مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • بص «يهوه»‏
  • يهوه

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • يهوه
  • بصيرة في الاسفار المقدسة
  • مواد مشابهة
  • الاسم الإلهي
    بصيرة في الاسفار المقدسة
  • اسم اللّٰه و «العهد الجديد»‏
    الاسم الالهي الذي سيثبت الى الابد
  • يهوه
    المباحثة من الاسفار المقدسة
  • أكرِم اسم يهوه العظيم
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠١٣
المزيد
بصيرة في الاسفار المقدسة
بص «يهوه»‏

يهوه

‏[الوزن السببي (‏كَوَزن «فعَّل يفعِّل»)‏ وصيغة عدم التمام (‏التي تدل على حدث مستمر)‏ للفعل العبراني هاواه (‏صار)‏؛‏ معناه «يصيِّر»]‏

هو اسم اللّٰه العلَم.‏ (‏اش ٤٢:‏٨؛‏ ٥٤:‏٥‏)‏ ورغم ان الاسفار المقدسة تطلق عليه ألقابا وصفات مثل «السيد الرب»،‏ «الخالق»،‏ «الآب»،‏ «القادر على كل شيء»،‏ و «العليّ»،‏ فإن هذا الاسم العلَم وحده هو الذي يختصر شخصيته وصفاته.‏ —‏ مز ٨٣:‏١٨‏.‏

التلفظ الصحيح بالاسم الإلهي:‏ «يهوَه» هي صيغة الاسم الالهي الاكثر انتشارا باللغة العربية.‏ ويمثَّل الاسم في المخطوطات العبرانية الاقدم بأربعة احرف عبرانية ساكنة تُعرَف بالتتراغراماتون (‏من اليونانية:‏ تِترا-‏ معناها «اربعة»،‏ و غرامّا معناها «حرف»)‏.‏ وهذه الاحرف الاربعة (‏التي تُكتب من اليمين الى اليسار)‏ هي יהוה وتُنقَل نقلا صوتيا بالعربية الى ي ه‍ و ه‍.‏

لكنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:‏ ايّ اصوات مد يجب استعمالها مع هذه الاحرف الساكنة لمعرفة اللفظ الصحيح؟‏ ان نظام النقاط والشرطات بالعبرانية لم يُستخدم حتى النصف الثاني من الالفية الميلادية الاولى.‏ (‏انظر «العبرانية» [الابجدية والخط العبرانيان].‏)‏ اضف الى ذلك ان نظام النقاط والشرطات الموجود في المخطوطات العبرانية لا يفيد في تحديد اصوات المد التي ينبغي استعمالها للتلفظ بالاسم الالهي،‏ وذلك بسبب معتقد خرافي ديني كان قد نشأ قبل قرون.‏

معتقد خرافي يتسبب بإخفاء الاسم الإلهي:‏ في وقت ما،‏ نشأ بين اليهود معتقد خرافي انه من الخطإ التلفظ بالاسم الالهي (‏الممثَّل بالتتراغراماتون)‏.‏ ولكننا لا نعرف بالضبط ما هو السبب الاساسي وراء التوقف عن استعمال الاسم.‏ فالبعض يعتقد انه اعتُبر اقدس من ان تتلفظ به شفاه البشر الناقصين.‏ غير ان الاسفار العبرانية لا تتضمن اي دليل على ان احدا من خدام اللّٰه الحقيقيين تردد يوما في التلفظ باسمه.‏ كما ان الوثائق العبرانية الدنيوية،‏ كتلك المعروفة برسائل لخيش،‏ تبيِّن ان الاسم استُخدم في المراسلات العادية في فلسطين خلال الجزء الاخير من القرن السابع قبل الميلاد.‏

وهناك رأي آخر يقول ان الهدف من التوقف عن استخدام الاسم الالهي هو اخفاؤه عن الشعوب غير اليهودية كي لا يسيئوا استعماله.‏ لكنَّ يهوه نفسه قال ان ‹اسمه سيُعلَن في كل الارض› (‏خر ٩:‏١٦‏؛‏ قارن ١ اخ ١٦:‏٢٣،‏ ٢٤؛‏ مز ١١٣:‏٣؛‏ مل ١:‏١١،‏ ١٤‏)‏،‏ حتى بين خصومه.‏ (‏اش ٦٤:‏٢‏)‏ وفي الواقع،‏ كان الاسم معروفا ومستعملا بين الامم التي تعبد الاصنام ما قبل العصر الميلادي وفي القرون الباكرة منه.‏ (‏الموسوعة اليهودية،‏ ١٩٧٦،‏ المجلد ١٢،‏ ص ١١٩ [بالانكليزية])‏ اما آخرون فيعتقدون ان تجنب استعمال اسم اللّٰه كان بهدف منع استخدامه في الطقوس السحرية.‏ لكنَّ هذه حجة غير منطقية على الاطلاق.‏ فكلما ازداد الغموض الذي يلف الاسم،‏ ازدادت امكانية استعماله في الممارسات السحرية.‏

متى صار هذا المعتقد الخرافي متجذرا؟‏ ليس معروفا بالضبط متى صار هذا المعتقد الخرافي متجذرا،‏ تماما كالاسباب التي ادت اليه.‏ فالبعض يقولون انه ابتدأ بعد السبي البابلي (‏٦٠٧-‏٥٣٧ ق‌م)‏.‏ وهذه النظرية مبنية على الفكرة القائلة ان كتبة الاسفار العبرانية الاخيرين قلَّلوا من استخدام الاسم.‏ لكنَّ الفحص الدقيق يُثبِت عدم صحة هذه الفكرة.‏ فسفر ملاخي مثلا كان احد اواخر الاسفار العبرانية المكتوبة (‏في النصف الاخير من القرن الخامس ق‌م)‏،‏ ومع ذلك فهو يستعمل الاسم الالهي بكثرة.‏

كما ان مراجع عديدة تذكر ان استخدام الاسم الالهي توقف نحو عام ٣٠٠ ق‌م.‏ واستنتاجها هذا مبني على الافتراض ان الترجمة السبعينية،‏ وهي ترجمة يونانية للاسفار العبرانية ابتدأ العمل فيها حوالي عام ٢٨٠ ق‌م،‏ لا تتضمن التتراغراماتون (‏او النقل الصوتي لحروفه)‏.‏ ولكن،‏ صحيح ان نُسَخ المخطوطات الاكمل للترجمة السبعينية المعروفة اليوم تتبع عادةَ وضع الكلمتَين اليونانيتَين كيريوس (‏الرب)‏ او ثِيوس (‏اللّٰه)‏ بدل التتراغراماتون،‏ إلا ان هذه النُّسخ الاكثر تداولا تعود الى القرنَين الرابع والخامس ب‌م.‏ بالمقابل،‏ اكتُشفت نُسَخ اقدم تؤكد،‏ رغم كونها جذاذات غير كاملة،‏ ان المخطوطات الابكر للترجمة السبعينية كانت تتضمن الاسم الالهي.‏

وإحدى هذه النُّسخ هي عبارة عن جذاذات باقية من لفافةِ برديّ لجزء من سفر التثنية سُمِّيت بردية فؤاد رقم ٢٦٦ (‏الصورة،‏ المجلد x،‏ ص x)‏.‏ فهي تورد التتراغراماتون بأحرف عبرانية مربَّعة ضمن نصها اليوناني،‏ حيثما كان يظهر اصلا في النص العبراني.‏ وبحسب العلماء،‏ تعود هذه البردية الى القرن الاول قبل الميلاد.‏ وبالتالي كُتبت قبل اربعة او خمسة قرون من المخطوطات المذكورة آنفا.‏ —‏ انظر ملحق ك‌م‌م٨،‏ ص ١٥٦٢-‏١٥٦٤ (‏بالانكليزية)‏.‏

متى توقف اليهود عموما عن التلفظ باسم اللّٰه؟‏

نستنتج مما تقدَّم انه ما من دليل موثوق به،‏ اقلّه كتابة،‏ على اختفاء الاسم الالهي او عدم استعماله في فترةِ ما قبل الميلاد.‏ وأول اشارة الى معتقد خرافي حول الاسم تعود الى القرن الاول الميلادي.‏ فيوسيفوس،‏ وهو مؤرخ يهودي من عائلة كهنوتية،‏ يقول في حديثه عما قاله اللّٰه لموسى عند العليقة المشتعلة:‏ «عندئذ كشف له اللّٰه عن اسمه،‏ الذي لم تكن قد سمعت به اذن من قبل،‏ والذي انا ممنوع من التلفظ به».‏ (‏العاديات اليهودية،‏ ٢:‏٢٧٦ [١٢:‏٤]،‏ بالانكليزية)‏ لكنَّ عبارته هذه مبهمة،‏ اذ لا تحدِّد بالضبط النظرة السائدة في القرن الاول حول التلفظ بالاسم الالهي او استخدامه.‏ كما انها تعطي معلومة خاطئة حين تذكر ان الاسم الالهي لم يكن معروفا قبل موسى.‏

اما المشنا اليهودية (‏مجموعة من تعاليم الربَّانيين وتقاليدهم يُنسَب جمعها الى الرابِّي يهوذا الامير،‏ الذي عاش في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد)‏ فهي اوضح نوعا ما،‏ اذ تتحدث في بعض المواضع عن الاوضاع التي سادت قبل دمار اورشليم وهيكلها عام ٧٠ ب‌م.‏ لكنَّ احد العلماء ذكر عن المشنا:‏ «من الصعب جدا تحديد القيمة التاريخية لأيٍّ من التقاليد المسجلة في المشنا.‏ فمرور الوقت الذي ربما ادّى الى تلاشي او تشويه الذكريات عن حقبات زمنية مختلفة،‏ الاضطرابات السياسية والتغييرات والفوضى التي نتجت عن ثورتَين شعبيتَين وهجومَين رومانيَّين،‏ واختلاف مقاييس حزب الفريسيين (‏المشنا هي انعكاس لآرائهم)‏ عن مقاييس حزب الصدوقيين .‏ .‏ .‏ هذه كلها عوامل ينبغي اخذها بعين الاعتبار عند تقييم ما جاء في المشنا.‏ علاوة على ذلك،‏ فإن معظم محتويات المشنا ليست إلا مواد تصلح للنقاش الاكاديمي،‏ وهي لم تُسجَّل (‏كما يبدو)‏ بهدف نقل وقائع تاريخية».‏ (‏المشنا،‏ ترجمة ه‍.‏ دانبي،‏ لندن،‏ ١٩٥٤،‏ ص ١٤،‏ ١٥ [بالانكليزية])‏ وفي ما يلي بعض التقاليد الواردة في المشنا حول التلفظ بالاسم الالهي:‏

تذكر المشنا،‏ بحسب ترجمة دانبي،‏ عن يوم الكفارة الذي يُقام سنويا:‏ «وحين كان الكهنة والشعب الواقفون في ساحة الهيكل يسمعون ‹الاسم› يخرج من فم رئيس الكهنة،‏ كانوا يخرّون ساجدين وقائلين:‏ ‹مبارك اسم مجد مملكته الى الدهر والابد›».‏ (‏يوما ٦:‏٢)‏ وفي الحديث عن البركات الكهنوتية اليومية،‏ يُذكر في سوطاه ٧:‏٦:‏ «كانوا في الهيكل يلفظون ‹الاسم› كما هو مكتوب،‏ أما في الاقاليم فكانوا يتلفظون بكلمة اخرى مكانه».‏ ويرد في سنهدرين ٧:‏٥ ان المجدِّف لا يكون مذنبا ‹الا اذا لفظ الاسم [الالهي]،‏ وأنه كان يُستخدم اسم بديل اثناء محاكمة تشمل قضية تجديف الى ان تُسمع كل الدلائل؛‏ وبعدئذ يُطلب من الشاهد الرئيسي على حدة ان ‹يذكر بوضوح ما سمعه›،‏ مستعملا على الارجح الاسم الالهي.‏ كما نقرأ في سنهدرين ١٠:‏١،‏ ضمن تعداد الذين «لا نصيب لهم في العالم الآتي»:‏ «يقول أبّا شاول:‏ وكذلك الذي يلفظ الاسم مستخدِما الاحرف التي تؤلفه».‏ لكن رغم ان المشنا تتضمن هذه التقاليد التي تحرِّم استعمال الاسم،‏ نجد في القسم الاول منها المطلب القائل بأن «المرء يجب ان يلقي التحية على رفيقه مستخدما الاسم [اسم اللّٰه]»،‏ وبعده نجد الاستشهاد بمثال بوعز (‏را ٢:‏٤‏)‏.‏ —‏ براكوت ٩:‏٥.‏

لا شك ان هذه الآراء التقليدية تكشف لنا،‏ اذا لم نحمِّلها اكثر من معناها،‏ انه في فترةٍ ما قبل دمار هيكل اورشليم عام ٧٠ ب‌م انتجت المعتقدات الخرافية ميلا الى تجنب استخدام الاسم الالهي.‏ لكن حتى في ذلك الوقت،‏ الكهنة هم خصوصا مَن يُقال عنهم بكل وضوح انهم تلفظوا باسم بديل مكان الاسم الالهي،‏ وذلك فقط في الاقاليم.‏ اضف الى ذلك ان القيمة التاريخية للتقاليد الواردة في المشنا هي،‏ كما رأينا،‏ موضع شك.‏

بناء على ما ورد،‏ ما من اساس متين للقول ان المعتقد الخرافي،‏ الذي يدعو الى التوقف عن استخدام الاسم الالهي،‏ نشأ قبل القرن الاول او الثاني الميلادي.‏ ولكن في وقت ما لاحقا،‏ صار اليهودي الذي يقرأ الاسفار العبرانية باللغة الاصلية يستعمل إما أَدوناي (‏السيد الرب)‏ او إِلوهيم (‏اللّٰه)‏ بدل التلفظ بالاسم الالهي الممثَّل بالتتراغراماتون.‏ وما يثبت ذلك هو انه عندما ابتدأ نظام النقاط والشرطات يُستخدم في النصف الثاني من الالفية الميلادية الاولى،‏ ادخل النُّساخ اليهود حركات كلمتَي أَدوناي او إِلوهيم الى التتراغراماتون،‏ وذلك كما يبدو بهدف تنبيه القارئ ليتلفظ بإحدى هاتَين الكلمتَين عوض الاسم الالهي.‏ اما في النُّسخ اللاحقة من الترجمة السبعينية اليونانية للاسفار العبرنية،‏ فكان القارئ يجد ان التتراغراماتون حُذف تماما وحلَّت محله كلمتا كيريوس و ثِيوس.‏ —‏ انظر «‏الرب‏».‏

وقد اتّبعت ترجمات بلغات اخرى،‏ مثل الفولغات اللاتينية،‏ الاسلوب نفسه الذي اتّبعته هذه النُّسخ اللاحقة من الترجمة السبعينية اليونانية.‏ وبما ان ترجمة دواي الكاثوليكية الانكليزية (‏١٦٠٩-‏١٦١٠)‏ استندت الى الفولغات اللاتينية،‏ فهي لا تورد الاسم الالهي.‏ اما ترجمة الملك جيمس (‏١٦١١)‏ فتستعمل كلمتَي «الرب» [LORD] او «اللّٰه» [GOD] (‏بحروف استهلالية بحجم كبير وصغير)‏ حيثما يرد التتراغراماتون في الاسفار العبرانية،‏ ما عدا في اربعة اماكن.‏ بشكل مماثل،‏ تحذف ترجمات عربية عديدة الاسم الالهي كليًّا او تضعه مرات قليلة في متن النص.‏

ما هو اللفظ الصحيح لاسم اللّٰه؟‏

في النصف الثاني من الالفية الميلادية الاولى،‏ ابتكر العلماء اليهود نظاما مؤلَّفا من نقاط وشرطات ليعرف القارئ كيف يتلفظ بالكلمات في النصوص باللغة العبرانية التي تألفت من حروف ساكنة فقط.‏ ولكن في حالة الاسم الالهي،‏ لم يضيفوا علامات الحركات الخاصة به،‏ بل استعملوا حركات اخرى ليذكِّروا القارئ ان عليه قول أَدوناي (‏اي «الرب»)‏ او إِلوهيم (‏اي «اللّٰه»)‏.‏

اما مجلَّد لينينغراد A19 B،‏ الذي يعود الى القرن الحادي عشر الميلادي،‏ فيضع حركات للتتراغراماتون تدل ان بالامكان لفظه يِهواه،‏ يِهويه،‏ و يِهوواه.‏ كما تشير الحركات في طبعة غنْزبرغ للنص الماسوري ان الاسم يمكن ان يُلفظ يِهوواه.‏ (‏تك ٣:‏١٤‏،‏ حاشية ك‌م‌م٨‏)‏ لكنَّ العلماء العبرانيين يرجِّحون عموما ان «يَهوِه» هو اللفظ الصحيح.‏ ويدعمون فكرتهم بالقول ان مختصر الاسم هو «ياه»،‏ كما في المزمور ٨٩:‏٨ وفي عبارة هالِلو ياه (‏التي تعني «سبحوا ياه!‏»)‏.‏ (‏مز ١٠٤:‏٣٥؛‏ ١٥٠:‏١،‏ ٦‏)‏ كما ان جميع الصيغ يِهو،‏ يو،‏ يا،‏ و يَهو الموجودة في اللفظ العبراني لأسماء مثل يهوشافاط،‏ يوشافاط،‏ وشفطيا هي مشتقة من الاسم «يَهوِه».‏ كذلك الامر بالنسبة الى النقل الصوتي للاسم الالهي الى اللغة اليونانية.‏ فالكتبة المسيحيون الاوائل نقلوه الى كلمات مثل إيابِه و إيياووِه،‏ التي تشبه طريقة لفظها باليونانية طريقة لفظ كلمة «يَهوِه».‏ رغم ذلك،‏ لا يوجد اجماع بين العلماء حول هذا الموضوع.‏ حتى ان بعضهم يفضِّل طرائق لفظ اخرى للاسم،‏ مثل «ياهُووا»،‏ «ياهُواه»،‏ او «يِهُواه».‏

وبما ان اللفظ الاكيد للاسم ليس معروفا،‏ فما من سبب للتخلي عن صيغته «يَهوَه» الشائعة بالعربية وتبني صيغة اخرى.‏ وإلا فيجب ادخال تعديلات ايضا على تهجية ولفظ كمية هائلة من الاسماء الموجودة في الاسفار المقدسة.‏ فيصبح ارميا ييرمِياه،‏ وإشعيا يِشاعياهو،‏ ويسوع يِهوشواع (‏كما هي بالعبرانية)‏ و إيِسوس (‏كما هي باليونانية)‏.‏ لكنَّ هدف الكلمات هو نقل الافكار.‏ وفي اللغة العربية،‏ «يَهوَه» هي الكلمة المُستخدَمة للاشارة الى الاله الحقيقي،‏ وما من كلمة اخرى اليوم افضل منها للتعبير عن هذه الفكرة.‏

اهمية الاسم:‏ يؤيد العديد من العلماء وتراجمة الكتاب المقدس المعاصرين اتِّباع عادة حذف اسم اللّٰه.‏ وهم لا يتذرعون فقط بالحجة ان اللفظ الصحيح للاسم غير مؤكد،‏ بل يدّعون ايضا ان الاله الحقيقي الاسمى في الكون والذي لا مثيل له لا يحتاج الى اسم يميِّزه.‏ لكنَّ هذه النظرة لا اساس لها في الاسفار المقدسة الموحى بها،‏ سواء كان في الاسفار المكتوبة قبل الميلاد او في الاسفار اليونانية المسيحية.‏

فالتتراغراماتون يرد ٨٢٨،‏٦ مرة في النص العبراني في بيبليا هبرايكا و بيبليا هبرايكا شتوتغرتانسيا.‏ اما في الاسفار العبرانية من ترجمة العالم الجديد (‏ع‌ج‏)‏ فيظهر الاسم الالهي ٩٧٩،‏٦ مرة.‏ وأحد العوامل التي اخذها المترجمون بعين الاعتبار هو ان الكتبة الذين نسخوا هذه الاسفار وضعوا في بعض الاماكن كلمتَي أَدوناي و إِلوهيم بدل الاسم الالهي.‏ (‏انظر ملحق ك‌م‌م٨،‏ ص ١٥٦١ و ١٥٦٢.‏)‏ ان ورود الاسم الالهي بهذا العدد الكبير هو ابلغ دليل على ان مؤلف الكتاب المقدس يعتبر اسمه بالغ الاهمية.‏ اضافة الى ذلك،‏ ان عدد المرات التي يُستخدم فيها الاسم الالهي في كامل الاسفار المقدسة يفوق بأشواط عدد المرات التي تُستخدم فيها الالقاب التي تشير اليه،‏ مثل «السيد الرب» او «اللّٰه».‏

والجدير بالملاحظة ايضا هو الاهمية الكبيرة المعطاة للاسماء في الاسفار العبرانية وبين الشعوب الساميّة.‏ يذكر البروفسور ج.‏ ت.‏ مانلي ان «الفحص الدقيق لطريقة استعمال كلمة ‹اسم› في العهد القديم يكشف المغزى المهم الذي تحمله في اللغة العبرانية.‏ فالاسم ليس مجرد تسمية تُستخدم لمخاطبة شخص ما،‏ بل هو دلالة على شخصيته الحقيقية .‏ .‏ .‏ وعندما يضع شخص ما ‹اسمه› على شيء او شخص آخر،‏ يصبح هذا الشيء او الشخص تحت نفوذه وحمايته».‏ —‏ قاموس الكتاب المقدس الجديد،‏ تحرير ج.‏ د.‏ دوغلاس،‏ ١٩٨٥،‏ ص ٤٣٠ (‏بالانكليزية)‏؛‏ قارن تلمود كل رجل،‏ تحرير أ.‏ كوهِن،‏ ١٩٤٩،‏ ص ٢٤ (‏بالانكليزية)‏؛‏ تك ٢٧:‏٣٦؛‏ ١ صم ٢٥:‏٢٥؛‏ مز ٢٠:‏١؛‏ ام ٢٢:‏١‏،‏ حاشية ع‌ج؛‏ انظر «الاسم».‏

كلمتا «اللّٰه» و «الآب» لا تميِّزان الإله الحقيقي عن غيره:‏ في الاسفار المقدسة،‏ يمكن ان تُطلق الكلمة التي تُترجم الى «اللّٰه» على اي معبود (‏قد يكون إله المرء بطنه؛‏ في ٣:‏١٩‏)‏.‏ فالكلمة التي تقابل اللّٰه في الاسفار العبرانية (‏إلوهيم‏)‏ تنطبق هي نفسها على الاله الحقيقي يهوه وكذلك على الآلهة الباطلة،‏ مثل الاله الفلسطي داجون (‏قض ١٦:‏٢٣،‏ ٢٤؛‏ ١ صم ٥:‏٧‏)‏ والإله الاشوري نسروخ.‏ (‏٢ مل ١٩:‏٣٧‏)‏ فلو قال اليهودي للفلسطي او الاشوري انه يعبد «اللّٰه (‏إلوهيم‏)‏»،‏ لما كان ذلك كافيا على الاطلاق لتحديد هوية الاله الذي يعبده.‏

ويوضح قاموس الكتاب المقدس الامبراطوري،‏ في حديثه عن الاسم يهوه،‏ الفرق بين إلوهيم (‏اللّٰه)‏ ويهوه قائلا:‏ «انه اسم عَلَم في كل مكان يرد فيه‏،‏ ويشير الى اله له شخصيته المتميِّزة دون سواه؛‏ في حين ان كلمة «إلوهيم» هي اسم جنس وتشير عادة،‏ ولكن ليس بالضرورة او كلما وردت،‏ الى الخالق الاسمى.‏.‏ .‏ .‏ فالشخص العبراني قد يقول الـ‍ إلوهيم،‏ اشارةً الى الاله الحق،‏ لتمييزه من كل الآلهة الباطلة؛‏ ولكنه لا يقول ابدا الـ‍ يهوه،‏ لأن يهوه هو اسم الاله الحق وحده.‏ وهو كثيرا ما يستخدم كلمة إلهي [مضيفا ياء المتكلم].‏ .‏ .‏؛‏ ولكنه لا يقول ابدا يهوهي،‏ اذ انه حين يقول إلهي يعني بذلك يهوه.‏ كما يتحدث عن إله اسرائيل،‏ ولكنه لا يتحدث ابدا عن يهوه اسرائيل،‏ اذ ليس هنالك يهوه آخر.‏ وهو يتكلم عن الإله الحي ولكنه لا يتحدث ابدا عن يهوه الحي لأن يهوه في نظره حي دون ادنى شك».‏ —‏ تحرير ب.‏ فيربيرن،‏ لندن،‏ ١٨٧٤،‏ المجلد ١،‏ ص ٨٥٦ (‏بالانكليزية)‏.‏

يصح الامر عينه في الكلمة اليونانية ثِيوس التي تقابل «اللّٰه».‏ فكانت تُستعمل للاشارة الى الاله الحقيقي وكذلك الى الآلهة الوثنية مثل زفس وهرمس (‏اي جوبيتر ومركيوري عند الرومان)‏.‏ (‏قارن اع ١٤:‏١١-‏١٥‏.‏)‏ ويظهر هذا الواقع في كلمات بولس المدوَّنة في ١ كورنثوس ٨:‏٤-‏٦‏:‏ «وإن يكن ما يدعى ‹آلهة›،‏ سواء كان في السماء او على الارض،‏ كما ان هناك ‹آلهة› كثيرين و ‹اربابا› كثيرين،‏ فإنما لنا إله واحد،‏ الآب،‏ الذي منه كل الاشياء،‏ ونحن له».‏ حتى في قرننا الـ‍ ٢١ هذا،‏ لا يزال الناس يؤمنون بآ‌لهة متعددة،‏ ما يحتِّم تمييز الاله الحقيقي من هذه الآلهة.‏

وماذا عن كلمة «الآب»؟‏ حين يتحدث بولس عن عبارة «إله واحد،‏ الآب»،‏ لا يعني ان اسم الاله الحقيقي هو «الآب».‏ فالكلمة التي استخدمها تنطبق ايضا على كل رجل لديه اولاد،‏ وتُستعمل مجازا للاشارة الى علاقات بشرية اخرى.‏ (‏رو ٤:‏١١،‏ ١٦؛‏ ١ كو ٤:‏١٥‏)‏ كما ان المسيا يُعطى لقب ‹الاب الابدي›.‏ (‏اش ٩:‏٦‏)‏ اضف الى ذلك ان يسوع قال لبعض المقاومين القتلة ان الشيطان هو ‹ابوهم›.‏ (‏يو ٨:‏٤٤‏)‏ وأُطلق هذا اللقب ايضا على آلهة الامم،‏ كالإله اليوناني زفس الذي وصفه هوميروس في شعره بأنه الاله الاب العظيم.‏ بالمقابل،‏ هنالك آيات كثيرة تُظهر ان «الآب» لديه اسم علَم يختلف عن اسم ابنه.‏ (‏مت ٢٨:‏١٩؛‏ رؤ ٣:‏١٢؛‏ ١٤:‏١‏)‏ وقد عرف بولس ان هذا الاسم هو يهوه،‏ كما يرد في قصة الخلق المدوَّنة في التكوين التي اقتبس منها في كتاباته.‏ والاسم يهوه يميِّز «الآب» (‏قارن اش ٦٤:‏٨‏)‏،‏ ويمنع بالتالي اية محاولة للخلط بين شخصيته وهويته وشخصية وهوية كل مَن يمكن ان يُطلَق عليه لقب «إله» او «اب».‏

ليس إلها قَبَليا لليهود:‏ صحيح ان يهوه يُدعى «إله اسرائيل» و ‹إله آبائهم› (‏١ اخ ١٧:‏٢٤؛‏ خر ٣:‏١٦‏)‏،‏ لكنَّ علاقته اللصيقة بالعبرانيين والامة الاسرائيلية ليست مبرِّرا للاعتبار ان اسمه هو مجرد اسم إله قَبَلي لليهود،‏ كما يفعل البعض.‏ فقد كتب الرسول المسيحي بولس:‏ «ام إن اللّٰه إله لليهود فقط؟‏ أليس هو ايضا للامم؟‏ بلى،‏ هو للامم ايضا».‏ (‏رو ٣:‏٢٩‏)‏ وليس يهوه «إله كل الارض» فحسب (‏اش ٥٤:‏٥‏)‏ ،‏ بل ايضا إله الكون،‏ «صانع السماء والارض».‏ (‏مز ١٢٤:‏٨‏)‏ وفي العهد الذي قطعه مع ابراهيم،‏ قبل حوالي ٠٠٠،‏٢ سنة من زمن بولس،‏ وعد ببركات لأناس من جميع الامم،‏ ما يُظهِر انه يهتم بكل البشر.‏ —‏ تك ١٢:‏١-‏٣‏؛‏ قارن اع ١٠:‏٣٤،‏ ٣٥؛‏ ١١:‏١٨‏.‏

لقد رفض يهوه اللّٰه امة اسرائيل الجسدي الخائنة.‏ لكنَّ اسمه كان سيظل يُستخدم في امة اسرائيل الروحي الجديدة،‏ اي الجماعة المسيحية،‏ حتى حين ابتدأ ينضم اليها اشخاص من غير اليهود.‏ قال التلميذ يعقوب،‏ وهو يترأس اجتماعا مسيحيا في اورشليم،‏ ان اللّٰه ‹افتقد الامم [غير اليهودية] ليأخذ منهم شعبا لاسمه›.‏ وكي يُثبِت ان هذا الامر سبق وأُنبئ عنه،‏ اقتبس نبوة من سفر عاموس يظهر فيها اسم يهوه.‏ —‏ اع ١٥:‏٢،‏ ١٢-‏١٤؛‏ عا ٩:‏١١،‏ ١٢‏.‏

في الاسفار اليونانية المسيحية:‏ نظرا الى هذه الادلة،‏ من المستغرب جدا ألا نجد الاسم الالهي بصيغته الكاملة في ايٍّ من المخطوطات الباقية حتى يومنا هذا من النص الاصلي للاسفار اليونانية المسيحية.‏ وهذا هو سبب عدم وجود الاسم في معظم ترجمات ما يُعرف بالعهد الجديد.‏ لكنَّ هذه الترجمات نفسها تورده بصيغته المختصرة في رؤيا ١٩:‏١،‏ ٣،‏ ٤،‏ ٦ في عبارة «هللويا» (‏ع أ؛‏ ي‌ج؛‏ جد؛‏ ك؛‏ حر‏)‏.‏ في هذه الآيات ينادي ابناء اللّٰه الروحانيون:‏ «سبِّحوا ياه!‏» (‏ك‌م١٢‏)‏.‏ وهذا برهان جلي انه لم يكن قد بطُل استعمال الاسم الالهي،‏ بل كان لا يزال يحتل المكانة نفسها التي احتلها في ازمنة ما قبل المسيحية.‏ لماذا اذًا اختفى بصيغته الكاملة من الاسفار اليونانية المسيحية؟‏

لمَ لا نجد الاسم الالهي بصيغته الكاملة في ايِّ مخطوطة قديمة للاسفار اليونانية المسيحية متوفرة بين ايدينا؟‏

لطالما كانت الحجة ان كتبة الاسفار اليونانية المسيحية الملهمين اقتبسوا من الاسفار العبرانية معتمدين الترجمة السبعينية،‏ وأنهم لم يستخدموا الاسم يهوه لأن هذه الترجمة وضعت كلمتَي كيريوس او ثِيوس مكان التتراغراماتون.‏ لكن كما رأينا لم تعد هذه الحجة صحيحة.‏ يقول الدكتور ب.‏ كالِه،‏ معلِّقا على واقع وجود الاسم الالهي بصيغته العبرانية في الجذاذات الاقدم للترجمة السبعينية اليونانية:‏ «بتنا متأكدين اليوم ان نص الكتاب المقدس المترجم الى اليونانية [الترجمة السبعينية‏]،‏ بما انه كُتب على يد يهود لليهود،‏ لم ينقل الاسم الالهي الى كيريوس.‏ بل أُبقي في هذه المخطوطات على التتراغراماتون بأحرف عبرانية او يونانية.‏ والمسيحيون هم الذين وضعوا كلمة كيريوس بدل التتراغراماتون،‏ حين لم يعد الاسم الالهي المكتوب بالعبرانية مفهوما».‏ (‏جنيزة القاهرة،‏ اوكسفورد،‏ ١٩٥٩،‏ ص ٢٢٢،‏ [بالانكليزية])‏ فمتى حدث هذا التغيير في الترجمات اليونانية للاسفار العبرانية؟‏

كما يبدو،‏ حدث هذا التغيير في القرون التي تلت موت يسوع ورسله.‏ ففي ترجمة أكيلا اليونانية،‏ التي تعود الى القرن الثاني الميلادي،‏ كان التتراغراماتون لا يزال يظهر بأحرف عبرانية.‏ ونحو عام ٢٤٥ ب‌م،‏ وضع العالم المشهور اوريجانس الهكسابلا (‏السداسية‏)‏،‏ وهي نسخة للاسفار العبرانية الملهمة مؤلفة من ستة اعمدة:‏ (‏١)‏ النص الاصلي بالعبرانية والارامية،‏ يليه (‏٢)‏ نقل صوتي للحروف باليونانية،‏ ثم (‏٣)‏ ترجمة أكيلا،‏ (‏٤)‏ ترجمة سيماخوس،‏ (‏٥)‏ الترجمة السبعينية،‏ و (‏٦)‏ ترجمة ثيودوتيون (‏وهي ترجمات يونانية)‏.‏ وعلى اساس الدليل التي تزوده الجذاذات الموجودة اليوم،‏ يقول البروفسور و.‏ غ.‏ وادِل:‏ «في الهكسابلا لأوريجانس .‏ .‏ .‏ نجد ان ترجمة أكيلا،‏ ترجمة سيماخوس،‏ والترجمة السبعينية،‏ والتي هي ترجمات يونانية،‏ تستعمل الاحرف ΠΙΠΙ التي تقابل JHWH [ي ه‍ و ه‍]؛‏ وفي العمود الثاني من الهكسابلا كُتب التتراغراماتون بحروف عبرانية».‏ (‏مجلة الدراسات اللاهوتية،‏ اوكسفورد،‏ المجلد ٤٥،‏ ١٩٤٤،‏ ص ١٥٨ و ١٥٩ [بالانكليزية])‏ ويعتقد آخرون ان نص الهكسابلا الاصلي الذي وضعه اوريجانس استخدم حروف التتراغراماتون العبرانية في كل اعمدته.‏ ويقول اوريجانس نفسه،‏ في تعليقه على المزمور ٢:‏٢‏:‏ «في المخطوطات الأدقّ يظهر الاسم بالحروف العبرانية،‏ انما ليس [بالحروف] العبرانية الحديثة،‏ بل بأقدمها».‏ —‏ Patrologia Graeca،‏ باريس،‏ ١٨٦٢،‏ المجلد ١٢،‏ العمود ١١٠٤.‏

وفي القرن الرابع الميلادي قال جيروم،‏ مترجم الفولغات اللاتينية،‏ في مقدمة اسفار صموئيل والملوك:‏ «ونجد اسم اللّٰه،‏ التتراغراماتون [اي יהוה ]،‏ في بعض المجلدات اليونانية حتى هذا اليوم معبَّرا عنه بحروف قديمة».‏ وذكر في رسالة كتبها في روما عام ٣٨٤ ب‌م:‏ «[اسم اللّٰه] التاسع هو التتراغراماتون،‏ الذي اعتبروه [‏أَنِكفونِتون‏] اي لا يصح ذكره،‏ وهو مكتوب بالاحرف التالية:‏ يود،‏ هيء،‏ واو،‏ هيء [تقابلها بالعربية:‏ ي،‏ ه‍،‏ و،‏ ه‍].‏ فبسبب تشابه هذه الاحرف العبرانية مع الاحرف اليونانية ΠΙΠΙ [احرف يونانية تقابلها الاحرف الرومانية PIPI]،‏ اعتاد بعض الجهال عند قراءة الاسفار اليونانية ان يلفظوا الاسم بهذه الطريقة».‏ —‏ برديات الكتاب المقدس اليونانية،‏ تحرير ف.‏ دونان،‏ القاهرة،‏ ١٩٦٦،‏ ص ٤٧،‏ الحاشية ٤ (‏بالفرنسية)‏.‏

بناء عليه،‏ لم يكن تلاميذ يسوع الاولون هم مَن «وضعوا كلمة كيريوس بدل التتراغراماتون‏»‏ في نسخ الترجمة السبعينية،‏ بل هم مسيحيون زائفون اتوا بعد قرون،‏ وقتما انتشر الارتداد المنبأ به وأفسد نقاوة التعاليم المسيحية.‏ —‏ ٢ تس ٢:‏٣؛‏ ١ تي ٤:‏١‏.‏

استخدمه يسوع وتلاميذه:‏ لا شك اذًا انه في زمن يسوع وتلاميذه،‏ كان الاسم الالهي موجودا في نسخ الاسفار المقدسة،‏ سواء كان ذلك في المخطوطات العبرانية او اليونانية.‏ فهل استخدم يسوع وتلاميذه الاسم الالهي قولا وكتابة؟‏ بما ان يسوع دان تقاليد الفريسيين (‏مت ١٥:‏١-‏٩‏)‏،‏ فمن المستبعَد تماما ان نستنتج انه هو او تلاميذه تأثروا بأفكارهم (‏المدونة في المشنا)‏ حول هذا الموضوع.‏ كما ان اسم يسوع يعني «يهوه خلاص».‏ وقد قال:‏ «انا اتيت باسم ابي» (‏يو ٥:‏٤٣‏)‏؛‏ وعلَّم اتباعه ان يصلّوا:‏ «ابانا الذي في السموات،‏ ليتقدس اسمك» (‏مت ٦:‏٩‏)‏؛‏ وعمل اعماله ‹باسم ابيه› (‏يو ١٠:‏٢٥‏)‏؛‏ وفي ليلة موته،‏ صلَّى الى ابيه وقال له انه اظهر اسمه لتلاميذه والتمس منه:‏ «ايها الآب القدوس،‏ احرسهم من اجل اسمك».‏ (‏يو ١٧:‏٦،‏ ١١،‏ ١٢،‏ ٢٦‏)‏ نظرا الى كل ذلك،‏ ما من شك ان يسوع استعمل الاسم الالهي،‏ يهوه،‏ عندما كان يقرأ في الاسفار العبرانية او يقتبس منها.‏ (‏قارن مت ٤:‏٤،‏ ٧،‏ ١٠ بـ‍ تث ٨:‏٣؛‏ ٦:‏١٦؛‏ ٦:‏١٣؛‏ مت ٢٢:‏٣٧ بـ‍ تث ٦:‏٥‏؛‏ و مت ٢٢:‏٤٤ بـ‍ مز ١١٠:‏١‏؛‏ وأيضا لو ٤:‏١٦-‏٢١ بـ‍ اش ٦١:‏١،‏ ٢‏.‏)‏ ومن المنطقي ان يكون تلاميذه،‏ بمَن فيهم الكتبة الملهمون للاسفار اليونانية المسيحية،‏ قد اتَّبعوا مثاله في هذا المجال.‏

لماذا اذًا لا نجد الاسم في النُّسخ الباقية حتى يومنا هذا من الاسفار اليونانية المسيحية او ما يُدعى العهد الجديد؟‏ السبب كما يبدو هو انه بحلول الفترة التي كُتبت فيها هذه النُّسخ (‏من القرن الثالث الميلادي وصاعدا)‏،‏ كان النص الاصلي لكتابات الرسل والتلاميذ قد خضع للتغييرات.‏ فلا شك ان النُّساخ اللاحقين وضعوا كلمتي كيريوس و ثِيوس بدل الاسم الالهي (‏التتراغراماتون)‏.‏ (‏الصورة،‏ المجلد x،‏ ص x)‏ فهذا هو الامر نفسه الذي حصل في النُّسخ اللاحقة من الترجمة السبعينية للاسفار العبرانية،‏ حسبما تُثبِت الوقائع.‏

ردُّ الاسم الالهي:‏ استنتج بعض المترجمين انه لا بد ان يكون هذا ما حدث،‏ فأدخلوا الاسم يهوه في ترجماتهم للاسفار اليونانية المسيحية.‏ لنأخذ مثلا ترجمة مؤكِّد اللسانين الانكليزية التي وضعها بنيامين ولسون في القرن ١٩.‏ فهي تورد الاسم يهوه عدة مرات،‏ وخصوصا حين يقتبس الكتبة المسيحيون من الاسفار العبرانية.‏ ولكن قبل ذلك بكثير،‏ اي منذ عام ١٥٣٣،‏ بدأ التتراغراماتون يظهر في ترجمات للاسفار اليونانية المسيحية الى العبرانية،‏ كترجمة انتون مارغاريتا.‏ ومنذ ذلك الوقت،‏ صار العديد من مترجمي الاسفار اليونانية الى العبرانية يستخدمون التتراغراماتون حيثما يقتبس الكتبة الملهمون آيات من الاسفار العبرانية تشتمل على الاسم الالهي.‏

ومن حيث صحة اتباع هذا الاسلوب،‏ لاحِظ رأي ر.‏ ب.‏ غيردلستون،‏ احد المدراء السابقين لكلية ويكلِف هول اللاهوتية في اوكسفورد.‏ وقد اعلنه قبلما اكتُشفت المخطوطات التي اثبتت ان الاسم يهوه كان موجودا أصلا في الترجمة السبعينية اليونانية.‏ يقول:‏ «لو حافظت تلك الترجمة [‏السبعينية‏] على الكلمة [يهوه]،‏ او حتى استعملت كلمة يونانية مقابل يهوه وأخرى مقابل أَدوناي،‏ لظل هذا النمط متَّبعا في المحاضرات والحجج المدوَّنة في العهد الجديد.‏ مثلا،‏ عوض ان يقول ربنا [يسوع]:‏ ‹قال الرب لربي›،‏ عند اقتباس المزمور ١١٠‏،‏ كان سيقول:‏ ‹قال يهوه لأَدوني›»‏‏.‏

ويضيف معتمدا الافتراض نفسه (‏الذي صار واقعا مُثبتا بفضل الادلة المُكتشَفة اليوم)‏:‏ «لنفترض ان عالِما مسيحيا بدأ يترجم العهد الجديد من اليونانية الى العبرانية.‏ فكلما ورت كلمة Κύριος (‏كيريوس‏)‏‏،‏ عليه ان يفكر هل هنالك شيء في السياق يدل ما هي الكلمة الصحيحة التي تقابلها بالعبرانية؛‏ وهذه المشكلة نفسها ستنشأ عند ترجمة العهد الجديد بكل اللغات لو أُبقي على الاسم يهوه في [الترجمة السبعينية‏] للعهد القديم.‏ لكنَّ الاسفار العبرانية كانت ستشكل مرشدا في ترجمة آيات كثيرة.‏ مثلا،‏ اينما ترد عبارة ‹ملاك الرب›،‏ نعرف ان كلمة ‹الرب› تشير الى يهوه؛‏ ونصل الى الاستنتاج نفسه في ما يتعلق بعبارة ‹كلمة الرب› اذا اتُّبعت السابقة الموجودة في العهد القديم؛‏ كذلك الامر بالنسبة الى اللقب ‹رب الجنود›.‏ بالمقابل،‏ حيثما ترد كلمة ‹ربي› او ‹ربنا›،‏ يجب ان نعلم انه لا يجوز استعمال كلمة يهوه،‏ بل أَدوناي او أَدوني».‏ (‏مترادفات العهد القديم،‏ ١٨٩٧،‏ ص ٤٣ [بالانكليزية])‏ وهذا هو الخط الذي اعتمدته ترجمات الاسفار اليونانية (‏المذكورة آنفا)‏ التي تحتوي على الاسم يهوه.‏

ولكن أبرز هذه الترجمات هي ترجمة العالم الجديد التي يعتمدها كامل هذا المرجع.‏ فهي تورد الاسم «يهوه» ٢٣٧ مرة في الاسفار اليونانية المسيحية.‏ وهنالك كما رأينا اساس متين لاتباع هذا الاسلوب.‏

استعمال الاسم في الازمنة الباكرة ومعناه:‏ غالبا ما يُساء فهم الآيات في الخروج ٣:‏١٣-‏١٦ و ٦:‏٣ على انها تعني ان اللّٰه كشف عن اسمه «يهوه» للمرة الاولى لموسى في وقت ما قبل خروج الاسرائيليين من مصر.‏ صحيح ان موسى سأل اللّٰه:‏ «ها انا اذهب الى بني اسرائيل وأقول لهم:‏ ‹إله آبائكم ارسلني اليكم›.‏ فإذا قالوا لي:‏ ‹ما اسمه؟‏›،‏ فماذا اقول لهم؟‏»،‏ ولكن هذا لا يعني انه هو والاسرائيليين لم يعرفوا اسم يهوه.‏ فاسم امه،‏ يوكابد،‏ يعني ربما «يهوه مجد».‏ (‏خر ٦:‏٢٠‏)‏ اذًا،‏ ما الذي دفع موسى الى طرح هذا السؤال؟‏ يعود السبب في الغالب الى الظروف التي كان بنو اسرائيل يواجهونها.‏ فطوال عقود عانوا قساوة العبودية دون اي امل بالخلاص.‏ وعلى الارجح،‏ فإن الشكوك،‏ الاحباط،‏ وضعف الايمان بقصد اللّٰه ان يحرِّرهم وبقدرته على ذلك كانت قد تغلغلت في صفوفهم.‏ (‏انظر ايضا حز ٢٠:‏٧،‏ ٨‏.‏)‏ فلو قال موسى لهذا الشعب الذي يعاني كثيرا انه آتٍ باسم «اللّٰه» (‏إِلوهيم‏)‏ او «السيد الرب» (‏أَدوناي‏)‏،‏ لما تأثروا بكلامه.‏ فقد عرفوا ان للمصريين آلهتهم وأربابهم،‏ وسمعوهم دون شك يعيِّرونهم قائلين ان آلهتهم اعظم وأقوى من إلههم.‏

علينا ايضا ألا ننسى ان الاسماء في تلك الايام حملت معنى مهمّا ولم تكن مجرد تسميات تُستخدم لمخاطبة شخص ما،‏ كما هي الحال اليوم عموما.‏ فموسى عرف ان اللّٰه غيَّر اسم ابرام [معناه «ابٌ عالٍ (‏مرفَّع)‏»] الى ابراهيم [معناه «ابٌ لجمهور (‏جمع)‏»] بسبب قصده المتعلق بهذا الاب الجليل.‏ كذلك غيَّر اسم ساراي الى سارة،‏ واسم يعقوب الى اسرائيل.‏ وفي كلٍّ من هذه الحالات،‏ كشف التغيير امرا جوهريا ونبويا في ما يتعلق بقصده لهم.‏ لذلك ربما تساءل موسى هل يكشف يهوه عن نفسه هذه المرة باسم جديد كي يلقي الضوء على قصده المتعلق بإسرائيل.‏ فذهابه الى الاسرائيليين «باسم» ذاك الذي ارسله عنى انه ممثِّل له.‏ كما ان هذا الاسم او ما يمثّله كان سيحدِّد مدى السلطة التي سيتكلم بها.‏ (‏قارن خر ٢٣:‏٢٠،‏ ٢١؛‏ ١ صم ١٧:‏٤٥‏.‏)‏ لذا كان سؤاله في محله.‏

وقد اجابه اللّٰه بالعبرانية:‏ إيهييه أَشير إيهييه.‏ تنقل بعض الترجمات هذه العبارة الى «انا هو الكائن».‏ لكنَّ الجدير بالذكر ان الفعل العبراني هاياه الذي تُشتق منه كلمة إيهييه لا يعني فقط «يكون»،‏ بل يعني ايضا «يصِير».‏ فليست الاشارة هنا الى وجود اللّٰه النابع من ذاته بل الى ما ينوي ان يصير للآخرين.‏ لذا تنقل ترجمة العالم الجديد العبارة العبرانية الآنفة الذكر بالصواب الى:‏ ‏«انا اصير ما اشاء ان اصير».‏ وتابع يهوه قائلا:‏ «هكذا تقول لبني اسرائيل:‏ ‹«‏انا اصير‏» ارسلني اليكم›».‏ —‏ خر ٣:‏١٤‏.‏

طبعا،‏ لا يعني هذا الامر تغييرا في اسم اللّٰه،‏ بل فقط فهما اضافيا لشخصيته.‏ والدليل هو ما قاله يهوه بعد ذلك لموسى:‏ «هكذا تقول لبني اسرائيل:‏ ‹يهوه إله آبائكم،‏ إله ابراهيم وإله اسحاق وإله يعقوب ارسلني اليكم›.‏ هذا اسمي الى الدهر وهذا ذكري الى جيل فجيل».‏ (‏خر ٣:‏١٥‏؛‏ قارن مز ١٣٥:‏١٣؛‏ هو ١٢:‏٥‏.‏)‏ فالاسم يهوه يأتي من الفعل العبراني الذي معناه «يصِير»،‏ ويرى عدد من العلماء ان الاسم يعني «يصيِّر».‏ وهذا التعريف يلائم تماما دور يهوه بصفته خالق كل الاشياء ومتمِّم قصده.‏ فالاله الحقيقي هو وحده مَن يستحق فعلا ان يحمل هذا الاسم.‏

وهذا يساعدنا ان نفهم ما قاله يهوه لموسى لاحقا:‏ «انا يهوه.‏ وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب بأني الاله القادر على كل شيء،‏ وأما باسمي يهوه فلم أُعرف عندهم».‏ (‏خر ٦:‏٢،‏ ٣‏)‏ فبما ان هؤلاء الآباء الاجلاء استخدموا الاسم «يهوه»،‏ فمن الواضح ان ما قصده اللّٰه بكلماته هو انه لم يكشف لهم إلا جانبا محدودا من شخصيته بصفته يهوه.‏ للايضاح:‏ لا يمكن القول ان الذين عرفوا ابرام حين لم يكن لديه سوى ابن واحد،‏ اسماعيل،‏ عرفوه حق المعرفة بصفته ابراهيم [معناه «ابٌ لجمهور (‏جمع)‏»].‏ فالاسم «ابراهيم» اتَّخذ معنى او مغزى اكبر حين وُلد اسحاق وأبناء آخرون وبدأوا ينجبون ذرية.‏ بشكل مماثل،‏ كان الاسم يهوه سيتَّخذ الآن معنى اوسع بالنسبة الى الاسرائيليين.‏

اذًا ان «يعرف» المرء شخصا او شيئا ما لا يعني فقط انه على علم بوجوده.‏ فنابال الغبي كان يعرف اسم داود،‏ رغم ذلك سأل:‏ «مَن هو داود؟‏».‏ فكأنه يقول:‏ «مَن يظن نفسه؟‏».‏ (‏١ صم ٢٥:‏٩-‏١١‏؛‏ قارن ٢ صم ٨:‏١٣‏.‏)‏ كذلك قال فرعون لموسى:‏ «مَن هو يهوه حتى اطيع قوله فأطلق اسرائيل؟‏ لا اعرف يهوه،‏ ولا اطلق اسرائيل».‏ (‏خر ٥:‏١،‏ ٢‏)‏ ومن الواضح انه عنى بذلك ان يهوه في نظره ليس الاله الحقيقي،‏ او انه لا يملك سلطة على ملك مصر وشؤونه ولا يملك القدرة ان ينفِّذ مشيئته التي اعلنها بفم موسى وهارون.‏ ولكن آن الاوان ليعرف فرعون وكل مصر —‏ وكذلك الاسرائيليون —‏ المعنى الحقيقي لهذا الاسم،‏ ليعرفوا مَن هو فعلا الإله الذي يحمله.‏ وحسبما بيَّن يهوه لموسى،‏ كان هذا الامر سيحدث حين يتمِّم اللّٰه قصده بشأن اسرائيل:‏ اي حين يحررهم ويعطيهم ارض الموعد،‏ محقِّقا بالتالي العهد الذي اقامه مع آبائهم.‏ وعندئذ تتم الكلمات التي تفوه بها:‏ «تعرفون اني انا يهوه إلهكم».‏ —‏ خر ٦:‏٤-‏٨‏؛‏ انظر «القادر على كل شيء».‏

لذلك من الصواب ان يقول البروفسور د.‏ ه‍.‏ وِير،‏ المختص باللغة العبرانية،‏ عن الذين يعتقدون ان الخروج ٦:‏٢،‏ ٣ تشير الى المرة الاولى التي يكشف فيها يهوه عن اسمه:‏ «لم يدرسوا [هاتَين الآيتَين] على ضوء آيات اخرى؛‏ وإلا لكانوا ادركوا ان كلمة اسم هنا لا تشير الى المقطعَين اللفظيَّين اللذَين يؤلِّفان كلمة ‹يهوه›،‏ بل الى المعنى الذي تحمله.‏ فحين نقرأ في اشعيا ٥٢:‏٦‏:‏ ‏‹لذلك يعرف شعبي اسمي›‏‏،‏ او في ارميا ١٦:‏٢١‏:‏ ‏‹يعلمون ان اسمي يهوه›‏‏،‏ او في المزامير،‏ مز ٩ [١٠‏،‏ ١٦‏] ‏‹يتوكل عليك العارفون اسمك›‏‏،‏ نلاحظ فورا ان معرفة اسم يهوه لا تعني البتة ان نعرف الحروف الاربعة التي تؤلِّفه.‏ بل ان نعرف بالاختبار ان يهوه هو فعلا اسم على مسمى.‏ (‏قارن ايضا اش ١٩:‏٢٠،‏ ٢١؛‏ حز ٢٠:‏٥،‏ ٩؛‏ ٣٩:‏٦،‏ ٧؛‏ مز ٨٣ [١٨]‏‏؛‏ ٨٩ [١٦]‏‏؛‏ ٢ اخ ٦:‏٣٣‏.‏)‏».‏ —‏ قاموس الكتاب المقدس الامبراطوري،‏ المجلد ١،‏ ص ٨٥٦،‏ ٨٥٧.‏

الزوجان الاولان كانا يعرفان الاسم:‏ لم يكن موسى اول مَن كُشف له الاسم «يهوه».‏ فلا شك ان الانسان الاول كان يعرفه.‏ فالاسم يرد في السجل الالهي للمرة الاولى في التكوين ٢:‏٤ بعد رواية اعمال اللّٰه الخلقية،‏ حيث يعرَّف خالق السموات والارض بأنه «يهوه اللّٰه».‏ ومن المنطقي الاعتقاد ان يهوه اللّٰه اخبر آدم عن قصة الخلق هذه رغم ان سفر التكوين لا يذكر ذلك.‏ فهو لا يذكر ايضا ان يهوه اخبر آدم،‏ بعدما ايقظه من سباته،‏ من اين اتت حواء.‏ لكنَّ ما قاله آدم لحواء بعدما رآها دليل ان اللّٰه اخبره انها أُخذت من ضلعه.‏ (‏تك ٢:‏٢١-‏٢٣‏)‏ ولا شك ان يهوه تواصل كثيرا مع ابنه الارضي.‏ غير ان العديد من هذه المحادثات لم يُدوَّن في رواية التكوين المختصرة.‏

ان حواء هي اول انسان يذكر السجل انه تلفظ بالاسم الالهي.‏ (‏تك ٤:‏١‏)‏ ومن الواضح انها تعلَّمت هذا الاسم من زوجها ورأسها آدم،‏ الذي اخبرها ايضا عن وصية اللّٰه المتعلقة بشجرة معرفة الخير والشر (‏رغم ان السجل لا يذكر مباشرة في هذه الحالة ايضا ان آدم هو مَن نقل اليها هذه المعلومة)‏.‏ —‏ تك ٢:‏١٦،‏ ١٧؛‏ ٣:‏٢،‏ ٣‏.‏

وكما تُظهِر مقالة «‏أنُوش‏»،‏ عندما ابتدأ الناس ‹يدعون باسم يهوه› في ايام انوش حفيد آدم،‏ من الواضح ان ذلك لم يكن بداعي الايمان او بطريقة ترضي اللّٰه.‏ فمن ايام هابيل حتى نوح،‏ لم يقل السجل سوى عن اخنوخ بن يارد انه ‹سار مع اللّٰه› بإيمان.‏ (‏تك ٤:‏٢٦؛‏ ٥:‏١٨،‏ ٢٢-‏٢٤؛‏ عب ١١:‏٤-‏٧‏)‏ وبقي الاسم الالهي معروفا ما بعد الطوفان بفضل نوح وعائلته.‏ وظل معروفا الى ما بعد الحقبة التي تبددت فيها الشعوب من برج بابل،‏ حتى وصل الى الاب الجليل ابراهيم والمتحدرين منه.‏ —‏ تك ٩:‏٢٦؛‏ ١٢:‏٧،‏ ٨‏.‏

الإله الذي يحمل هذا الاسم:‏ يهوه هو خالق كل الاشياء،‏ علة الوجود الاولى؛‏ اذًا،‏ ليس هو مخلوقا له بداية.‏ (‏رؤ ٤:‏١١‏)‏ يقول الكتاب المقدس:‏ «عدد سنيه لا يُستقصى».‏ (‏اي ٣٦:‏٢٦‏)‏ فمن المستحيل تحديد عمره،‏ اذ لا نقطة بداية ننطلق منها كي نحسبه.‏ ولكن رغم انه يتعذر حساب عمره،‏ فهو يُدعى بحق «القديم الايام» لأنه بلا بداية.‏ (‏دا ٧:‏٩،‏ ١٣‏)‏ كما انه بلا نهاية (‏رؤ ١٠:‏٦‏)‏،‏ لأنه لا يمكن ان يفسد او يموت.‏ لذلك هو «ملك الابدية» (‏١ تي ١:‏١٧‏)‏،‏ والالف سنة في عينيه ليست سوى ساعات قليلة من الليل.‏ —‏ مز ٩٠:‏٢،‏ ٤؛‏ ار ١٠:‏١٠؛‏ حب ١:‏١٢؛‏ رؤ ١٥:‏٣‏.‏

ورغم ان يهوه إله لا يحدّه زمن،‏ فهو يعمل ضمن اطار تاريخ البشر،‏ اذ يلتزم بأوقات معيَّنة ويربط نفسه بأماكن وحوادث وأشخاص محدَّدين.‏ كما انه يتقيد بجدول زمني دقيق في تعاملاته مع البشر.‏ (‏تك ١٥:‏١٣،‏ ١٦؛‏ ١٧:‏٢١؛‏ خر ١٢:‏٦-‏١٢؛‏ غل ٤:‏٤‏)‏ ولأن وجوده الابدي اكيد والواقع الاهم في الكون،‏ كان يحلف به قائلا «حيٌّ انا»،‏ وذلك كضمانة لتحقيق كل وعوده ونبواته.‏ (‏ار ٢٢:‏٢٤؛‏ صف ٢:‏٩؛‏ عد ١٤:‏١،‏ ٢٨؛‏ اش ٤٩:‏١٨‏)‏ كذلك اقسم اناس عديدون بوجود يهوه.‏ (‏قض ٨:‏١٩؛‏ را ٣:‏١٣‏)‏ فوحدهم الاغبياء هم الذين يقولون:‏ «يهوه ليس موجودا».‏ —‏ مز ١٤:‏١؛‏ ١٠:‏٤‏.‏

اوصاف لحضرة يهوه:‏ بما ان اللّٰه روح ولا تستطيع عين الانسان ان تراه (‏يو ٤:‏٢٤‏)‏،‏ فأي وصف له بتعابير بشرية لا يمنحنا سوى فكرة تقريبية عن مجده الذي لا مثيل له.‏ (‏اش ٤٠:‏٢٥،‏ ٢٦‏)‏ وقد اعطى الخالق لبعض خدامه رؤى عن عرشه السماوي،‏ رغم انهم لم يروه فعليا.‏ (‏يو ١:‏١٨‏)‏ فدوّنوا اوصافا له تعكس الوقار المهيب والبهاء العظيم،‏ وكذلك ما يحيط به من سكينة ونظام وجمال وصفاء.‏ —‏ خر ٢٤:‏٩-‏١١؛‏ اش ٦:‏١؛‏ حز ١:‏٢٦-‏٢٨؛‏ دا ٧:‏٩؛‏ رؤ ٤:‏١-‏٣‏؛‏ انظر ايضا مز ٩٦:‏٤-‏٦‏.‏

وكما نلاحظ،‏ استعاروا في اوصافهم اشياء يعرفها البشر وأطلقوها على حضرة يهوه،‏ كالجواهر والنار وقوس قزح.‏ حتى انهم نسبوا اليه بعض الميزات البشرية حين تحدثوا مثلا عن «عينَي» اللّٰه،‏ «اذنَيه»،‏ ‹وجهه› (‏١ بط ٣:‏١٢‏)‏،‏ ‹ذراعه› (‏حز ٢٠:‏٣٣‏)‏،‏ ‹يمينه› (‏خر ١٥:‏٦‏)‏،‏ وهلم جرا.‏ وفي حين ينتقد بعض العلماء تعابير الكتاب المقدس هذه،‏ من الواضح انها ضرورية كي يستوعب العقل البشري الوصف.‏ فلو استخدم يهوه اللّٰه تعابير روحية ليصف نفسه لكان ذلك اشبه بإعطاء مسائل معقدة في الرياضيات لولد في الصفوف الابتدائية،‏ او بمحاولة شرح الالوان لشخص وُلد اعمى.‏ —‏ اي ٣٧:‏٢٣،‏ ٢٤‏.‏

اذًا لا يجب ان نفهم التعابير التي تنسب الى اللّٰه ميزات بشرية فهما حرفيا،‏ مثلها مثل التشابيه الاخرى التي تشير اليه بأنه «شمس»،‏ «ترس»،‏ او «صخر».‏ (‏مز ٨٤:‏١١؛‏ تث ٣٢:‏٤،‏ ٣١‏)‏ فبخلاف حاسة البصر عند الانسان،‏ لا يعتمد بصر يهوه على اشعة الضوء (‏تك ١٦:‏١٣‏)‏؛‏ فهو يرى حتى الافعال التي تجري في الظلمة الحالكة.‏ (‏مز ١٣٩:‏١،‏ ٧-‏١٢؛‏ عب ٤:‏١٣‏)‏ ويستطيع رؤية الارض بأسرها.‏ (‏ام ١٥:‏٣‏)‏ ولا يحتاج الى آلات خصوصية ليرى الجنين وهو ينمو في رحم امه.‏ (‏مز ١٣٩:‏١٥،‏ ١٦‏)‏ كما ان سمعه لا يعتمد على الموجات الصوتية في الجو؛‏ فهو «يسمع» تعابير القلب الصامتة.‏ (‏مز ١٩:‏١٤‏)‏ هذا وإنه لا يسكن في بيت او هيكل ارضي؛‏ فحتى السموات الحرفية الشاسعة التي يعجز البشر عن قياسها لا يمكن ان تسع مركز سكناه.‏ (‏١ مل ٨:‏٢٧؛‏ مز ١٤٨:‏١٣‏)‏ وقد اعطى يهوه بواسطة موسى تحذيرا محدَّدا لأمة اسرائيل لئلا يصنعوا تمثالا له،‏ سواء كان على شكل ذكر او انثى او اي مخلوق آخر.‏ (‏تث ٤:‏١٥-‏١٨‏)‏ وهكذا،‏ حين يقول يسوع في رواية لوقا انه يُخرج الشياطين «بإصبع اللّٰه»،‏ فهو يعني «روح اللّٰه»،‏ او قوته الفعالة،‏ حسبما تظهر رواية متى.‏ —‏ لو ١١:‏٢٠؛‏ مت ١٢:‏٢٨‏؛‏ قارن ار ٢٧:‏٥ و تك ١:‏٢‏.‏

الخليقة تعكس صفاته:‏ تظهر بعض اوجه شخصية يهوه من خلال اعماله الخلقية حتى قبلما خلق الانسان.‏ (‏رو ١:‏٢٠‏)‏ فعملية الخلق بحد ذاتها تبيِّن محبته.‏ كيف؟‏ ان يهوه إله يتمتع باكتفاء ذاتي،‏ اي لا ينقصه شيء.‏ ورغم انه خلق مئات الملايين من الابناء الروحانيين،‏ فلا احد منهم قادر ان يضيف الى معرفته معرفة او ان يجعله يكتسب صفة او مشاعر لم يملكها اصلا ويعرب عنها الى اسمى درجة.‏ —‏ دا ٧:‏٩،‏ ١٠؛‏ عب ١٢:‏٢٢؛‏ اش ٤٠:‏١٣،‏ ١٤؛‏ رو ١١:‏٣٣،‏ ٣٤‏.‏

لكنَّ هذا لا يعني طبعا ان يهوه لا يُسَرّ بخلائقه.‏ فإذا كان الانسان الذي صُنع على «صورة اللّٰه» يفرح بأولاده (‏تك ١:‏٢٧‏)‏،‏ وخصوصا اذا كانوا محبين ومطيعين وحكماء،‏ فكم بالاحرى يهوه!‏ فهو يفرح بمخلوقاته العاقلة التي تحبه وتخدمه بحكمة.‏ (‏ام ٢٧:‏١١؛‏ مت ٣:‏١٧؛‏ ١٢:‏١٨‏)‏ وفرحه هذا لا ينبع من اي ربح مادي،‏ بل من رؤية مخلوقاته تلتصق طوعا بمقاييسه العادلة وتعرب عن الكرم وعدم الانانية.‏ (‏١ اخ ٢٩:‏١٤-‏١٧؛‏ مز ٥٠:‏٧-‏١٥؛‏ ١٤٧:‏١٠،‏ ١١؛‏ عب ١٣:‏١٦‏)‏ بالمقابل،‏ ‹يحزن يهوه في قلبه› بسبب الذين يتَّخذون مسلكا رديئا ويستخفون بمحبته،‏ يجلبون التعيير على اسمه،‏ ويتمتعون بتعذيب وإيذاء الآخرين.‏ —‏ تك ٦:‏٥-‏٨؛‏ مز ٧٨:‏٣٦-‏٤١؛‏ عب ١٠:‏٣٨‏.‏

يُسَرّ يهوه ايضا باستخدام قدراته،‏ سواء في الخلق او غيره؛‏ فلعمله دائما قصد محدَّد ودافع جيد.‏ (‏مز ١٣٥:‏٣-‏٦؛‏ اش ٤٦:‏١٠،‏ ١١؛‏ ٥٥:‏١٠،‏ ١١‏)‏ وبما انه المعطي الكريم الذي يهب «كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة»،‏ فهو يفرح بمنح ابنائه وبناته الامناء البركات مكافأة لهم.‏ (‏يع ١:‏٥،‏ ١٧؛‏ مز ٣٥:‏٢٧؛‏ ٨٤:‏١١،‏ ١٢؛‏ ١٤٩:‏٤‏)‏ ولكن رغم انه إله يتميز بالمشاعر الرقيقة،‏ فسعادته لا تعتمد مطلقا على خلائقه ولا ينقاد وراء مشاعره متجاهلا مقاييسه العادلة.‏

بيَّن يهوه محبته ايضا حين اعطى اول مخلوقاته،‏ ابنه الروحاني،‏ امتياز المساهمة في كل اعماله الخلقية الاخرى،‏ الروحانية والمادية على السواء.‏ وهو لم يتكتم على هذا الواقع،‏ بل تكرَّم بإعلانه لنا،‏ مانحا بالتالي الاكرام لابنه.‏ (‏تك ١:‏٢٦؛‏ كو ١:‏١٥-‏١٧‏)‏ فهو لم يخَف من المنافسة،‏ بل كان متأكدا تماما من شرعية سيادته (‏خر ١٥:‏١١‏)‏،‏ وواثقا كل الثقة بولاء ابنه وإخلاصه.‏ كما انه يمنح ابناءه الروحانيين حرية نسبية في اتمام مهماتهم،‏ سامحا لهم احيانا ان يعطوا آراءهم بشأن كيفية انجاز تعيينات معيَّنة.‏ —‏ ١ مل ٢٢:‏١٩-‏٢٢‏.‏

تظهر صفات يهوه غير المنظورة ايضا في خليقته المادية،‏ حسبما يوضح الرسول بولس.‏ (‏رو ١:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ فقدرته المذهلة تفوق خيالنا،‏ اذ ان المجرات الهائلة التي تضم بلايين النجوم ليست سوى ‹عمل اصابعه›.‏ (‏مز ٨:‏١،‏ ٣،‏ ٤؛‏ ١٩:‏١‏)‏ وحكمته العميقة التي تظهر من خلالها تتخطى ادراكنا،‏ اذ ان المقارنة بينها وبين فهم البشر للخليقة المادية،‏ حتى بعد آلاف السنين من البحث والدرس،‏ هو كالمقارنة بين دوي الرعد القوي وبين ‹الهمس› الخفيف.‏ (‏اي ٢٦:‏١٤؛‏ مز ٩٢:‏٥؛‏ جا ٣:‏١١‏)‏ وقد انجز يهوه اعماله الخلقية المتعلقة بكوكب الارض بترتيب منطقي وضمن برنامج محدد (‏تك ١:‏٢-‏٣١‏)‏،‏ فصاغ الارض جوهرة في الفضاء،‏ كما وصفها رواد الفضاء في القرن العشرين.‏

شخصيته كما اظهرها في عدن:‏ ماذا عرف الزوجان البشريان الاولان عن شخصية يهوه؟‏ لا شك ان آدم الكامل كان سيوافق صاحب المزمور الذي قال لاحقا:‏ «احمدك لأني صُنعت بطريقة تثير الرهبة والعجب.‏ عجيبة هي اعمالك،‏ ونفسي تعلم ذلك يقينا».‏ (‏مز ١٣٩:‏١٤‏)‏ فكل شيء،‏ بدءا من جسده الذي تمتع بقدرات رائعة تميِّزه عن باقي المخلوقات الارضية وصولا الى الروائع الاخرى التي رآها حوله،‏ منحه سببا وجيها ليشعر بالمهابة تجاه خالقه.‏ فكان كلما اكتشف نوعا جديدا من الطيور او الحيوانات او الاسماك،‏ او رأى نوعا جديدا من النباتات او الزهور او الشجر،‏ او وقع بصره على حقل او غابة او تلة او وادٍ او جدول مياه،‏ يتأثر بغنى وعمق حكمة ابيه يهوه.‏ كما عرف من تنوعها الهائل انه لا حدود للابداع عند خالقه.‏ (‏تك ٢:‏٧-‏٩‏؛‏ قارن مز ١٠٤:‏٨-‏٢٤‏.‏)‏ هذا وإن كل حواسه (‏البصر،‏ السمع،‏ الذوق،‏ الشم،‏ واللمس)‏ نقلت الى ذهنه دلائل على مدى كرم الخالق واهتمامه به.‏

حتى حاجات آدم الفكرية،‏ حاجته الى التواصل والرفقة،‏ لم تغب عن بال ابيه السماوي.‏ فقد زوّده بها حين خلق له امرأة ذكية مكمِّلا له.‏ (‏تك ٢:‏١٨-‏٢٣‏)‏ ولا شك ان لسان حال آدم وحواء كان كلسان حال صاحب المزمور الذي رنّم:‏ «اشبع فرحا مع وجهك.‏ مسرّات في يمينك الى الابد».‏ (‏مز ١٦:‏٨،‏ ١١‏)‏ ولأنهما لمسا محبته العظيمة هذه،‏ ادركا بالتأكيد ان «اللّٰه محبة»،‏ اي انه مصدر المحبة والمثال الاسمى لها.‏ —‏ ١ يو ٤:‏١٦،‏ ١٩‏.‏

وأهم من كل ذلك ان يهوه اللّٰه زوَّد آدم بحاجاته الروحية.‏ فقد عرّف الاب السماوي ابنه البشري بنفسه،‏ اذ تواصل معه وأعطاه تعيينات كانت ستشكِّل،‏ اذا اطاعها وتمّمها،‏ جزءا اساسيا من عبادته.‏ —‏ تك ١:‏٢٧-‏٣٠؛‏ ٢:‏١٥-‏١٧‏؛‏ قارن عا ٤:‏١٣‏.‏

إله لديه مقاييس اخلاقية ثابتة:‏ سرعان ما ادرك الانسان ان يهوه إله يلتزم بمقاييس اخلاقية ثابتة تحدِّد الصواب والخطأ في السلوك والتصرفات الى جانب كونه إلها حكيما وسخيا.‏ ففي حال عرف آدم قصة الخلق كما اشرنا سابقا،‏ فلا بد انه عرف ايضا ان يهوه إله يلتزم بمقاييسه السامية.‏ فسجل الكتاب المقدس يذكر ان يهوه رأى كل ما عمله ‹حسنا جدا›،‏ اي مطابقا لمقياسه الكامل.‏ —‏ تك ١:‏٣،‏ ٤،‏ ١٢،‏ ٢٥،‏ ٣١‏؛‏ قارن تث ٣٢:‏٣،‏ ٤‏.‏

فبدون مقاييس،‏ لا سبيل الى تحديد الخير والشر او تقدير مدى دقة امر ما وجودته.‏ وعن هذا الموضوع،‏ تعلق دائرة المعارف البريطانية (‏١٩٥٩،‏ المجلد ٢١،‏ ص ٣٠٦ و ٣٠٧ [بالانكليزية])‏:‏

‏«ان انجازات الانسان [من حيث وضع المقاييس الثابتة] .‏ .‏ .‏ هي لا شيء مقارنة بالمقاييس الثابتة الموجودة في الطبيعة.‏ فالكوكبات،‏ مدارات الكواكب،‏ والخصائص الثابتة كالتوصيل،‏ الليونة،‏ المرونة،‏ الصلابة،‏ القدرة على النفاذ،‏ الانكسارية،‏ القوة،‏ او اللزوجة التي تتميز بها المواد في الطبيعة،‏ .‏ .‏ .‏ او بنية الخلايا،‏ ليست سوى امثلة قليلة تشهد على روعة المقاييس في الطبيعة».‏

ويتابع هذا المرجع نفسه مُظهِرا مدى اهمية وجود هذه المقاييس في الخليقة المادية:‏ «لولا المقاييس الثابتة في الطبيعة لاستحالت معرفة وتصنيف .‏ .‏ .‏ الانواع الكثيرة للنباتات،‏ الاسماك،‏ الطيور،‏ او الحيوانات.‏ فضمن النوع الواحد،‏ نرى تشابها في ادق التفاصيل،‏ سواء من حيث البنية او الوظائف والعادات التي يتميَّز بها هذا النوع.‏ [قارن تك ١:‏١١،‏ ١٢،‏ ٢١،‏ ٢٤،‏ ٢٥‏.‏] ولو لم يكن لجسم الانسان مقاييس ثابتة،‏ لما عرف الاطباء هل لدى الشخص اعضاء معيّنة،‏ ولما عرفوا مكانها .‏ .‏ .‏ وفي الواقع،‏ لولا المقاييس الثابتة في الطبيعة لما وُجد مجتمع منظَّم،‏ او علم،‏ او طب؛‏ فكلٌّ منها يعتمد على أُسُس مشتركة».‏

وقد رأى آدم ثباتا واضحا في اعمال يهوه الخلقية:‏ الدورة المنتظمة للنهار والليل،‏ مسار النهر في عدن الذي يظل منحدرا بفعل الجاذبية،‏ وأمورا اخرى لا تُعَدّ ولا تُحصى تُثبِت ان خالق الارض ليس إله تشويش بل إله تنظيم.‏ (‏تك ١:‏١٦-‏١٨؛‏ ٢:‏١٠؛‏ جا ١:‏٥-‏٧؛‏ ار ٣١:‏٣٥،‏ ٣٦؛‏ ١ كو ١٤:‏٣٣‏)‏ ولا شك ان آدم استفاد من ذلك كي ينجز تعييناته ونشاطاته (‏تك ١:‏٢٨؛‏ ٢:‏١٥‏)‏،‏ اذ تمكَّن من التخطيط والتنفيذ بكل ثقة دون ان يقلق من خروج شيء عن مساره الطبيعي.‏

نظرا الى كل ذلك،‏ لم يكن الانسان العاقل ليستغرب ان يضع يهوه له مقاييس تضبط سلوكه وعلاقاته بخالقه.‏ مثلا،‏ شكلت براعة يهوه الاستثنائية في الخلق نموذجا ليتبعه آدم وهو يفلح جنة عدن ويعتني بها.‏ (‏تك ٢:‏١٥؛‏ ١:‏٣١‏)‏ كما عرف آدم ان اللّٰه لديه مقياس للزواج (‏الزواج الاحادي)‏ والعلاقات ضمن العائلة.‏ (‏تك ٢:‏٢٤‏)‏ وأهم ما تعلمه هو ان حياته تعتمد بشكل خاص على مقياس مهم جدا:‏ الطاعة لإرشادات اللّٰه.‏ وبما انه كان انسانا كاملا،‏ طلب منه يهوه طاعة كاملة.‏ ومنحه فرصة ليعرب عن محبته وتعبده بإطاعة وصيته ان يمتنع عن الاكل من احدى الاشجار المثمرة الكثيرة التي وُجدت في عدن.‏ (‏تك ٢:‏١٦،‏ ١٧‏)‏ صحيح ان مطلب اللّٰه كان بسيطا،‏ لكنَّ حياة آدم آنذاك كانت ايضا بسيطة خالية من التشويش والتعقيدات التي نشأت منذ ذلك الوقت.‏ وقد شدَّد يسوع المسيح بعد نحو ٠٠٠‏,٤ سنة على حكمة يهوه الظاهرة في هذا الامتحان البسيط حين قال:‏ «الامين في القليل امين ايضا في الكثير،‏ والاثيم في القليل اثيم ايضا في الكثير».‏ —‏ لو ١٦:‏١٠‏.‏

لم تكن هذه المقاييس وهذا التنظيم لتعيق تمتع الانسان بالحياة،‏ بل كانت ستزيده فرحا وسعادة.‏ فمقالة دائرة المعارف حول المقاييس المذكورة آنفا تقول عن الخليقة المادية:‏ «رغم وجود كل هذه المقاييس الثابتة في الطبيعة،‏ لا نرى فيها ايّ روتين مملّ.‏ ففي حين ان نطاق الاطوال الموجية لألوان الطيف المرئي محدود،‏ لا حدود لدرجات وتركيبات الالوان التي تبهج العيون.‏ كذلك الامر،‏ فإن الابداع الموسيقي الذي نسمعه ما هو إلا وليد مجموعة صغيرة من الترددات».‏ (‏المجلد ٢١،‏ ص ٣٠٧)‏ على نحو مماثل،‏ ان المطالب التي اعطاها اللّٰه للزوجين البشريين سمحت لهما ان يتمتعا بالحرية الكاملة التي يتشوق اليها قلب اي شخص مستقيم.‏ فلم يكن هنالك حاجة ان يثقِّل عليهما بكمية هائلة من الشرائع والوصايا.‏ فما كان سيحميهما من تخطي حدود حريتهما هو المثال الذي رسمه لهما خالقهما المحب،‏ اضافة الى احترامهما ومحبتهما له.‏ —‏ قارن ١ تي ١:‏٩،‏ ١٠؛‏ رو ٦:‏١٥-‏١٨؛‏ ١٣:‏٨-‏١٠؛‏ ٢ كو ٣:‏١٧‏.‏

وهكذا كان يهوه اللّٰه ولا يزال،‏ بشخصيته وطرقه وكلماته،‏ المقياس الاسمى لكل الكون،‏ المثال الاعلى للصلاح التام.‏ لهذا السبب،‏ حين كان ابنه على الارض قال لرجل:‏ «لمَ تدعوني صالحا؟‏ ليس احد صالحا إلا واحد،‏ وهو اللّٰه».‏ —‏ مر ١٠:‏١٧،‏ ١٨‏؛‏ ايضا مت ١٩:‏١٧؛‏ ٥:‏٤٨‏.‏

تبرئة سيادة يهوه وتقديس اسمه:‏ كل ما يتعلق باللّٰه مقدَّس؛‏ لذلك فإن اسمه يهوه هو قدوس ويجب تقديسه.‏ (‏لا ٢٢:‏٣٢‏)‏ وتقديس شيء ما يحمل فكرة اجلاله واحترامه واعتباره طاهرا،‏ وبالتالي عدم استعماله استعمالا يقلِّل من قيمته.‏ (‏اش ٦:‏١-‏٣؛‏ لو ١:‏٤٩؛‏ رؤ ٤:‏٨‏؛‏ انظر «التقديس».‏)‏ وبما ان الاسم يهوه يمثِّل اعظم شخصية في الكون،‏ فهو «عظيم ومخوف» (‏مز ٩٩:‏٣،‏ ٥‏)‏،‏ ‹وقور› و ‹يتعالى بلا مثيل› (‏مز ٨:‏١؛‏ ١٤٨:‏١٣‏)‏،‏ ويستحق المهابة (‏اش ٢٩:‏٢٣‏)‏.‏

تدنيس الاسم:‏ من الواضح ان الاسم الالهي بقي مقدَّسا حتى تدنَّس في جنة عدن.‏ فآ‌نذاك،‏ تمرَّد الشيطان على اللّٰه وشوَّه سمعته.‏ ففي حديثه مع حواء،‏ قال لها:‏ «اللّٰه عالم»،‏ موحيا لها انه يمثِّله وينقل اليها افكاره،‏ ولكنه في الوقت نفسه شكّك في وصيته لآدم المتعلقة بشجرة معرفة الخير والشر.‏ (‏تك ٣:‏١-‏٥‏)‏ آدم ايضا كان مسؤولا بشكل خاص عن تدنيس اسم يهوه.‏ فقد كان ممثِّل يهوه على الارض،‏ اذ اخذ تعيينه منه وكان هو الرأس البشري الذي ينقل اللّٰه بواسطته ارشاداته الى العائلة البشرية.‏ (‏تك ١:‏٢٦،‏ ٢٨؛‏ ٢:‏١٥-‏١٧؛‏ ١ كو ١١:‏٣‏)‏ وعن الذين ينالون مثل هذا التعيين،‏ يقول الكتاب المقدس انهم ‹يخدمون باسم يهوه› و ‹يتكلمون باسمه›.‏ (‏تث ١٨:‏٥،‏ ١٨،‏ ١٩؛‏ يع ٥:‏١٠‏)‏ لذلك،‏ رغم ان حواء دنَّست بعصيانها اسم يهوه قبل زوجها آدم،‏ فإن ما فعله هو تصرُّف مهين جدا اظهر قلة احترام للاسم الذي مثَّله.‏ —‏ قارن ١ صم ١٥:‏٢٢،‏ ٢٣‏.‏

القضية العظمى هي قضية اخلاقية:‏ من الواضح ان الابن الروحاني،‏ الذي اصبح لاحقا الشيطان،‏ عرف ان يهوه إله لديه مقاييس اخلاقية،‏ لا إله مزاجي يعمل عشوائيا.‏ فلو رأى في يهوه إلها يستسلم لفورات الغضب الشديد غير المضبوط،‏ لتوقع ان يقضي عليه فور تمرده.‏ اذًا،‏ لم تكن القضية التي اثارها الشيطان في عدن اختبارا لقوة يهوه او قدرته على الاهلاك.‏ بل كانت قضية اخلاقية:‏ حقّه الشرعي في ان يكون صاحب السيادة الكونية وأن يطلب من كل خلائقه اينما كانوا الطاعة المطلقة والعبادة له وحده.‏ ويظهر ذلك من خلال ما قاله الشيطان لحواء.‏ (‏تك ٣:‏١-‏٦‏)‏ اضافة الى ذلك،‏ يخبر سفر ايوب كيف بيَّن يهوه علنا في اجتماع ضمّ كل ابنائه الروحانيين كل ما يشمله الموقف الذي اتَّخذه عدوّه.‏ فقد ادَّعى الشيطان ان ولاء ايوب ليهوه (‏وبالتالي ولاء كل مخلوقات اللّٰه العاقلة)‏ لم يكن صادقا يدفعه الاخلاص الحقيقي والمحبة الاصيلة.‏ —‏ اي ١:‏٦-‏٢٢؛‏ ٢:‏١-‏٨‏.‏

وهكذا،‏ كانت مسألة استقامة مخلوقات اللّٰه العاقلة قضية فرعية نشأت من القضية الاساسية:‏ شرعية سيادة اللّٰه الكونية.‏ وكان يلزم الوقت لإثبات صحة التهم او كذبها،‏ لإظهار موقف مخلوقات اللّٰه القلبي،‏ وبالتالي لبت القضية مرة وإلى الابد وإزالة اية شكوك حولها.‏ (‏قارن اي ٢٣:‏١٠؛‏ ٣١:‏٥،‏ ٦؛‏ جا ٨:‏١١-‏١٣؛‏ عب ٥:‏٧-‏٩‏؛‏ انظر «الاستقامة»؛‏ «الشر».‏)‏ لذلك لم يهلك يهوه على الفور الزوجَين البشريَّين المتمردَين ولا الابن الروحاني الذي اثار القضية،‏ ما سمح بظهور ‹النسلَين› المنبإ بهما اللذَين يمثِّلان طرفَي القضية.‏ —‏ تك ٣:‏١٥‏.‏

وكانت هذه القضية لا تزال عالقة حين كان يسوع المسيح على الارض.‏ وخير دليل على ذلك هو مواجهته مع الشيطان في البرية بعدما صام ٤٠ يوما.‏ فقد حاول خصم يهوه هذا ايقاع يسوع في التجربة مستخدما حيَلا خبيثة مثل التي استخدمها في عدن قبل حوالي ٠٠٠،‏٤ سنة.‏ وحين عرض عليه الحكم على ممالك العالم،‏ تبيَّن بكل وضوح ان قضية السيادة الكونية لم تُبتّ بعد.‏ (‏مت ٤:‏١-‏١٠‏)‏ ويبيِّن سفر الرؤيا ان هذه القضية ستستمر حتى يقرِّر يهوه اللّٰه انها أُقفلت (‏قارن مز ٧٤:‏١٠،‏ ٢٢،‏ ٢٣‏)‏،‏ وينفِّذ دينونته العادلة في كل المقاومين بواسطة حكم مملكته العادل.‏ وهكذا تُبرَّأ سيادته كاملا ويُقدَّس اسمه القدوس.‏ —‏ رؤ ١١:‏١٧،‏ ١٨؛‏ ١٢:‏١٧؛‏ ١٤:‏٦،‏ ٧؛‏ ١٥:‏٣،‏ ٤؛‏ ١٩:‏١-‏٣،‏ ١١-‏٢١؛‏ ٢٠:‏١-‏١٠،‏ ١٤‏.‏

لماذا تقديس اسم اللّٰه له اهمية قصوى؟‏

يتمحور كامل الكتاب المقدس حول تبرئة سيادة يهوه.‏ ويبيِّن ذلك ان قصد يهوه اللّٰه الاساسي هو تقديس اسمه.‏ ويتطلب تقديس اسم اللّٰه ان يُزال كل تعيير عنه،‏ ولكن الاهم ان تكرِّم كل المخلوقات العاقلة في السماء وعلى الارض هذا الاسم القدوس.‏ وهذا بدوره يعني ان يعترفوا بسيادة يهوه ويحترموها بكل طيب خاطر،‏ راغبين في خدمته وفرحين بفعل مشيئته الالهية بدافع المحبة له.‏ وتعبِّر صلاة داود في المزمور ٤٠:‏٥-‏١٠ تماما عن هذا الموقف وتُظهِر ما هو التقديس الفعلي لاسم يهوه.‏ (‏من اللافت ان الرسول بولس طبَّق اجزاء من هذا المزمور على المسيح يسوع في عب ١٠:‏٥-‏١٠‏.‏)‏

اذًا،‏ يعتمد النظام والسلام وخير الكون وساكنيه على تقديس اسم يهوه.‏ وهذا ما اظهره ابن اللّٰه حين اشار الى وسيلة يهوه لإتمام قصده في الصلاة التي علَّمها لتلاميذه:‏ «ليتقدس اسمك.‏ ليأتِ ملكوتك.‏ لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض».‏ (‏مت ٦:‏٩،‏ ١٠‏)‏ وعندما ندرك قصد يهوه الاساسي هذا،‏ نفهم سبب تصرفاته وتعاملاته مع مخلوقاته كما هي مدوَّنة في كامل الكتاب المقدس.‏

فنرى مثلا ان يهوه اختار امة اسرائيل،‏ التي يشكِّل تاريخها جزءا كبيرا من سجل الكتاب المقدس،‏ لتكون ‹شعبا على اسمه›.‏ (‏تث ٢٨:‏٩،‏ ١٠؛‏ ٢ اخ ٧:‏١٤؛‏ اش ٤٣:‏١،‏ ٣،‏ ٦،‏ ٧‏)‏ وعهد الشريعة الذي قطعه معهم علَّق اهمية كبرى على عبادتهم اياه وحده وعدم النطق باسمه باطلا،‏ «لأن يهوه لا يترك الذي ينطق باسمه باطلا دون عقاب».‏ (‏خر ٢٠:‏١-‏٧‏؛‏ قارن لا ١٩:‏١٢؛‏ ٢٤:‏١٠-‏٢٣‏.‏)‏ وحين حرَّرهم من مصر،‏ اظهر مدى قدرته على الانقاذ والتدمير.‏ ‹فأُعلن اسمه في كل الارض› بحيث سبقت شهرة هذا الاسم الاسرائيليين في مسيرتهم الى ارض الموعد.‏ (‏خر ٩:‏١٥،‏ ١٦؛‏ ١٥:‏١-‏٣،‏ ١١-‏١٧؛‏ ٢ صم ٧:‏٢٣؛‏ ار ٣٢:‏٢٠،‏ ٢١‏)‏ وقد عبَّر اشعيا عن ذلك قائلا:‏ «هكذا قدتَ شعبك لتصنع لنفسك اسما بهيّا».‏ (‏اش ٦٣:‏١١-‏١٤‏)‏ وعندما تمرد عليه الاسرائيليون في البرية تعامل معهم برحمة ولم يتخلَّ عنهم.‏ لكنه كشف عن السبب الرئيسي وراء ذلك حين قال:‏ «عملت من اجل اسمي لئلا يتدنس امام عيون الامم».‏ —‏ حز ٢٠:‏٨-‏١٠‏.‏

وطوال تاريخ هذه الامة،‏ حرص يهوه على إبقاء اهمية اسمه القدوس نصب اعينهم.‏ فكانت العاصمة اورشليم،‏ ومن ضمنها جبل صهيون،‏ المكان الذي اختاره يهوه «ليجعل اسمه فيه،‏ ليسكنه هناك».‏ (‏تث ١٢:‏٥،‏ ١١؛‏ ١٤:‏٢٤،‏ ٢٥؛‏ اش ١٨:‏٧؛‏ ار ٣:‏١٧‏)‏ وكان الهيكل الذي بُني في تلك المدينة ‹بيتا لاسم يهوه›.‏ (‏١ اخ ٢٩:‏١٣-‏١٦؛‏ ١ مل ٨:‏١٥-‏٢١،‏ ٤١-‏٤٣‏)‏ ولا شك ان عينَيه كانتا مفتوحتَين على كل ما يجري في ذلك الهيكل او تلك المدينة،‏ سواء كان جيدا ام سيئا،‏ لأنه يؤثر على اسمه.‏ (‏١ مل ٨:‏٢٩؛‏ ٩:‏٣؛‏ ٢ مل ٢١:‏٤-‏٧‏)‏ فكان تدنيس اسم يهوه هناك سيجلب بكل تأكيد الدمار على المدينة ويؤدي الى ‹طرح الهيكل نفسه من امامه›.‏ (‏١ مل ٩:‏٦-‏٨؛‏ ار ٢٥:‏٢٩؛‏ ٧:‏٨-‏١٥‏؛‏ قارن اعمال يسوع وأقواله في مت ٢١:‏١٢،‏ ١٣؛‏ ٢٣:‏٣٨‏.‏)‏ ولهذه الاسباب،‏ تضرَّع ارميا ودانيال من اجل الشعب والمدينة وناشدا يهوه ان يرحم شعبه ويساعدهم من ‹اجل اسمه›.‏ —‏ ار ١٤:‏٩؛‏ دا ٩:‏١٥-‏١٩‏.‏

وحين تنبأ يهوه بردّ الشعب المدعو على اسمه الى يهوذا وتطهيرهم،‏ اوضح لهم مجدَّدا الامر الذي يعلِّق عليه اهمية قصوى قائلا:‏ «سأترأف على اسمي القدوس».‏ «‹ليس لأجلكم افعل هذا يا بيت اسرائيل،‏ بل لأجل اسمي القدوس الذي دنستموه بين الامم حيث جئتم›.‏ ‹فأقدِّس اسمي العظيم الذي دنِّس .‏ .‏ .‏ فتعلم الامم اني انا يهوه›،‏ يقول السيد الرب يهوه،‏ ‹حين اتقدس بينكم امام عيونهم›».‏ —‏ حز ٣٦:‏٢٠-‏٢٧،‏ ٣٢‏.‏

تُظهِر هذه الآيات وغيرها ان يهوه لا يعطي البشر اهمية زائدة عن الحد.‏ فكل الناس خطاة يستحقون الموت،‏ ولن ينالوا الحياة إلا بفضل رحمة اللّٰه ونعمته،‏ اي لطفه الفائق.‏ (‏رو ٥:‏١٢،‏ ٢١؛‏ ١ يو ٤:‏٩،‏ ١٠‏)‏ فيهوه لا يدين للبشر بشيء،‏ ولن يعطيهم الحياة الابدية كأجرة يكسبونها لقاء اعمالهم بل كهبة منه.‏ (‏رو ٥:‏١٥؛‏ ٦:‏٢٣؛‏ تي ٣:‏٤،‏ ٥‏)‏ ما من شك ان يهوه اعرب عن محبة لا مثيل لها نحو البشر.‏ (‏يو ٣:‏١٦؛‏ رو ٥:‏٧،‏ ٨‏)‏ لكنَّ الاسفار المقدسة لا تقول ان خلاص البشر هو المسألة الاهم او المعيار الذي به يُقاس عدل اللّٰه وقداسته.‏ فهذه النظرة خاطئة.‏ وقد عبَّر صاحب المزمور عن النظرة الصائبة حين قال بتواضع وتعجب:‏ «يا يهوه ربنا،‏ ما اجلَّ اسمك في كل الارض،‏ انت يا مَن بوقارك يحدَّث فوق السموات!‏ ‏.‏ .‏ .‏ حين ارى سمواتك،‏ عمل اصابعك،‏ القمر والنجوم التي هيأتها،‏ ما الانسان الفاني حتى تذكره،‏ وابن آدم حتى تعتني به؟‏».‏ (‏مز ٨:‏١،‏ ٣،‏ ٤؛‏ ١٤٤:‏٣‏؛‏ قارن اش ٤٥:‏٩؛‏ ٦٤:‏٨‏.‏)‏ فتقديس اسم يهوه اللّٰه هو اهم من حياة كل البشر.‏ لذلك،‏ كما قال ابن اللّٰه،‏ يجب ان يحب الانسان قريبه كنفسه،‏ ولكن يجب ان يحب اللّٰه بكل قلبه وعقله ونفسه وقوته.‏ (‏مر ١٢:‏٢٩-‏٣١‏)‏ ويعني ذلك ان نحب يهوه اللّٰه اكثر من اقربائنا،‏ اصدقائنا،‏ او حتى حياتنا.‏ —‏ تث ١٣:‏٦-‏١٠؛‏ رؤ ١٢:‏١١‏؛‏ قارن موقف العبرانيين الثلاثة في دا ٣:‏١٦-‏١٨‏؛‏ انظر «الغيور،‏ الغيرة».‏

ان نظرة الاسفار المقدسة هذه لا يجب ان تنفِّر الناس،‏ بل ان تجعلهم يزدادون تقديرا للإله الحقيقي.‏ فيهوه يكون عادلا تماما اذا انهى حياة كل البشر الخطاة.‏ إلا انه اختار انقاذ بعض منهم،‏ ما يرفِّع عظمة رحمته ولطفه الفائق اكثر فأكثر.‏ (‏يو ٣:‏٣٦‏)‏ وصحيح انه لا يُسَرّ بموت الشرير (‏حز ١٨:‏٢٣،‏ ٣٢؛‏ ٣٣:‏١١‏)‏،‏ لكنه في الوقت نفسه لن يسمح للاشرار ان يفلتوا من دينونته.‏ (‏عا ٩:‏٢-‏٤؛‏ رو ٢:‏٢-‏٩‏)‏ فرغم انه صبور ويرغب ان يخلِّص كل من يطيعه (‏٢ بط ٣:‏٨-‏١٠‏)‏،‏ فهو لن يسمح بأن يعيَّر اسمه الرفيع الى ما لا نهاية.‏ (‏مز ٧٤:‏١٠،‏ ٢٢،‏ ٢٣؛‏ اش ٦٥:‏٦،‏ ٧؛‏ ٢ بط ٢:‏٣‏)‏ ولأنه يتعاطف مع البشر ويتفهم ضعفاتهم،‏ فهو «يُكثر» الغفران لهم متى اعربوا عن التوبة.‏ (‏مز ١٠٣:‏١٠-‏١٤؛‏ ١٣٠:‏٣،‏ ٤؛‏ اش ٥٥:‏٦،‏ ٧‏)‏ غير انه لا يعفي الاشخاص من تحمُّل نتائج افعالهم وتأثيرها عليهم وعلى عائلاتهم.‏ فهم يحصدون ما يزرعون.‏ (‏تث ٣٠:‏١٩،‏ ٢٠؛‏ غل ٦:‏٥،‏ ٧،‏ ٨‏)‏ وهكذا يُظهِر يهوه توازنا رائعا وكاملا بين العدل والرحمة.‏ والذين يمتلكون النظرة الصائبة كما تكشفها كلمته (‏اش ٥٥:‏٨،‏ ٩؛‏ حز ١٨:‏٢٥،‏ ٢٩-‏٣١‏)‏ لن يستخفوا بلطفه الفائق او ‹يخطئوا القصد منه›،‏ ويرتكبوا بالتالي خطأ كبيرا.‏ —‏ ٢ كو ٦:‏١؛‏ عب ١٠:‏٢٦-‏٣١؛‏ ١٢:‏٢٩‏.‏

صفاته ومقاييسه لا تتغيَّر:‏ بعد نحو ٥٠٠‏,٣ سنة من خلق البشر وبعد نحو ٥٠٠‏,١ سنة من قطع العهد الابراهيمي،‏ قال يهوه لشعب اسرائيل:‏ «انا يهوه،‏ لا اتغيَّر».‏ (‏مل ٣:‏٦‏)‏ وفي حين ان البعض يدّعون ان إله الاسفار العبرانية يختلف عن الإله الذي تحدث عنه يسوع المسيح وكتبة الاسفار اليونانية المسيحية،‏ يُظهِر البحث الدقيق ان هذا الادِّعاء لا اساس له من الصحة.‏ فالتلميذ يعقوب يقول عن اللّٰه:‏ «ليس عنده تغيير دوران الظل».‏ (‏يع ١:‏١٧‏)‏ فشخصية يهوه لم تصر ارقّ على مرّ القرون،‏ اذ لا حاجة الى ذلك.‏ فهو في الاسفار اليونانية المسيحية لا يُظهِر تشدُّدا اقل ولا محبة اكبر مما اظهر في بداية تعاملاته مع البشر في عدن.‏

وما يبدو اختلافا في الشخصية ليس في الحقيقة سوى وجه مختلف للشخصية نفسها التي لا تتغيَّر.‏ فيهوه يعدِّل في مواقفه وطريقة تعاملاته نتيجة الظروف المتغيِّرة والاشخاص المختلفين الذين يتعامل معهم.‏ (‏قارن اش ٥٩:‏١-‏٤‏.‏)‏ ففي عدن،‏ لم يكن هو مَن تغيَّر،‏ بل آدم وحواء.‏ فتصرفهما هو ما جعله يتوقف عن التعامل معهما كجزء من عائلته الكونية؛‏ فهذا امر لا تسمح به مقاييسه العادلة التي لا تتغيَّر.‏ ولأنهما كانا كاملَين،‏ كانا مسؤولَين كليا عن خطيتهما العمدية (‏رو ٥:‏١٤‏)‏ ولم يستحقا الرحمة الالهية.‏ رغم ذلك،‏ اظهر لهما يهوه لطفه الفائق.‏ فألبسهما ثيابا قبل ان يخرجهما من عدن وسمح لهما ان يعيشا قرونا وينجبا ذرية قبل ان يموتا نتيجة مسلكهما الخاطئ.‏ (‏تك ٣:‏٨-‏٢٤‏)‏ لكن من الواضح انه قطع كل تواصل معهما بعد طردهما من عدن.‏

لماذا يمكنه ان يتعامل مع بشر ناقصين؟‏ ان مقاييس يهوه العادلة مكَّنته من التعامل مع ذرية آدم وحواء بشكل مختلف عن تعاملاته مع ابويهم.‏ وما السبب؟‏ بما ان ذرية آدم ورثوا الخطية،‏ فهم يولدون رغما عنهم ناقصين ولديهم ميل فطري الى ارتكاب الخطإ.‏ (‏مز ٥١:‏٥؛‏ رو ٥:‏١٢‏)‏ على هذا الاساس،‏ يُعرِب يهوه لهم عن الرحمة.‏ وقد اظهرت النبوة الاولى التي ذكرها (‏تك ٣:‏١٥‏)‏ وقتما اعلن الحكم في عدن انه لم يشعر بالحقد وأن محبته الكبيرة لم تتوقف بسبب تمرد ولدَيه البشريَّين الاولَين (‏وكذلك تمرد احد ابنائه الروحانيين)‏.‏ فهو في هذه النبوة،‏ التي لم يُكشَف معناها كاملا إلا بعد آلاف السنين،‏ يؤكد بتعابير مجازية انه سيصحِّح الوضع الذي نتج عن التمرد ويردّ الاحوال الى كمالها الاصلي.‏ —‏ قارن الاستعمال المجازي للكلمات «الحية»،‏ «المرأة»،‏ و «النسل» في رؤ ١٢:‏٩،‏ ١٧؛‏ غل ٣:‏١٦،‏ ٢٩؛‏ ٤:‏٢٦،‏ ٢٧‏.‏

سمح يهوه ان تعيش ذرية آدم على الارض آلاف السنين رغم النقص والموت وعدم قدرتهم على تحرير انفسهم من قبضة الخطية المميتة.‏ وقد اوضح الرسول بولس سبب سماحه بذلك حين قال:‏ «لأن الخليقة أُخضعت للبُطل،‏ لا بمشيئتها،‏ بل بمشيئة الذي أَخضعها [اي يهوه اللّٰه]،‏ على رجاء أن تُحرَّر الخليقة نفسُها ايضا من الاستعباد للفساد وتنال الحرية المجيدة لأولاد اللّٰه.‏ فإننا نعلم ان الخليقة كلها تئن وتتوجع معا الى الآن».‏ (‏رو ٨:‏٢٠-‏٢٢‏)‏ وبحسب مقالة «‏المعرفة المسبقة،‏ التعيين المسبق‏»،‏ لا شيء يدل ان يهوه اختار ان يستخدم قدرته على معرفة المستقبل كي يرى مسبقا ان الزوجَين البشريَّين الاولَين سيخطئان.‏ ولكن حالما حدث ذلك،‏ عيَّن مسبقا الوسيلة التي بها سيصحِّح الوضع.‏ (‏اف ١:‏٩-‏١١‏)‏ وهذا السر المقدس،‏ الذي تضمنته النبوة في عدن،‏ كُشف عنه كاملا من خلال الابن المولود الوحيد الذي أُرسل الى الارض كي ‹يشهد للحق› و «يذوق بنعمة اللّٰه الموت لأجل كل انسان».‏ —‏ يو ١٨:‏٣٧؛‏ عب ٢:‏٩‏؛‏ انظر «الفدية».‏

بناء عليه،‏ فإن مقياس يهوه للعدل الكامل لم يتغيَّر حين تعامل مع البعض من ذرية آدم الخاطئ وباركهم.‏ فهو لم يكن بذلك يوافق على حالتهم الخاطئة.‏ ولكن بما ان مقاصده تتحقق دون شك،‏ يمكن القول انه «يدعو الاشياء غير الموجودة كأنها موجودة» (‏كما حين دعا ابرام «ابراهيم» الذي معناه «ابٌ لجمهور (‏جمع)‏» قبل ان يكون لديه هو وسارة اولاد)‏.‏ (‏رو ٤:‏١٧‏)‏ فلأنه كان متأكدا انه في الوقت المحدَّد (‏غل ٤:‏٤‏)‏ سيزوِّد فدية،‏ وهي الوسيلة الشرعية لغفران الخطايا وإزالة النقص (‏اش ٥٣:‏١١،‏ ١٢؛‏ مت ٢٠:‏٢٨؛‏ ١ بط ٢:‏٢٤‏)‏،‏ امكنه ان يتعامل مع اشخاص ناقصين وخطاة ويقبلهم في خدمته.‏ فقد امتلك الاساس العادل لكي يعتبرهم مستقيمين بسبب ايمانهم بوعوده،‏ ولاحقا،‏ بسبب ايمانهم بإتمام هذه الوعود في المسيح يسوع بصفته الذبيحة الكاملة التي تكفِّر عن الخطايا.‏ (‏يع ٢:‏٢٣؛‏ رو ٤:‏٢٠-‏٢٥‏)‏ وهكذا،‏ لا يعطي تدبير الفدية وفوائده شهادة رائعة عن محبة يهوه ورحمته فحسب،‏ بل ايضا عن ولائه لمقياس العدل السامي الذي وضعه.‏ فمن خلال تدبير الفدية «يعرب عن برِّه في الوقت الحاضر،‏ فيكون بارا حتى عندما يبرِّر مَن [رغم نقصه] له ايمان بيسوع».‏ —‏ رو ٣:‏٢١-‏٢٦‏؛‏ قارن اش ٤٢:‏٢١‏؛‏ انظر «‏التبرير‏».‏

لماذا يحارب مع انه «إله سلام»؟‏ ذكر يهوه في عدن انه سيضع عداوة بين نسل عدوه ونسل «المرأة».‏ لكنه مع ذلك بقي «إله سلام».‏ (‏تك ٣:‏١٥؛‏ رو ١٦:‏٢٠؛‏ ١ كو ١٤:‏٣٣‏)‏ فالوضع آنذاك كان شبيها بالوضع حينما عاش ابنه يسوع المسيح على الارض.‏ قال يسوع:‏ «لا تظنوا اني جئت لأضع سلاما في الارض.‏ ما جئت لأضع سلاما،‏ بل سيفا».‏ (‏مت ١٠:‏٣٢-‏٤٠‏)‏ فلأنه التصق بحق اللّٰه ومقاييسه العادلة وأعلنها،‏ سبَّبت خدمته الانقسامات حتى ضمن العائلات.‏ (‏لو ١٢:‏٥١-‏٥٣‏)‏ فقد قسّى عديدون قلوبهم ولم يقبلوا هذه الحقائق في حين قبلها آخرون.‏ (‏يو ٨:‏٤٠،‏ ٤٤-‏٤٧؛‏ ١٥:‏٢٢-‏٢٥؛‏ ١٧:‏١٤‏)‏ اذًا،‏ كان لا بد ان تحدث الانقسامات نتيجة تأييد المبادئ الالهية،‏ واللوم في ذلك يقع على الذين رفضوا ما هو صائب.‏

بصورة مماثلة،‏ تنبأ يهوه بالعداوة بين نسل المرأة ونسل الحية لأن مبادئه الكاملة لا تسمح بالتغاضي عن مسلك التمرد الذي اتّبعه «نسل» الشيطان.‏ ولا شك ان عدم رضاه عن هؤلاء ومباركته للمستقيمين كانا سيؤديان الى الانقسامات (‏يو ١٥:‏١٨-‏٢١؛‏ يع ٤:‏٤‏)‏،‏ كما في حالة قايين وهابيل.‏ —‏ تك ٤:‏٢-‏٨؛‏ عب ١١:‏٤؛‏ ١ يو ٣:‏١٢؛‏ يه ١٠،‏ ١١‏.‏ انظر «‏قايِين‏».‏

شكَّل تمرد البشر والملائكة الاشرار تشكيكا في شرعية سيادة يهوه وعكَّر السلام في الكون بأسره.‏ ولبتّ هذه القضية،‏ لزم ان يصبح يهوه ‹محاربا› (‏خر ١٥:‏٣-‏٧‏)‏ كي يدافع عن صيته ومقاييسه العادلة،‏ يحارب في سبيل الذين يحبونه ويخدمونه،‏ ويُنزِل الدينونة بالذين يستحقون الهلاك.‏ (‏١ صم ١٧:‏٤٥؛‏ ٢ اخ ١٤:‏١١؛‏ اش ٣٠:‏٢٧-‏٣١؛‏ ٤٢:‏١٣‏)‏ فهو لا يتردد في استخدام قدرته الجبارة للإهلاك،‏ كما حصل ايام الطوفان ودمار سدوم وعمورة وتحرير الاسرائيليين من مصر.‏ (‏تث ٧:‏٩،‏ ١٠‏)‏ كما انه لا يخاف ان يكشف اي تفصيل عن حربه العادلة؛‏ ولا يعتذر عما يفعله،‏ اذ ليس لديه ما يخجل منه.‏ (‏اي ٣٤:‏١٠-‏١٥؛‏ ٣٦:‏٢٢-‏٢٤؛‏ ٣٧:‏٢٣،‏ ٢٤؛‏ ٤٠:‏١-‏٨؛‏ رو ٣:‏٤‏)‏ وهو يندفع الى اتخاذ الاجراءات لأنه يحترم اسمه والعدل الذي يمثِّله هذا الاسم،‏ ولأنه يحب الذين يحبونه.‏ —‏ اش ٤٨:‏١١؛‏ ٥٧:‏٢١؛‏ ٥٩:‏١٥-‏١٩؛‏ رؤ ١٦:‏٥-‏٧‏.‏

تعكس الاسفار اليونانية المسيحية الصورة نفسها عن اللّٰه.‏ مثلا،‏ قال الرسول بولس لرفقائه المسيحيين وهو يشجعهم:‏ «اللّٰه معطي السلام سيسحق الشيطان تحت اقدامكم عن قريب».‏ (‏رو ١٦:‏٢٠‏؛‏ قارن تك ٣:‏١٥‏.‏)‏ وأظهر ايضا انه من العدل ان يجازي اللّٰه الذين يضايقون خدامه،‏ مُهلِكا هؤلاء المقاومين هلاكا ابديا.‏ (‏٢ تس ١:‏٦-‏٩‏)‏ وهذا منسجم مع تعاليم ابن اللّٰه،‏ الذي أكَّد تصميم ابيه ان يقضي بالقوة على الشر وعلى جميع مَن يمارسونه.‏ (‏مت ١٣:‏٣٠،‏ ٣٨-‏٤٢؛‏ ٢١:‏٤٢-‏٤٤؛‏ ٢٣:‏٣٣؛‏ لو ١٧:‏٢٦-‏٣٠؛‏ ١٩:‏٢٧‏)‏ كما ان سفر الرؤيا مليء بأوصاف لحروب تُشن بأمر إلهيّ.‏ لكنَّ يهوه بحكمته سيوجّه الامور بحيث تؤدي الى سلام عالمي دائم مؤسَّس بشكل راسخ على العدل.‏ —‏ اش ٩:‏٦،‏ ٧؛‏ ٢ بط ٣:‏١٣‏.‏

تعاملاته مع اسرائيل الجسدي والروحي:‏ ايضا،‏ يعود الكثير من الاختلاف بين محتويات الاسفار العبرانية والاسفار اليونانية المسيحية الى ان الاولى تسرد تعاملات يهوه مع اسرائيل الجسدي،‏ في حين ان الثانية بمعظمها تروي الحوادث المؤدية الى ظهور اسرائيل الروحي،‏ اي الجماعة المسيحية،‏ وتصف تعاملات يهوه معهم.‏ وهكذا،‏ لدينا من جهة امة ضمت ملايين الاشخاص،‏ الصالحين والاردياء على السواء،‏ الذين انتموا اليها بحكم تحدرهم الجسدي فقط.‏ ومن جهة اخرى،‏ لدينا امة روحية مؤلفة من اشخاص اجتذبهم اللّٰه اليه بواسطة يسوع المسيح،‏ اشخاص يعربون عن محبتهم للحق والصواب وينذرون انفسهم طوعا لفعل مشيئة يهوه.‏ لذا،‏ من المنطقي ان تختلف تعاملات اللّٰه مع هذَين الفريقَين.‏ فلا عجب إن اعرب عن الغضب والشدة مع الفريق الاول اكثر منهما مع الفريق الثاني.‏

لكننا نرتكب خطأ كبيرا اذا لم ننتبه للتشجيع الذي نستمده من المعلومات عن شخصية يهوه اللّٰه كما تكشفها تعاملاته مع اسرائيل الجسدي.‏ فتعاملاته تعطي ادلة رائعة ان شخصيته هي حقا مثلما وصفها لموسى:‏ «يهوه يهوه إله رحيم وحنان،‏ بطيء الغضب ووافر اللطف الحبي والحق،‏ يحفظ اللطف الحبي لألوف،‏ يعفو عن الذنب والتعدي والخطية،‏ لكنه لا يعفي من العقاب،‏ بل يعاقب على ذنب الآباء في الأبناء وفي ابناء الأبناء،‏ في الجيل الثالث والرابع».‏ —‏ خر ٣٤:‏٤-‏٧‏؛‏ قارن خر ٢٠:‏٥‏.‏

فالحقيقة ان محبة يهوه وصبره،‏ اللذَين يظهرهما بشكل متوازن مع عدله،‏ هما ابرز اوجه شخصيته كما يكشفها تاريخ اسرائيل.‏ فقد منحهم حظوة كبيرة رغم انهم كانوا في معظمهم ‹متصلبي العنق› و «قساة القلوب» معه.‏ (‏خر ٣٤:‏٨،‏ ٩؛‏ نح ٩:‏١٦،‏ ١٧؛‏ ار ٧:‏٢١-‏٢٦؛‏ حز ٣:‏٧‏)‏ وليست الإدانة القوية والاحكام الشديدة اللهجة التي اصدرها يهوه عليهم تكرارا بواسطة انبيائه سوى تأكيد على عظمة رحمته ومدى صبره.‏ وبعد ان تحملهم ٥٠٠‏,١ سنة،‏ حُكم على ابنه بالموت بتحريض من القادة الدينيين.‏ مع ذلك،‏ استمر في منحهم حظوة خاصة مدة ثلاث سنين ونصف.‏ فقد جعل البشارة تقتصر عليهم،‏ معطيا اياهم فرصة اخرى لينالوا امتياز الحكم مع ابنه.‏ وقد استفاد الآلاف من هذه الفرصة وتابوا.‏ —‏ اع ٢:‏١-‏٥،‏ ١٤-‏٤١؛‏ ١٠:‏٢٤-‏٢٨،‏ ٣٤-‏٤٨‏؛‏ انظر «‏السبعون اسبوعا‏».‏

ومن الواضح ان يسوع المسيح كان يشير الى كلمات يهوه المقتبسة سابقا،‏ المتعلقة ‹بالمعاقبة على ذنوب الآباء في الابناء›،‏ حين قال للكتبة والفريسيين المرائين:‏ «تقولون:‏ ‹لو كنا في ايام آبائنا،‏ لما شاركناهم في دم الانبياء›!‏ فأنتم تشهدون على انفسكم انكم ابناء الذين قتلوا الأنبياء.‏ فاملأوا كيل آبائكم».‏ (‏مت ٢٣:‏٢٩-‏٣٢‏)‏ فرغم ادعاءاتهم،‏ برهنوا بمسلكهم انهم يؤيدون اعمال آبائهم الخاطئة وأنهم هم ايضا بين ‹مبغضي يهوه›.‏ (‏خر ٢٠:‏٥؛‏ مت ٢٣:‏٣٣-‏٣٦؛‏ يو ١٥:‏٢٣،‏ ٢٤‏)‏ وهكذا،‏ بخلاف اليهود الذين تابوا وأصغوا لكلمات ابن اللّٰه،‏ حلّت بهم دينونة اللّٰه بسبب اعمالهم وأعمال آبائهم حين فُرض حصار على اورشليم بعد سنوات ودُمرت ومات معظم سكانها.‏ لقد كان بإمكانهم الهرب،‏ غير انهم اختاروا الا يستفيدوا من رحمة يهوه.‏ —‏ لو ٢١:‏٢٠-‏٢٤‏؛‏ قارن دا ٩:‏١٠،‏ ١٣-‏١٥‏.‏

ابنه عكس شخصيته:‏ اتى يسوع المسيح باسم ابيه،‏ يهوه اللّٰه،‏ وعكس شخصيته الرائعة كاملا ومن جميع النواحي.‏ (‏يو ١:‏١٨؛‏ مت ٢١:‏٩؛‏ يو ١٢:‏١٢،‏ ١٣‏؛‏ قارن مز ١١٨:‏٢٦‏.‏)‏ قال:‏ «لا يقدر الابن ان يعمل شيئا من تلقاء ذاته،‏ إلا ما يرى الآب يعمله.‏ لأن مهما عمل ذاك،‏ فهذا يعمله الابن ايضا على مثاله».‏ (‏يو ٥:‏١٩‏)‏ وبالتالي،‏ فإن الصفات التي اعرب عنها كاللطف والتعاطف،‏ الوداعة والدفء،‏ المحبة الشديدة للعدل وبغض الشر (‏عب ١:‏٨،‏ ٩‏)‏،‏ كلها صفات رآها في ابيه،‏ يهوه اللّٰه.‏ —‏ قارن مت ٩:‏٣٥،‏ ٣٦ بـ‍ مز ٢٣:‏١-‏٦ و إش ٤٠:‏١٠،‏ ١١؛‏ مت ١١:‏٢٧-‏٣٠ بـ‍ إش ٤٠:‏٢٨-‏٣١ و إش ٥٧:‏١٥،‏ ١٦؛‏ لو ١٥:‏١١-‏٢٤ بـ‍ مز ١٠٣:‏٨-‏١٤؛‏ لو ١٩:‏٤١-‏٤٤ بـ‍ حز ١٨:‏٣١،‏ ٣٢؛‏ حز ٣٣:‏١١‏.‏

لا شك ان كل محب للعدل،‏ حين يقرأ الاسفار المقدسة الموحى بها ويتوصل الى ‹معرفة› وفهم المعنى الكامل لاسم يهوه (‏مز ٩:‏٩،‏ ١٠؛‏ ٩١:‏١٤؛‏ ار ١٦:‏٢١‏)‏،‏ يصبح لديه سبب وجيه ليحب هذا الاسم ويمجِّده (‏مز ٧٢:‏١٨-‏٢٠؛‏ ١١٩:‏١٣٢؛‏ عب ٦:‏١٠‏)‏،‏ يحمده ويرفَعه (‏مز ٧:‏١٧؛‏ اش ٢٥:‏١؛‏ عب ١٣:‏١٥‏)‏،‏ يخافه ويقدِّسه (‏نح ١:‏١١؛‏ مل ٢:‏٤-‏٦؛‏ ٣:‏١٦-‏١٨؛‏ مت ٦:‏٩‏)‏،‏ يتَّكل عليه (‏مز ٣٣:‏٢١؛‏ ام ١٨:‏١٠‏)‏،‏ ويردد مع صاحب المزمور:‏ «أغني ليهوه مدى حياتي،‏ أرنم لإلهي ما دمت موجودا.‏ ليلذ تأملي فيه.‏ انا افرح بيهوه.‏ يقرض الخطاة من الارض،‏ والاشرار لا يكونون بعد.‏ باركي يهوه يا نفسي.‏ سبحوا ياه!‏».‏ —‏ مز ١٠٤:‏٣٣-‏٣٥‏.‏

‏[الصورة في الصفحة x]‏

قطعة فضية عليها الاسم الالهي؛‏ وُجدت في مدينة القدس وتعود كما يبدو الى القرن السابع او السادس ق‌م

‏[الصورة في الصفحة x]‏

مقتطف من المزامير في احد ادراج البحر الميت.‏ ويظهر التتراغراماتون تكرارا بالاحرف العبرانية القديمة

بعض من الترجمات الكثيرة للاسفار اليونانية المسيحية التي تتضمن الاسم الالهي

العهد الجديد لربنا يسوع المسيح،‏ ترجمة إلياس هوته (‏الجزء العبراني‏)‏؛‏ نُشر في نورمبورغ؛‏ ١٥٩٩؛‏ افسس ٥:‏١٧

العهد الجديد لربنا ومخلِّصنا يسوع المسيح،‏ ترجمة جون إليوت (‏لغة الماساتشوست‏)‏؛‏ نُشر في كَيمبريدج،‏ ماساتشوستس؛‏ ١٦٦١؛‏ متى ٢١:‏٩

ترجمة انكليزية للعهد الجديد  .‏ .‏ .‏ من نص مخطوطة الفاتيكان،‏ تحرير هِرمان هاينفِتَر؛‏ نُشرت في لندن؛‏ ١٨٦٤؛‏ مرقس ١٢:‏٢٩،‏ ٣٠

Sämtliche Schriften des Neuen Testaments،‏ ترجمة يوهان ياكوب شتولتس (‏بالالمانية‏)‏؛‏ نُشر في زوريخ؛‏ ١٧٨١-‏١٧٨٢؛‏ روما ١٥:‏١١

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة