، وكَيفَ يُساعِدُه الشُّيوخ.
c وصف الصورة: الأب وهو على سطح بيته يرى ابنه راجعًا من بعيد، فيركض للقائه.
d وصف الصورة: الملك داود يعذِّبه ضميره، لذلك يغضب كثيرًا حين يسمع قصة ناثان ويحكم على السارق بالموت.