مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • يمكنكم ان تجدوا الفرح في عالم يسبِّب الكآ‌بة!‏
    برج المراقبة ١٩٩٠ | ١ آذار (‏مارس)‏
    • يمكنكم ان تجدوا الفرح في عالم يسبِّب الكآ‌بة!‏

      لدى ماري طبع متفائل،‏ مرح.‏ ومن الصعب التصديق انه منذ مجرد سنوات قليلة وصفت هذه المرأة،‏ البالغة من العمر ٣٢ سنة،‏ نفسها بأنها ميتة في الداخل.‏ لقد كانت ماري ضحية الكآ‌بة الخطيرة.‏ «كان ذلك كسحابة قاتمة كبيرة انقشعت تدريجيا،‏» توضح.‏ نعم،‏ ولسعادتها تعافت واستعادت فرحها.‏

      كل سنة توهن الكآ‌بة الشديدة عزيمة مئة مليون شخص في كل العالم!‏ وهذا الاضطراب ليس مجرد حالة نفسية مُغِمّة عابرة يختبرها معظمنا من حين الى آخر.‏ فالكآ‌بة الشديدة تشمل غمًّا لا يلين.‏ والشخص المكتئب يفقد الاهتمام بالحياة،‏ لا يجد المتعة في ايّ شيء،‏ ويملك مشاعر اليأس العام وعدم الجدارة.‏ وفي سنة ١٩٨٣ ذكرت منظمة الصحة العالمية:‏ «ليس ثمة شك الآن في ان اضطرابات الكآ‌بة تحصل في كل انحاء العالم.‏»‏

      لا يندهش تلاميذ الكتاب المقدس المتيقظون من هذا التقرير.‏ فالكتاب المقدس يحدِّد زمننا بأنه «الايام الاخيرة،‏» التي تميِّزها «ازمنة صعبة.‏» (‏٢ تيموثاوس ٣:‏١-‏٥‏)‏ والبنى الاجتماعية التي كانت في الماضي تزوِّد الدعم في اوقات الازمات العاطفية قد تهدَّمت.‏ وفي المقالة «عصر السوداوية؟‏»،‏ ينسب الدكتور جيرالد كليرمان ازدياد الكآ‌بة الحالي الى هذا التغيير.‏ ويوضح:‏ «ان انظمة الدعم الاجتماعية الثلاثة الاكثر شيوعا كانت العائلة،‏ الكنيسة،‏ والجوار القريب.‏ .‏ .‏ .‏ وميزة الوقت الحاضر ان كل انظمة الدعم الاجتماعية الثلاثة هذه هي في درجات مختلفة من الفوضى.‏»‏

      لقد كان تفكُّك عائلة ماري ما قاد الى يأسها.‏ «عندما غادرت زوجة ابي دون كلمة شعرتُ بأنني مغدورة ووحيدة.‏ كان عمري ١٢ سنة،‏ وفجأة بدا عالمي مقلوبا رأسا على عقب،‏» تذكر ماري.‏ وبعد ذلك بوقت قصير اضطرت الى مغادرة البيت لأن اباها قام باقترابات فاسدة ادبيا نحوها،‏ وتعترف:‏ «شعرتُ بأنني غير طبيعية،‏ وفقدتُ كل ثقة بنفسي.‏» وهكذا ابتدأ غوصها في الكآ‌بة الخطيرة.‏

      وذات يوم عندما كانت ماري مكتئبة للغاية قام اثنان من شهود يهوه بزيارة بيتها.‏ وفي الحال اظهرت اهتماما كبيرا برسالتهما المبهجة من الكتاب المقدس.‏ «في السابق،‏ كنت ارى مجرد عدم جدوى الحياة التام والكثير جدا من الامور البشعة،‏ أمّا الآن فصرت مقتنعة بأنه يمكنني العيش في عالم جديد حيث سيقوِّم اللّٰه كل هذه المظالم.‏ وبمساعدة اللّٰه يمكنني ان أتأهَّل لمثل هذه البركة؛‏ وهكذا،‏ اتَّخذتْ حياتي معنى حقيقيا.‏» وإذ حضرَت اجتماعات الشهود وجدَت المحبة الاصيلة والدعم العاطفي.‏ (‏يوحنا ١٣:‏٣٤،‏ ٣٥‏)‏ والمشورة المقدَّمة ببراعة من شيوخ الجماعة ساعدتها ايضا ان تبدأ بتغيير تفكيرها السلبي.‏ (‏يعقوب ٥:‏١٤‏)‏ فابتدأت كآ‌بتها تخفّ.‏ وأعداد وافرة من الاشخاص الآخرين الذين هم،‏ مثل ماري،‏ مكتئبون بسبب احوال العالم يجدون «فرح يهوه» بالإقبال الى معرفة حق الكتاب المقدس الدقيقة.‏ —‏ نحميا ٨:‏١٠‏،‏ ع‌ج؛‏ ١ تيموثاوس ٢:‏٤‏.‏

      ولكن،‏ هل زالت كآ‌بة ماري على الفور؟‏ وهل يجب ان نفترض ان المسيحيين لديهم مناعة من الكآ‌بة؟‏ للاجابة عن هذين السؤالين لا بدّ ان نلقي اكثر من نظرة سطحية على هذا الاضطراب ومسبِّباته المعقَّدة.‏ فمعرفة الجذور الحقيقية للكآ‌بة يمكن ان تجعلكم اكثر نجاحا في معالجتها في نفسكم او في مساعدة شخص مصاب بها.‏

      جذور الكآ‌بة الشديدة

      في بعض الحالات تكون للكآ‌بة مسبِّبات فيزيولوجية،‏ كالمرض،‏ النقص في الغذاء،‏ والمشاكل الهرمونية.‏ وقد يكون ذلك ايضا ردّ فعل لبعض الذيفانات toxins،‏ الملوِّثات،‏ العلاجات،‏ ومولِّدات الحساسية.‏a ومع ذلك،‏ يكشف الكتاب المقدس ان «كثرة هموم» المرء قد تكون احد المسبِّبات ايضا.‏ —‏ مزمور ٩٤:‏١٩‏.‏

      ان معظم الاشخاص الذين يصيرون مكتئبين،‏ مثل ماري،‏ قد واجهوا عددا من الاختبارات غير السارة على نحو مؤلم او حالات الاجهاد.‏ ويشعر كثيرون كصاحب المزمور:‏ «قد شبعتْ من المصائب نفسي .‏ .‏ .‏ اكتنفتني معا.‏ ابعدتَ [يهوه] عني محِبًّا وصاحبا.‏ معارفي في الظلمة.‏» (‏مزمور ٨٨:‏٣،‏ ١٧،‏ ١٨‏)‏ وهكذا،‏ كصاحب المزمور،‏ يشعرون بأن المشاكل او الخسائر تغمرهم ويعتبرون حياتهم بوجه عام ميؤوسا منها.‏ وقد يشعرون وكأنهم وحدهم تماما في الظلمة وأنه حتى اللّٰه قد نبذهم.‏

      فلماذا يتوصَّلون الى مثل هذا الاستنتاج المثبِّط،‏ مطوِّرين في الواقع روحا منسحقة؟‏ ليس ذلك فقط بسبب مشاكلهم الخارجية؛‏ انه ناجم ايضا عن المشاعر او الهواجس المؤلمة بشأن انفسهم.‏ فهم يشعرون بعدم الكفاءة لمعالجة المشكلة او الخسارة.‏ «(‏بألم)‏ القلب تنسحق الروح،‏» توضح امثال ١٥:‏١٣‏.‏ وألم للقلب كهذا يشمل الشعور بأن المرء فاشل او ان الآخرين يعتقدون ذلك.‏ وحتى أبفرودِتس احد مسيحيي القرن الاول،‏ بعد ان تعافى من مرض خطير خلال مهمة رتَّبتها جماعته المحلية،‏ صار «مكتئبا لسماع [الجماعة] بمرضه.‏» —‏ فيلبي ٢:‏٢٥-‏٣٠‏،‏ ترجمة تفسيرية.‏

      وبما ان «الروح المنسحقة تجفِّف العظم،‏» او تقوِّض كيان المرء عينه،‏ فإن مشاعر اعتبار الذات اعتبارا بَخْسًا غالبا ما تكون في جذر الكآ‌بة الخطيرة.‏ (‏امثال ١٧:‏٢٢‏)‏ وألم القلب قد يسبِّبه ايضا القلق الشديد جدا بشأن كيفية نظر الآخرين الينا،‏ الرغبة في الكمال،‏ الغضب غير المحسوم،‏ الاستياء،‏ الخلافات التي لا تُبَتّ مع الآخرين،‏ او الشعور بالذنب (‏أحقيقيا كان ام مبالغا فيه)‏.‏

      وهكذا فإن مسبِّبات الكآ‌بة الخطيرة كثيرة.‏ ومع ذلك،‏ وجدت ماري الفرح الحقيقي بعد ان صارت مسيحية.‏ «لقد صار لي رجاء حينذاك،‏» قالت.‏ ولكنْ،‏ لبعض الوقت كان عليها بعدُ ان تحتمل الكآ‌بة.‏ فكيف يمكن لأشخاص كهؤلاء ان يتغلَّبوا عليها في النهاية؟‏

  • ربْح المعركة ضد الكآ‌بة
    برج المراقبة ١٩٩٠ | ١ آذار (‏مارس)‏
    • ربْح المعركة ضد الكآ‌بة

      ‏«ان الامر الاكثر سحقا الذي كان عليّ ان اعالجه،‏» اعترفت لولا،‏ «هو ذنب الشعور باليأس لأنني،‏ كواحدة من خدام يهوه،‏ اعتقدت انه لا يجب ان اشعر هكذا.‏» وغالبا ما يكون سوء الفهم الشائع هذا اول عدوّ لا بدّ ان يهزمه المسيحي المكتئب.‏ وأضافت لولا:‏ «حالما توقَّفتُ عن معاقبة نفسي ذهنيا على الشعور كما كنت اشعر وركَّزتُ تفكيري في الشفاء تمكَّنتُ على نحو افضل من التغلُّب على الكآ‌بة.‏» نعم،‏ ان الكآ‌بة بحدّ ذاتها ليست سببا لتفكِّروا انكم قد خذلتم اللّٰه.‏

      وكما ذُكر في المقالة السابقة،‏ قد يكون مسبِّب الكآ‌بة فيزيولوجيًّا.‏ وفي سنة ١٩١٥،‏ قبل زمن طويل من البحث الحديث الذي يربط امراضا جسدية كثيرة بالكآ‌بة،‏ ذكرت برج المراقبة:‏ «ان ثقل الروح هذا،‏ او الشعور بالوحدة والكآ‌بة،‏ هو طبيعي احيانا عند كل البشر .‏ .‏ .‏ وتزيد[ه] الى حدّ ما حالة الصحة الجسدية.‏» ولذلك،‏ اذا بقيت حالة الاكتئاب النفسية،‏ يمكن لفحص طبي عمومي يجريه طبيب ان يكون مساعدا.‏ وإذا كانت الحالة متطرِّفة فربَّما يجب على المرء ان يعالج هذا الاضطراب عند اختصاصي متخصِّص في الكآ‌بة.‏a

      ولكن حتى عندما لا يكون المسبِّب جسديا ليس واقعيا التوقُّع ان لا يحزن او يتثبَّط ابدا خادم اللّٰه.‏ تأمَّلوا كيف صارت حنة الامينة ‹مُرَّة النفس وبكت بكاء.‏› (‏١ صموئيل ١:‏٧،‏ ١٠‏)‏ ونحميا ايضا ‹بكى وناح اياما.‏› وعانى «كآ‌بة قلب.‏» (‏نحميا ١:‏٤؛‏ ٢:‏٢‏)‏ وأيوب كره حياته وشعر بأن اللّٰه تخلّى عنه.‏ (‏ايوب ١٠:‏١؛‏ ٢٩:‏٢،‏ ٤،‏ ٥‏)‏ والملك داود قال ان روحه أَعيت فيه وأن قلبه تحيَّر.‏ (‏مزمور ١٤٣:‏٤‏)‏ والرسول بولس تكلَّم عن امتلاك ‹مخاوف من داخل› وأنه ‹مسحوق› او «مطروح» عاطفيا.‏ —‏ ٢ كورنثوس ٤:‏٩؛‏ ٧:‏٥،‏ ٦‏،‏ ترجمة تفسيرية.‏

      وعلى الرغم من ان جميع هؤلاء كانوا خداما امناء للّٰه،‏ فإن الضيقات،‏ المخاوف،‏ او خيبات الامل المُرَّة المختلفة سبَّبت لهم الاسى لوقت قصير.‏ ولكن،‏ لم يكن اللّٰه قد تخلَّى عنهم او نزع روحه القدوس.‏ وحالة اكتئابهم النفسية لم تكن ناجمة عن الفشل الروحي.‏ فذات مرة عندما كان داود حزينا توسَّل في الصلاة:‏ «فرِّح نفس عبدك.‏» وعزَّى اللّٰه داود في اثناء ‹يوم الضيق› هذا وساعده،‏ في حينه،‏ ان يفرح.‏ (‏مزمور ٨٦:‏١،‏ ٤،‏ ٧‏)‏ وعلى نحو مشابه سيساعد يهوه خدامه الآن.‏

      وبما ان الكآ‌بة ليست بحدّ ذاتها برهانا على الفشل الروحي او الضعف العقلي لا يجب على المسيحي المصاب بها ان يلتزم الصمت بسبب الإحراج.‏ وبالاحرى،‏ يجب عليه ان يتَّخذ احدى الخطوات الاهم في محاربة هذا الاضطراب.‏ فما هي؟‏

      اسكبوا مشاعركم

      يجب عليه ان يتحدَّث الى شخص ما عن ذلك.‏ وأمثال ١٢:‏٢٥ تقول:‏ «الغمّ في قلب الرجل يحنيه والكلمة الطيِّبة تفرِّحه.‏» وما من انسان آخر يمكنه ان يعرف شدة الغمّ في قلبكم إنْ لم تُفصِحوا وتتحدَّثوا عنه.‏ وإذ تأتمنون شخصا يتَّصف بالتقمص العاطفي ويمكنه ان يساعد ستعرفون على الارجح ان الآخرين كانت لديهم مشاعر ومشاكل مماثلة.‏ وأيضا،‏ ان التعبير عن المشاعر بالكلمات هو عملية شافية،‏ اذ يريح القلب ان تعبِّروا عن الاختبار المؤلم بدلا من حبسه.‏ لذلك،‏ يجب على الانفس المكتئبة ان تأتمن رفيق الزواج،‏ احد الوالدَين،‏ او صديقا رؤوفا وكفءا روحيا.‏ —‏ غلاطية ٦:‏١‏.‏

      ان جزءا من مشكلة ماري (‏المذكورة في المقالة السابقة)‏ كان انها حبست العواطف المزعجة التي قادت الى كآ‌بتها.‏ «على مرّ السنين كنت اضع مثل هذا القناع،‏» قالت.‏ «لم يكن الآخرون ليتخيَّلوا على الاطلاق ان لديّ مشكلة كهذه تتعلَّق بمشاعر عدم الجدارة تلك.‏» ولكنّ ماري تحدَّثت بصراحة الى شيخ في الجماعة.‏ وبواسطة الاسئلة الفطِنة ‹استقى› الشيخ من قلبها الغمّ الذي كانت تحمله وساعدها على فهم نفسها بشكل افضل.‏ (‏امثال ٢٠:‏٥‏)‏ وكلماته الطيِّبة من الاسفار المقدسة منحتها الطمأنينة.‏ «للمرة الاولى ابتدأتُ انال المساعدة لمعالجة بعض المشاعر التي ساهمت في كآ‌بتي،‏» اوضحت ماري.‏

      وهكذا فإن التحدُّث الى شيخ متفهِّم يمكن ان يزوِّد «ماء» منعشا روحيا للشخص الذي ‹نفسه كأرض يابسة.‏› (‏اشعياء ٣٢:‏١،‏ ٢؛‏ مزمور ١٤٣:‏٦‏)‏ والمشير الروحي ذو الفطنة يمكن ايضا ان يساعدكم لتروا كيف يمكنكم اتِّخاذ خطوات عملية لمعالجة ما كنتم ربَّما تعتبرونه حالة ميؤوسا منها.‏ (‏امثال ٢٤:‏٦‏)‏ ولكن يلزم اكثر من مجرد ائتمان شخص آخر.‏

      أدرِكوا قيمتكم الحقيقية

      ان مشاعر عدم الجدارة هي عامل كبير في الكآ‌بة.‏ وربَّما بسبب الطفولة غير السعيدة يكون لدى بعض المسيحيين اعتبارٌ للذات بَخْسٌ.‏ ولكن على الرغم من ان الاساءة الجسدية،‏ العاطفية،‏ او الجنسية في الماضي قد تركت ندوبا عاطفية،‏ فإن ذلك لا يغيِّر جدارة الشخص.‏ وهكذا،‏ لا بدّ ان تجاهدوا لتكون لكم نظرة متزنة الى قيمتكم الحقيقية كشخص.‏ «أُوصي كل واحد بينكم،‏» حثَّ الرسول بولس،‏ «ألاّ يقدِّر نفسه تقديرا يفوق حقَّه،‏ بل ان يكون متعقِّلا في تفكيره.‏» (‏رومية ١٢:‏٣‏،‏ ترجمة تفسيرية‏)‏ وفيما تحترزون من العجرفة ينبغي ان تحاولوا عدم التطرُّف الى الجهة الاخرى.‏ وأولئك الذين لديهم علاقة باللّٰه هم اعزّاء،‏ مشتهى بالنسبة اليه،‏ لأنه يختار البشر ليصيروا له «خاصة.‏» فيا له من امتياز رائع!‏ —‏ ملاخي ٣:‏١٧؛‏ حجي ٢:‏٧‏.‏

      وأيضا،‏ يا له من شرف ان نكون ‹عاملين مع اللّٰه› بالانهماك في عمل التلمذة المسيحي.‏ (‏١ كورنثوس ٣:‏٩؛‏ متى ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ وقد وجد مسيحيون مكتئبون كثيرون ان هذا العمل يبني الجدارة الذاتية.‏ «حتى بعد ان صرت مسيحية شعرت بعدم الكفاءة،‏» اعترفت ماري.‏ ومع ذلك،‏ واظبتْ على عمل الكرازة،‏ والتقتْ ذات يوم شابة مصابة بعطب في الدماغ تريد ان تتعلَّم الكتاب المقدس.‏ «كانت تحتاج الى شخص يكون صبورا عليها،‏ لأنها كانت بطيئة في التعلُّم،‏» قالت ماري.‏ «ولأنها اخذت الكثير جدا من انتباهي صرفتُ النظر عن نفسي وعن عدم كفاءتي.‏ لقد احتاجت الى مساعدتي،‏ وأدركتُ انه يمكنني تقديمها لها بقوة يهوه.‏ ورؤيتها تعتمد شجَّعتني تشجيعا يفوق حدّ التعبير.‏ فنما اعتباري لذاتي،‏ وتلاشت الكآ‌بة الخطيرة نهائيا.‏» فما اصحّ ان «المُروي هو ايضا يُروى»!‏ —‏ امثال ١١:‏٢٥‏.‏

      ومع ذلك،‏ يتجاوب اشخاص مكتئبون كثيرون كما تجاوبت امرأة مسيحية مكتئبة بشدة،‏ اعترفت قائلة:‏ «على الرغم من انني اعمل بكدّ كبير لأنظِّف وأطهو ولأكون مضيفة،‏ فانني اعود وأنتقد على نفسي بقسوة كل عيب صغير.‏» ومثل هذا الايجاد غير المنطقي للعيوب يضعف جدا اعتبار الذات.‏ تذكَّروا ان إلهنا متفهِّم و «لا (‏يستمر في ايجاد العيوب)‏ الى الابد.‏» (‏مزمور ١٠٣:‏٨-‏١٠،‏ ١٤‏)‏ فإذا كان يهوه،‏ الذي يملك شعورا بالصواب اسمى ممّا نملك نحن،‏ لا يضايقنا باستمرار بكل عيب صغير وهو على استعداد لإظهار مثل هذا التسامح،‏ أفلا يجب ان نسعى الى التمثُّل به في تعاملاتنا مع انفسنا؟‏

      ان لجميعنا نقائص ونقاط ضعف.‏ ولكن لنا نقاط قوة ايضا.‏ والرسول بولس لم يتوقَّع التفوُّق من نفسه في كل مساعيه.‏ «ان كنت عامّيا في الكلام فلست في العلم،‏» ذكر.‏ ولم يشعر بولس بأنه اقل شأنا لمجرد انه ربّما لم يكن متفوِّقا كخطيب عام.‏ (‏٢ كورنثوس ١١:‏٦‏)‏ وبصورة مماثلة،‏ ينبغي للاشخاص المكتئبين ان يركِّزوا على الامور التي يقومون بها جيدا.‏

      ان «مع (‏المحتشمين)‏ حكمة،‏» او مع اولئك الذين يدركون ويعترفون بحدودهم.‏ (‏امثال ١١:‏٢‏)‏ فكلٌّ منا هو شخص فريد،‏ بظروف،‏ طاقة جسدية،‏ وقدرات مختلفة.‏ وإذ تخدمون يهوه من كل النفس،‏ فاعلين ما يمكنكم،‏ يُسَرّ.‏ (‏مرقس ١٢:‏٣٠-‏٣٣‏)‏ فاللّٰه ليس شخصا لا يكتفي ابدا بجهود عبّاده المخلصين.‏ قالت ليورا،‏ مسيحية حاربت كآ‌بتها بنجاح:‏ «لا افعل حسنا ككل شخص آخر في بعض الامور،‏ كالعروض في خدمة الحقل.‏ ولكنني احاول.‏ وما اقوم به هو افضل ما لديّ.‏‏»‏

      معالجة الاخطاء وسوء الفهم

      ولكن،‏ ماذا اذا ارتكبتم خطأ خطيرا؟‏ ربَّما تشعرون كالملك داود،‏ الذي ‹ذهب حزينا اليوم كله› بسبب آثامه،‏ او خطيته.‏ ولكنّ هذا الشعور عينه قد يكون دليلا على انكم لم تذهبوا الى ابعد ممّا ينبغي وترتكبوا خطية لا تُغتفر!‏ (‏مزمور ٣٨:‏٣-‏٦،‏ ٨‏)‏ ومشاعر الذنب يمكن ان تُظهر ان الذي اخطأ له قلب مستقيم وضمير صالح.‏ لذلك كيف يمكن معالجة الذنب؟‏ هل صلَّيتم من اجل مغفرة اللّٰه واتَّخذتم الخطوات لتصحِّحوا الخطأ؟‏ (‏٢ كورنثوس ٧:‏٩-‏١١‏)‏ اذا كان الامر كذلك،‏ فليكن لكم الايمان برحمة مَن يُكثر الغفران فيما تصمِّمون ان لا تكرِّروا الخطية.‏ (‏اشعياء ٥٥:‏٧‏)‏ وإذا جرى تأديبكم فلا ‹تخوروا اذا وُبِّختم،‏ لأن الذي يحبه الرب يؤدِّبه.‏› (‏عبرانيين ١٢:‏٥،‏ ٦‏)‏ فلمثل هذا التوبيخ قصد المساعدة على اعادة الخروف الضالّ.‏ وهو لا يحطّ من قيمته كشخص.‏

      وإنْ دانتنا قلوبنا لا يلزم ان نستنتج ان يهوه قد داننا.‏ «نُسكِّن قلوبنا قدامه.‏ لأنه إنْ لامتنا قلوبنا فاللّٰه اعظم من قلوبنا ويعلم كل شيء.‏» (‏١ يوحنا ٣:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ فيهوه يرى اكثر من خطايانا وأخطائنا.‏ وهو يعرف بالظروف المخفِّفة،‏ كامل مسلك حياتنا،‏ دوافعنا ونوايانا.‏ وعِظَم معرفته يمكِّنه من الاصغاء بتعاطف الى صلواتنا الجدية من اجل المغفرة،‏ كما اصغى الى داود.‏

      ان سوء الفهم مع الآخرين والافراط في القلق بشأن نيل استحسانهم يساهمان ايضا في ان يكون لنا عدم الجدارة الذاتية،‏ وربَّما ايضا في الشعور بأننا مرفوضون.‏ وبسبب النقص،‏ قد يتحدَّث اليكم رفيق مسيحي بطريقة تبدو غير حسّاسة او غير لطيفة.‏ ومع ذلك،‏ يمكن ازالة الكثير من سوء الفهم بإخبار الشخص كيف تأثَّرتم بالملاحظة.‏ (‏قارنوا متى ٥:‏٢٣،‏ ٢٤‏.‏)‏ وأيضا،‏ نصح سليمان:‏ «لا تضع قلبك على كل الكلام الذي يُقال.‏» ولماذا؟‏ «لأن قلبك ايضا يعلم انك انت كذلك مرارا كثيرة سَبَبْتَ آخرين.‏» (‏جامعة ٧:‏٢١،‏ ٢٢‏)‏ لا تتوقَّعوا على نحو غير واقعي الكمال من نفسكم او من علاقاتكم بالبشر الناقصين الآخرين.‏ كونوا مسرعين في الغفران وتحمُّل الآخرين.‏ —‏ كولوسي ٣:‏١٣‏.‏

      وفضلا عن ذلك،‏ ان قيمتكم الحقيقية لا تُقاس بصورة رئيسية بما اذا كنتم محبوبين من الآخرين او لا.‏ والمسيح ‹لم يُعتدَّ به،‏› وقد ‹ثُمِّن (‏من وجهة نظر الآخرين)‏› بالقليل جدا.‏ (‏اشعياء ٥٣:‏٣؛‏ زكريا ١١:‏١٣‏)‏ فهل غيَّر ذلك قيمته الحقيقية او الطريقة التي ثمَّنه بها اللّٰه؟‏ لا،‏ فحتى لو كنا كاملين،‏ كيسوع،‏ لا يمكننا ان نرضي كل شخص.‏

      القوة على الاحتمال

      احيانا،‏ قد تبقى الكآ‌بة الخطيرة رغم جهودنا للتغلُّب عليها.‏ ويمكن للالم العاطفي ايضا ان يجعل بعض المسيحيين يشعرون كما شعر يونان:‏ «موتي خير من حياتي.‏» (‏يونان ٤:‏١-‏٣‏)‏ ومع ذلك،‏ لم يكن كربه دائما.‏ فقد تخطّاه.‏ لذلك،‏ اذا جعلت الكآ‌بة حياتكم تبدو شيئا لا يُطاق،‏ فتذكَّروا انها كالضيقة التي قال بولس انها «وقتية.‏» (‏٢ كورنثوس ٤:‏٨،‏ ٩،‏ ١٦-‏١٨‏)‏ فستنتهي!‏ وما من حالة هي ميؤوس منها.‏ ويهوه يعد ان ‹يحيي قلب المنسحقين.‏› —‏ اشعياء ٥٧:‏١٥‏.‏

      لا تتوقَّفوا ابدا عن الصلاة،‏ حتى لو بدت صلواتكم عبثا.‏ فداود توسَّل:‏ «اسمع يا اللّٰه صراخي .‏ .‏ .‏ اذا غُشي على قلبي.‏ الى صخرة ارفع مني تهديني.‏» (‏مزمور ٦١:‏١،‏ ٢‏)‏ وكيف يهدينا اللّٰه الى الثقة الداخلية التي يبدو بلوغها صعبا بقوتنا الخاصة؟‏ تجيب آيلين،‏ التي كافحت الكآ‌بة لسنوات:‏ «لم يدعني يهوه استسلم.‏ وذلك يمنحني الرجاء انني اذا استمررت في المحاولة يستمر هو في المساعدة.‏ ومعرفة حق الكتاب المقدس ابقتني ناشطة حرفيا.‏ وبطرائق مختلفة كثيرة —‏ الصلاة،‏ الخدمة،‏ الاجتماعات،‏ المطبوعات،‏ العائلة،‏ والاصدقاء —‏ زوَّدني يهوه القوة لأستمر في المحاولة.‏»‏

      انظروا الى الاضطراب كامتحان لإيمانكم.‏ «اللّٰه امين،‏» يؤكِّد لنا الرسول بولس.‏ «لا يدعكم تجرَّبون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة ايضا المنفذ لتستطيعوا ان تحتملوا.‏» (‏١ كورنثوس ١٠:‏١٣‏)‏ نعم،‏ سيمنحكم اللّٰه «القوة (‏فوق ما هو عادي)‏» لتحملوا اي عبء عاطفي.‏ —‏ ٢ كورنثوس ٤:‏٧‏.‏

      عالم جديد دون كآ‌بة!‏

      وعد اللّٰه قريبا ان يزيل،‏ بواسطة ملكوته السماوي،‏ جميع الاحوال التي تسبِّب الكآ‌بة على ارضنا.‏ وكلمته تعلن:‏ «[انا] خالق سموات جديدة وأرضا جديدة فلا تُذكر الاولى ولا تخطر على بال.‏ بل افرحوا وابتهجوا الى الابد في ما انا خالق.‏» (‏اشعياء ٦٥:‏١٧،‏ ١٨‏)‏ لقد تمَّت هذه الكلمات بصورة اولية قديما في السنة ٥٣٧ ق‌م،‏ وقتما رُدَّت امة اسرائيل القديمة الى موطنها.‏ وقد رنَّم شعبه آنذاك:‏ «صرنا مثل الحالمين.‏ حينئذ امتلأت افواهنا ضحكا وألسنتنا ترنُّما.‏» (‏مزمور ١٢٦:‏١،‏ ٢‏)‏ وما اعظم ما يكون الاتمام النهائي لهذه النبوة المبهجة للقلب،‏ الذي سيتحقَّق قريبا في عالم اللّٰه الجديد!‏ —‏ ٢ بطرس ٣:‏١٣؛‏ رؤيا ٢١:‏١-‏٤‏.‏

      وفي ظل ملكوت اللّٰه (‏‹السموات الجديدة›)‏ سيُرَدّ مجتمع بار من الناس على الارض (‏‹الارض الجديدة›)‏ الى الصحة العاطفية،‏ الجسدية،‏ والروحية الكاملة.‏ ليس ان هؤلاء الاشخاص لن يكون لهم ايّ تذكُّر للماضي،‏ ولكن نظرا الى كل الامور السارة التي ستكون لهم آنذاك ليفكِّروا فيها ويفرحوا بها لن يكون هنالك ايّ سبب ليذكروا او ليركِّزوا على كل اختبارات الماضي المحزنة.‏ تخيَّلوا ان تستيقظوا كل صباح بذهن صافٍ كالبلّور،‏ مشتاقين الى المضي في النشاط اليومي —‏ دون ان تشوِّشكم في ما بعد حالة الاكتئاب!‏

      وإذ اقتنعت كاملا بحقيقة هذا الرجاء قالت لولا (‏المذكورة في البداية)‏:‏ «كان التذكُّر ان ملكوت يهوه سيقوِّم هذه المشكلة مساعدي الاعظم.‏ وعرفتُ ان الكآ‌بة لن تدوم الى الابد.‏» نعم،‏ يمكنكم التيقُّن ان اللّٰه قريبا سيجعل الانتصار المطلق على الكآ‌بة ممكنا!‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة