مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • بص «مُوسى»‏
  • مُوسى

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • مُوسى
  • بصيرة في الاسفار المقدسة
  • مواد مشابهة
  • موسى —‏ كيف تؤثر حياته فيك؟‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠٤
  • التعرّف بطرق يهوه
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٥
  • كيف كان يسوع المسيح نبيًّا مثل موسى؟‏
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩١
  • اقتد بإيمان موسى
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠١٤
المزيد
بصيرة في الاسفار المقدسة
بص «مُوسى»‏

مُوسى

‏[منتشَل [اي مخلَّص من الماء]]:‏

‏«رجل اللّٰه»،‏ قائد امة اسرائيل،‏ وسيط عهد الشريعة،‏ نبي،‏ قاض،‏ قائد عسكري،‏ مؤرخ،‏ وكاتب.‏ (‏عز ٣:‏٢‏)‏ وُلد موسى سنة ١٥٩٣ ق‌م في مصر،‏ وهو ابن عمرام وحفيد قهات وابن حفيد لاوي.‏ اما امه يوكابد فكانت اخت قهات.‏ (‏ولكن انظر «‏يُوكابَد‏».‏)‏ وكان اصغر من اخيه هارون بثلاث سنين،‏ فيما كانت اختهما مريم تكبرهما ببضع سنوات.‏ —‏ خر ٦:‏​١٦،‏ ١٨،‏ ٢٠؛‏ ٢:‏٧‏.‏

سنواته الاولى في مصر:‏ كان موسى «فائق الجمال حتى في نظر اللّٰه»،‏ وقد نجا من مرسوم فرعون القاضي بإبادة كل ذكر عبراني مولود حديثا.‏ فبعد ان خبأته امه ثلاثة اشهر،‏ قامت بوضعه في سفط من البردي بين القصب على ضفة نهر النيل حيث وجدته ابنة فرعون.‏ وقد تصرفت امه وأخته بحكمة بحيث استخدمت ابنةُ فرعون امَّ الصبي لترضعه،‏ فتولّت الاخيرة تدريبه الى ان اتخذته ابنة فرعون لاحقا ابنا لها.‏ وكعضو في بيت فرعون،‏ «تلقى .‏ .‏ .‏ الارشاد في حكمة المصريين كلها» وصار «مقتدرا في كلامه وأعماله»،‏ اي دون شك في طاقاته الفكرية والجسدية على السواء.‏ —‏ خر ٢:‏​١-‏١٠؛‏ اع ٧:‏​٢٠-‏٢٢‏.‏

رغم مكانة موسى المميزة والفرص السانحة له في مصر،‏ كان قلبه مع شعب اللّٰه المستعبَد.‏ حتى انه كان يأمل ان يستخدمه اللّٰه لإنقاذهم.‏ ففي سن الـ‍ ٤٠،‏ حين كان ينظر في اثقال اخوته العبرانيين،‏ رأى مصريا يضرب عبرانيا.‏ فانبرى للدفاع عن رفيقه الاسرائيلي وقتل المصري وطمره في الرمل.‏ في هذه المرحلة كان موسى قد اتخذ اهم قرار في حياته:‏ «بالايمان موسى،‏ لما كبر،‏ ابى ان يدعى ابن ابنة فرعون،‏ واختار ان تساء معاملته مع شعب اللّٰه على التمتع الوقتي بالخطية».‏ وهكذا تخلى موسى عما كان سينعم به من عزة ورفاهية مادية كأحد اعضاء بيت فرعون العظيم.‏—‏ عب ١١:‏​٢٤،‏ ٢٥‏.‏

شعر موسى بأنه قد حان الوقت ليحرر العبرانيين،‏ لكن هؤلاء لم يقدّروا جهوده.‏ واضطر موسى الى الهرب من مصر حين سمع فرعون بأنه قتل المصري.‏ —‏ خر ٢:‏​١١-‏١٥؛‏ اع ٧:‏​٢٣-‏٢٩‏.‏

اربعون سنة في مديان:‏ قام موسى برحلة طويلة عبر البرية ليصل الى مديان ويحتمي هناك.‏ وعند احدى الآبار،‏ اخذته من جديد الشجاعة والحميّة لمساعدة المظلومين.‏ فعندما ابعد رعاةٌ بنات يثرون السبع مع غنمهن،‏ انجد موسى النساء وسقى لهن الغنم.‏ وبسبب ذلك دعي الى بيت يثرون،‏ وصار يعمل راعيا لغنمه.‏ كما تزوج صفورة احدى بنات يثرون التي ولدت له ابنين:‏ جرشوم وأليعازر.‏ —‏ خر ٢:‏​١٦-‏٢٢؛‏ ١٨:‏​٢-‏٤‏.‏

تدريبه لخدمة مستقبلية:‏ قصد اللّٰه ان يستخدم موسى لإنقاذ العبرانيين،‏ إلا ان وقت اللّٰه المعين لم يكن قد حان بعد ليفعل ذلك،‏ ولا كان موسى مؤهلا آنذاك ليقود شعب اللّٰه.‏ فكان عليه ان يخضع للتدريب ٤٠ سنة اخرى.‏ وكان يلزم ان ينمي اكثر صفات الصبر والحلم والتواضع وطول الاناة والوداعة وضبط النفس وتعلم انتظار يهوه قبل ان يتأهل لقيادة شعب اللّٰه.‏ كما لزم ان يُدرَّب ويجهَّز لتحمل التثبط والخيبات والمشقات التي ستعترضه،‏ وكذلك لمعالجة المشاكل الكثيرة (‏التي ستنشأ من قيادة امة عظيمة)‏ بلطف حبي وهدوء وحزم.‏ لقد كان يملك معرفة واسعة،‏ ولا شك ان التدريب الذي حصل عليه كعضو في بيت فرعون اكسبه وقارا واتزانا وثقة بالنفس،‏ مما عزز قدرته على التنظيم والقيادة.‏ لكن مهنة الرعاية الوضيعة في مديان وفرت له التدريب اللازم لتنمية صفات حسنة سيحتاج اليها اكثر لتولي المهمة التي تنتظره.‏ وهذا ما حدث ايضا مع داود الذي خضع لتدريب قاس حتى بعدما مسحه صموئيل،‏ وكذلك مع يسوع المسيح الذي جُرب وامتُحن واختُبر ليصير مكمَّلا كملك ورئيس كهنة الى الابد.‏ فقد «تعلم [المسيح] الطاعة مما تألم به.‏ وبعدما كُمّل،‏ عُهد اليه بالخلاص الابدي لجميع الذين يطيعونه».‏ —‏ عب ٥:‏​٨،‏ ٩‏.‏

تعيينه ليكون المنقذ:‏ نحو نهاية فترة الـ‍ ٤٠ سنة في مديان،‏ وفيما كان موسى يرعى قطيع يثرون قرب جبل حوريب،‏ دهش لرؤية عليقة تتقد بالنار دون ان تحترق.‏ وحين اقترب لينظر هذا المشهد العظيم،‏ تحدث اليه ملاك يهوه من اللهب وقال له انه قد حان الوقت ليخلص اللّٰه اسرائيل من العبودية،‏ وفوض الى موسى ان يذهب باسم يهوه،‏ الاسم الذي سيُذكَر الى الابد.‏ (‏خر ٣:‏​١-‏١٥‏)‏ وهكذا عيّن اللّٰه موسى نبيا وممثلا له،‏ وصار من الممكن الآن ان يدعى بالصواب ممسوحا،‏ او مسيّا،‏ او «المسيح» كما في عبرانيين ١١:‏٢٦‏.‏ وزود يهوه موسى،‏ بواسطة الملاك،‏ بإثباتات تؤكد لشيوخ اسرائيل انه مرسل منه.‏ وكانت هذه الاثباتات عبارة عن ثلاث آيات عجائبية.‏ وهذه هي المرة الاولى التي تتحدث فيها الاسفار المقدسة عن انسان يعطى القدرة على صنع عجائب.‏ —‏ خر ٤:‏​١-‏٩‏.‏

تردد موسى لم يجعله غير اهل للمهمة:‏ ابدى موسى بعض التردد بقوله انه ليس طلق اللسان.‏ لقد تغير جدا،‏ ولم يعد ذلك الشخص الذي جعل نفسه قبل ٤٠ سنة منقذ اسرائيل دون ان يطلب احد منه ذلك.‏ واستمر يجادل يهوه،‏ طالبا منه في النهاية ان يعفيه من المهمة.‏ ومع ان ذلك اثار غضب يهوه،‏ لم يرفض موسى بل جعل هارون اخاه ناطقا بلسانه.‏ وبما ان موسى كان ممثلا للّٰه،‏ فقد صار «إلها» لهارون الذي تكلم باسم موسى كممثل له.‏ وفي اللقاء اللاحق مع شيوخ اسرائيل والمواجهات مع فرعون،‏ يبدو ان اللّٰه كان يعطي موسى الارشادات والاوامر،‏ فينقلها موسى الى هارون كي يتكلم بها امام فرعون (‏خليفة للفرعون الذي هرب منه موسى قبل ٤٠ سنة)‏.‏ (‏خر ٢:‏٢٣؛‏ ٤:‏​١٠-‏١٧‏)‏ وفي وقت لاحق قال يهوه عن هارون انه «نبي» لموسى.‏ فكما كان موسى نبيَّ اللّٰه وينال التوجيه منه،‏ هكذا ايضا لزم ان يتلقى هارون التوجيه من موسى.‏ وكذلك قيل لموسى انه جُعل «إلها لفرعون»،‏ اي انه أعطي سلطة ونفوذا إلهيين على فرعون،‏ لذا لا داعي الآن الى الخوف من ملك مصر.‏ —‏ خر ٧:‏​١،‏ ٢‏.‏

مع ان اللّٰه وبخ موسى،‏ لم يلغِ تعيينه بسبب تردده في تولي مهمة انقاذ اسرائيل الضخمة.‏ ولم يتذرع موسى بتقدمه في السن،‏ مع انه كان في الـ‍ ٨٠ آنذاك.‏ فبعد اربعين سنة،‏ بقي موسى رغم بلوغه الـ‍ ١٢٠ من عمره متقد الذهن ومليئا بالحيوية.‏ (‏تث ٣٤:‏٧‏)‏ لقد أُتيح لموسى،‏ خلال سنواته الـ‍ ٤٠ في مديان،‏ وقت كبير ليتأمل.‏ وأدرك انه كان على خطإ حين حاول من تلقاء نفسه انقاذ العبرانيين،‏ وأنه لم يكن مؤهلا لذلك.‏ وبعد كل هذه الفترة التي بقي فيها بعيدا عن كل الشؤون العامة،‏ لا شك انه صُدم حين عُرضت عليه فجأة تأدية هذا الدور.‏

يخبرنا الكتاب المقدس لاحقا:‏ «اما الرجل موسى فكان حليما جدا اكثر من جميع الناس الذين على وجه الارض».‏ (‏عد ١٢:‏٣‏)‏ ولأنه كان حليما اعترف انه مجرد انسان لديه نقائصه وضعفاته.‏ كما انه لم يلفت الانظار الى نفسه مدعيا انه قائد اسرائيل الذي لا يُقهر.‏ وما عبّر عنه لم يكن ناجما عن الخوف من فرعون بل عن ادراكه الشديد لحدوده.‏

امام فرعون مصر:‏ لعب موسى وهارون دورا بارزا في ‹صراع دائر بين الآلهة›.‏ فقد حشد فرعون قوة كل الآلهة،‏ المتمثلة بالكهنة الذين يتعاطون السحر والذين تزعمهم كما يَظهر ينيس ويمبريس (‏٢ تي ٣:‏٨‏)‏،‏ لتقف في وجه قوة يهوه.‏ ومع ان العجيبة الاولى التي صنعها هارون امام فرعون بتوجيه من موسى اثبتت تفوق يهوه على آلهة مصر،‏ ازداد فرعون تصلبا.‏ (‏خر ٧:‏​٨-‏١٣‏)‏ وفي وقت لاحق،‏ عندما حدثت الضربة الثالثة،‏ أُجبر حتى الكهنة على الاعتراف:‏ «هذه اصبع اللّٰه!‏».‏ وكانت ضربة الدمامل قوية جدا عليهم حتى انهم لم يتمكنوا من المثول امام فرعون ليقاوموا موسى خلال تلك الضربة.‏ —‏ خر ٨:‏​١٦-‏١٩؛‏ ٩:‏​١٠-‏١٢‏.‏

الضربات تليِّن وتقسِّي:‏ قام موسى وهارون بالاعلان عن بدء كل ضربة من الضربات العشر.‏ وقد حلت الضربات كما اعلناها،‏ مما اكد تفويض موسى كممثل ليهوه.‏ وهكذا اصبح اسم يهوه معلَنا ومتداولا جدا في حديث المصريين،‏ ونجم عن ذلك موقفان احدهما ليّن والآخر متقسٍّ حيال هذا الاسم:‏ ليّن من جهة الاسرائيليين وبعض المصريين،‏ ومتقسٍّ من جهة فرعون ومستشاريه ومؤيديه.‏ (‏خر ٩:‏١٦؛‏ ١١:‏١٠؛‏ ١٢:‏​٢٩-‏٣٩‏)‏ ولم يكن المصريون يعتقدون انهم اخطأوا الى آلهتهم،‏ بل ادركوا ان يهوه هو الذي يدينها.‏ وبعد تنفيذ الضربة التاسعة،‏ كان موسى قد صار هو ايضا «عظيما جدا في ارض مصر،‏ في عيون خدام فرعون وفي عيون الشعب».‏ —‏ خر ١١:‏٣‏.‏

كما لوحظ تغيّر واضح في موقف رجال اسرائيل.‏ ففي البداية اعترفوا ان موسى مرسل من اللّٰه،‏ ولكن عندما صعّب عليهم فرعون عملهم،‏ تذمروا على موسى حتى انه شكا امره الى يهوه من شدة ما تثبط.‏ (‏خر ٤:‏​٢٩-‏٣١؛‏ ٥:‏​١٩-‏٢٣‏)‏ عندئذ قوّاه العلي كاشفا له انه قد حان وقت اتمام ما كان ابراهيم وإسحاق ويعقوب ينتظرونه،‏ فيهوه سيكشف كاملا معنى اسمه بإنقاذ اسرائيل وجعلهم امة عظيمة في ارض الموعد.‏ (‏خر ٦:‏​١-‏٨‏)‏ حتى آنذاك لم يسمع رجال اسرائيل لموسى.‏ ولكن بعد الضربة التاسعة كانوا هم وموسى يدا واحدة،‏ وأبدوا تعاونهم معه حتى انه تمكن بعد الضربة العاشرة من اخراجهم «منظمين كالجيش».‏ —‏ خر ١٣:‏١٨‏.‏

الشجاعة والايمان لازمان لمواجهة فرعون:‏ لولا قوة يهوه وعمل روحه في موسى وهارون،‏ لما قدرا على تولي المهمة المعينة لهما.‏ تخيل بلاط فرعون،‏ ملك القوة العالمية دون منازع في ذلك الوقت.‏ فوسط ابهة لا نظير لها،‏ كان الفرعون المتعجرف المعتبَر إلها يحيط نفسه بالمستشارين والقادة العسكريين والحراس والعبيد.‏ ويضاف اليهم القادة الدينيون —‏ الكهنة الذين يتعاطون السحر —‏ الذين كانوا من ابرز مقاومي موسى.‏ وكان هؤلاء اكثر الاشخاص نفوذا في المملكة بعد فرعون نفسه.‏ كل هذا الحشد المهيب اصطف الى جانب فرعون في تأييده لآلهة مصر.‏ كما ان موسى وهارون لم يمثلا امام فرعون مرة واحدة،‏ بل عدة مرات،‏ وفي كل مرة كان فرعون يقسّي قلبه لأنه كان عاقد العزم ان يبقي عبيده العبرانيين تحت سيطرته للاستفادة منهم.‏ حتى انه بعد اعلان الضربة الثامنة،‏ طُرد موسى وهارون من امام فرعون،‏ وأُمرا بعد الضربة التاسعة ألا يحاولا رؤية وجه فرعون ثانية وإلا قُتلا.‏ —‏ خر ١٠:‏​١١،‏ ٢٨‏.‏

عند اخذ هذه الامور في الاعتبار،‏ يُفهم جيدا لماذا توسل موسى الى يهوه مرارا ان يدعمه ويقويه.‏ ومن الجدير بالملاحظة انه كان دائما ينفذ ما يأمر به يهوه بالحرف الواحد.‏ فهو لم ينقص قط كلمة واحدة مما امره يهوه ان يقوله لفرعون،‏ وتولى القيادة جيدا حتى انه في وقت الضربة العاشرة «فعل جميع بني اسرائيل كما امر يهوه موسى وهارون.‏ هكذا فعلوا».‏ (‏خر ١٢:‏٥٠‏)‏ وقد رسم موسى للمسيحيين مثالا في الايمان البارز.‏ يقول الرسول بولس عنه:‏ «بالايمان ترك مصر،‏ ولكن ليس خوفا من غضب الملك،‏ لأنه بقي راسخا كأنه يرى من لا يُرى».‏ —‏ عب ١١:‏٢٧‏.‏

أعطي موسى،‏ قبل الضربة العاشرة،‏ امتياز تأسيس الفصح.‏ (‏خر ١٢:‏​١-‏١٦‏)‏ وعند البحر الاحمر اضطر الى تحمل تذمرات اضافية من الشعب الذين بدا انهم عالقون وعلى وشك ان يُقتلوا.‏ لكنه عبّر عن ايمان يليق بقائد حقيقي تحت يد يهوه الجبارة،‏ اذ اكد للاسرائيليين ان يهوه سيهلك الجيش المصري الذي يطاردهم.‏ وفي وسط تلك الازمة صرخ الى يهوه كما يبدو،‏ لأن اللّٰه قال له:‏ «لماذا تصرخ الي؟‏».‏ ثم امر اللّٰه موسى ان يرفع عصاه ويمد يده على البحر ويشقه.‏ (‏خر ١٤:‏​١٠-‏١٨‏)‏ وبعد قرون قال الرسول بولس،‏ في حديثه عن عبور اسرائيل للبحر الاحمر،‏ ان «آباءنا كانوا كلهم تحت السحابة،‏ وكلهم اجتازوا في البحر،‏ وكلهم اعتمدوا في موسى بواسطة السحابة والبحر».‏ (‏١ كو ١٠:‏​١،‏ ٢‏)‏ كان يهوه هو الذي يعمّد.‏ ولكي يتم انقاذهم من يد مطارِديهم المصرّين على قتلهم،‏ كان على آباء اليهود ان يتّحدوا مع موسى،‏ معترفين برئاسته عليهم،‏ ويتبعوا قيادته عبر البحر.‏ وهكذا اعتمدت كل جماعة اسرائيل بالمحرر والقائد موسى.‏

وسيط عهد الشريعة:‏ في الشهر الثالث للخروج من مصر،‏ اظهر يهوه امام كل اسرائيل عظمة السلطة التي اعطاها لخادمه موسى وجسامة المسؤولية التي ألقاها على عاتقه،‏ اضافة الى مكانته الخاصة عنده.‏ فأمام كل اسرائيل المجتمعين عند سفح جبل حوريب،‏ نادى يهوه موسى ليصعد الى الجبل،‏ وبواسطة ملاك تحدث اليه.‏ وفي احدى المناسبات مُنح موسى امتيازا كان على الارجح اكثر حدث مثير للرهبة يشهده انسان قبل مجيء يسوع المسيح.‏ فعلى ذلك الجبل،‏ فيما كان موسى وحده،‏ اظهر له يهوه مجده في رؤيا بعد ان وضع ‹راحة يده› عليه وستره،‏ متيحا له ان يرى ‹ظهره›،‏ على ما يبدو الوهج الباقي بعد مرور المجد الالهي المتجلي.‏ وبعد ذلك تكلم الى موسى شخصيا،‏ اذا جاز التعبير.‏ —‏ خر ١٩:‏​١-‏٣؛‏ ٣٣:‏​١٨-‏٢٣؛‏ ٣٤:‏​٤-‏٦‏.‏

قال يهوه لموسى:‏ «لا تقدر ان ترى وجهي،‏ لأنه لا يراني انسان ويعيش».‏ (‏خر ٣٣:‏٢٠‏)‏ وبعد قرون كتب الرسول يوحنا:‏ «اللّٰه لم يره احد قط».‏ (‏يو ١:‏١٨‏)‏ وقال الشهيد المسيحي استفانوس لليهود:‏ «هذا هو [موسى] الذي كان في الجماعة في البرية مع الملاك الذي كلمه على جبل سيناء».‏ (‏اع ٧:‏٣٨‏)‏ اذًا،‏ كان ملاك يمثّل يهوه على الجبل.‏ ومع ذلك كان مجد يهوه،‏ كما عكسه ممثل يهوه الملائكي،‏ عظيما جدا حتى ان جلد وجه موسى صار مشعا ولم يتحمل بنو اسرائيل النظر اليه.‏ —‏ خر ٣٤:‏​٢٩-‏٣٥؛‏ ٢ كو ٣:‏​٧،‏ ١٣‏.‏

جعل اللّٰه موسى وسيط عهد الشريعة مع اسرائيل،‏ وهي مكانة خاصة عند اللّٰه لم يتمتع بها احد سوى يسوع المسيح،‏ وسيط العهد الجديد.‏ وقد اخذ موسى من دم الذبائح الحيوانية ورش كتاب العهد الذي يمثل يهوه،‏ احد «طرفي» العهد،‏ ورش الشعب (‏الممثلين دون شك بالشيوخ)‏ الذين هم «الطرف» الآخر.‏ ثم قرأ كتاب العهد على الشعب الذين اجابوا:‏ «كل ما تكلم به يهوه نفعله ونطيعه».‏ (‏خر ٢٤:‏​٣-‏٨؛‏ عب ٩:‏١٩‏)‏ وبوصفه الوسيط،‏ تمتع موسى بامتياز الاشراف على بناء المسكن وصنع عتاده على اساس النموذج الذي زوده اللّٰه،‏ بالاضافة الى تكريس الكهنوت بمسح المسكن وهارون رئيس الكهنة بزيت من مكونات خاصة.‏ وبعد ذلك اشرف على اولى الخدمات الرسمية للكهنة المكرسين حديثا.‏ —‏ خر الاصحاحات ٢٥-‏٢٩؛‏ لا الاصحاحان ٨،‏ ٩‏.‏

وسيط مناسب:‏ صعد موسى الى جبل حوريب عدة مرات،‏ وقد طال بقاؤه خلال مناسبتين ٤٠ يوما و ٤٠ ليلة.‏ (‏خر ٢٤:‏١٨؛‏ ٣٤:‏٢٨‏)‏ وبعد اولى هاتين المناسبتين عاد حاملا معه لوحَي حجر «مكتوبين بإصبع اللّٰه» يتضمنان «الكلمات العشر» او الوصايا العشر التي تشكل الشرائع الاساسية في عهد الشريعة.‏ (‏خر ٣١:‏١٨؛‏ تث ٤:‏١٣‏)‏ وفي هذه المناسبة الاولى اظهر موسى انه مؤهل تماما ليكون الوسيط بين يهوه وإسرائيل،‏ وليكون قائد هذه الامة العظيمة المؤلفة على الارجح من ثلاثة ملايين نسمة او اكثر.‏ فعندما كان موسى لا يزال على الجبل،‏ قال له يهوه ان الشعب قد تحول الى الصنمية وأضاف:‏ «والآن دعني ليحتدم غضبي عليهم وأفنيهم،‏ وأجعلك انت امة عظيمة».‏ لكن جواب موسى الفوري اظهر ان الشيء الاهم بالنسبة اليه هو تقديس اسم يهوه،‏ مما دل انه مجرد كليا من الانانية ولا يسعى وراء الشهرة.‏ فهو لم يطلب شيئا لنفسه،‏ بل اعرب عن الاهتمام باسم يهوه الذي رُفّع قبل وقت قصير من خلال عجيبة البحر الاحمر،‏ وكان قلقا بشأن وعد اللّٰه لإبراهيم وإسحاق ويعقوب.‏ فقبِل يهوه توسل موسى وعفا عن الشعب.‏ يُرى هنا ان يهوه كان راضيا على دور الوساطة الذي يقوم به موسى،‏ واحترم التدبير الذي جعل فيه موسى وسيطا.‏ وهكذا «تأسف يهوه على السوء الذي قال انه يفعله بشعبه»،‏ اي انه نتيجة تبدل الاوضاع،‏ غيّر موقفه بشأن فعل السوء بهم.‏ —‏ خر ٣٢:‏​٧-‏١٤‏.‏

وغيرة موسى للعبادة الحقة،‏ التي بها ادى خدمته للّٰه،‏ تجلت عندما نزل من الجبل.‏ فعندما رأى المعربدين الصنميين،‏ طرح ارضا اللوحين اللذين انكسرا ثم نادى الذين هم ليهوه،‏ فانضم اليه سبط لاوي.‏ عندئذ امرهم ان يقتلوا الذين انهمكوا في العبادة الباطلة.‏ وأدى ذلك الى قتل نحو ٠٠٠‏,٣ رجل.‏ وبعد ذلك رجع موسى الى يهوه معترفا بخطية الشعب العظيمة،‏ وتوسل قائلا:‏ «والآن إن عفوت عن خطيتهم .‏ .‏ .‏ وإلا فامحني من كتابك الذي كتبته».‏ لم يستإ اللّٰه من توسط موسى لهم،‏ ولكنه اجاب:‏ «الذي اخطأ الي امحوه من كتابي».‏ —‏ خر ٣٢:‏​١٩-‏٣٣‏.‏

كثيرا ما مثّل موسى دور يهوه كطرف في العهد،‏ اذ روج العبادة الحقة الطاهرة ونفذ الاحكام في العصاة.‏ كما انه حال اكثر من مرة دون هلاك الامة،‏ او افراد منها،‏ على يد يهوه.‏ —‏ عد ١٢؛‏ ١٤:‏​١١-‏٢١؛‏ ١٦:‏​٢٠-‏٢٢،‏ ٤٣-‏٥٠؛‏ ٢١:‏٧؛‏ تث ٩:‏​١٨-‏٢٠‏.‏

عدم الانانية،‏ التواضع،‏ والحلم:‏ تركزت اهتمامات موسى على اسم وشعب يهوه.‏ لذلك لم يطلب المجد او الرفعة لنفسه.‏ وعندما استقر روح يهوه على رجلين في المخيم وبدآ يفعلان فعل الانبياء،‏ اراد يشوع مساعد موسى ان يمنعهما لأنه شعر انهما ينتقصان من عظمة موسى وسلطته.‏ لكن موسى اجاب:‏ «أتغار انت لي؟‏ لا تغر.‏ يا ليت كل شعب يهوه انبياء،‏ فيجعل يهوه روحه عليهم!‏».‏ —‏ عد ١١:‏​٢٤-‏٢٩‏.‏

مع ان موسى كان القائد المعين من يهوه على امة اسرائيل العظيمة،‏ ابدى استعداده لقبول المشورة من الآخرين،‏ وخصوصا عندما كانت هذه المشورة تعود بالفائدة على الامة.‏ فبعيد مغادرة الاسرائيليين مصر،‏ اتى يثرون لزيارة موسى جالبا معه زوجة موسى وابنيه.‏ ولاحظ يثرون مدى الجهد الذي يبذله موسى،‏ اذ كان ينهك نفسه بمعالجة مشاكل كل شخص يأتي اليه.‏ لذا اقترح عليه بحكمة تنظيم الامور بحيث يفوض الى اشخاص آخرين مسؤوليات متفاوتة بهدف تخفيف الحمل عنه.‏ سمع موسى نصيحة يثرون وعمل بها،‏ فقسّم الشعب الى ألوف ومئات وخماسين وعشرات،‏ وجعل لكل مجموعة رئيسا يقضي لها.‏ ولم تُحضَر الى موسى سوى الدعاوى الصعبة.‏ ومن الجدير بالملاحظة ايضا ان موسى قال وهو يوضح ليثرون ما كان يفعل:‏ «اذا كانت لهم [للشعب] دعوى،‏ يأتون بها الي فأقضي بين الطرف والآخر،‏ وأعرّفهم احكام اللّٰه وشرائعه».‏ وبهذا اظهر موسى انه يدرك ان واجبه هو القضاء بحسب احكام يهوه لا بحسب افكاره الخاصة،‏ وأن مسؤوليته هي مساعدة الشعب على معرفة وتمييز شرائع اللّٰه.‏ —‏ خر ١٨:‏​٥-‏٧،‏ ١٣-‏٢٧‏.‏

اشار موسى مرارا الى يهوه،‏ لا الى نفسه،‏ بصفته القائد الفعلي.‏ فعندما بدأ الشعب يتذمر بشأن الطعام،‏ قال لهم موسى:‏ «ان تذمركم ليس علينا [موسى وهارون]،‏ بل على يهوه».‏ (‏خر ١٦:‏​٣،‏ ٦-‏٨‏)‏ كما انه عندما خشيت مريم على الارجح ان ينتقص وجود زوجة موسى من مكانتها،‏ اخذت هي وهارون يتكلمان على موسى بغيرة وعدم احترام وينتقدان سلطته.‏ ويُظهر السجل مدى سفاهة كلامهما بقوله عقب ذلك:‏ «اما الرجل موسى فكان حليما جدا اكثر من جميع الناس الذين على وجه الارض».‏ فيبدو ان موسى كان مترددا في ان يفرض عليهما الاعتراف بمركزه،‏ وتحمّل الاساءة بحلم.‏ لكن تحديهما موسى اثار غضب يهوه،‏ لأنه شكل في الحقيقة اهانة ليهوه نفسه.‏ فتولى يهوه الامر هو بنفسه وعاقب مريم عقابا شديدا.‏ وبدافع المحبة لأخته توسط موسى عند اللّٰه لها،‏ اذ صرخ:‏ «اللهم،‏ اشفِها!‏».‏ —‏ عد ١٢:‏​١-‏١٥‏.‏

الطاعة وانتظار يهوه:‏ بقي موسى ينتظر يهوه.‏ ومع انه يدعى مشترع اسرائيل،‏ اعترف ان الشرائع لم تكن منه.‏ ولم يكن موسى رجلا متعسفا يقرر في الامور بحسب معرفته الخاصة.‏ ففي القضايا القانونية التي لم توجد سابقة لها او التي لم يعرف تماما كيف يطبق الشريعة فيها،‏ كان يعرض المسألة امام يهوه لإصدار الحكم.‏ (‏لا ٢٤:‏​١٠-‏١٦،‏ ٢٣؛‏ عد ١٥:‏​٣٢-‏٣٦؛‏ ٢٧:‏​١-‏١١‏)‏ وكان حريصا على تنفيذ الارشادات بدقة.‏ فقد تولى الاشراف عن كثب على الاعمال المعقدة لبناء المسكن وصنع عتاده،‏ اضافة الى لباس الكهنة.‏ يقول السجل:‏ «صنع موسى بحسب كل ما امره يهوه به.‏ هكذا صنع».‏ (‏خر ٤٠:‏١٦‏؛‏ قارن عد ١٧:‏١١‏.‏)‏ وكثيرة هي الاشياء التي يقال انها صُنعت «كما امر يهوه موسى».‏ (‏خر ٣٩:‏​١،‏ ٥،‏ ٢١،‏ ٢٩،‏ ٣١،‏ ٤٢؛‏ ٤٠:‏​١٩،‏ ٢١،‏ ٢٣،‏ ٢٥،‏ ٢٧،‏ ٢٩‏)‏ وحسنٌ للمسيحيين انه فعل ذلك،‏ لأن الرسول بولس يقول ان تلك الامور شكلت «ظلا» ومثالا للاشياء السماوية.‏ —‏ عب ٨:‏٥‏.‏

موسى يعثر:‏ عندما كان الاسرائيليون مخيمين في قادِش،‏ على الارجح في السنة الـ‍ ٤٠ لهيمانهم في البرية،‏ ارتكب موسى خطأ خطيرا.‏ وتأمُّلنا في هذه الحادثة يؤكد لنا ان موسى لم يكن فقط ينعم بمكانة رفيعة،‏ بل ألقيت على عاتقه ايضا مسؤولية ثقيلة جدا امام يهوه كقائد ووسيط للامة.‏ فبسبب نقص في المياه بدأ الشعب يخاصم موسى بمرارة،‏ ملقين اللوم عليه لأنه اخرجهم من مصر وأتى بهم الى برية قاحلة.‏ وكان موسى قد تحمّل الكثير،‏ وصبر على اعوجاج الاسرائيليين وعصيانهم،‏ واحتمل المشقات معهم،‏ وتوسط لهم حين اخطأوا،‏ لكنه فقدَ في لحظة حلمه ووداعته.‏ فوقف موسى وهارون امام الشعب كما امرهما يهوه،‏ وإنما بغضب وبروح مُرة.‏ وبدلا من ان يوجّها الانتباه الى يهوه الذي يزود كل شيء،‏ كلّما الشعب بكلام قاسٍ ووجّها الانتباه الى انفسهما،‏ اذ قال موسى:‏ «اسمعوا ايها المتمردون!‏ أمِنْ هذه الصخرة نُخرج لكم ماء؟‏».‏ ثم ضرب موسى الصخرة،‏ فجعل يهوه الماء يخرج بكميات تكفي الجماعة وقطعانهم.‏ لكن اللّٰه لم يكن راضيا عما فعله موسى وهارون.‏ فهما لم يتمما مسؤوليتهما الاساسية،‏ ألا وهي تعظيم اسم يهوه.‏ لقد ‹عصيَا› يهوه،‏ ‹وفرط موسى بشفتيه›.‏ ثم اصدر يهوه حكمه قائلا:‏ «لأنكما لم تعربا عن الايمان بي لتقدساني امام عيون بني اسرائيل،‏ لذلك لن تُدخلا هذه الجماعة الى الارض التي سأعطيهم اياها».‏ —‏ عد ٢٠:‏​١-‏١٣؛‏ تث ٣٢:‏​٥٠-‏٥٢؛‏ مز ١٠٦:‏​٣٢،‏ ٣٣‏.‏

كاتب:‏ كتب موسى الپانتاتيُك،‏ اي الاسفار الخمسة الاولى في الكتاب المقدس:‏ التكوين،‏ الخروج،‏ اللاويين،‏ العدد،‏ والتثنية.‏ وقد اعترف اليهود طوال تاريخهم بأنه كاتب هذا الجزء من الكتاب المقدس الذي دعوه التوراة او الشريعة.‏ كما انه كثيرا ما قال يسوع والكتّاب المسيحيون ان موسى هو معطي الشريعة.‏ وتُنسب اليه عموما كتابة سفر ايوب و المزمور ٩٠ وعلى الارجح المزمور ٩١‏.‏ —‏ مت ٨:‏٤؛‏ لو ١٦:‏٢٩؛‏ ٢٤:‏٢٧؛‏ رو ١٠:‏٥؛‏ ١ كو ٩:‏٩؛‏ ٢ كو ٣:‏١٥؛‏ عب ١٠:‏٢٨‏.‏

موته ودفنه:‏ مات هارون اخو موسى بعمر ١٢٣ سنة حين كان الاسرائيليون مخيمين عند جبل هور،‏ عند حدود ادوم،‏ في الشهر الخامس للسنة الـ‍ ٤٠ من رحلتهم.‏ فقد اصعد موسى هارون الى الجبل ونزع عنه ثيابه الكهنوتية وألبسها ألعازار ابنه الاكبر الحي وخليفته.‏ (‏عد ٢٠:‏​٢٢-‏٢٩؛‏ ٣٣:‏​٣٧-‏٣٩‏)‏ وبعد نحو ستة اشهر،‏ وصل الاسرائيليون الى سهوب موآب.‏ وهناك،‏ ألقى موسى سلسلة من المحاضرات شرح فيها الشريعة للامة المجتمعة،‏ وتوسّع في التعديلات التي يلزم اجراؤها حين يستقر الاسرائيليون في ارضهم ولا يعودون يعيشون حياة الترحال.‏ وفي الشهر الـ‍ ١٢ من السنة الـ‍ ٤٠ (‏في ربيع سنة ١٤٧٣ ق‌م)‏،‏ اعلن للشعب ان يشوع سيخلفه كقائد للامة بتعيين من يهوه.‏ ثم فُوّض يشوع وقيل له ان يتشجع.‏ (‏تث ٣١:‏​١-‏٣،‏ ٢٣‏)‏ وفي النهاية،‏ بعد انشاد ترنيمة ومباركة الشعب،‏ صعد موسى الى جبل نبو كما امره يهوه،‏ اولا ليرى ارض الموعد من هذا الجبل الذي يشرف عليها،‏ وثانيا ليموت هناك.‏ —‏ تث ٣٢:‏​٤٨-‏٥١؛‏ ٣٤:‏​١-‏٦‏.‏

كان موسى بعمر ١٢٠ سنة حين مات.‏ ويشهد الكتاب المقدس على تمتعه بالقوة الجسدية بهذه الكلمات:‏ «لم تكل عينه ولم تذهب نضارته».‏ وقد دفنه يهوه في مكان لا يزال مجهولا.‏ (‏تث ٣٤:‏​٥-‏٧‏)‏ والسبب على الارجح هو الحؤول دون وقوع الاسرائيليين في فخ العبادة الباطلة بجعل قبره مقاما مقدسا.‏ ومن الواضح ان ابليس اراد استخدام جسد موسى لقصد كهذا،‏ لأن التلميذ المسيحي يهوذا،‏ اخا يسوع المسيح من امه،‏ يذكر:‏ «اما ميخائيل رئيس الملائكة فلما خاصم ابليس مجادلا اياه حول جسد موسى،‏ لم يجسر ان يدينه بكلام مهين،‏ بل قال:‏ ‹لينتهرك يهوه›».‏ (‏يه ٩‏)‏ وقبل دخول كنعان بقيادة يشوع،‏ ناح اسرائيل على موسى ٣٠ يوما.‏ —‏ تث ٣٤:‏٨‏.‏

نبي عرفه يهوه «وجها لوجه»:‏ عندما تحدَّت مريم وهارون سلطة موسى،‏ قال يهوه لهما:‏ «إن كان بينكم نبي ليهوه،‏ فبرؤيا اصير معروفا عنده.‏ في حلم اتكلم معه.‏ اما خادمي موسى فليس هكذا!‏ فهو مؤتمن على كل بيتي.‏ فما الى فم اتكلم معه،‏ وبوضوح لا بالاحاجي،‏ وشبه يهوه يعاين.‏ فلماذا لم تخافا ان تتكلما على خادمي موسى؟‏».‏ (‏عد ١٢:‏​٦-‏٨‏)‏ وتوصف في ختام سفر التثنية مكانة موسى المميزة لدى يهوه بهذه الكلمات:‏ «لم يقم من بعد في اسرائيل نبي مثل موسى،‏ الذي عرفه يهوه وجها لوجه،‏ في جميع الآيات والعجائب التي ارسله يهوه ليعملها في ارض مصر بفرعون وبجميع خدامه وكل ارضه،‏ وفي كل اليد القوية وكل الاعمال المهيبة التي صنعها موسى امام عيون جميع اسرائيل».‏ —‏ تث ٣٤:‏​١٠-‏١٢‏.‏

مع ان موسى لم يرَ يهوه حرفيا قط كما ذُكر آنفا،‏ تمتع بحسب كلمات يهوه بعلاقة مباشرة ودائمة وحميمة به اكثر من اي نبي آخر قبل يسوع المسيح.‏ ويُرى من قول يهوه «فما الى فم اتكلم معه» انه أُتيحت لموسى فرصة شخصية لتبادل الكلام مع اللّٰه (‏بواسطة الملائكة الذين يستطيعون الوقوف في حضرة اللّٰه؛‏ مت ١٨:‏١٠‏)‏.‏ (‏عد ١٢:‏٨‏)‏ وكوسيط لإسرائيل،‏ كان تواصله مع اللّٰه على شكل حوار مستمر بين اثنين.‏ وكان بإمكانه في اي وقت ان يعرض المشاكل التي تؤثر في خير الامة ككل ويتلقى الجواب من اللّٰه.‏ وائتمن يهوه موسى على ‹كل بيته›،‏ واستخدمه ليمثّله شخصيا في تنظيم الامة.‏ (‏عد ١٢:‏٧؛‏ عب ٣:‏​٢،‏ ٥‏)‏ اما الانبياء اللاحقون فكل ما فعلوه هو انهم استمروا يبنون على الاساس الذي وُضع بواسطة موسى.‏

تعامل يهوه مع موسى بطريقة مميزة للغاية بحيث بدا كما لو انه يرى فعليا اللّٰه بعينيه،‏ بدلا من ان ينال رؤيا ذهنية او حلما يسمع فيه اللّٰه يتكلم —‏ الطريقة المعتادة التي يتواصل بها اللّٰه مع انبيائه.‏ وكانت تعاملات يهوه مع موسى حقيقية جدا حتى ان هذا الاخير كان يتصرف كما لو انه يرى «مَن لا يُرى».‏ (‏عب ١١:‏٢٧‏)‏ ومن الواضح ان الانطباع الذي تولد عند موسى مشابه لتأثير رؤيا التجلي في بطرس بعد قرون.‏ فقد كانت الرؤيا حقيقية جدا حتى ان بطرس اخذ يشارك فيها،‏ فتكلم دون ان يدرك ما يقول.‏ (‏لو ٩:‏​٢٨-‏٣٦‏)‏ كما ان الرسول بولس رأى رؤيا بدت له حقيقية جدا،‏ حتى انه قال لاحقا عن نفسه:‏ «أفي الجسد لست اعلم،‏ ام خارج الجسد لست اعلم،‏ اللّٰه يعلم».‏ —‏ ٢ كو ١٢:‏​١-‏٤‏.‏

لا شك ان نجاح يشوع الباهر في جعل الاسرائيليين يستقرون في ارض الموعد اتى الى حد ما نتيجة الصفات الحسنة التي غرسها فيه تدريب موسى ومثاله.‏ فقد كان يشوع خادم موسى «منذ حداثته».‏ (‏عد ١١:‏٢٨‏)‏ ومن الواضح انه كان قائدا للجيش تحت اشراف موسى (‏خر ١٧:‏​٩،‏ ١٠‏)‏،‏ كما لازمه كخادم له خلال احداث كثيرة.‏ —‏ خر ٢٤:‏١٣؛‏ ٣٣:‏١١؛‏ تث ٣:‏٢١‏.‏

يمثّل يسوع المسيح:‏ ذكر يسوع المسيح بوضوح ان موسى كتب عنه،‏ اذ قال لمقاوميه في احدى المناسبات:‏ «لو كنتم تؤمنون بموسى لكنتم تؤمنون بي،‏ لأنه كتب عني».‏ (‏يو ٥:‏٤٦‏)‏ وعندما كان برفقة اثنين من تلاميذه،‏ اخذ ‹يفسر لهما،‏ مبتدئا من موسى وكل الانبياء،‏ ما يختص به في الاسفار المقدسة كلها›.‏ —‏ لو ٢٤:‏​٢٧،‏ ٤٤‏؛‏ انظر ايضا يو ١:‏٤٥‏.‏

احد الامور التي كتبها موسى عن المسيح يسوع هو ما ذكره يهوه نفسه:‏ «اقيم لهم نبيا من وسط اخوتهم مثلك،‏ وأجعل كلامي في فمه،‏ فيكلمهم بكل ما اوصيه به».‏ (‏تث ١٨:‏​١٨،‏ ١٩‏)‏ ولم يترك الرسول بطرس،‏ عند اقتباسه هذه النبوة،‏ مجالا للشك في ان هذه الكلمات كانت تشير الى يسوع المسيح.‏ —‏ اع ٣:‏​١٩-‏٢٣‏.‏

شوهد موسى وإيليا يتحدثان الى يسوع في حادثة التجلي التي سُمح لبطرس ويعقوب ويوحنا بأن يروها.‏ فموسى،‏ بالنسبة الى الرسل الثلاثة،‏ يمثل عهد الشريعة،‏ التنظيم الثيوقراطي للجماعة،‏ إنقاذ الامة،‏ ونقلها بأمان الى ارض الموعد.‏ وهكذا اظهرت الرؤيا ان يسوع المسيح سيقوم بعمل مشابه لعمل موسى،‏ وإنما على نطاق اعظم؛‏ وكذلك ظهور ايليا في الرؤيا اشار الى ان يسوع سيقوم بعمل مماثل لعمل ايليا،‏ وإنما بشكل اوسع.‏ لقد كان واضحا جدا في هذه الحادثة ان ابن اللّٰه هو ‹النبي الاعظم من موسى› وأنه هو الذي يستحق لقب المسيا.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ مثّل موسى وإيليا كلاهما المسيحيين الذين مُسحوا بالروح القدس وبالتالي نالوا رجاء ‹التمجد› مع يسوع.‏ —‏ مت ١٧:‏​١-‏٣؛‏ رو ٨:‏١٧؛‏ رؤ ١١:‏​١-‏٦‏؛‏ انظر «التّجلّي».‏

توجد اوجه شبه بارزة عديدة بين هذين النبيين العظيمين موسى ويسوع المسيح.‏ ففي صغرهما نجا كل واحد من مذبحة كبيرة امر بها الحاكم المتسلط في ايامهما.‏ (‏خر ١:‏٢٢؛‏ ٢:‏​١-‏١٠؛‏ مت ٢:‏​١٣-‏١٨‏)‏ ودعي موسى من مصر مع «بكر» يهوه:‏ امة اسرائيل التي كان موسى قائدها؛‏ كذلك دعي يسوع من مصر بوصفه ابن اللّٰه البكر.‏ (‏خر ٤:‏​٢٢،‏ ٢٣؛‏ هو ١١:‏١؛‏ مت ٢:‏​١٥،‏ ١٩-‏٢١‏)‏ كلاهما صام ٤٠ يوما في برية.‏ (‏خر ٣٤:‏٢٨؛‏ مت ٤:‏​١،‏ ٢‏)‏ وكلاهما اتى باسم يهوه،‏ حتى ان اسم يسوع نفسه يعني «يهوه خلاص».‏ (‏خر ٣:‏​١٣-‏١٦؛‏ مت ١:‏٢١؛‏ يو ٥:‏٤٣‏)‏ كما ‹اعلن› يسوع «اسم يهوه»،‏ شأنه في ذلك شأن موسى.‏ (‏تث ٣٢:‏٣؛‏ يو ١٧:‏​٦،‏ ٢٦‏)‏ وتميَّزا كلاهما بحلمهما وتواضعهما.‏ (‏عد ١٢:‏٣؛‏ مت ١١:‏​٢٨-‏٣٠‏)‏ وامتلكا كلاهما اثباتات مقنعة جدا اظهرت انهما مرسَلان من اللّٰه،‏ اثباتات على شكل عجائب مذهلة من كل نوع،‏ إلا ان يسوع المسيح تفوق على موسى بإقامته الموتى الى الحياة.‏ —‏ خر ١٤:‏​٢١-‏٣١؛‏ مز ٧٨:‏​١٢-‏٥٤؛‏ مت ١١:‏٥؛‏ مر ٥:‏​٣٨-‏٤٣؛‏ لو ٧:‏​١١-‏١٥،‏ ١٨-‏٢٣‏.‏

كان موسى وسيط عهد الشريعة بين اللّٰه وأمة اسرائيل.‏ وكان يسوع وسيط العهد الجديد بين اللّٰه و ‹الامة المقدسة›،‏ «اسرائيل اللّٰه» الروحي.‏ (‏١ بط ٢:‏٩؛‏ غل ٦:‏١٦؛‏ خر ١٩:‏​٣-‏٩؛‏ لو ٢٢:‏٢٠؛‏ عب ٨:‏٦؛‏ ٩:‏١٥‏)‏ وكلاهما ادى دور مشترع وقائد وقاض يدين.‏ (‏خر ١٨:‏١٣؛‏ ٣٢:‏٣٤؛‏ دا ٩:‏٢٥؛‏ مل ٤:‏٤؛‏ مت ٢٣:‏١٠؛‏ يو ٥:‏​٢٢،‏ ٢٣؛‏ ١٣:‏٣٤؛‏ ١٥:‏١٠‏)‏ وكما اؤتُمن موسى على «بيت اللّٰه»،‏ اي امة او جماعة اسرائيل،‏ وكان امينا في خدمته في ذلك البيت،‏ كذلك كان يسوع امينا على بيت اللّٰه الذي بناه بصفته ابن اللّٰه،‏ اي على امة او جماعة اسرائيل الروحي.‏ (‏عد ١٢:‏٧؛‏ عب ٣:‏​٢-‏٦‏)‏ حتى في موتهما يوجد تشابه،‏ اذ ان اللّٰه اخفى جسد موسى ويسوع كليهما.‏ —‏ تث ٣٤:‏​٥،‏ ٦؛‏ اع ٢:‏٣١؛‏ يه ٩‏.‏

نحو اواخر فترة عيش موسى في البرية ٤٠ سنة،‏ فيما كان يرعى قطيع حميه،‏ ظهر له ملاك اللّٰه عجائبيا في لهب وسط عليقة عند سفح جبل حوريب.‏ وهناك فوض يهوه اليه مهمة انقاذ شعبه من مصر.‏ (‏خر ٣:‏​١-‏١٥‏)‏ وهكذا جعل اللّٰه موسى نبيّا وممثلا له،‏ لذا يمكن القول عن موسى انه ممسوح،‏ او «المسيح».‏ ولكن لكي يحظى موسى بهذا الامتياز،‏ كان عليه قبلا ان يتخلى عن «كنوز مصر» ويختار ان «تساء معاملته مع شعب اللّٰه»،‏ مما ألحق به العار.‏ غير ان «عار المسيح» في نظر موسى كان غنى اعظم من كنوز مصر.‏ —‏ عب ١١:‏​٢٤-‏٢٦‏.‏

نجد امرا مشابها في حالة يسوع المسيح.‏ فبحسب اعلان الملاك عند ولادته في بيت لحم،‏ كان يسوع سيصير ‹مخلصا،‏ هو المسيح الرب›.‏ وقد اصبح المسيحَ،‏ او الممسوح،‏ بعدما عمّده النبي يوحنا في نهر الاردن.‏ (‏لو ٢:‏​١٠،‏ ١١؛‏ ٣:‏​٢١-‏٢٣؛‏ ٤:‏​١٦-‏٢١‏)‏ وبعد ذلك صار يعلن انه هو «المسيح»،‏ او المسيا.‏ (‏مت ١٦:‏​١٦،‏ ١٧؛‏ مر ١٤:‏​٦١،‏ ٦٢؛‏ يو ٤:‏​٢٥،‏ ٢٦‏)‏ كما ابقى يسوع المسيح عينه على الجائزة واحتقر الخزي الذي كوّمه عليه البشر،‏ كما فعل موسى قبلا.‏ (‏في ٢:‏​٨،‏ ٩؛‏ عب ١٢:‏٢‏)‏ وفي موسى الاعظم هذا اعتمدت الجماعة المسيحية،‏ اي في يسوع المسيح،‏ النبي والمحرر والقائد المنبإ به.‏ —‏ ١ كو ١٠:‏​١،‏ ٢‏.‏

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة