-
فردوس خالٍ من المشاكل — مجرد حلم؟استيقظ! ١٩٩٧ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
فردوس خالٍ من المشاكل — مجرد حلم؟
«انه هادئ جدا!» كان المنظر من غابة الصنوبر فوق بحيرة رَدْفيش في ولاية آيداهو الاميركية يوحي فعلا بالسكينة. وتابع المسافر قائلا: «هكذا اتخيَّل الفردوس.»
كانت الشمس تشعّ بشكل ساطع فوق الساحل الجنوبي لجزيرة قبرص المتوسطية، والامواج تلامس الشاطئ برفق. وفيما كان الزائر جالسا في مطعم مبني على جُرف يطل على هذا المنظر، هتف قائلا: «انه الفردوس!»
تنطبع في ذاكرة كثيرين منا مناظر كهذين. ولكن يدرك سكان هذه الاماكن ان هذا المحيط الفردوسي غالبا ما يتباين مع حقائق مؤلمة تسم الحياة اليومية: حرائق الغابات على التلال المشجِرة عند سفوح جبال روكي الاميركية، تلوُّث البحر الذي يؤذي السمك وفي النهاية البشر — هذا دون ان نذكر الصراعات القائمة بين الدول وبين المجتمعات العرقية والتي تهدِّد حياة الناس.
الفردوس — ما هو؟
كيف تتخيَّلون انتم الفردوس؟ ان التعريف الاول الذي وضعه قاموس اوكسفورد الانكليزي القصير الجديد لكلمة paradise (فردوس) هو: «جنة عدن الموصوفة في التكوين ٢، ٣.» ويشير ذلك الى وصف السفر الاول في الكتاب المقدس للمنطقة التي وضع فيها اللّٰه الانسان الاول آدم. وفي ذلك الفردوس الاصلي، كانت الاشجار ‹الشهية للنظر والجيدة للأكل› تنمو بوفرة. — تكوين ٢:٩.
أما التعريف الثاني في ذلك القاموس لتلك الكلمة فيربط «الفردوس» بـ «السماء او الجنة في اللاهوت المسيحي والاسلامي،» ولكنه يضيف ان كلمة فردوس تُستعمل «الآن شِعريّا بشكل رئيسي.» أما بالنسبة الى المسافر والزائر اللذين تحدثنا عنهما، فالفردوس هو «منطقة ذات جمال خلّاب او مكان مبهج جدا،» وهو التعريف الثالث الذي يذكره هذا القاموس.
في القرن الـ ١٦ وضع رجل الدولة البريطاني السير توماس مور كتابا بعنوان اليوطوبيا Utopia وصف فيه بلدا وهميا يتمتع بقوانين وحكومة وأوضاع اجتماعية كاملة. وبدا ذلك غير واقعي البتة حتى ان احد التعريفات التي يضعها اليوم قاموس وبستر الجامعي الجديد (بالانكليزية) لهذه الكلمة هو «خطة غير عملية للتحسين الاجتماعي.»
بالنسبة الى أتباع جيم جونز زعيم بدعة معبد الشعب، كانت اليوطوبيا قطعة ارض جُرِّدت من اشجارها في ادغال ڠويانا. ولكن من المؤسف ان هذا الفردوس المرجو صار في سنة ١٩٧٨ مسرحا لموت اكثر من ٩٠٠ شخص منهم — كابوس بالفعل! وبسبب ذلك صار الناس يربطون احيانا مفهوم الفردوس بالبدع الغريبة التي تصدمهم ممارساتها وتثير قلقهم.
في عالم حيث تهدِّد الجريمة والعنف بالخطر، حيث يتربص المرض بالراشدين والاولاد على السواء، وحيث تقسِّم الكراهية والاختلافات الدينية المجتمعات، غالبا ما يكون المحيط الجميل مجرد مظهر خادع. فلا عجب ان يعتقد الناس ان الفردوس مجرد حلم! لكنَّ ذلك لم يمنع البعض من ان يحاولوا هم بأنفسهم العثور على فردوس او حتى خلق فردوس. فإلى ايّ حد نجحوا؟
-
-
البحث عن فردوس خالٍ من المشاكلاستيقظ! ١٩٩٧ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
البحث عن فردوس خالٍ من المشاكل
«كل ما نريد فعله هو خلق نمط حياة آمن وربما عتيق الطراز حيث يهتم الناس واحدهم بالآخر.» بهذه الكلمات اوضح زوجان بريطانيان قرارهما ان يبحثا عن فردوس في جزيرة استوائية ويؤسسا هناك مجتمعا يتعايش بسلام. لا شك انكم تتفهمون مشاعرهما. فمَن يفوِّت فرصة العيش في فردوس خالٍ من المشاكل؟
هل الانعزال هو الحل؟
ان فكرة العيش في جزيرة تروق كثيرا الساعين وراء العيش في فردوس، لأن الانعزال يوفِّر قدرا من الامان. ويختار البعض جزرا تقع قبالة ساحل پاناما على المحيط الهادئ، او جزرا في البحر الكاريبي، كالجزر الواقعة قبالة ساحل بيليز. ويلجأ آخرون الى اماكن خلابة في المحيط الهندي — جزر سايشل مثلا.
لا يمكنكم تخيُّل مدى صعوبة تأسيس مجتمع منعزل بكل تفاصيله. فحتى لو كان المال الكافي متوفرا، يمكن ان تعيق التشريعات الحكومية القائمة شراء الارض بسرعة. ولكن لنفترض انه من الممكن اقتناء الجزيرة الاستوائية المثالية، فهل ستكونون سعداء هناك؟ هل سيكون فردوسكم خاليا من المشاكل؟
تسكن الآن اعداد متزايدة من الاشخاص الجزر النائية حول الساحل البريطاني. وسكانها الجدد هم بشكل رئيسي من الاشخاص الساعين وراء الوحدة والهدوء. ويدَّعي رجل يعيش وحده في جزيرة إيورْسا البالغة مساحتها كيلومترا مربعا واحدا (٢٥٠ اكرا)، والواقعة قبالة الساحل الغربي لاسكتلندا، انه لا يشعر ابدا بالوحدة لأن قطيعه المؤلف من مئة خروف يشغله كثيرا. لكنَّ آخرين ممَّن سعوا وراء العزلة في جزيرة ما شعروا بالوحدة بسرعة. وقيل ان البعض حاولوا الانتحار ولزم انقاذهم.
يظن اناس كثيرون ان اية جزيرة استوائية خلّابة هي الفردوس. ويروقهم العيش في مناخ معتدل قلما يعرف طقسا باردا جدا او حارّا جدا. لكنَّ القلق بشأن الدفء العالمي المحتمل وما يمكن ان يرافقه من ارتفاع في مستوى سطح البحر اوقع الذعر في قلوب كثيرين من سكان الجزر. وبشكل مماثل، يشعر بالخطر سكان الجزر المرجانية التي لا ترتفع كثيرا فوق سطح البحر والتي تؤلف اقليم توكيلاو غربي المحيط الهادئ، وكذلك بالنسبة الى سكان جزر مالديڤ المتفرقة في المحيط الهندي التي لا ترتفع اكثر من مترَين (٦ اقدام) فوق سطح البحر وقت المد.
تكتَّل نحو ٤٠ حكومة مختلفة لتأليف اتحاد دول الجزر الصغرى النامية بهدف الضغط للحصول على تأييد لقضيتهم. ومع ان سكان الجزر الصغيرة يعيشون عموما حياة اطول ونسبة وفيات الاطفال عندهم منخفضة، فلا يزالون يواجهون مشاكل بيئية خطيرة. فطبقات النفط فوق الماء والبحار الملوَّثة تدمر اقتصاد بعض الجزر. وتصير جزر اخرى ملقى للنفايات السامة التي ترغب الدول الكبرى التخلص منها.
وحتى ما يجعل هذه الجزر مرغوبة جدا كملاذ للساعين وراء العيش في فردوس يشكّل خطرا عليها. كيف؟ ان السياح الذين يتقاطرون على شواطئ الجزر المشمسة يسببون اكتظاظا خطيرا واستنزافا لمواردها الضئيلة. ويزيد هؤلاء الزوار ايضا من مشكلة التلوُّث. ففي الجزر الكاريبية، مثلا، لا تجري معالجة سوى عُشر مياه المجارير التي يلقيها الـ ٢٠ مليون زائر كل سنة.
ويحدث امر مماثل في اماكن مميّزة اخرى. تأملوا في حالة منطقة ڠُوَا على الساحل الغربي للهند. فقد ذكرت إنديپندنت اون صنداي اللندنية (بالانكليزية): «السياحة الجماعية ‹تسمِّم فردوسا.›» وتُظهر التقديرات الرسمية ازدياد عدد السياح من ٠٠٠,١٠ سنة ١٩٧٢ الى اكثر من مليون في اوائل التسعينات. وتحذر احدى المجموعات قائلة ان نظام ڠُوَا البيئي الحساس وثقافتها الفريدة معرَّضان للخطر الناجم عن جشع اصحاب الفنادق الطامعين بالاموال التي يدرُّها تدفق السياح. ويؤكد تقرير وضعته الحكومة الهندية انه شُيِّدت فنادق بطريقة غير مشروعة على الشاطئ. فأُزيلت الرمال، وقُطعت الاشجار، ومُهِّدت الكثبان. وصارت مياه المجارير تصبُّ على الشاطئ او تتسرب الى حقول الارزّ المجاورة، الامر الذي ينشر التلوُّث.
لا جرائم فيها؟
حتى المناطق الاكثر هدوءا يلطّخ سمعتها تغلغُل الجريمة المتزايد فيها. فمن الجزيرة الكاريبية الصغيرة بربودا يأتي تقرير يحمل العنوان «مذبحة في الفردوس.» ويتحدث بالتفصيل عن القتل المريع لأربعة اشخاص على متن يخت فخم راسٍ قبالة ساحل الجزيرة. وتزيد حوادث كهذه القلق من انتشار الجريمة في كل انحاء المنطقة.
«المخدِّرات تشعل الحروب بين العصابات في ‹الفردوس.›» هذه الكلمات احتلت العنوان الرئيسي في تقرير لصحيفة ذا صنداي تايمز اللندنية (بالانكليزية) عن احدى الدول في اميركا الوسطى. ورثا محرِّر محلي تلاشي الهدوء فيها وعلّق قائلا: «من الشائع الآن ان تستيقظ في الصباح وتجد ولدا في الـ ١٦ من العمر يسبح في بركة دمه في الشارع.»
ان الذين يسعون وراء العيش في فردوس جماعي يأملون ان ينجذب الى فكرتهم اشخاص يوافقون على العيش بهدوء. ولكن هل هذا ما يحدث؟ سرعان ما نشأت الخلافات في حالة الزوجين البريطانيين المذكورين في البداية. فبعض الذين قدَّموا طلبات للانضمام الى مغامرتهما عبَّروا بصراحة عن رغبتهم في كسب المال من هذا المشروع. فذكر صاحب المشروع: «نحن لا نريد زعماء. فالفكرة من ذلك هي استخدام مواردنا لتحقيق اهدافنا. انا ادعو ذلك مجتمعا يوطوبائيًّا مثاليا.» لكنَّ هذا المشروع ليس الاول من نوعه. — انظروا الاطار «تجارب العيش في مجتمع فردوسي.»
يعتقد آخرون ممَّن يسعون وراء العيش في فردوس انهم سيبلغون هدفهم عندما يربحون في اليانصيب. ولكن نادرا ما تأتي السعادة من احراز الثروة بهذه الطريقة. ففي شباط ١٩٩٥ اخبرت ذا صنداي تايمز ان العائلة التي ربحت اكبر جائزة يانصيب في بريطانيا حتى ذلك التاريخ لديها خلافات شديدة؛ فلم يجلب لهم الربح سوى «الاستياء والعداء والخيبة.» وهذا الامر غير مستغرب في حالات كهذه.
وفي دراسة لسعي الانسان وراء اليوطوبيا، يعلّق الصحافي برنارد ليڤِن على «احلام الغنى السريع» ويؤكد: «كما هي الحال في احلام كثيرة، ثمة مكان للكوابيس. فهنالك الكثير جدا من قصص الغنى السريع الموثوق بها التي تكون نتيجتها الكارثة (بما في ذلك الانتحار) بحيث لا يمكن اعتبار حدوثها مصادفة.»
ماذا عن البدع المنذِرة بيوم دينونة؟
اتخذت بعض المشاريع الفردوسية الاخرى منحى مضرا اكثر. فبعدما اخبرت احدى الصحف عن الحصار الذي فرضه العملاء الحكوميون المسؤولون عن تطبيق القانون على مجمَّع للشعبة الداودية في واكو، تكساس، سنة ١٩٩٣، علّقت على «الخليط المتفجر من الاسلحة والسيطرة على العقول بالاضافة الى نبي ينادي بيوم الدينونة،» الامر الذي ادى الى الكارثة. والمؤسف ان تلك الحادثة ليست استثنائية.
فأتباع الزعيم الروحي الهندي الراحل باڠْوان شري راجْنيش اسسوا مجتمعا خاصا في أوريڠون، لكنهم اساءوا الى حساسية جيرانهم تجاه الامور الادبية. وبسبب ثراء زعيمهم والاختبارات الجنسية التي كانوا يمارسونها بَطَلَ ادِّعاؤهم انهم اسسوا «واحة جميلة.»
ان بدعا كثيرة يتزعمها اشخاص لديهم آمال فردوسية تطلب من أتباعها ممارسة شعائر غريبة تؤدي احيانا الى مواجهات عنيفة. يوضح المعلق الصحفي إيان برودي: «توفِّر البدع ملجأ ومجتمعا منظما للذين يشعرون بأنهم يعيشون في فراغ او لا يستطيعون مواجهة ضغوط العالم الحقيقي.» ومع ذلك تؤكد كلماته الحقيقة القائلة ان اناسا كثيرين يريدون العيش في فردوس.
فردوس خالٍ من المشاكل
تبدو قائمة المشاكل طويلة وبلا نهاية: التلوُّث، الجريمة، اساءة استعمال المخدِّرات، الاكتظاظ السكاني، الصراع العرقي، الانتفاضات الثورية السياسية — هذا ان لم نذكر المشكلتين المشتركتين بين كل البشر، اي المرض والموت. والخلاصة هي انه لا يوجد على هذا الكوكب مكان يمكن اعتباره فردوسا خاليا تماما من المشاكل. وكما يعترف برنارد ليڤن: «هنالك لطخة سوداء في سجل البشرية، ويبدو انها موجودة منذ بدء البشرية تقريبا. هذه اللطخة هي عدم القدرة على العيش بسعادة مع اكثر من عدد قليل جدا من البشر.»
ولكن سيحلّ فعلا فردوس عالمي خالٍ من المشاكل. وتضمن قوة فوق الطبيعة البشرية دوامه. وفي الواقع، هنالك اكثر من خمسة ملايين شخص يعملون من الآن على تحقيق هذا الهدف، وهم يتمتعون حاليا بوحدة ثمينة ومحيط خالٍ نسبيا من المشاكل في ما بينهم. فأين يمكنكم العثور عليهم؟ كيف يمكنكم المشاركة في الرجاء والفوائد نفسها التي يتمتعون بها الآن؟ وكم سيدوم هذا الفردوس المقبل؟
[الاطار في الصفحة ٦]
تجارب العيش في مجتمع فردوسي
في اوائل القرن الـ ١٩، اسس الاشتراكي الفرنسي إتيان كابيه (١٧٨٨-١٨٥٦) و ٢٨٠ من شركائه مستوطنة مشتركة في نوڤو، إيلينوي، تقوم على المُثُل التي وضعها. ولكن في غضون ثماني سنوات برز انقسام في تلك المجموعة ادى الى حلِّها بسرعة، كما حدث لجماعات مماثلة في آيووا وكاليفورنيا.
وعرض فرنسي آخر يدعى شارل فورْييه (١٧٧٢-١٨٣٧) افكارا تتعلق بإنشاء مجتمع زراعي تعاوني يتبادل جميع اعضائه الادوار. ويتلقى كل فرد المكافأة على اساس نجاح المجموعة ككل. لكنَّ المجتمعات القائمة على هذه المبادئ في فرنسا والولايات المتحدة على السواء لم تعمّر طويلا.
وفي ذلك الوقت تقريبا، اقترح المصلح الاجتماعي الويلزي روبرت أووين (١٧٧١-١٨٥٨) انشاء قرى تعاونية يعيش فيها مئات الاشخاص ويكون فيها المطبخ وأماكن الطعام مشتركة. وتعيش كل عائلة في شقة خاصة وتهتم بأولادها حتى سِنّ الثالثة. وبعد ذلك تتولى كامل المجموعة مسؤولية الاعتناء بهم. لكنَّ تجارب أووين فشلت، وخسر جزءا كبيرا من ثروته الخاصة.
صار جون نويز (١٨١١-١٨٨٦) مؤسس ما تدعوه دائرة المعارف البريطانية الجديدة (بالانكليزية) «اكثر المجتمعات الاشتراكية اليوطوبائية نجاحا في الولايات المتحدة.» وعندما هجر أتباعه مبدأ التزوُّج بشخص واحد وأجازوا العلاقات الجنسية بين الجميع لمجرد اتفاق الطرفين، اعتُقل نويز بتهمة الزنا.
«لِسّيه فير سيتي،» او مدينة عدم التدخل، وهي نوع من «اليوطوبيا الرأسمالية» في اميركا الوسطى، تُعتبر محاولة حديثة لخلق مجتمع يوطوبائي، كما تخبر ذا صنداي تايمز اللندنية. كان هذا المشروع يبحث عن مستثمرين، فأُغري الساعون وراء العيش في فردوس بأمل السكن في «مدينة القرن الـ ٢١ العجائبية» وطُلب منهم ارسال مبلغ ٠٠٠,٥ دولار اميركي والاشتراك في احد اشكال البيع الهرمي الذي يقوم على البحث عن اشخاص لديهم الهدف نفسه ليستثمروا اموالهم هم ايضا. ويذكر التقرير ان كل ما يفعله هذا المبلغ من المال هو دفع ثمن تذكرة سفر للتفرج على المشروع «إن اقتنع بلد ما بمنحه مساحة للبناء، وإن بُني فندق صغير هناك،» كما علّقت الصحيفة. فلا يوجد امل واقعي بإنشاء «فردوس» هناك.
-
-
فردوس خالٍ من المشاكل — قريبا يصير حقيقةاستيقظ! ١٩٩٧ | تشرين الاول (اكتوبر) ٨
-
-
فردوس خالٍ من المشاكل — قريبا يصير حقيقة
«تكون معي في الفردوس.» كم طمأنت هذه الكلمات الرجل ذا السجل الاجرامي! لم يعتقد آنذاك هذا اللص المعلّق الى جانب يسوع انه عندما يموت سيذهب الى السماء لا الى هاوية نارية، بل تعزّى برجاء القيامة الى الحياة حين يُرَد الفردوس الى الارض. لاحظوا من فضلكم مَن ذكر هذا الكلام الرائع عن الفردوس — انه ابن اللّٰه يسوع المسيح. — لوقا ٢٣:٤٣.
وماذا دفع المسيح الى الوعد بالفردوس؟ كان اللص قد التمس منه قائلا: «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.» (لوقا ٢٣:٤٢) فما هو هذا الملكوت، وأية علاقة له بالفردوس الارضي؟ وكيف يضمن ذلك خلوّ الفردوس من المشاكل؟
القوة التي ستجلب الفردوس
توافقون دون شك ان الفردوس الحقيقي لا يمكن ان يحلّ على الارض إلا حين تزول كل المشاكل التي نعيشها اليوم. لكنَّ الجهود البشرية لإزالتها تبوء حتى الآن بالفشل، كما يشهد التاريخ بشكل وافٍ. اعترف النبي العبراني ارميا: «عرفت يا رب انه . . . ليس لإنسان يمشي ان يهدي خطواته.» (ارميا ١٠:٢٣) فمَن بإمكانه ازالة كل المشاكل التي نعيشها اليوم؟
سوء الاحوال الجوية والتلوُّث. عندما هبَّت على بحر الجليل عاصفة قوية هيَّجت امواجا كبيرة بحيث صارت تهدِّد بتحطيم السفينة، ايقظ البحّارة رفيقهم المسافر من نومه. لكنه اكتفى بالقول للبحر: «اسكت. اِبكَم.» ويروي انجيل لوقا ما حدث: «فسكنت الريح وصار هدوء عظيم.» (مرقس ٤:٣٩) ولم يكن هذا الرفيق المسافر سوى يسوع. لقد كانت له القدرة على التحكم في الطقس.
ويسوع هذا نفسه هو الذي انبأ بواسطة الرسول يوحنا انه سيحلّ وقت «يهلك» فيه اللّٰه «الذين كانوا يهلكون الارض.» (رؤيا ١:١؛ ١١:١٨) وليس هذا عملا يعجز عنه مَن ازال عالما بكامله من الفجار بواسطة الطوفان في ايام نوح. — ٢ بطرس ٣:٥، ٦.
الجريمة والعنف. يعد الكتاب المقدس: «لأن عاملي الشر يُقطعون والذين ينتظرون الرب هم يرثون الارض. أما الودعاء فيرثون الارض ويتلذذون في كثرة السلامة.» (مزمور ٣٧:٩، ١١) واللّٰه، يهوه، هو ايضا مَن يعد بإزالة كل جريمة وعنف، حافظا الفردوس للودعاء.
الفقر والجوع. يسمح الظلم في ايامنا للحكومات في منطقة من العالم بتكويم المواد الغذائية الفائضة «جبالا» في حين ترزح الدول الفقيرة تحت وطأة الفقر. ووكالات الغوث، التي يدعمها اشخاص مهتمون من كل العالم، تحاول تأمين الضروريات ولكنها تفشل غالبا حين تتعطل برامج التوزيع بسبب انعدام النظام والقانون. ويتباين ذلك مع ما سجله النبي اشعياء: «يصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن وليمة خمر على دردي سمائن ممخة دردي مصفى.» (اشعياء ٢٥:٦) فهل يعني ذلك ان المجاعة لن تكون في ما بعد؟ نعم، بالتاكيد.
الحرب. لم تنجح المحاولات الهادفة الى ادارة شؤون هذا الكوكب بواسطة سلطة تتخطى الحدود القومية. فعصبة الامم، التي تأسست سنة ١٩٢٠، فشلت في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية وانحلت. والامم المتحدة، المعتبَرة غالبا افضل امل بالسلام، تجاهد لتُبقي الاطراف المتحاربة بعيدة بعضها عن بعض في مناطق النزاع. ورغم انتشار اخبار جهود السلام التي تقوم بها، تكثر الحروب، سواء أكانت اهلية ام عرقية ام اقليمية. أما حكومة ملكوت اللّٰه فتعد بإزالة الفئات المتحاربة اليوم وتعليم رعاياها طرق السلام. — اشعياء ٢:٢-٤؛ دانيال ٢:٤٤.
الانهيار العائلي والادبي. تفكّك العائلات متفشٍّ كثيرا. ويكثر جناح الاحداث. وينتشر الفساد الادبي في كل مستويات المجتمع البشري. لكنَّ مقاييس اللّٰه لم تتغير من البداية. فقد شهد يسوع انه «يترك الرجل اباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا . . . فالذي جمعه اللّٰه لا يفرِّقه انسان.» (متى ١٩:٥، ٦) وأوصى يهوه اللّٰه ايضا: «أكرم اباك وأمك. . . . لكي يكون لكم خير وتكونوا طوال الاعمار على الارض.» (افسس ٦:٢، ٣) وهذه المقاييس ستسود الارض في ظل ملكوت اللّٰه.
المرض والموت. وعد النبي اشعياء: «الرب . . . يخلصنا. ولا يقول ساكن انا مرضت.» (اشعياء ٣٣:٢٢، ٢٤) واعترف الرسول المسيحي بولس: «اجرة الخطية هي موت. وأما هبة اللّٰه فهي حياة ابدية بالمسيح يسوع.» — رومية ٦:٢٣.
سيزيل يهوه اللّٰه كل هذه المشاكل بواسطة حكومته السماوية تحت اشراف ابنه المسيح يسوع. ولكن قد تسألون: ‹يبدو ذلك وكأنه حلم يوطوبائي خيالي. صحيح انه سيكون رائعا لو تحقق، ولكن هل سيتحقق؟›
حقيقة من الآن
بالنسبة الى كثيرين، تبدو امكانية العيش في فردوس خالٍ من المشاكل هنا على الارض تفاؤلا غير واقعي. فإذا كان هذا ما تعتقدونه، فافحصوا الدليل على ان ذلك سيحدث فعلا.
شهود يهوه هم في الوقت الحاضر مجتمع عالمي مؤلف من اكثر من خمسة ملايين شخص يتمتعون بمحيط خالٍ من المشاكل نسبيا في جماعاتهم الـ ٠٠٠,٨٢ المنتشرة في ٢٣٣ بلدا. يمكنكم الذهاب الى احد تجمعاتهم، الكبيرة او الصغيرة. وماذا ستجدون؟
(١) الجوّ المبهج والنظيف. تعليقا على احد المحافل التي عقدها شهود يهوه في نوريتش، انكلترا، قال مدير ملعب كرة قدم: «ان الجو السلمي الذي ساد في الايام الاربعة . . . له تأثير مُعْدٍ. فأنتم تنعمون بسكينة تتباين بشكل حاد مع الجو السائد خلال اية اربعة ايام اخرى في عالم الاعمال المتوتر والحياة اليومية حولنا. هنالك فعلا امر يميِّز الشهود، ومن الصعب تحديده.»
وقال مستشار تدريبي في صناعة البناء زار مكاتب شهود يهوه في لندن: «تأثرت كثيرا بما رأيته وسمعته على السواء، وأدهشني جدا جو السلام الشامل والسكينة التي لا توجد في ابنيتكم فحسب بل ايضا بين [الرجال والنساء]. أعتقد ان طريقة حياتكم وسعادتكم يمكن ان تعلّم بقية هذا العالم المضطرب الكثير.»
(٢) الامن والسلام. كتبت معلّقة صحفية في صحيفة جورنال دو مونريال في كندا: «انا لست شاهدة. لكني شاهدة على الحقيقة ان الشهود يعطون الدليل على الكفاءة والسلوك اللائق. . . . ولو كانوا الشعب الوحيد في العالم لما وجب ان نقفل ابوابنا بمزلاج في الليل ونشغِّل جهاز الانذار ضد السرقة.»
(٣) الولاء لحكومة ملكوت اللّٰه يميِّز الشهود. وموقفهم الحيادي يزعج البعض، مع انه لا حاجة الى ذلك. وعدم تورُّطهم في البرامج الإصلاحية السياسية لا يعني انهم لا يهتمون بتحسين المجتمع، بل يحاولون التصرف بطريقة ترضي الكائن الذي يحكم من خلال حكومة سماوية، اي خالق الارض يهوه اللّٰه.
ان معتقدات الشهود، المؤسسة بكاملها على كلمة اللّٰه الكتاب المقدس، تمنعهم من السقوط في فخ الصيرورة بدعة. وهم يهتمون اهتماما ودِّيًّا بكل الناس، مهما تكن معتقداتهم الدينية. ولا يحاولون اجبار هؤلاء الاشخاص على تغيير وجهة نظرهم. ويجاهدون للتمثل بقائدهم المسيح يسوع بعرض الادلة من الاسفار المقدسة على دنوّ تأسيس فردوس خالٍ من المشاكل على الارض قريبا. — متى ٢٨:١٩، ٢٠؛ ١ بطرس ٢:٢١.
(٤) الصحة الروحية والسعادة. شهود يهوه واقعيون ولا يدَّعون ان لا مشاكل تعترضهم على الاطلاق في هذا الوقت. فهذا مستحيل على الاشخاص الذين يحملون دمغة الخطية الموروثة من آدم. ولكن بمساعدة روح اللّٰه القدوس، يعملون على تنمية صفات ‹كالمحبة، الفرح، السلام، طول الاناة، اللطف، الصلاح، الايمان، الوداعة، التعفف› في شخصيتهم. (غلاطية ٥:٢٢، ٢٣) وعبادتهم ليهوه بواسطة المسيح يسوع هي التي توحِّدهم وتُبقي آمالهم حيّة.
نحن على ثقة بأن زيارتكم لمكان اجتماع الشهود محليا ستقنعكم بأن اللّٰه سيحوِّل الارض الى فردوس حرفي.
ان المشاكل الحاضرة ستولّي. وحتى النقص الباقي سيزول تدريجيا فيما تُطبَّق فوائد ذبيحة المسيح الفدائية على الجنس البشري الطائع. نعم، يمكنكم ان تتمتعوا بالصحة الكاملة والسعادة.
ستساعدكم بعض الاستعدادات البسيطة على التمتع بهذا الامل. اطلبوا من الشهود نسخة شخصية من كتاب المعرفة التي تؤدي الى الحياة الابدية.a فبإمكانكم من خلال هذا الكتاب ان تتعلموا في وقت قصير ما يطلبه اللّٰه منكم لكي تتمتعوا انتم ايضا بالحياة في فردوس خالٍ من المشاكل الى الابد.
-