-
هل كانت له بداية فعلا؟استيقظ! ١٩٩٩ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
هل كانت له بداية فعلا؟
على مرِّ العصور، حدَّق كثيرون في سماء الليل المتألقة المرصَّعة بالنجوم وتعجَّبوا. فرحابة كوننا العجيب وجماله المهيب يخلبان العقول. فمَن او ماذا يعلّل كل ذلك؟ لماذا وُجد الكون؟ وهل هو ازلي، أم كانت له بداية؟
كتب دايڤيد ل. بلوك، پروفسور في علم الفلك: «ان الفكرة القائلة ان الكون ليس ازليا — ان له بداية — لم تلاقِ الاستحسان دائما». لكنَّ ادلةً ظهرت في العقود الاخيرة اجبرت معظم الذين يقومون بدراسة الكون على الاعتقاد انه كانت له بداية فعلا. «فكل علماء الفيزياء الفلكية تقريبا يستنتجون اليوم»، كما تخبر اخبار الولايات المتحدة والتقرير العالمي (بالانكليزية)، ان «الكون بدأ بانفجار عظيم قذف المادة في كل الاتجاهات».
وعن هذا الاستنتاج المتعارف عليه عموما، كتب روبرت جاسترو، پروفسور في علم الفلك والجيولوجيا في جامعة كولومبيا: «قليلون هم الفلكيون الذين توقَّعوا ان يصير هذا الحدث — اي الولادة المفاجئة للكون — حقيقة علمية مثبَتة، لكنَّ رصد السموات بواسطة المقاريب اجبرهم على استنتاج ذلك».
فهل هذه «الولادة المفاجئة للكون» هي فعلا «حقيقة علمية مثبَتة»؟ دعونا نتأمل في الادلة التاريخية التي ادت الى استخلاص هذه الفكرة.
ادلة على وجود بداية
ان نظرية النسبية العامة التي وضعها ألبرت آينشتاين، والتي نُشرت سنة ١٩١٦، دلَّت ضمنا على ان الكون إما يتمدَّد او يتقلص. لكنَّ الفكرة كانت مناقضة تماما للرأي المتعارَف عليه آنذاك الذي يقول ان الكون ساكن static، الامر الذي كان آينشتاين ايضا يؤمن به آنذاك. لذلك ادخل في حساباته ما دعاه «الثابت الكوني cosmological constant». وقد اجرى هذا التعديل لأنه كان يحاول ان يجعل نظريته تنسجم مع الاعتقاد السائد ان الكون ساكن ولا يتغيَّر.
لكنَّ الادلة التي تراكمت في عشرينات القرن الـ ٢٠ جعلت آينشتاين يقول عن هذا التعديل، الذي اضطر الى القيام به في نظرية النسبية، انه ‹اكبر هفوة› له. فبفضل إنشاء المقراب (التلسكوپ) الضخم على جبل ويلسون في كاليفورنيا، والذي بلغ قطر مرآته ٢٥٤ سنتيمترا (١٠٠ انش)، صار الحصول على الادلة ممكنا. فالارصاد التي سُجِّلت باستعمال هذا المقراب خلال العشرينات اثبتت ان الكون يتمدَّد!
قبل ذلك الوقت، كانت اكبر المقاريب قادرة فقط على تحديد النجوم الواقعة ضمن مجرتنا درب التبَّانة. صحيح ان الراصدين لاحظوا وجود بقع ضوئية ضبابية تُعرف باسم السُّدُم nebulas، ولكن كان يُعتقد عموما انها دوَّامات من مادة غازيّة موجودة ضمن مجرتنا. انما باستعمال مقراب جبل ويلسون الاقوى، وجد ادوين هابل نجوما داخل هذه السُّدُم. وفي النهاية حُدِّدت هوية هذه البقع الضوئية الضبابية على انها مجرات كمجرتنا درب التبَّانة. واليوم، يُقدَّر انه يوجد من ٥٠ بليون الى ١٢٥ بليون مجرة، وتضمّ كل واحدة منها نجوما يصل عددها الى مئات البلايين.
في اواخر العشرينات، اكتشف هابل ايضا ان هذه المجرات تبتعد عنا، وأنه كلما كانت المسافة اكبر زادت سرعة ابتعادها. ويحدِّد الفلكيون معدل سرعة ابتعاد المجرة باستخدام راسم الطيف spectrograph الذي يقيس طيف الضوء الآتي من الاجرام النجمية. ويُمرَّر الضوء الآتي من النجوم البعيدة في موشور prism، فيتقزَّح الضوء متحوِّلا الى الالوان المختلفة التي يتكوَّن منها.
عندما يتحرَّك جسم ما مبتعدا عن الناظر، يصير الضوء الآتي منه مائلا الى الاحمر، وتدعى هذه الحالة الانزياح الاحمر redshift. أما الانزياح الازرق blueshift فيحدث في حالة الضوء الآتي من جسم يقترب. ومن الملاحظ ان جميع المجرات المعروفة، باستثناء بعض المجرات القريبة، لها خطوط طيفية تدل على انزياح احمر. وهكذا يعرف العلماء ان الكون يتمدَّد بطريقة منظمة. ويُحدَّد معدل سرعة التمدُّد بقياس درجة انزياح خطوط الطيف نحو الاحمر.
وأيّ استنتاج جرى التوصُّل اليه نتيجة المعرفة ان الكون يتمدَّد؟ دعا احد العلماء الناس الى تخيُّل هذه العملية بطريقة مقلوبة. وبكلمات اخرى، دعاهم الى التخيُّل انهم يشاهدون فيلما عن تمدُّد الكون يُعرض باتجاه معكوس حتى يرى المشاهد التاريخ الباكر للكون. وبهذه الطريقة لا يُرى الكون وهو يتمدَّد بل وهو يتقلص. وبذلك يعود الكون في آخر الامر الى اصله على شكل نقطة واحدة.
في كتاب الثقوب السوداء والأكوان الناشئة وبحوث اخرى (بالانكليزية)، الصادر سنة ١٩٩٣، استنتج الفيزيائي الشهير ستيڤن هوكِنڠ انه «يمكن للعلم ان يقول: لا بد ان الكون كانت له بداية».
ولكن قبل سنوات قليلة، لم يعتقد كثيرون ان الكون كانت له بداية. وكان فرِد هُويْل عالما شهيرا عارض هذا المفهوم لظهور الكون الذي دعاه بازدراء ‹انفجارا عظيما›. ومن الامور التي جادل فيها انه لو كانت للكون فعلا بداية دينامية كهذه، لَبقي من هذه الحادثة اثر محفوظ في مكان ما من الكون. فينبغي ان يكون هنالك اشعاع احفوري، اذا جاز التعبير، او وهج ضعيف متخلِّف يسبح في الفضاء. فماذا كشف البحث عن هذا الاشعاع المسمى «إشعاع الخلفية background radiation»؟
ذكرت ذا نيويورك تايمز (بالانكليزية)، عدد ٨ آذار (مارس) ١٩٩٨، انه نحو سنة ١٩٦٥ «اكتشف الفلكيان آرنو پنْزِياس وروبرت ويلسون اشعاع الخلفية المنتشر في كل مكان، وهو الوميض المتبقي من الانفجار البدائي». وأضافت المقالة: «بدا ان نظرية [الانفجار العظيم] قد أُثبتت».
ولكن خلال السنوات التي تلت اكتشاف پنْزِياس وويلسون، اثار البعض هذا السؤال: اذا كانت نظرية الانفجار العظيم صحيحة فعلا، فلمَ لم تُرصَد تفاوتات طفيفة في الاشارات الملتقطة لهذا الاشعاع؟ فلكي تتشكل المجرات، لزم ان توجد في الكون مناطق اكثر برودة وكثافة حيث يمكن للمادة ان تلتحم. لكنَّ الاختبارات التي اجراها پنْزِياس وويلسون من على سطح الارض لم تكشف عن تفاوتات كهذه.
لذلك اطلقت وكالة الطيران والفضاء الاميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٨٩ القمر الاصطناعي «مستكشف الخلفية الكونية» (كوبي COBE) الى الفضاء الخارجي. ووُصفت اكتشافاته بأنها مذهلة. اوضح الپروفسور بلوك: «ان التموُّجات، التي سجَّلها جهاز على متن كوبي يقيس الفروق في الموجات الصُّغرية، كانت مطابقة للتغيُّرات التي تركت اثرها في كوننا والتي ادت قبل بلايين السنين الى تشكّل المجرات».
ما تعنيه هذه الادلة ضمنيا
ماذا يمكن ان نستنتج من الواقع ان للكون بداية؟ قال روبرت جاسترو: «يمكنكم ان تدعوا ذلك ‹الانفجار العظيم›، ولكن يمكنكم ايضا ان تدعوه بشكل دقيق ‹لحظة الخلق›». وذكر پنْزِياس، الذي اشترك في اكتشاف اشعاع الخلفية في الكون: «يقودنا علم الفلك الى حدث فريد، الى كون خُلق من لا شيء». ولاحظ جورج سموت، رئيس فريق كوبي: «ما وجدناه ليس الا دليلا على ولادة الكون».
وهل من المنطقي الاستنتاج انه اذا كانت هنالك بداية، او خلق، للكون، فهذا يعني انه يوجد مبدئ او خالق له؟ هذا ما يعتقده كثيرون. فقد ذكر سموت بشأن اكتشافات كوبي: «يشبه الامر النظر الى اللّٰه».
وطبعا، حتى دون ان تتوفَّر الادلة العلمية التي ظهرت في العقود الاخيرة، آمن كثيرون بالكلمات الافتتاحية للكتاب المقدس: «في البدء خلق اللّٰه السموات والارض». — تكوين ١:١.
ولكن لا يريد الجميع الاعتراف بهذه الجملة البسيطة الواردة في الكتاب المقدس. ذكر الفيزيائي ستيڤن هوكِنڠ: «لم ترق علماء كثيرين الفكرة القائلة ان للكون بداية، او لحظة خلق». وبالاضافة الى ذلك، «لم تعجبهم المعاني الضمنية الخارجة عن النطاق العلمي لهذه النظرية»، كما كتب مايكل ج. بيهي، «فحاولوا جاهدين تطوير بدائل».
لذلك ينشأ السؤالان: هل وُجد الكون تلقائيا؟ وهل حدث الامر بالصدفة، أم ان خالقا ذكيا خلقه؟ ستوضح لكم الادلة التالية الكثير.
-
-
هل وُجد الكون بالصدفة، أم انه خُلق؟استيقظ! ١٩٩٩ | حزيران (يونيو) ٢٢
-
-
هل وُجد الكون بالصدفة، أم انه خُلق؟
ينزعج علماء كثيرون من الفكرة القائلة ان خالقا ذكيا خلق الكون. لذلك يفترضون ان الكون اوجد نفسه بنفسه بطريقة ما. ولكن لم يتمكن احد من ان يشرح كيف امكن حدوث ذلك.
والامر في الواقع يشبه ما ذكرته مجلة ساينتفيك امريكان (بالانكليزية) في عدد كانون الثاني (يناير) ١٩٩٩: «ان نظرية الانفجار العظيم لا تصف ولادة الكون». وأضافت المجلة: «ثمة حاجة الى نظرية اخرى تصف الازمنة الابكر ايضا لتفسير النشأة الاصلية للكون».
ولكن هل يبدو منطقيا لكم ان الكون اوجد نفسه بنفسه بطريقة ما؟ ذكر الفيزيائي تشارلز تاونز: «صحيح ان الفيزيائيين يأملون ان ينظروا الى ما وراء ‹الانفجار العظيم›، وربما ان يفسِّروا اصل كوننا على انه، مثلا، تغيُّر من نوع ما. ولكن حتى في هذه الحالة يبقى السؤال: ما الذي حصل له تغيُّر، وكيف كانت بدايته؟ يبدو، في رأيي، ان مسألة اصل [الكون] ستبقى دائما دون حل اذا بقي استكشافنا مركزا على الناحية العلمية فقط».
من المسلَّم به اليوم ان الكون لم يكن موجودا في وقت من الاوقات، وأنه اتى الى الوجود بطريقة ما. فإذا رجعنا الى المعلومات المتوفرة عن القوانين العاملة في الكون، فهل يساعدنا ذلك ان نفهم كيف ظهر؟
«وجهان لنفس الحالة»
هذا ما قيل عن الطاقة والمادة. وقد ذكرت مجلة ساينتفيك امريكان: «المادة هي ببساطة احد اشكال الطاقة». وهذه العلاقة بين المادة والطاقة عُبِّر عنها في الصيغة الشهيرة التي وضعها آينشتاين: طا=كسر٢ 2E=mc (الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربَّع سرعة الضوء). تُظهر هذه المعادلة ان قليلا من الكتلة، او المادة، يولِّد طاقة هائلة. «انها تفسِّر»، كما ذكر الپروفسور الجامعي تِموثي فرِس، «لماذا بإمكان قنبلة في حجم برتقالة ان تدمِّر مدينة».
ومن جهة اخرى، بحسب نظرية آينشتاين، يمكن ايضا ان تتحوَّل الطاقة الى مادة. وهكذا، عند تشكّل الكون، ربما حدث ما دعاه احد علماء الكون «التحوُّل الاكثر مهابة للمادة والطاقة الذي كان لنا امتياز لمحه».
ولكن من اين اتت المادة والطاقة اللازمتان ليحدث هذا «التحوُّل»؟ لا يملك العلم جوابا شافيا. ومن المثير للاهتمام ان الكتاب المقدس يقول عن اللّٰه: «لكثرة القوة [«الطاقة الدينامية»، عج] وكونه شديد القدرة لا يُفقد احد [من الاجرام السماوية]». (اشعياء ٤٠:٢٦؛ إمالة الحروف لنا) ومهما تكن الوسيلة التي استخدمها اللّٰه لخلق الكون، فهو يملك دون شك الطاقة والقدرة اللازمتين لذلك.
وهل تزوِّد الادلة العلمية اساسا للاعتقاد ان ذكاءً اسمى خلق كوننا؟ يمكن ان نحصل على الجواب عندما نلقي نظرة على الطريقة التي بدأ بها الكون.
بداية منظمة
فكّروا في هذا: ان التحويل غير المضبوط للمادة الى طاقة الذي يحصل عند انفجار قنبلة نووية يسبِّب الفوضى، كما يُرى من الدمار الشامل في اليابان الذي احدثته قنبلتان من هذا النوع في هيروشيما وجزء كبير من ناڠازاكي سنة ١٩٤٥. لكنَّ الكون لا تعمُّه الفوضى البتة، بل هو مثال التناسق والجمال! تأملوا ايضا في هذه الارض الرائعة وتنوُّع الحياة المذهل عليها. فلا يعقل ان تكون قد وُجدت بمعزل عن توجيه او تنظيم ذكي.
قامت مجلة نيوزويك (بالانكليزية)، عدد ٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٩٨، باستعراض ما تعنيه ضمنيا الاكتشافات المتعلقة بنشأة الكون. وقالت ان الوقائع «اشارت الى ان المادة والحركة نشأتا الى حد بعيد كما يشير التكوين [في الكتاب المقدس] من العدم، في انفجار ضخم للضوء والطاقة». لاحظوا الاسباب التي قدَّمتها نيوزويك لإجرائها المقارنة بين بداية الكون ووصف الكتاب المقدس لهذا الحدث.
«ان القوى التي أُطلقت كانت — ولا تزال — متوازنة بشكل لافت للنظر (بشكل عجائبي؟): فلو كان الانفجار العظيم اقل شدة بقليل، لَتمدَّد الكون بسرعة اقل، ولَانقبض عاجلا (بعد ملايين قليلة من السنين، او بعد دقائق قليلة — إنما عاجلا بأية حال) على نفسه من جديد. ولو كان الانفجار اكثر شدة بقليل، لَتبدَّد الكون على الارجح في شكل حساء رقيق جدا بحيث يتعذَّر على النجوم ان تتكتَّل. واحتمالات حدوث ذلك — مما يعني انه لن نكون قد أتينا الى الوجود — هي فعلا كبيرة جدا جدا. فلا بد ان نسبة المادة والطاقة الى حجم الفضاء عند الانفجار العظيم لم تتعدَّ النسبة المثالية بأكثر من واحد الى كوَدريليون من الـ ١ في المئة تقريبا».
واقترحت نيوزويك انه كان هنالك، اذا جاز التعبير، «عامل ضابط» للكون بشكل دقيق. ولاحظت: «اذا حذفتم درجة واحدة فقط (انظروا ما ذُكر اعلاه عن مجال الخطإ البالغ واحد الى كوَدريليون من الـ ١ في المئة)، . . . نتج عن ذلك ليس فقط الفوضى بل ايضا القصور [انتروپيا] والجليد الابديان. اذًا، ما — او مَن — هو هذا العامل العظيم الذي ضبط الامور بدقة؟».
اعترف عالم الفيزياء الفلكية آلن لايتمان بأن العلماء «يتعجبون من ان الكون نشأ بهذا التنظيم الفائق». وأضاف ان «اية نظرية ناجحة في علم الكونيات ينبغي ان توضح هذه المشكلة المتعلقة بالقصور» — لماذا لم تعمّ الكون الفوضى.
لماذا لا يريدون ان يصدِّقوا؟
هل توافقون على ان هذا «التنظيم الفائق» يدل على وجود منظِّم؟ معظم الناس يوافقون. ولكن ليس الامر كذلك مع الذين يصرِّحون بإلحادهم. ولماذا؟ بسبب الدِّين! فكما كتب الپروفسور فرِس، «لا يمكننا ان ننكر ان الالحاد دِين كغيره من الاديان». وادّعى انه من الافضل «ان نترك اللّٰه خارج موضوع علم الكونيات».
وهذا ما يفعله كثيرون — ولكن بصعوبة. مثلا، بعد ان لاحظ الپروفسور في علم الفلك جورج ڠرينستاين انه توجد امور كثيرة يمكن ان تُعتبر دليلا على التصميم في الكون، كتب: «صرت مقتنعا بأن ‹مصادفات› كهذه لا يعقل ان تكون قد حدثت بالصدفة». لكنه يؤكد: «اللّٰه ليس بتفسير». وهكذا يضحّي بعض العلماء بالتحليل السليم ليتمسكوا بمعتقداتهم التقليدية الدينية الموضوعة في اطار علمي.
لكنَّ «دِين» الفيزيائي الشهير فرِد هُويْل عاد وتزعزع خلال حياته. فقد اعترف في الثمانينات: «ان تفسيرا منطقيا للوقائع يشير الى ان ذكاءً خارقا تدخَّل في الفيزياء، وأيضا في الكيمياء وعلم الأحياء، ويشير الى انه لا توجد قوى عمياء تستحق ان تُنسب اليها الامور في الطبيعة. فالارقام التي يصل اليها المرء من هذه الوقائع تبدو لي ضخمة جدا بحيث يكاد لا يمكن التغاضي عن هذا الاستنتاج».
ومن المثير للاهتمام انه عندما كان عصر البحث العلمي بمعناه الحديث يبزغ، توصل السير اسحاق نيوتن الى استنتاج مماثل. وقد دفعته اكتشافاته الى ان يكتب: «هذا النظام الرائع للشمس، الكواكب، والمذنَّبات لا يمكن ان يكون قد نشأ إلا بتوجيه وسيطرة كائن ذكي وقوي».
تأملوا في احدى نتائج اكتشافات نيوتن ويوهانس كپلر في ما يتعلق بقوانين الحركة.
ما يجعل الرحلات الفضائية ممكنة
وصف كپلر قوانين حركة الكواكب في اوائل القرن الـ ١٧، وقد ذكرت دائرة معارف الكتاب العالمي (بالانكليزية) ان هذه القوانين «تُستخدم لتحديد مدارات الاقمار الاصطناعية وللتخطيط لرحلات المركبات الفضائية». وفي سنة ١٦٨٧، نشر نيوتن قوانين الحركة المشهورة التي وضعها، وقد قالت دائرة المعارف نفسها ان هذه القوانين «كقوانين كپلر، تشكّل اساس التخطيط للرحلات الفضائية». فلماذا؟
لأنه باستخدام هذه القوانين، بإمكان البشر ان يحدِّدوا بحسابات رياضية اين سيكون جسم ما في الفضاء في وقت معيَّن. وما يجعل هذه الحسابات ممكنة هو ان الاجرام السماوية، بما فيها الارض والقمر، تتبع حركة ثابتة بحيث يمكن دائما معرفة اين ستكون. مثلا، يدور القمر في مداره حول الارض بمعدل سرعة يبلغ ٧٠٠,٣ كيلومتر (٣٠٠,٢ ميل) في الساعة، مكملا دورته في اقل من شهر بقليل بحيث يمكن معرفة اين سيكون. وتقوم الارض بدورتها السنوية حول الشمس بسرعة ٢٠٠,١٠٧ كيلومتر (٦٠٠,٦٦ ميل) في الساعة تقريبا، ومن الممكن معرفة اين ستكون هي ايضا.
وهكذا، عند القيام برحلات فضائية الى القمر، يوجِّه البشر على الارض مركباتهم الفضائية الى موقع في الفضاء يسبق القمر في مداره بآلاف الكيلومترات. فمن خلال حسابات مختلفة يعرفون مسبقا اين سيكون القمر بالتحديد في وقت معيَّن. وإذا وُجِّهت المركبة الفضائية كما يجب وبالقوة المناسبة، تصل هي ايضا الى ذلك الموقع. وهذا ما يجعل الهبوط على سطح القمر ممكنا.
وماذا يجعل الانسان قادرا على معرفة اين ستكون الاجرام السماوية في حركتها؟ ذكر جون ڠلين، اول رائد فضاء اميركي يدور حول الارض، بشأن الترتيب في الكون: «هل يمكن ان يكون ذلك مجرد حادثة؟ . . . لا يمكنني ان اصدِّق ذلك». ثم اضاف: «هذه كلها وضعتها قوة ما في المدار وهي تبقيها هناك».
وكان عالم الفضاء ڤيرنهر ڤون براون متعجِّبا من القوانين التي تتحكم في الكون. فاندفع الى القول: «ان الرحلات الفضائية المأهولة . . . لم تفتح لنا حتى الآن سوى باب صغير للتأمل في رحاب الفضاء. وتطلُّعنا من ثقب الباب هذا الى اسرار الكون الشاسعة لا يعمل إلا على تأكيد ايماننا بخالقه».
وكان ذلك ايضا رأي الفيزيائي الشهير پ. أ. م. ديراك، الذي كان پروفسورا في الرياضيات في جامعة كَيمبريدج. فقد قال: «ربما استطاع المرء ان يصف الحالة بالقول ان اللّٰه رياضي من درجة عالية جدا، وقد استخدم رياضيات متقدمة جدا في بناء الكون».
فمَن هو هذا الرياضي العظيم، هذا الذكاء الاسمى، المسؤول عن روائع الخلق؟
مَن خلق الكون؟
اذا كنا مسافرين في منطقة غير مألوفة ووجدنا بيتا جميلا تحيط به مرجات مجزوزة بمهارة وحدائق رائعة، فلن نستنتج انه وُجد بالصدفة. فهذا غير منطقي البتة. فلا بد ان بنّاء ممتازا وبستانيا ماهرا قاما بذلك.
وبشكل مماثل، لا بد ان خالقا اوجد كوننا الكبير الاكثر تعقيدا بكثير. وفي الكتاب المقدس يعطي هذا الخالق لنفسه اسما، اذ يقول: «انا يهوه. هذا اسمي». (اشعياء ٤٢:٨، عج) والاشخاص الذين يقدِّرون اعمال اللّٰه يُقال عنهم في الكتاب المقدس انهم يهتفون: «انت مستحق، يا يهوه الهنا، ان تنال المجد والكرامة والقدرة، لأنك خلقت كل الاشياء، وهي بمشيئتك وُجدت وخُلقت». — كشف ٤:١١.
وبالاضافة الى ان يهوه كشف للبشر الاسم الذي اطلقه على نفسه، كشف ايضا في كلمته المكتوبة قصده المتعلق بإعداد الارض لسكنى البشر. وقد اكد يسوع المسيح، ابن اللّٰه، انه يمكن الاعتماد على كلمة اللّٰه، وذلك عندما قال: «كلمتك هي حق». — يوحنا ١٧:١٧.
قبل وقت غير طويل ذكرت مجلة علمية: «بخلاف كل الاجيال السابقة، نحن نعرف كيف وُجدنا. ولكن ما زلنا لا نعرف، شأننا في ذلك شأن كل الاجيال السابقة، لماذا وُجدنا». لكنَّ الجواب عن هذا السؤال، لماذا؟، موجود. وكلمة اللّٰه هي التي تجيب عنه. فتأملوا من فضلكم في الجواب في المقالة التالية.
-