درِّبوا ولدكم في الطريق الصحيح — وافعلوا ذلك من الطفولية!
«لا شك ان فترة الطفولية هي الاغنى. وينبغي الافادة منها بالتعلُّم بكل طريقة ممكنة ومعقولة. وتبديد هذه الفترة من الحياة لا يمكن التعويض عنه على الاطلاق. وبدلا من تجاهل السنوات المبكرة، من واجبنا ان نتعهدها بأفضل عناية.» — الدكتورة الكسيس كريل.
هنالك حاجة الى برمجة العقل والقلب على السواء. وقد تُرهب الناس انجازات العقل الباهرة، لكنّ اللّٰه ينظر الى القلب. فالعلم في الرأس يميل الى ان ينفخ، أما المحبة في القلب فهي التي تبني. وتحتاج العقول النيِّرة الى قلوب مُحبة لانه «من فضلة القلب يتكلم الفم.» ومن هذا القلب المجازي تخرج ايضا اعمال صالحة وردية. (متى ١٢:٣٤، ٣٥؛ ١٥:١٩؛ ١ صموئيل ١٦:٧؛ ١ كورنثوس ٨:١) ولذلك فيما يكون مهما تنبيه عقول الاولاد فان الاهم ايضا غرس المحبة في قلوبهم.
وثمة مُبدِئ لذلك مبني في الداخل عند الولادة. وهو يدعى رابطا. فالام تُمسك طفلها، تحضنه، تلاطفه، وتحدثه بتودد. والطفل بدوره ينظر بتركيز الى امه. فيحدث رابط، وتُثار غرائز الامومة، ويشعر الطفل بالامن. وتعتقد بعض المراجع انه «هنالك فترة حساسة في الدقائق والساعات القليلة الاولى التي تلي ولادة الطفل هي الاحسن للتعلّق بين الوالدين والاطفال.»
بداية حسنة، ولكنها مجرد بداية. فالطفل عاجز وهو يعتمد بشكل رئيسي على امه من اجل حاجاته الفورية — الجسدية والعاطفية على السواء. فدون طعام يتضور الطفل جوعا، ويمكن ايضا ان يجوع عاطفيا. والحضن، المعانقة، الهزهزة، اللعب، التودد — كلها تنبِّه تطور الدماغ. وقد جرى تشبيه هذا التنبيه بغذاء للدماغ. ومن دونه يُسلب الدماغ قوته ويُعاق نموه للحياة. وبسبب هذا الاهمال يمكن ان يصير عدائيا، جانحا وعنيفا. فالامومة هي من الاولويات للطفل وللمجتمع — اهم من اية مهنة عالمية!
دور الاب
الاب غير مستثنى. فان كان حاضرا عند الولادة يبتدئ رباط بين الاب والطفل. واذ تمر الاسابيع والشهور يتسع تأثير دوره بسرعة، كما يُظهر الدكتور ت. بيري برازلتون، الاختصاصي في حقل تطور الاولاد.
«يحتاج كل ولد الى ام وأب،» يقول، «وفي وسع كل اب ان يُحدث فرقا. فبالنسبة الى الطفل ليست حيازة اب ناشط مهتم كحيازة مجرد مزيد من الامومة.» ويشير الى تقرير اظهر الفرق بين طرائق معاملة الامهات والآباء للاولاد. «مالت الامهات الى الاتصاف باللطف والكبت مع اطفالهن. ومن ناحية ثانية، لاعب الآباء اطفالهم وداعبوهم ولكزوهم اكثر مما فعلت الامهات.»
ولكنّ الآباء يعطون الاولاد اكثر من مجرد التسلية. وهو يقول: «حيث يكون هنالك اب ناشط ينمو الولد ليكون انجح في المدرسة، وصاحب روح نكتة افضل، ومنسجما بشكل افضل مع الاولاد الآخرين. ويثق بنفسه اكثر ويندفع الى التعلُّم بشكل افضل. وما ان يصير الولد في السادسة او السابعة حتى يغدو حاصل الذكاء لديه اعلى.»
يوصي يهوه اللّٰه بعلاقة تعليم لصيقة بين الاب والابن: «لتكن هذه الكلمات التي انا اوصيك بها اليوم على قلبك وقصها على اولادك وتكلم بها حين تجلس في بيتك وحين تمشي في الطريق وحين تنام وحين تقوم.» (تثنية ٦:٦، ٧) لا بداية فجوة جيل هنا!
تدريب من الطفولية
هنالك مراحل او اطوار في تطور الاطفال على مر السنين من الولادة الى الست سنوات: التناسق العضلي، المهارات الكلامية، الصفات العاطفية، قوى الذاكرة، القدرات التفكيرية، الضمير، وغيرها. وعندما يكبر دماغ الطفل بسرعة، وتأتي هذه المراحل تباعا، فآنذاك هو الوقت الملائم للتدريب في هذه القدرات المختلفة.
وآنذاك يتشرّب دماغ الطفل هذه القدرات او الصفات كما تمتص الاسفنجة الماء. فاذا نال المحبة يتعلم ان يحب. واذا جرى التحدث اليه والقراءة عليه يتعلم التحدث والقراءة على السواء. واذا وُضع على الزلاَّجة يصير خبير تزلُّج. واذا عُرِّض للاستقامة يتشرَّب المبادئ الصائبة. أما اذا مرَّت مراحل التعلم المؤاتية دون معلومات مناسبة فيغدو اكتساب هذه الصفات والقدرات اصعب في ما بعد.
يعترف الكتاب المقدس بذلك فينصح الآباء: «درِّب الصبي على حسب طريقه فمتى شاخ لم يحد عنه.» (امثال ٢٢:٦، يس) وتعليق كيل-دليتزخ ينقلها هكذا: «أعطِ الولد الارشاد بانسجام مع طريقه.» والكلمة العبرانية المترجمة «درِّب» تعني ايضا «لقِّن» وتشير هنا الى تلقين الطفل الارشاد الاول. فأعطوا ذلك على حسب طريق الولد، بانسجام مع طريقه، وفق مراحل تطوره التي يمر بها. هذا هو الوقت الملائم ليتشرب ذلك بسهولة، وما يتعلمه في غضون هذه السنين ذات الاثر الفعّال في تكوينه سيبقى على الارجح معه.
هذا هو ايضا رأي معظم دارسي التطور البشري: «لم نُثبت قط في البحث المتعلق بتطور الاولاد قدرة قوية على تغيير أنماط الشخصية الباكرة او المواقف الاجتماعية الباكرة.» وهم يقرّون بامكان حدوث ذلك، ولكن «في معظم الاحيان لن يجري تحقيق العلاج.» ومع ذلك تحصل استثناءات كثيرة بقدرة حق اللّٰه على احداث التغيير. — افسس ٤:٢٢، ٢٤، كولوسي ٣:٩، ١٠.
واللغة هي مثال جيد على التدريب الممنوح في الوقت الصحيح. فالاطفال مبرمجون وراثيا للتكلم، ولكن لكي تعمل مثل هذه المجموعة من الدارات الدماغية المبنية في الداخل بأقصى فعالية يجب ان يتعرَّض الطفل للاصوات الكلامية في المرحلة الصحيحة من التطور. والنمو في مراكز الكلام ينفجر بين الـ ٦ أشهر والـ ١٢ شهرا اذا تحدَّث البالغون الى الطفل في احيان كثيرة. ويتسارع هذا النمو بين الـ ١٢ شهرا والـ ١٨ شهرا اذ يدرك الطفل ان الكلمات لها معان.
وهو يتعلَّم الكلمات قبل تمكنه من النطق بها. وخلال السنة الثانية من الحياة فان هذه المفردات المتلقاة، او السلبية، قد تمتد من بضع كلمات الى عدة مئات. وذكَّر الرسول بولس تيموثاوس، «انك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة.» (٢ تيموثاوس ٣:١٥) والمعنى الحرفي لكلمة «طفولية» هو «غير ناطق.» فمن المرجح جدا ان تكون الاسفار المقدسة قد قُرئت على تيموثاوس فيما كان لا يزال طفلا، وهكذا عرف الكثير من كلمات الكتاب المقدس قبل تمكنه من النطق بها.
والنقطة هي ان هنالك اوقاتا محددة في تطور الولد يمكن فيها تعلُّم بعض الامور بسهولة، وتقريبا بالتشرب. أما اذا مرّت هذه الاوقات دون التنبيه اللازم فلن تتطور القدرات كاملا. وعلى سبيل المثال، ان لم يسمع الاولاد ايّ كلام على الاطلاق حتى سنوات لاحقة فانهم سيتعلمونه ببطء شديد وبكد عظيم، وعادة بدون اتقان على الاطلاق.
اقرأوا على طفلكم من الطفولية
متى تبتدئون؟ من البداية. اقرأوا على مولودكم الحديث. ‹ولكنه لن يفهم!› متى ابتدأتم تكلمونه؟ ‹في الحال، طبعا.› وهل فهم ما كنتم تقولونه؟ ‹لا، ولكن . . .› اذاً لمَ لا تقرأون عليه؟
اذ يكون الطفل في حضنكم، وذراعكم حوله، وأنتم تضمونه اليكم، يشعر بأنه آمن ومحبوب. وقراءتكم عليه هي اختبار سار. انها تترك انطباعا. وهو يقرن بالقراءة شعورا بالفرح. والاطفال مُقلِّدون، والآباء هم امثلة نموذجية. فهو يريد ان يحذو حذوكم. وهو يريد ان يقرأ. ويُمثِّل دور القارئ. وفي ما بعد يختبر افراح القراءة.
وبسبب ذلك تأتي فائدة كبيرة اخرى — عادةً لا يصير مدمنا على التلفزيون. ولا يجلس شاخص البصر ليشاهد ألوف الطعنات، حوادث اطلاق الرصاص، الجرائم، حوادث الاغتصاب، والعهارة والزنا. فيستطيع ان يوقف التلفزيون، ويستطيع ان يفتح كتابا ويقرأ. انه انجاز فعلا في هذه الايام المفعمة بالامية والادمان على التلفزيون!
محبة الولد تتطلب وقتا
طبعا، تتطلب القراءة على الاولاد وقتا. ويتطلب اللعب مع طفلكم وقتا، مداعبته بالكلمات والحركات، مراقبته وهو يكتشف، يبتدئ الحركات، يبحث عن شيء جديد، يُشبع فضوله، ينبِّه القدرة على الابداع. فالابوة تتطلب وقتا. ومن الافضل ان تبتدئوا فيما اولادكم اطفال. ففي اغلب الاحيان تبتدئ فجوة الجيل آنذاك، ونادرا ما تنتظر حتى سن المراهقة. وروبرت ج. كيشان، الذي يمثل في برامج الاولاد بصفته الكابتن كنغارو، يخبر كيف يمكن ان يحدث ذلك:
«تنتظر البنت الصغيرة، والابهام في فمها، واللعبة في يدها، بشيء من نفاد الصبر، مجيء الاب الى البيت. فهي ترغب في ان تروي اختبارا صغيرا عن اللعب بالرمل. وهي متحمسة للمشاركة في الاثارة التي عرفتها في ذلك اليوم. يحين الوقت، ويصل الاب. واذ ترهقه ضغوط العمل غالبا ما يقول الاب للبنت، ‹ليس الآن يا حبيبتي. انا مشغول، اذهبي وشاهدي التلفزيون.› انها الكلمات التي تقال اكثر في العديد من البيوت الاميركية، ‹انا مشغول، اذهب وشاهد التلفزيون.› وان لم يكن الآن فمتى؟ ‹في وقت لاحق.› ولكن نادرا ما يأتي هذا الوقت اللاحق . . .
«تمر السنون وتكبر البنت. ونعطيها اللُّعب والثياب. نعطيها ثياب المصمِّمين وجهاز ستيريو ولكننا لا نعطيها ما تحتاج اليه اكثر، وقتنا. وها هي في الرابعة عشرة، شاخصة البصر، متورطة في امر ما. ‹حبيبتي، ما الذي يحدث؟ حدِّثيني، حدِّثيني.› لقد فات الاوان. فات الاوان. فقد فاتتنا المحبة. . . .
«عندما نقول للولد، ‹ليس الآن، في وقت لاحق.› عندما نقول، ‹اذهب وشاهد التلفزيون.› وعندما نقول، ‹لا تطرح اسئلة كثيرة.› عندما نفشل في اعطاء صغارنا الشيء الوحيد الذي يطلبونه منا، وقتنا. وعندما نفشل في محبة الولد. فلسنا غير مبالين. نحن ببساطة اكثر انشغالا من ان نحب ولدا.»
صحيح ان محبتكم لولدكم تتطلب الوقت. ليس مجرد الوقت لتغذية جسده بالطعام وكسو جسمه ثيابا بل الوقت لملء قلبه بالمحبة. لا بمحبة توزَن، تُقاس، وتوزع حصصا بل بمحبة فيّاضة و «محبة بلا تمييز،» كما يدعوها بورتن ل. وايت، مؤلف «السنوات الثلاث الاولى من الحياة.» قال: «من عدم الحكمة ان ينقل الآباء العاملون عمل تربية الاولاد الرئيسي الى شخص آخر، وخصوصا الى مراكز الرعاية. لقد جعلتُ الكثير من البنادورة يُرمى عليَّ بسبب هذا التصريح، الا ان همّي هو ما يكون افضل للاطفال.» وهو يعتبر هذا «ما يكون افضل للاطفال،» ومع ذلك يدرك ان هذا الامر المثالي ليس ممكنا اقتصاديا على الدوام حيث ينبغي ان يعمل احد الابوين او كلاهما.
التأديب — موضوع حساس!
ويُرمى الكثير من البنادورة على الكتاب المقدس ايضا بسبب مشورته في التأديب. «مَن يمنع عصاه يمقت ابنه ومن احبه يطلب له التأديب.» (امثال ١٣:٢٤) وعن هذه الآية تقول حاشية «الكتاب المقدس الدراسي للترجمة الاممية الجديدة»: «عصا. لعلها لغة مجازية تدل على التأديب من ايّ نوع.» و «قاموس فاين التفسيري لكلمات العهد القديم والجديد» يعرِّف «العصا» بأنها «صولجان، رمز الى السلطة.»
والسلطة الابوية قد تشمل الصفع، ولكنها في اكثر الاحيان لا تحتاج اليه. وبحسب ٢ تيموثاوس ٢:٢٤، ٢٥، يجب على المسيحيين ان يكونوا ‹مُترفِّقين بالجميع . . . (مرشدين) بالوداعة.› وكلمة «مرشدين» هنا مترجمة من الكلمة اليونانية التي تعني التأديب. وينبغي ان يُمنح التأديب حسب مشاعر الاولاد: «وأنتم ايها الآباء لا تغيظوا اولادكم بل ربوهم بتأديب الرب وانذاره.» — افسس ٦:٤.
يقول علماء النفس الذين يدافعون عن التساهل انكم تكرهون ولدكم اذا صفعتموه. وذلك غير صحيح. فالتساهل امر مكروه. وقد أطلق فيضا من جناح الاحداث والاجرام في كل مكان من الارض وسبَّب الكرب لملايين الآباء. والامر هو كما تقول الامثال ٢٩:١٥: «الصبي المطلق الى هواه يُخجل امه.» وتحت عنوان «الآباء الصوارم ضد المتساهلين» تقول الدكتورة جويس براذرز:
«ان دراسة حديثة على حوالى ٠٠٠,٢ من الصف الخامس والسادس — تربَّى بعضهم على ايدي آباء صوارم، وآخرون على ايدي آباء متساهلين — اظهرت بعض النتائج المذهلة. فالاولاد الذين جرى تأديبهم بصرامة امتلكوا احتراما ساميا للذات و [كانوا] اصحاب انجازات رفيعة اجتماعيا واكاديميا.» وهل كانوا مستائين من آبائهم الصوارم؟ كلا، «اعتقدوا ان السلطات الابوية قد وُضعت لخير الاولاد — وكانت تعبيرا عن المحبة الابوية.»
ويقول وايت انكم اذا اتصفتم بالصرامة مع ولدكم لا حاجة الى الخوف من «ان يحبكم اقل مما اذا اتصفتم باللين. فالاولاد في السنة الاولى والثانية من الحياة لا ينفصلون بسهولة عمن يعتنون بهم بشكل رئيسي؛ وحتى اذا صفعتموهم قانونيا ستجدون انهم يواصلون الرجوع اليكم.»
افضل المحاضرات قاطبة
انتم. مثالكم. انتم المثال النموذجي لولدكم. فهو يصغي الى ما انتم عليه اكثر مما الى ما تقولونه. وهو يسمع كلامكم، لكنه يقلِّد اعمالكم. فولدكم انما هو مقلِّد. ولذلك، ماذا تريدون ان يكون؟ محبا، لطيفا، كريما، مولعا بالدراسة، ذكيا، مجتهدا، تلميذا ليسوع، عابدا ليهوه؟ مهما يكن الامر، كونوا هكذا انتم نفسكم.
اذاً، درِّبوا ولدكم من الطفولية فيما ينمو دماغه بسرعة، متشرِّبا المعلومات والمشاعر للعقل والقلب. أما اذا مرّت سنوات التكوين الحرجة هذه ولم تنغرس الشخصية الالهية في ولدكم، فما القول آنذاك؟ لا تيأسوا. من الممكن ايضا حدوث التغيير وهو يحدث للملايين، الصغار والكبار على السواء، بقوة اللّٰه. «اخلعوا الشخصية العتيقة مع ممارساتها،» تقول كلمة اللّٰه، «والبسوا الشخصية الجديدة التي بالمعرفة الصحيحة تتجدد حسب صورة ذاك الذي خلقها.» — كولوسي ٣:٩، ١٠، عج.
[الصور في الصفحة ٨]
مع الاب: وقت للقراءة، ووقت للعب
[الصورة في الصفحة ١٠]
وقت الاستحمام يمكن ان يكون تسلية