-
العالم اسير إدمان المخدِّراتاستيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
العالم اسير إدمان المخدِّرات
بواسطة مراسل استيقظ! في اسپانيا
طفل مولود حديثا يملأ احد مستشفيات مدريد في اسپانيا صراخا. وتحاول الممرضة جاهدةً ان تهدِّئه، ولكن دون جدوى. فالطفل يتألم من آثار الانقطاع عن الهيروئين. والاسوأ من ذلك انه مصاب بڤيروس الأيدز. فقد كانت امه مدمنة على الهيروئين.
أُمّ في لوس انجلوس تقود سيارتها دون تعمُّد في شارع تسيطر عليه عصابة من تجار المخدِّرات. فتُستقبل بوابل من الرصاص يقضي على طفلتها.
على بُعد آلاف الكيلومترات، يزرع فلاح في افغانستان حقلا من الخشخاش. والموسم جيد، اذ ان الانتاج ازداد ٢٥ في المئة. والخشخاش الذي يُصنع منه الافيون يدرُّ مالا كثيرا، وعائلة الفلاح تعاني ضائقة معيشية خانقة. لكنَّ نباتات الخشخاش الجميلة هذه ستتحول الى هيروئين، والهيروئين يدمِّر حياة الناس.
مراهقة خجولة في سيدني، اوستراليا، تذهب الى ملهى ليلي كل ليلة سبت. لقد كانت تستصعب الاختلاط بالناس، لكنَّ حبة تدعى «إكستازي» تناولتها مؤخرا اعطتها ثقة جديدة بنفسها. كانت هذه الحبوب قد هُرِّبت الى اوستراليا من هولندا، مع ان المختبرات المحلية بدأت هي ايضا بإنتاجها. وتحسِّن حبوب «إكستازي» وقع الموسيقى في اذني الفتاة، وتزيل مخاوفها. حتى انها تشعر بأنها اجمل.
عندما بدأ مانويل، مزارع قوي يكسب لقمة عيشه من العمل في مزرعته الصغيرة في جبال الأنديز، يزرع الكوكا، تحسَّن وضعه المعيشي قليلا. يريد مانويل ان يكفّ عن زرع هذه النبتة، لكنه يخشى ان يثير غضب الرجال العديمي الرحمة الذين يتحكمون في إنتاج الكوكا في منطقته.
هذه مجرد امثلة قليلة للجوانب البشرية الكامنة وراء بلية المخدِّرات التي تدمِّر كوكبنا.a وسواء كان هؤلاء الناس مستهلكين او منتجين او متفرِّجين ابرياء، تُحكِم المخدِّرات قبضتها على حياتهم.
ما مدى جسامة مشكلة المخدِّرات؟
يذكر كوفي انان، الامين العام للامم المتحدة: «المخدِّرات تمزِّق مجتمعاتنا، تولِّد الجريمة، تنشر الامراض كالأيدز، وتقتل شبابنا ومستقبلنا». ويضيف: «هنالك اليوم ما يقدَّر بـ ١٩٠ مليون شخص يتعاطى المخدِّرات حول العالم. وما من بلد مستثنى. ولا يمكن ان يتوقع ايّ بلد ايقاف المتاجرة بالمخدِّرات ضمن حدوده بالاعتماد على قدرته الذاتية فقط. فالمتاجرة العالمية النطاق بالمخدِّرات تتطلب تحرُّكا دوليا».
وما يزيد الطين بلّة هو ظهور المخدِّرات الاصطناعيةb في السنوات الاخيرة. وهذه المواد الكيميائية الاصطناعية مصمَّمة لتولِّد عند متعاطيها شعورا بالنشوة. وبما انه يمكن صنع هذه المخدِّرات بسعر رخيص في ايّ مكان تقريبا، تكاد قوات الشرطة تعجز عن مكافحتها. وفي سنة ١٩٩٧ حذَّرت لجنة الامم المتحدة المختصة بالمخدِّرات من ان هذه المخدِّرات الاصطناعية صارت في بلدان كثيرة جزءا من «الحضارة الاستهلاكية السائدة» وأنه يجب اعتبارها «خطرا كبيرا على المجتمع الدولي في القرن المقبل».
وليست فعالية المخدِّرات الحديثة اضعف من سابقاتها. فكوكائين الكراك يسبِّب الادمان اكثر من الكوكائين. وثمة سلالات جديدة من القنَّبc تولِّد تأثيرات هلوسة اكبر، وقد يكون المخدِّر الاصطناعي الجديد الذي يدعى «آيس» الاكثر تدميرا.
المال والسلطة من المخدِّرات
مع ان متعاطي المخدِّرات لا يشكلون سوى اقلية، فأعدادهم كافية لتمنح اقطاب المخدِّرات، الذين ينظمون إنتاج المخدِّرات وتوزيعها، سلطة كبيرة. ويدير هؤلاء الافراد العديمو الضمير نشاطا غير مشروع يدرُّ اعلى نسبة من الارباح بين كل النشاطات التجارية على الارض، ويكاد يكون اوسعها انتشارا. فالصفقات التجارية المتعلقة بالمخدِّرات قد تشكّل حاليا نحو ٨ في المئة من كل التجارة الدولية، او ما يناهز الـ ٠٠٠,٠٠٠,٠٠٠,٤٠٠ دولار اميركي سنويا. وبالتداول العالمي للاموال التي تدرُّها المخدِّرات، يغتني اعضاء العصابات وتفسد قوات الشرطة ويرتشي السياسيون، وتُموَّل ايضا العمليات الارهابية.
فهل يمكن فعل شيء لكبح مشكلة المخدِّرات؟ وإلى ايّ حد تؤثر تجارة المخدِّرات في دخلكم وسلامتكم وحياة اولادكم؟
[الحواشي]
a نشير في هذه المقالات الى المخدِّرات التي تُستعمل لأغراض غير طبية وتوزَّع بطريقة غير مشروعة.
b مخدِّر ذو تركيب كيميائي معدَّل قليلا، وغالبا ما يُنتَج للتهرُّب من القيود المفروضة على المخدِّرات او مولِّدات الهلوسة غير المشروعة.
c الاطراف المزهرة العليا المجفَّفة لنبتة القنَّب هي مصدر الماريجوانا. والراتنج من النبتة نفسها هو الحشيشة. وكلاهما يدخنهما متعاطو المخدِّرات.
[الخريطة في الصفحتين ٤ و ٥]
(اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)
إنتاج المخدِّرات والمتاجرة بها حول العالم
مناطق الإنتاج الرئيسية:
القنَّب — عشبيًّا (الماريجوانا) وراتنجيًّا (الحشيشة)
الهيروئين
الكوكائين
تشير الاسهم الى طرق المتاجرة الرئيسية.
-
-
تأثير المخدِّرات غير المشروعة في حياتكماستيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
تأثير المخدِّرات غير المشروعة في حياتكم
كما يتسبب العفن بتفسخ دعائم البيت الخشبية، كذلك يمكن للمخدِّرات ان تقوِّض كامل بنية المجتمع. ولكي يعمل المجتمع البشري كما يجب، ينبغي ان تكون العائلات مستقرة، العمّال في صحة جيدة، الحكومات محط ثقة، الشرطة نزيهة، والمواطنون مطيعين للقانون. لكنَّ المخدِّرات تُفسد كل عنصر من هذه العناصر الاساسية.
وأحد الاسباب التي تدفع الحكومات الى حظر استعمال المخدِّرات غير الطبية هو الضرر الذي تُلحقه بصحة مواطنيها. فكل سنة يموت آلاف المدمنين على المخدِّرات بسبب تناولهم جرعة مفرطة. ويموت عدد اكبر بالأيدز. وفي الواقع، نحو ٢٢ في المئة من حاملي ڤيروس الأيدز حول العالم هم متعاطو مخدِّرات حقنوا انفسهم بإبر ملوَّثة. ولسبب وجيه حذَّر ناصر بن حمد آل خليفة، من دولة قطر، في مؤتمر حديث للامم المتحدة، من ان «القرية العالمية على وشك ان تصير مقبرة جَماعية لملايين الكائنات البشرية نتيجة المتاجرة غير المشروعة بالمخدِّرات».
لكنَّ الامر لا يتعلق فقط بصحة المتعاطي. فحوالي ١٠ في المئة من الاطفال الذين يولدون في الولايات المتحدة يتعرَّضون لمخدِّر غير مشروع — الكوكائين في اغلب الحالات — وهم لا يزالون داخل الرحم. وليست اعراض الانقطاع المؤلمة المشكلة الوحيدة التي يواجهها هؤلاء، فالتعرُّض للمخدِّرات في الرحم قد يترك آثارا مضرة اخرى عند المولودين الجدد، آثارا عقلية وجسدية على السواء.
الجاذب الذي لا يقاوَم: المال السهل من المخدِّرات
هل تشعرون بالامان في منطقتكم بعد حلول الظلام؟ اذا كان الجواب كلا، فالسبب على الارجح هو تجار المخدِّرات. فالاعتداء على الافراد والعنف في الشوارع يسيران جنبا الى جنب مع المخدِّرات، لأنه غالبا ما يلجأ متعاطو المخدِّرات الى الجريمة او البغاء لتمويل عادتهم، في حين ان العصابات المتنافسة تحارب وتقتل لتحافظ على هيمنتها على سوق توزيع المخدِّرات. فلا عجب ان تعتبر الشرطة المخدِّرات، في مدن كثيرة، عاملا في اغلبية جرائم القتل التي يحقِّقون فيها.
وفي بعض البلدان يلجأ الخارجون على القانون ايضا الى القوة للاستفادة من تجارة المخدِّرات المربحة. فثمة عصابة كبيرة في اميركا الجنوبية تجني حاليا نصف دخلها من تأمين الحماية لتجار المخدِّرات. ويخبر برنامج الامم المتحدة الدولي لمكافحة المخدِّرات: «ان العائدات من المخدِّرات غير المشروعة تموِّل بعض اعنف الصراعات الدينية والعرقية في العالم».
مآسٍ تحت تأثير المخدِّرات
يجعل متعاطو المخدِّرات الشوارع غير آمنة بطرائق اخرى. يذكر مايكل كروننْويتِر في كتابه المخدِّرات في اميركا (بالانكليزية): «ان قيادة سيارة تحت تأثير الماريجوانا او الـ LSD خطرة تماما كالقيادة تحت تأثير الكحول». ولا عجب ايضا ان متعاطي المخدِّرات معرَّضون لحوادث في العمل اكثر من غيرهم بثلاث او اربع مرات.
لكنَّ البيت هو على الارجح اكثر الاماكن تضرُّرا بسبب المخدِّرات. يذكر تقرير المخدِّرات العالمي (بالانكليزية): «غالبا ما يرتبط تفكك الحياة العائلية ارتباطا وثيقا بتعاطي المخدِّرات». فالوالدون الذين يكون توقهم الى المخدِّرات شغلهم الشاغل نادرا ما يمنحون اولادهم حياة منزلية مستقرة. حتى ان الرباط بين الطفل والوالدين — الضروري جدا خلال الاسابيع الاولى من حياة الولد — يمكن ان ينقطع. وبالاضافة الى ذلك، كثيرا ما يقع الوالدون المدمنون في الدَّين وقد يسرقون من اصدقائهم وعائلتهم او قد يخسرون عملهم. وكثيرون من الاولاد الذين يكبرون في هذا المحيط يهربون الى الشوارع او يتورطون هم انفسهم في المخدِّرات.
تقود اساءة استعمال المخدِّرات ايضا الى الاساءة الجسدية — الى رفيق الزواج او الى الاولاد. فالكوكائين، وخصوصا عندما يؤخذ مع المشروبات الكحولية، يمكن ان يجعل المرء عنيفا حتى لو كان هادئ الطباع. واستنادا الى استطلاع كندي شمل اشخاصا يتعاطون الكوكائين، اعترف ١٧ في المئة انهم يصيرون عدائيين بعد تعاطي المخدِّر. ويقول ايضا تقرير حول الاساءة الى الاولاد في مدينة نيويورك ان ٧٣ في المئة من الاولاد الذين ضُربوا حتى الموت كان والدوهم يسيئون استعمال المخدِّرات.
الفساد والتلوُّث
اذا كانت المخدِّرات تقوِّض البيوت، فالامر نفسه يصحّ في الحكومات. ولكن ليست المخدِّرات نفسها ما يسمّم النظام، بل المال الذي تتيح المخدِّرات الحصول عليه. ذكر سفير من اميركا الجنوبية متأسفا: «افسدت المخدِّرات المسؤولين الحكوميين والشرطة والجيش». ويضيف ان كمية المال المتوفر بسهولة «هي مصدر اغراء كبير» للذين لا يكاد اجرهم يكفيهم ليعيشوا.
يقع القضاة وعُمَد المدن ورجال الشرطة، حتى المسؤولون عن مكافحة المخدِّرات، في شرك الفساد في بلد بعد آخر. والسياسيون الذين موَّل انتخابهم اقطاب المخدِّرات لا يهتمّون عندما تُطلق دعوات الى اتخاذ اجراءات صارمة حيال المتاجرة بالمخدِّرات. وكثيرون من المسؤولين النزهاء الذين قاموا بحملة شجاعة ضد المخدِّرات تعرَّضوا للاغتيال.
حتى تربتنا وغاباتنا والانواع الحيوانية والنباتية الموجودة فيها تتألم بسبب بلية المخدِّرات العالمية. فنسبة كبيرة من إنتاج الافيون والكوكائين تتركز في منطقتين حساستين جدا للضرر البيئي: الغابات المطيرة في غرب الأمازون والغابات المطيرة في جنوب شرق آسيا. فالدمار الذي أُلحق بهذين المكانين كبير جدا. حتى الجهود المحمودة لاستئصال محاصيل المخدِّرات غير المشروعة تسبب اذى كبيرا بسبب استعمال مبيدات سامة للأعشاب.
مَن يدفع الثمن؟
مَن يدفع ثمن كل الضرر الناجم عن المخدِّرات؟ نحن جميعا. نعم، فجميعنا ندفع ثمن خسارة الإنتاجية، تكاليف العلاج الطبي، الاملاك المسروقة او المتضررة، وتكاليف تطبيق القانون. فقد حسب تقرير صادر عن وزارة العمل الاميركية ان «تعاطي المخدِّرات في مكان العمل قد يكلّف الصناعة والتجارة الاميركيتين بين ٧٥ و ١٠٠ بليون دولار سنويا . . . نتيجة التغيُّب عن العمل والحوادث وتكاليف الرعاية الصحية الباهظة وتعويضات العمّال».
كل هذه المبالغ تُحصَّل في النهاية من جيوب دافعي الضرائب والمستهلكين. وقد حسبت دراسة أُجريت في المانيا سنة ١٩٩٥ ان اجمالي الكلفة السنوية لإساءة استعمال المخدِّرات في ذلك البلد تصل الى ١٢٠ دولارا اميركيا لكل مواطن. وأحد التقديرات في الولايات المتحدة يذكر رقما اكبر: ٣٠٠ دولار لكل شخص.
لكنَّ الكلفة الاكبر بكثير هي الضرر الاجتماعي الذي تلحقه المخدِّرات بالناس. ومَن يمكنه ان يحدِّد قيمة نقدية لتفكك عائلات كثيرة، الاساءة الى اولاد كثيرين، الفساد بين مسؤولين عديدين، والموت المبكر لأشخاص كثيرين؟! ولكن ماذا يعني كل ذلك في المفهوم البشري؟ ستتناول المقالة التالية كيفية تأثير المخدِّرات في حياة الذين يتعاطونها.
[الاطار/الصورة في الصفحة ٧]
المخدِّرات والجريمة
ترتبط المخدِّرات بالجريمة في اربع نواحٍ على الاقل:
١- الحيازة غير المشروعة للمخدِّرات والمتاجرة بها جريمتان في كل بلدان العالم تقريبا. وفي الولايات المتحدة وحدها، تعتقل الشرطة سنويا نحو مليون شخص بتهم تتعلق بالمخدِّرات. وفي بعض البلدان يغرق الجهاز العدلي بفيض من الجرائم المتعلقة بالمخدِّرات يفوق قدرة الشرطة والمحاكم على معالجته.
٢- بسبب ثمن المخدِّرات الباهظ، كثيرا ما يلجأ المدمنون الى الجريمة لتأمين المال اللازم لدعم عادتهم. وقد يحتاج مدمن الكوكائين الى ٠٠٠,١ دولار اميركي في الاسبوع ليسدِّد تكاليف ادمانه! لذلك ليس مدهشا ان تزداد السرقات والاعتداءات على الافراد والبغاء حين يجري تعاطي المخدِّرات في مجتمع ما.
٣- تُرتكب جرائم اخرى لتسهيل المتاجرة بالمخدِّرات، التي تُعتبر من الاعمال التي تدرُّ اكثر الارباح على الارض. يوضح تقرير المخدِّرات العالمي: «يوجد الى حد ما تضامن بين العمل في المخدِّرات غير المشروعة والجريمة المنظمة». فلكي يُبقي التجار خطوط توزيع المخدِّرات سالكة من منطقة الى اخرى، يحاولون ان يرشوا المسؤولين او يهددوهم. حتى ان البعض يملكون جيوشا خاصة بهم. والارباح الهائلة التي يحققها اقطاب المخدِّرات تسبِّب المشاكل ايضا. فتدفُّق الكميات الكبيرة من الاموال يجرِّمهم بسهولة إن لم تُبيَّض، لذلك يُستعان بالمصارف والمحامين لتغطية نقل الاموال التي تدرُّها المخدِّرات.
٤- قد يؤدي تأثير المخدِّر الى القيام بعمل اجرامي. فقد يسيء متعاطو المخدِّرات المزمنون الى اعضاء العائلة. وفي بعض دول افريقيا التي تجتاحها الحروب الاهلية، ارتكب جنود مراهقون جرائم مريعة تحت تأثير المخدِّرات.
-
-
اناسٌ دُمِّرت حياتهم، وأناس فارقوهااستيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
اناسٌ دُمِّرت حياتهم، وأناس فارقوها
يقول الدكتور إريك نسْلِر ان «المخدِّرات اشبه بالمِهَدَّة». وهذا صحيح، لأن جرعة واحدة من هذه المواد الكيميائية التي تهدُّ المرء قد تودي بحياته. «فمن المعروف ان كوكائين الكراك، مثلا، يقتل اناسا من الاستعمال الاول»، كما يوضح كتاب المخدِّرات في اميركا (بالانكليزية).
ويأتي الخطر ايضا من الموجة الجديدة من المخدِّرات الاصطناعية. يحذِّر تقرير المخدِّرات العالمي (بالانكليزية)، الصادر عن الامم المتحدة: «ان المراهقين السذَّج الذين يشترون المخدِّرات في حفلة رقص صاخبة لا يعرفون شيئا عن المزيج الكيميائي الذي ‹ينسفون› به ادمغتهم». لكنَّ الانحدار الى اعماق الادمان على المخدِّرات يحصل بشكل تدريجي عند معظم المراهقين، كما توضح الامثلة التالية.
‹هروب من الواقع›
وُلد پيدروa في عائلة تضمّ تسعة اولاد في منطقة عنيفة في مدينة كوردوبة الاسپانية. وعاش طفولة مؤلمة بسبب معاقرة ابيه المشروبات الكحولية. وعندما بلغ پيدرو الـ ١٤ من العمر، عرَّفه احد اقربائه بالحشيشة. وفي غضون شهر صار مدمنا عليها.
يوضح پيدرو: «كان تعاطي المخدِّرات مجرد سلوى، هروبا من الواقع، وطريقة لأشعر بانتمائي الى مجموعة. وفي الـ ١٥ من العمر، بدأت اضيف الـ LSD والأمفيتامينات الى الحشيشة. كان الـ LSD مخدِّري المفضَّل؛ ولكي احصل على المال اللازم لشرائه، صرت تاجر مخدِّرات على نطاق ضيق. وكنت اتاجر بالحشيشة بوجه خصوصي. وفي احدى المرات، بعدما تناولت جرعة مفرطة من الـ LSD، لم اقوَ على النوم طوال الليل، وشعرت كما لو اني جننت. فأخافني ذلك كثيرا. وأدركت انه اذا استمررت في تعاطي المخدِّرات، فسيكون مصيري السجن او الموت. لكنَّ الرغبة في تعاطي المخدِّرات كانت اقوى من الخوف. واشتد ادماني على الـ LSD حتى انه بات يلزمني المزيد والمزيد من هذا المخدِّر لأشعر بالنشوة. ورغم التأثيرات المخيفة التي تَظهر بعد تعاطي المخدِّر، لم اتمكن من التوقف. ولم اعرف كيف افلت من قبضته.
«لم يكن الـ LSD رخيصا، لذلك تعلمت ان اسلب محلات المجوهرات، انشل حقائب السياح، وأسرق الساعات ومحافظ الجيب من المارّة. وعندما بلغت الـ ١٧، كنت قد صرت تاجر مخدِّرات متمرِّسا في منطقتي من المدينة، واشتركت احيانا في عمليات سطو مسلح. وبسبب صيتي في المنطقة كمجرم عنيف، لُقِّبت بالـ تورْسيدو، اي المنحرف.
«عندما تدمنون على المخدِّرات والمشروبات الكحولية في آنٍ واحد، تتغيَّر شخصيتكم، فتصيرون عنفاء غالبا. وتصير الرغبة في الحصول على المزيد من المخدِّرات قوية جدا حتى انها تسيطر كاملا على عقلكم. وتنقلب حياتكم وتبدأون بالانتقال من مخدِّر الى آخر لكي تحصلوا على النشوة».
‹الغرق في عالم المخدِّرات›
ترعرعت آنا، زوجة پيدرو، في محيط عائلي سليم في اسپانيا. وعندما كانت في الـ ١٤ من العمر، التقت بضعة فتيان من مدرسة مجاورة يدخنون الحشيشة. في البداية اشمأزَّت من سلوكهم الغريب. لكنَّ روزا، احدى صديقات آنا، كانت معجبة بأحد هؤلاء الفتيان. وقد اقنع روزا بأن تدخين الحشيشة غير مضر وأنها ستتمتع به. لذلك جرَّبت روزا المخدِّر ثم اعطت السيجارة لآنا.
تقول آنا: «ولَّدت السيجارة فيَّ شعورا جميلا، وفي غضون اسابيع قليلة صرت ادخّن الحشيشة كل يوم. وبعد شهر تقريبا، لم تعد الحشيشة تجعلني اشعر بنشوة كبيرة، فبدأت اتعاطى الأمفيتامينات وأدخن الحشيشة.
«وسرعان ما غرقت كليا مع اصدقائي في عالم المخدِّرات. فكنا نسأل بعضنا البعض مَن يستطيع ان يتعاطى اكبر كمية من المخدِّرات دون ان تولِّد عنده اية تأثيرات سلبية، وكذلك مَن يشعر بأقوى نشوة. وعزلت نفسي تدريجيا عن العالم الطبيعي، وقلَّ ذهابي الى المدرسة. ولم تعد الحشيشة والأمفيتامينات تكفيني، لذلك بدأت احقن نفسي بمادة مشتقة من المورفين كنت احصل عليها من مختلف الصيدليات. أما في الصيف فكنا نذهب لحضور حفلات الروك في الهواء الطلق، حيث كان سهلا دائما الحصول على مخدِّرات كال LSD.
«في احد الايام وجدتني امي ادخّن الحشيشة. فبذل والداي قصارى جهدهما ليحمياني. فأخبراني عن مخاطر المخدِّرات وأكدا لي انهما يحبانني ويهتمان بأمري. لكني كنت اعتبر جهودهما تدخلا في حياتي لا اسمح به. وعندما بلغت الـ ١٦ من عمري، قررت ان اغادر البيت. وانضممت الى مجموعة من المراهقين الذين يجولون في كل انحاء اسپانيا يبيعون قلائد مصنوعة باليد ويتعاطون المخدِّرات. وبعد شهرين ألقت الشرطة القبض عليّ في مالقة.
«عندما سلَّمتني الشرطة الى والديَّ، استقبلاني بالترحاب، فشعرت بالخجل مما فعلته. فقد كان ابي يبكي، ولم يسبق لي قط ان رأيته يبكي. وندمت على ايذائي لهما، لكنَّ ندمي لم يكن كافيا ليجعلني اقلع عن تعاطي المخدِّرات، بل استمررت في تعاطيها كل يوم. وأحيانا كنت افكر في الاخطار عندما لا اكون تحت تأثير المخدِّر، ولكن ليس لوقت طويل».
من بنّاء بالآجر الى تاجر مخدِّرات
قضى هوسيه، رب عائلة ودود، خمس سنوات يهرِّب القنَّب من المغرب الى اسپانيا. فكيف اصبح متورطا؟ يوضح هوسيه: «عندما كنت اعمل في البناء بالآجر، بدأ زميل لي في العمل يتاجر بالمخدِّرات. وبما اني كنت بحاجة الى المال، قلت في نفسي: ‹لمَ لا افعل الامر نفسه؟›.
«كان من السهل ان اشتري المخدِّرات المشتقة من القنَّب في المغرب، على قدر ما استطيع نقله. وكنت املك زورقا سريعا يمكّنني من التملص من الشرطة بسهولة. وكنت عندما أصل بالمخدِّرات الى اسپانيا ابيعها بكميات كبيرة، ما يعادل ٣٠٠,١ پاوند [٦٠٠ كيلوڠرام] كل مرة. وزبائني الثلاثة او الاربعة فقط كانوا يأخذون كل المخدِّرات التي اجلبها لهم. وكانت المخدِّرات تدخل البلد رغم مراقبة الشرطة. فقد كنا نحن التجار نملك تحت تصرفنا معدات افضل من معدات الشرطة.
«كنت اجني المال الوفير بسهولة. فرحلة واحدة من اسپانيا الى افريقيا الشمالية تدرّ بين ٠٠٠,٢٥ و ٠٠٠,٣٠ دولار اميركي. ولم يمضِ وقت طويل حتى صار ٣٠ رجلا يعملون لحسابي. ولم يُلقَ عليّ القبض مطلقا لأنني كنت ادفع لأحد المخبِرين المال لينبئني متى تكون العملية التي اقوم بها تحت المراقبة.
«كنت افكر احيانا في تأثير هذه المخدِّرات في الناس، لكني كنت اقنع نفسي بأن المخدِّرات المشتقة من القنَّب خفيفة ولا تقتل احدا. وبما اني كنت اجني مالا وفيرا، فلم افكر في الامر كثيرا. وأنا لم اتعاطَ مخدِّرا قط».
مالكم وحياتكم!
تُظهر هذه الامثلة ان المخدِّرات تسيطر على حياة الناس. وما إن يدمنون عليها حتى يصير الإفلات من قبضتها صعبا ومؤلما. وكما يذكر كتاب المخدِّرات في اميركا (بالانكليزية)، «كان اللصوص في الغرب الاميركي القديم يشهرون مسدسات في وجه ضحاياهم ويقولون: ‹مالك او حياتك›. لكنَّ المخدِّرات غير المشروعة هي اسوأ من طرداء العدالة القدماء. فهي تأخذ الاثنين».
فهل يوجد شيء يوقف سيل المخدِّرات الجارف؟ ستناقش المقالة التالية بعض الحلول.
[الحاشية]
a غُيِّرت بعض الاسماء في هذه السلسلة.
[النبذة في الصفحة ٨]
«كان اللصوص في الغرب الاميركي القديم يشهرون مسدسات في وجه ضحاياهم ويقولون: ‹مالك او حياتك›. لكنَّ المخدِّرات غير المشروعة هي اسوأ من طرداء العدالة القدماء. فهي تأخذ الاثنين»
[الاطار/الصورة في الصفحة ١٠]
هل يرفض ولدكم المخدِّرات؟
مَن مِن المراهقين يُحتمل اكثر ان يتورطوا؟
أ- الذين يريدون ان يبرهنوا انهم مستقلون ومستعدون للمجازفة.
ب- الذين لديهم القليل من الاهتمام بالاهداف الاكاديمية او الروحية.
ج- الذين لا يندمجون في المجتمع.
د- الذين لا يملكون مفهوما واضحا لما هو صواب وما هو خطأ.
ه- الذين يلاحظون وجود نقص في الدعم الابوي، والذين يشجعهم اصدقاؤهم على تعاطي المخدِّرات. وقد رأى المحققون ان «نوعية علاقة المراهق بوالديه هي كما يَظهر افضل عامل وقائي ضد تعاطي المخدِّرات». — إمالة الحروف لنا.
كيف تحمون اولادكم؟
أ- بحيازة علاقة لصيقة واتصال جيد بهم.
ب- بغرس مفهوم واضح للصواب والخطإ في قلوبهم.
ج- بمساعدتهم على امتلاك اهداف واضحة.
د- بجعلهم يشعرون بأنهم جزء من عائلة مُحِبَّة ومجتمع ودّي.
ه- بتعليمهم عن اخطار اساءة استعمال المخدِّرات. فلا شك ان الاولاد يلزم ان يعرفوا لماذا ينبغي ان يرفضوا المخدِّرات.
-
-
هل يمكن ان تُكسَب المعركة ضد المخدِّرات؟استيقظ! ١٩٩٩ | تشرين الثاني (نوفمبر) ٨
-
-
هل يمكن ان تُكسَب المعركة ضد المخدِّرات؟
ان كسب المعركة ضد المخدِّرات لَهدف نبيل، ولكنه ليس سهلا. فهنالك قوتان شديدتان تدفعان قطار تجارة المخدِّرات غير المشروعة الى الامام: العرض والطلب. وتركّز الحكومات وقوات الشرطة طوال قرن تقريبا على الحدّ من العرض. وكان افتراضهم سهلا: لا مخدِّرات، لا مدمنين على المخدِّرات.
استهداف العرض
ولتحقيق هذه الغاية تصادر شرطة مكافحة المخدِّرات شحنات ضخمة من المخدِّرات، وقد ادى التعاون الدولي الى اعتقال تجار مخدِّرات بارزين. لكنَّ الواقع المرير يبيِّن انه فيما قد تجبر عمليات الشرطة بعض تجار المخدِّرات على العمل في مكان آخر او البحث عن اسواق اخرى او الصيرورة اكثر مهارة في تجارتهم، فهي لا تضع حدا لنشاطهم. يعترف خبير بالمخدِّرات: «لن نتمكن ابدا من التغلب على تجار المخدِّرات ما داموا يملكون كميات هائلة من المال ونحن نجاهد لنحصل على تمويل كافٍ من ميزانية الدولة».
تحدَّث جو دي لا روسا، ضابط في شرطة مكافحة المخدِّرات في جبل طارق، الى استيقظ! عن صعوبة مراقبة المتاجرة بالمخدِّرات بين افريقيا وشبه جزيرة ايبيريا. قال: «خلال سنة ١٩٩٧ حجزنا نحو ٤٠٠ كيلوڠرام [٨٨٠ پاوندا] من راتنج القنَّب». وتابع: «معظم هذه الكمية لم يصادَر من تجار المخدِّرات، بل وُجد عائما فوق البحر او جرفته الامواج نحو الشاطئ. ويعطيكم ذلك فكرة عن مدى ضخامة كمية المخدِّرات التي تعبر مضيق جبل طارق كل سنة. فما نصادره هو مجرد غيض من فيض. والاشخاص الذين ينقلون البضاعة من افريقيا الى اسپانيا يملكون زوارق سريعة تفوق كثيرا سرعة زورق الجمارك البخاري. وإذا شعروا بخطر إلقاء القبض عليهم، يرمون المخدِّرات من على متن الزورق، وهكذا يُفقد الدليل الذي يدينهم».
وتواجه الشرطة مشاكل مماثلة في انحاء اخرى من العالم. فالمسافرون الذين يبدون عاديين، الطائرات الخفيفة، السفن التي تنقل الحاويات، حتى الغوَّاصات، تهرِّب المخدِّرات عبر المحيطات او الحدود السهلة الاختراق. وقد جاء في تقرير للامم المتحدة انه «يلزم اعتراض سبيل ٧٥ في المئة على الاقل من شحنات المخدِّرات الدولية لكي تنخفض ارباح تجارة المخدِّرات بشكل ملموس». وبالنسبة الى الكوكائين، يُعترض على الارجح سبيل اكثر بقليل من ٣٠ في المئة، والنسبة اقل بكثير بالنسبة الى المخدِّرات الاخرى.
ولكن لمَ لا تستهدف الحكومات مصدر المشكلة وتتلف كل محاصيل القنَّب والخشخاش والكوكا؟ لقد اوصت الامم المتحدة مؤخرا بهذه الخطوة، ولكنها ليست بالمهمة السهلة. فالقنَّب يمكن ان ينمو في كل حديقة تقريبا. وأحد المواقع الرئيسية لزراعة الكوكا في جبال الأنديز يقع في منطقة توصف بأنها «خارج سلطة الدولة». وتوجد اماكن مماثلة في مناطق نائية من افغانستان وبورما، وهي المصادر الرئيسية للافيون والهيروئين.
وما يزيد الامور تعقيدا هو ان تجار المخدِّرات قادرون على الانتقال الى بيع المخدِّرات الاصطناعية بكل سهولة، اذ ان الطلب على هذا النوع من المخدِّرات يتزايد. وبإمكان المختبرات السرية ان تصنّع هذه المخدِّرات في كل مكان في العالم تقريبا.
وهل ينجح تطوير عمليات الشرطة وفرض عقوبات سجن اكثر صرامة في الحد من تجارة المخدِّرات؟ يوجد تجار مخدِّرات كثيرون جدا، ومدمنون كثيرون جدا، وبالمقابل هنالك رجال شرطة قليلون جدا لوضع هذه الخطة موضع العمل. فهنالك في سجون الولايات المتحدة، مثلا، نحو مليونَي شخص، وكثيرون منهم بسبب جرائم تتعلق بالمخدِّرات. لكنَّ الخوف من السَّجن لا يمنع الناس من تعاطي المخدِّرات. وفي الكثير من البلدان النامية حيث تزدهر مبيعات المخدِّرات، تجد قوات الشرطة نفسها عاجزة عن كبح هذه الموجة بسبب قلة العناصر والرواتب الزهيدة.
هل يمكن خفض الطلب على المخدِّرات؟
اذا تبيَّن عدم جدوى الجهود الهادفة الى ضبط عرض المخدِّرات، فماذا عن خفض الطلب؟ تذكر مجلة تايم (بالانكليزية): «الحرب التي تُشنّ على المخدِّرات هي صراع للوصول الى قلوب الناس وعقولهم، وليست مجرد قضية تتعلق بالشرطة والمحاكم والسجون».
وبشكل مماثل يعتقد جو دي لا روسا، المقتبس منه سابقا، ان التوعية هي الطريقة الوحيدة لمحاربة المخدِّرات غير المشروعة. يقول: «ادمان المخدِّرات مشكلة اجتماعية خلقها المجتمع، لذلك يجب ان نغيِّر المجتمع او على الاقل نغيِّر طريقة تفكير الناس». ويضيف: «نحاول ان نتوجه الى المدارس والوالدين والمعلمين لكي يدركوا جميعا ان الخطر موجود، ان المخدِّرات متوفرة بسهولة، وأن اولادهم قد يقعون ضحايا لها».
ما فعله شهود يهوه
شهود يهوه منهمكون بنشاط طوال سنوات كثيرة في توعية الناس بشأن ضرورة تجنب المخدِّرات. وقد اعدّوا معلومات مصمَّمة لتساعد الوالدين على تعليم اولادهم عن اخطار المخدِّرات.a وخدمتهم ساهمت ايضا في اعادة تأهيل كثيرين من متعاطي وتجار المخدِّرات.
تعرَّفت آنا، المذكورة في المقالة السابقة، بشهود يهوه لأن اختها سمعت بأنهم ينجحون في مساعدة مدمني المخدِّرات. لم يكن الكتاب المقدس يعني لها الكثير، لكنها ذهبت الى محفل للشهود رغم تردُّدها. وهناك رأت رجلا كان معروفا انه تاجر مخدِّرات، ولكنه تغيَّر كليا في الشكل وفي نمط حياته. تذكر آنا: «قلت عندئذ في نفسي انه اذا تمكّن هو من التغيُّر، فسأتمكن انا ايضا من ذلك». وتمضي قائلة: «أقنعني تغيُّره بأنه ينبغي ان اقبل عرض درس الكتاب المقدس.
«ومن اول درس في الكتاب المقدس، قررت ان ألازم البيت، لأني عرفت انه اذا غادرتُه، فسألتقي مدمنين آخرين وأعود الى تعاطي المخدِّرات. كنت اعرف ان تعاطي المخدِّرات امر خاطئ وأن اللّٰه لا يرضى عن هذه العادة. وسبق لي ان رأيت ما تفعله المخدِّرات بالناس والاذى الذي ألحقتُه بعائلتي. لكني كنت بحاجة الى القوة الروحية لأتحرر من عبوديتي للمخدِّرات. وكانت المعالجة لإزالة السمِّيَّة صعبة. فبقيتُ طوال فترة انام اليوم كله حتى تزول آثار المخدِّرات. لكنَّ الامر كان يستحق العناء».
رجاء ومعنى حقيقيان
هذا ما حدث ايضا مع پيدرو، زوج آنا، المذكور في المقالة السابقة. يتذكر پيدرو: «في احد الايام، فيما كنت ادخّن الحشيشة في بيت اخي، رأيت كتابا اثار عنوانه اهتمامي. كان عنوانه: الحق الذي يقود الى الحياة الابدية. فأخذته الى البيت وقرأته وفتحت الآيات. كنت متأكدا انني وجدت الحق.
«بسبب قراءتي للكتاب المقدس والتحدُّث الى الآخرين عما اتعلمه، تحسنت حالتي وخفَّت رغبتي في المخدِّرات. فقرَّرت ألا انفِّذ خطة وضعتُها لسلب محطة وقود بقوة السلاح. وكان احد اصدقائي يدرس الكتاب المقدس مع شهود يهوه، فحذوتُ حذوه. وبعد تسعة اشهر حسَّنتُ نمط حياتي واعتمدت. خلال تلك الفترة كان اصدقائي السابقون يعرضون عليَّ المخدِّرات، ولكني كنت احدِّثهم على الفور عن الكتاب المقدس. فتجاوب البعض بشكل ايجابي، حتى ان احدهم تغلب على ادمانه.
«لكي تتمكنوا من التخلص من عادة تعاطي المخدِّرات، يلزم ان يكون عندكم رجاء. وقد منحني الكتاب المقدس هذا الرجاء، وأعطى حياتي معنى، وبيَّن لي بوضوح نظرة اللّٰه الى المخدِّرات والعنف. ولاحظت انني كنت اشعر بالتحسُّن كلما تعلمت شيئا عن اللّٰه القادر على كل شيء، ولم تكن تَظهر اية تأثيرات جانبية سلبية. بعد ذلك عاشرت في اجتماعات شهود يهوه اشخاصا يعيشون حياة شريفة، فساعدني ذلك على مواصلة السير في هذا الطريق».
من تاجر مخدِّرات الى بنّاء بالآجر
عاد هوسيه، تاجر المخدِّرات المذكور في المقالة السابقة، الى عمله كبنّاء بالآجر. ولم يكن سهلا عليه التخلي عن عمله المربح. يعترف قائلا: «المخدِّرات تدرُّ مالا طائلا، لكنها ليست طريقة جيدة لكسب المال. فأنا ارى مراهقين يحملون مسدسات ويقودون سيارات فخمة. وتتفكك العائلات وتكثر الجرائم في الشوارع، وينهب كثيرون من المدمنين على المخدِّرات السيارات، او يسلبون المتاجر، او يعتدون على الناس ليحصلوا على المال لدعم إدمانهم. ويبدأ كثيرون بالحشيشة، ثم يتعاطون ‹الإكستازي› او حبوبا اخرى، وبعد ذلك يجربون الكوكائين او حتى الهيروئين. وأنا ادرك انني كنت اساهم في إيقاع كثيرين في هذا الشرك.
«عندما درست الكتاب المقدس مع شهود يهوه، زاد اقتناعي بأن تورُّطي في المخدِّرات امر خاطئ. وأردت ان اريح ضميري، وهذا ما ارادته زوجتي التي كانت تدرس ايضا. طبعا، ليس سهلا التوقف عن المتاجرة بالمخدِّرات. وقد شرحت لزبائني وللموزِّعين عندي انني ادرس الكتاب المقدس وأنني لم اعد اتاجر بالمخدِّرات. في البداية لم يصدِّقوا ما اقول، والبعض ما زالوا غير مقتنعين. ولكن مضى على توقُّفي سنتان، ولم اندم على قراري لحظة واحدة.
«اعمل منذ السنة الماضية في مصلحتي: البناء بالآجر. وأتقاضى الآن في الشهر ربع ما كنت اتقاضاه في يوم واحد كتاجر مخدِّرات. لكنَّ العيش بهذه الطريقة افضل، وأنا اشعر بسعادة اكبر».
حلّ عالمي سينجح
تخلى قليلون من التجار الشجعان عن عملهم هذا. وساعدت برامج مختلفة لإعادة التأهيل الآلاف من متعاطي المخدِّرات على التغلب على ادمانهم. ولكن، كما يعترف تقرير المخدِّرات العالمي (بالانكليزية)، «نادرا ما يتمكن الشخص الذي كان يتعاطى المخدِّرات بكثرة ولزمن طويل من الامتناع عنها فترة طويلة». والمؤسف انه مقابل كل مدمن يعاد تأهيله، يقع ضحايا عديدون في فخ المخدِّرات. ويستمر ازدياد العرض والطلب.
لكي تُكسب المعركة ضد المخدِّرات، يلزم حلّ عالمي لأن المشكلة عالمية. تذكر لجنة الامم المتحدة المختصة بالمخدِّرات في هذا الشأن: «في حين ان اساءة استعمال المخدِّرات والمتاجرة بالمخدِّرات والجرائم المتعلقة بمشكلة المخدِّرات اعتُبرت في معظم البلدان احد اهم الاخطار التي تهدِّد السلامة، لم يكن الرأي العام يعي ان المخدِّرات صارت مشكلة عالمية لا يمكن ان تُحَلّ بعد الآن بواسطة الجهود الفردية التي يبذلها كل بلد على حدة».
ولكن هل تتحد حكومات العالم لتستأصل هذه البلية العالمية؟ حتى الآن لا تبدو النتائج مشجعة. لكنَّ الكتاب المقدس يشير الى حلّ نهائي بواسطة حكومة سماوية تسمو فوق الحدود القومية. فالكتاب المقدس يؤكد لنا ان ملكوت اللّٰه، برئاسة يسوع المسيح، سيدوم الى «ابد الآبدين». (كشف ١١:١٥) وهكذا سيضمن التعليم الالهي، في ظل ملكوت اللّٰه، عدم وجود ايّ طلب على المخدِّرات. (اشعياء ٥٤:١٣) والمشاكل الاجتماعية والعاطفية التي تجعل الناس اكثر تعرُّضا للوقوع في فخ اساءة استعمال المخدِّرات ستزول الى الابد. — مزمور ٥٥:٢٢؛ ٧٢:١٢؛ ميخا ٤:٤.
هل تحتاجون الى المساعدة؟
حتى في هذا الوقت، يدفع رجاء ملكوت اللّٰه برئاسة المسيح اناسا الى رفض المخدِّرات. فإذا اردتم الحصول على مزيد من المعلومات، فمن فضلكم اتصلوا بشهود يهوه في منطقتكم.
-