مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • امام المجمع،‏ ثم الى بيلاطس
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢١

      امام المجمع،‏ ثم الى بيلاطس

      يقترب الليل من نهايته.‏ وبطرس قد انكر يسوع للمرة الثالثة،‏ وأعضاء المجمع قد انهوا محاكمتهم الصوريّة وتفرقوا.‏ إلا انهم،‏ حالما يطلع الفجر يوم الجمعة صباحا،‏ يجتمعون ثانية،‏ وهذه المرة في مجمعهم.‏ وقصدهم على الارجح هو اعطاء مظهر من الشرعية للمحاكمة الليلية.‏ وعندما يؤتى بيسوع ليمثل امامهم يقولون،‏ كما قالوا خلال الليل:‏ «إنْ كنت انت المسيح فقل لنا.‏»‏

      ‏«ان قلت لكم لا تصدقون،‏» يجيب يسوع.‏ «وان سألت لا تجيبونني.‏» ولكنّ يسوع يشير بشجاعة الى هويته،‏ قائلا:‏ «منذ الآن يكون ابن الانسان جالسا عن يمين قوة اللّٰه.‏»‏

      ‏«أفأنت ابن اللّٰه،‏» يريدون جميعهم ان يعرفوا.‏

      ‏«انتم تقولون اني انا هو،‏» يجيب يسوع.‏

      وبالنسبة الى هؤلاء الرجال المصممين على القتل،‏ يكون هذا الجواب كافيا.‏ فهم يعتبرونه تجديفا.‏ «ما حاجتنا بعد الى شهادة،‏» يقولون.‏ «لأننا نحن سمعنا من فمه.‏» لذلك يوثقون يسوع،‏ ويمضون به،‏ ويدفعونه الى الوالي الروماني بيلاطس البنطي.‏

      كان يهوذا،‏ مسلِّم يسوع،‏ يراقب وقائع الجلسة.‏ وعندما يرى ان يسوع قد دين يندم.‏ ولذلك يذهب الى رؤساء الكهنة والشيوخ ليردّ الـ‍ ٣٠ قطعة من الفضة،‏ موضحا:‏ «قد اخطأت اذ سلَّمت دما بريئا.‏»‏

      ‏«ماذا علينا.‏ انت أَبصِرْ،‏» يجيبون بعدم شفقة.‏ فيطرح يهوذا الفضة في الهيكل ويمضي ويحاول ان يخنق نفسه.‏ ولكنّ الغصن الذي يربط به يهوذا الحبلَ ينكسر كما يبدو،‏ فيندفع جسده الى الصخور في الاسفل حيث ينشقّ.‏

      ليس رؤساء الكهنة متأكدين ماذا يفعلون بالفضة.‏ «لا يحل ان نلقيها في الخزانة،‏» يستنتجون،‏ «لأنها ثمن دم.‏» ولذلك،‏ بعد ان يتشاوروا،‏ يشترون بالمال حقل الفخاري مقبرةً للغرباء.‏ وهكذا يسمَّى الحقل «حقل الدم.‏»‏

      لا يزال الوقت باكرا في الصباح عندما يؤخذ يسوع الى دار الولاية.‏ ولكنَّ اليهود الذين رافقوه يرفضون ان يدخلوا لأنهم يعتقدون ان مخالطة كهذه للامم تنجسهم.‏ ولذلك،‏ ليتكيَّف معهم،‏ يخرج بيلاطس.‏ «اية شكاية تقدمون على هذا الانسان،‏» يسأل.‏

      ‏«لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلَّمناه اليك،‏» يجيبون.‏

      وإذ يرغب في تجنب التورط،‏ يجاوب بيلاطس:‏ «خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم.‏»‏

      واذ يكشفون عن نيتهم المهلكة،‏ يدَّعي اليهود:‏ «لا يجوز لنا ان نقتل احدا.‏» وفي الواقع،‏ اذا قتلوا يسوع خلال عيد الفصح فسيسبِّب ذلك على الارجح شغبا عاما،‏ لأن كثيرين يُكِنُّون ليسوع اعتبارا ساميا.‏ أمّا اذا تمكنوا من جعل الرومان يعدمونه بتهمة سياسية فسيتخلصون بذلك من المسؤولية امام الشعب.‏

      وهكذا فان القادة الدينيين،‏ غير ذاكرين محاكمتهم الابكر التي دانوا خلالها يسوع بالتجديف،‏ يلفِّقون الآن تهما مختلفة.‏ فيوجِّهون الاتهام المثلَّث الاجزاء:‏ «اننا وجدنا هذا [١] يفسد الامة و [٢] يمنع ان تعطى جزية لقيصر [٣] قائلا انه هو مسيح ملك.‏»‏

      ان التهمة بادِّعاء يسوع انه ملك هي ما يهم بيلاطس.‏ ولذلك يدخل الى الدار ثانية،‏ يدعو يسوع اليه،‏ ويسأله:‏ «انت ملك اليهود.‏» وبكلمات اخرى،‏ هل خالفت القانون باعلان نفسك ملكا ضد قيصر؟‏

      يريد يسوع ان يعرف كم كان بيلاطس قد سمع عنه،‏ ولذلك يسأل:‏ «أمِنْ ذاتك تقول هذا ام آخرون قالوا لك عني.‏»‏

      يعترف بيلاطس بالجهل عنه وبرغبة في معرفة الحقائق.‏ «ألعلّي انا يهودي،‏» يجاوب.‏ «امتك ورؤساء الكهنة اسلموك اليَّ.‏ ماذا فعلتَ.‏»‏

      لا يحاول يسوع بأية طريقة ان يراوغ على القضية،‏ تلك التي للملكية.‏ والجواب الذي يعطيه يسوع الآن يفاجئ بيلاطس دون شك.‏ لوقا ٢٢:‏٦٦-‏٢٣:‏٣؛‏ متى ٢٧:‏١-‏١١؛‏ مرقس ١٥:‏١؛‏ يوحنا ١٨:‏٢٨-‏٣٥؛‏ اعمال ١:‏١٦-‏٢٠‏.‏

      ▪ لأي قصد يجتمع المجمع ثانية في الصباح؟‏

      ▪ كيف يموت يهوذا،‏ وماذا يجري فعله بالـ‍ ٣٠ قطعة من الفضة؟‏

      ▪ عوضا عن ان يقتلوه هم انفسهم،‏ لماذا يريد اليهود ان يقتل الرومان يسوع؟‏

      ▪ اية تهم يوجِّهها اليهود ضد يسوع؟‏

  • من بيلاطس الى هيرودس والرجوع ثانية
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٢

      من بيلاطس الى هيرودس والرجوع ثانية

      مع ان يسوع لا يحاول ان يخفي عن بيلاطس كونه ملكا،‏ فهو يوضح ان مملكته ليست تهديدا لرومية.‏ «مملكتي ليست من هذا العالم،‏» يقول يسوع.‏ «لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسلَّم الى اليهود.‏ ولكن الآن ليست مملكتي من هنا.‏» وهكذا يعترف يسوع ثلاث مرات بأن له مملكة،‏ مع انها ليست من مصدر ارضي.‏

      ومع ذلك،‏ يلحّ بيلاطس عليه اكثر:‏ «أفأنت اذًا ملك.‏» اي،‏ هل انت ملك ولو لم تكن مملكتك جزءا من هذا العالم؟‏

      يدَع يسوع بيلاطس يعرف انه وصل الى الاستنتاج الصائب،‏ اذ يجيب:‏ «انت تقول اني ملك.‏ لهذا قد ولدتُ انا ولهذا قد أتيت الى العالم لاشهد للحق.‏ كل من هو من الحق يسمع صوتي.‏»‏

      نعم،‏ ان القصد عينه لوجود يسوع على الارض هو ان يشهد «للحق،‏» وخصوصا الحق عن ملكوته.‏ ويسوع مستعد ان يكون امينا لهذا الحق حتى اذا كلَّفه ذلك حياته.‏ ومع ان بيلاطس يسأل:‏ «ما هو الحق،‏» فهو لا ينتظر من اجل ايضاح اضافي.‏ فقد سمع ما فيه الكفاية ليصدر حكما.‏

      ويرجع بيلاطس الى الجمع المنتظِر خارج الدار.‏ ومن الواضح انه اذ يكون يسوع الى جانبه يقول لرؤساء الكهنة والذين معهم:‏ «اني لا اجد علّة في هذا الانسان.‏»‏

      واذ يغضبهم القرار،‏ يشدد الجموع:‏ «انه يهيِّج الشعب وهو يعلّم في كل اليهودية مبتدئا من الجليل الى هنا.‏»‏

      ان تعصب اليهود غير المعقول لا بد انه يدهش بيلاطس.‏ وهكذا،‏ فيما يستمر رؤساء الكهنة والشيوخ في الصياح،‏ يلتفت بيلاطس الى يسوع ويسأل:‏ «أما تسمع كم يشهدون عليك.‏» ومع ذلك،‏ لا يحاول يسوع ان يجيب.‏ ان هدوءه في وجه الشكاوى الشديدة الغضب يجعل بيلاطس يتعجب.‏

      واذ يعلم ان يسوع جليلي،‏ يرى بيلاطس مخرجا له من المسؤولية.‏ فحاكم الجليل،‏ هيرودس انتيباس (‏ابن هيرودس الكبير)‏،‏ هو في اورشليم من اجل الفصح،‏ ولذلك يرسل بيلاطس يسوعَ اليه.‏ وفي وقت ابكر كان هيرودس انتيباس قد قطع رأس يوحنا المعمدان،‏ ثم صار هيرودس مرتعبا عندما سمع عن الاعمال العجائبية التي كان يسوع يصنعها،‏ خائفا ان يكون يسوع فعلا يوحنا الذي اقيم من الاموات.‏

      والآن،‏ يمتلئ هيرودس ابتهاجا لتوقع رؤية يسوع.‏ وذلك ليس لانه مهتم بخير يسوع او يريد ان يقوم بأية محاولة حقيقية ليعلم ان كانت التهم ضده صحيحة ام لا.‏ وبالاحرى،‏ انه فضولي فقط ويرجو ان يرى يسوع يصنع عجيبة ما.‏

      ولكنّ يسوع يرفض اشباع فضول هيرودس.‏ وفي الواقع،‏ اذ يسأله هيرودس،‏ لا يقول كلمة.‏ واذ يخيب املهم،‏ يستهزئ هيرودس وعسكره بيسوع.‏ فيلبسونه لباسا لامعا ويسخرون منه.‏ ثم يردّونه الى بيلاطس.‏ ونتيجة لذلك،‏ فإن هيرودس وبيلاطس،‏ اللذين كانا سابقا عدوَّين،‏ يصيران صديقين جيدين.‏

      وعندما يرجع يسوع يدعو بيلاطس رؤساء الكهنة،‏ عظماء اليهود،‏ والشعب ويقول:‏ «قد قدّمتم اليَّ هذا الانسان كمن يُفسد الشعب.‏ وها انا قد فحصت قدامكم ولم اجد في هذا الانسان علّة مما تشتكون به عليه.‏ ولا هيرودس ايضا.‏ لاني ارسلتكم اليه.‏ وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه.‏ فأنا اؤدّبه وأُطلقه.‏»‏

      وهكذا اعلن بيلاطس مرتين ان يسوع بريء.‏ وهو يتوق الى تحريره،‏ لانه يدرك ان الكهنة اسلموه بسبب الحسد فقط.‏ واذ يستمر بيلاطس في محاولة اطلاق يسوع،‏ ينال دافعا اقوى ايضا الى ذلك.‏ فبينما هو على كرسي ولايته ترسل زوجته رسالة،‏ محرِّضة اياه:‏ «اياك وذلك البار.‏ لاني تألمت اليوم كثيرا في حلم [من اصل الهي كما يتضح] من اجله.‏»‏

      ولكن،‏ كيف يمكن لبيلاطس ان يطلق هذا الرجل البريء،‏ اذ يعرف انه يجب اطلاقه؟‏ يوحنا ١٨:‏٣٦-‏٣٨؛‏ لوقا ٢٣:‏٤-‏١٦؛‏ متى ٢٧:‏١٢-‏١٤،‏ ١٨،‏ ١٩؛‏ ١٤:‏​١،‏ ٢؛‏ مرقس ١٥:‏٢-‏٥‏.‏

      ▪ كيف يجيب يسوع عن السؤال المتعلق بملكيته؟‏

      ▪ ما هو «الحق» الذي قضى يسوع حياته الارضية يشهد له؟‏

      ▪ ما هو حكم بيلاطس،‏ كيف يتجاوب الشعب،‏ وماذا يفعل بيلاطس بيسوع؟‏

      ▪ من هو هيرودس انتيباس،‏ ولماذا يمتلئ ابتهاجا لرؤية يسوع،‏ وماذا يفعل به؟‏

      ▪ لماذا يتوق بيلاطس الى تحرير يسوع؟‏

  • ‏«هوذا الانسان»‏
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٣

      ‏«هوذا الانسان»‏

      اذ يتأثر بسلوك يسوع ويدرك براءته،‏ يتبع بيلاطس طريقة اخرى لكي يطلقه.‏ «لكم عادة،‏» يقول للجموع،‏ «ان اطلق لكم واحدا في الفصح.‏»‏

      وباراباس،‏ القاتل المشهور،‏ محتجز ايضا اسيرا،‏ ولذلك يسأل بيلاطس:‏ «مَن تريدون ان اطلق لكم.‏ باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح.‏»‏

      بتحريض رؤساء الكهنة الذين هيَّجوهم،‏ يطلب الشعب ان يُطلَق باراباس وأما يسوع فليُقتل.‏ ودون استسلام يجيب بيلاطس،‏ سائلا ثانية:‏ «مَن من الاثنين تريدون ان اطلق لكم.‏»‏

      ‏«باراباس،‏» يصرخون.‏

      ‏«فماذا افعل بيسوع الذي يدعى المسيح،‏» يسأل بيلاطس بقلق.‏

      وبصرخة واحدة تُصِمّ الآذان،‏ يجيبون:‏ «ليُصلب.‏» «اصلبه اصلبه.‏»‏

      واذ يعرف انهم يطالبون بموت رجل بريء،‏ يدافع بيلاطس:‏ «فأي شر عمل هذا.‏ اني لم اجد فيه علة للموت.‏ فأنا اؤدبه وأطلقه.‏»‏

      على الرغم من محاولاته،‏ فان الجمع الغضبان،‏ اذ يحثهم قادتهم الدينيون،‏ يواصلون الصياح:‏ «ليُصلب.‏» واذ يجعلهم الكهنة في هياج،‏ يريد الجمع دما.‏ ولنتذكر انه،‏ قبل خمسة ايام فقط،‏ ربما كان البعض منهم بين اولئك الذين رحَّبوا بيسوع في اورشليم كملك!‏ وكل هذا الوقت،‏ اذا كان تلاميذ يسوع حاضرين،‏ يبقون صامتين وغير لافتين الانتباه.‏

      اذ يرى بيلاطس ان مناشداته لا تنفع شيئا بل بالحري يحدث شغب،‏ يأخذ ماء ويغسل يديه قدام الجمع ويقول:‏ «اني بريء من دم هذا البار.‏ أَبصروا انتم.‏» وعندئذ يجيب الشعب:‏ «دمه علينا وعلى اولادنا.‏»‏

      ولذلك،‏ وفقا لمطالبهم —‏ ورغبة في ارضاء الجمع اكثر من فعل ما يعرف انه صواب —‏ يطلق بيلاطس لهم باراباس.‏ ويأخذ يسوع ويعرّيه ثم يجلده.‏ ولم يكن ذلك جلدا عاديا.‏ تصف مجلة الجمعية الطبية الاميركية ممارسة الجلد الرومانية قائلة:‏

      ‏«كانت الاداة المألوفة سوطا قصيرا (‏كرباجا)‏ ذا سيور جلدية متعددة مفردة او مجدَّلة بأطوال مختلفة،‏ تُربط بها على مسافات كرات حديدية صغيرة او قطع حادة الرأس من عظام الخروف.‏ .‏ .‏ .‏ واذ يضرب الجنود الرومان تكرارا ظهر الضحية بكل قوة،‏ تسبب الكرات الحديدية رضوضا عميقة،‏ وتقطع السيور الجلدية وعظام الخروف الجلد والانسجة التي تحت الجلد.‏ ثم،‏ فيما يستمر الجَلْد،‏ تنفلق التمزقات حتى العضلات الهيكلية التحتية وتُنتِج شُرُطا مرتجفة من اللحم النازف.‏»‏

      بعد هذا الضرب المبرِّح،‏ يؤخذ يسوع الى دار الولاية وتُجمع كل الكتيبة.‏ وهناك يكوِّم عليه الجنود مزيدا من المعاملة السيئة بضفر اكليل من شوك وكبسه على رأسه.‏ ويضعون قصبة في يمينه،‏ ويلبسونه ثوب ارجوان،‏ الطراز الذي يلبسه الملوك.‏ ثم يقولون له بسخرية:‏ «السلام يا ملك اليهود.‏» وأيضا،‏ يبصقون عليه ويلطمونه.‏ واذ يأخذون القصبة الصلبة من يده،‏ يستعملونها لضربه على رأسه،‏ غارزين اكثر ايضا الشوك الحاد ‹لإكليله› المذلّ في فروته.‏

      ان وقار وقوة يسوع الرائعين في وجه سوء المعاملة هذا يؤثران جدا في بيلاطس حتى انه يندفع الى صنع محاولة اخرى لتخليصه.‏ «ها انا اخرجه اليكم لتعلموا اني لست اجد فيه علة واحدة،‏» يقول للجموع.‏ وعلى الارجح يتصور ان رؤية حالة عذاب يسوع ستليِّن قلوبهم.‏ واذ يقف يسوع امام الحشد العديم الشفقة،‏ لابسا الاكليل الشوكي والثوب الارجواني ووجهه الدامي منقوش بالألم،‏ يعلن بيلاطس:‏ «هوذا الانسان.‏»‏

      ومع انه مرضوض ومضروب بقسوة،‏ يقف هنا ابرز شخص في كل التاريخ،‏ حقا،‏ اعظم انسان عاش على الاطلاق!‏ نعم،‏ يُظهر يسوع وقارا وهدوءا صامتين ينمّان عن عظمة يجب حتى على بيلاطس ان يعترف بها،‏ لأن كلماته هي كما يظهر مزيج من الاحترام والشفقة على السواء.‏ يوحنا ١٨:‏٣٩-‏١٩:‏٥؛‏ متى ٢٧:‏١٥-‏١٧،‏ ٢٠-‏٣٠؛‏ مرقس ١٥:‏٦-‏١٩؛‏ لوقا ٢٣:‏١٨-‏٢٥‏.‏

      ▪ بأية طريقة يحاول بيلاطس اطلاق يسوع؟‏

      ▪ كيف يحاول بيلاطس ان يبرِّئ نفسه من المسؤولية؟‏

      ▪ ماذا يشمله الجَلْد؟‏

      ▪ كيف استُهزئ بيسوع بعد جلده؟‏

      ▪ اية محاولة اضافية يقوم بها بيلاطس لاطلاق يسوع؟‏

  • تسليمه والمضي به
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٤

      تسليمه والمضي به

      عندما يحاول بيلاطس من جديد،‏ متأثرا بالوقار الهادئ ليسوع المعذَّب،‏ ان يطلقه يصير رؤساء الكهنة اكثر غضبا ايضا.‏ فهم مصممون ان لا يدعوا شيئا يعيق قصدهم الشرير.‏ ولذلك يجدِّدون صراخهم:‏ «اصلبه اصلبه.‏»‏

      ‏«خذوه انتم واصلبوه،‏» يجاوب بيلاطس.‏ (‏بخلاف ادعاءاتهم في وقت ابكر،‏ ربما كانت لدى اليهود سلطة تنفيذ الحكم في المجرمين بسبب الاساءات الدينية التي هي ذات خطورة كافية.‏)‏ ثم،‏ للمرة الخامسة على الاقل،‏ يعلن بيلاطس براءة يسوع،‏ قائلا:‏ «لست اجد فيه علة.‏»‏

      فيلجأ اليهود،‏ اذ يرون ان تهمهم السياسية قد فشلت في اعطاء النتائج،‏ الى تهمة التجديف الدينية التي استُعملت في ساعات ابكر عند محاكمة يسوع امام السنهدريم.‏ «لنا ناموس،‏» يقولون،‏ «وحسب ناموسنا يجب ان يموت لانه جعل نفسه ابن اللّٰه.‏»‏

      هذه التهمة جديدة بالنسبة الى بيلاطس،‏ وتجعله يزداد خوفا.‏ والآن يدرك ان يسوع ليس رجلا عاديا،‏ تماما كما يشير اليه حلم زوجته وقوة شخصية يسوع الجديرة بالملاحظة.‏ ولكن «ابن اللّٰه»؟‏ يعرف بيلاطس ان يسوع هو من الجليل.‏ ولكن،‏ هل من الممكن ان يكون قد عاش من قبل؟‏ واذ يعيده الى الدار من جديد،‏ يسأل بيلاطس:‏ «من اين انت.‏»‏

      يبقى يسوع صامتا.‏ ففي وقت ابكر كان قد اخبر بيلاطس انه ملك،‏ وأن مملكته ليست جزءا من هذا العالم.‏ وما من شرح اضافي سيفي الآن بغرض مفيد.‏ ولكن،‏ يجري جرح كبرياء بيلاطس برفض الاجابة،‏ ويحمى غضبه على يسوع بالكلمات:‏ «أما تكلِّمني.‏ ألست تعلم ان لي سلطانا ان اصلبك وسلطانا ان اطلقك.‏»‏

      ‏«لم يكن لك عليَّ سلطان البتة لو لم تكن قد أُعطيت من فوق،‏» يجاوب يسوع باحترام.‏ وهو يشير الى منح اللّٰه السلطان للحكام البشر ليديروا الشؤون الارضية.‏ ويضيف يسوع:‏ «لذلك الذي اسلمني اليك له خطية اعظم.‏» وفي الواقع،‏ ان رئيس الكهنة قيافا وشركاءه ويهوذا الاسخريوطي جميعا يتحمَّلون مسؤولية اثقل من بيلاطس عن المعاملة غير العادلة ليسوع.‏

      واذ يتأثر اكثر ايضا بيسوع ويخاف من انه ربما يكون من اصل الهي،‏ يجدِّد بيلاطس جهوده لاطلاقه.‏ ولكنّ اليهود يصدّون بيلاطس.‏ ويكررون تهمتهم السياسية،‏ مهدِّدين بمكر:‏ «إن اطلقت هذا فلست محبا لقيصر.‏ كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر.‏»‏

      وعلى الرغم من التلاميح المريعة،‏ يُخرج بيلاطس يسوع مرة اخرى.‏ «هوذا ملككم،‏» يناشد مرة اخرى بعدُ.‏

      ‏«خذه خذه اصلبه.‏»‏

      ‏«أأصلب ملككم،‏» يسأل بيلاطس بيأس.‏

      يتململ اليهود من حكم الرومان.‏ وفي الواقع،‏ يحتقرون سيطرة رومية!‏ ومع ذلك،‏ برياء،‏ يقول رؤساء الكهنة:‏ «ليس لنا ملك إلا قيصر.‏»‏

      واذ يخاف على مركزه السياسي وسمعته،‏ يستسلم بيلاطس اخيرا لطلبات اليهود القاسية المهدِّدة.‏ ويُسلِم يسوع.‏ فينزع العسكر عن يسوع الرداء الارجواني ويلبسونه ثيابه.‏ واذ يمضون بيسوع ليُصلب،‏ يجعلونه يحمل خشبة آلامه.‏

      والآن انه منتصف فترة قبل الظهر ليوم الجمعة في ١٤ نيسان قمري؛‏ وربما يقترب الوقت من الظهر.‏ ويسوع مستيقظ منذ وقت مبكر من صباح يوم الخميس،‏ وقد عانى اختبارا مؤلما تلو الآخر.‏ وعلى نحو مفهوم،‏ تنهار قوته بسرعة تحت ثقل الخشبة.‏ ولذلك يُسخَّر رجل مجتاز،‏ وهو سمعان القيرواني من افريقيا،‏ ليحملها عنه.‏ واذ يسيرون قُدُما،‏ يتبعهم اناس كثيرون،‏ بمن فيهم نساء يَلطمن وينُحن على يسوع.‏

      واذ يلتفت الى النساء،‏ يقول يسوع:‏ «يا بنات اورشليم لا تبكين عليَّ بل ابكين على انفسكن وعلى اولادكن.‏ لانه هوذا ايام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم تُرضع.‏ .‏ .‏ .‏ لانه ان كانوا (‏يفعلون هذه الامور عندما تكون الشجرة رطبة،‏ فماذا سيحدث عندما تكون ذابلة؟‏)‏»‏

      يشير يسوع الى شجرة الامة اليهودية،‏ التي لا يزال فيها بعض رطوبة الحياة بسبب حضور يسوع ووجود بقية تؤمن به.‏ أما عند اخراج هؤلاء من الامة،‏ فسيبقى مجرد شجرة ميتة روحيا،‏ اجل،‏ هيئة قومية يابسة.‏ وكم يكون هناك سبب للبكاء عندما تخرِّب الجيوش الرومانية،‏ اذ تخدم كمنفِّذة لاحكام اللّٰه،‏ الامة اليهودية!‏ يوحنا ١٩:‏٦-‏١٧؛‏ ١٨:‏٣١؛‏ لوقا ٢٣:‏٢٤-‏٣١؛‏ متى ٢٧:‏​٣١،‏ ٣٢؛‏ مرقس ١٥:‏​٢٠،‏ ٢١‏.‏

      ▪ اية تهمة يوجِّهها القادة الدينيون ضد يسوع عندما تفشل تهمهم السياسية في اعطاء النتائج؟‏

      ▪ لماذا يزداد بيلاطس خوفا؟‏

      ▪ من يتحمَّلون الخطية الاعظم لما يحدث ليسوع؟‏

      ▪ اخيرا،‏ كيف يجعل الكهنة بيلاطس يُسلِم يسوع من اجل تنفيذ الحكم؟‏

      ▪ ماذا يقول يسوع للنساء اللواتي يبكين عليه،‏ وماذا يعني بالاشارة الى الشجرة بصفتها «(‏رطبة)‏» ثم «(‏ذابلة)‏»؟‏

  • كَرْب على الخشبة
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٥

      كَرْب على الخشبة

      مع يسوع يؤتى بلصَّين لينفَّذ فيهما الحكم.‏ وليس بعيدا عن المدينة،‏ يتوقف الموكب عن السير في موضع يقال له جلجثة او موضع الجمجمة.‏

      يُجرَّد الأسرى من ثيابهم.‏ ثم تزوَّد خمر ممزوجة بمُرّ.‏ وكما يبدو،‏ فان نساء اورشليم يُعددنها،‏ والرومان لا يحرمون الذين يُعلَّقون من هذا الشراب الذي يسكِّن الالم.‏ ومع ذلك،‏ عندما يذوقها يسوع لا يريد ان يشرب.‏ ولماذا؟‏ من الواضح انه يريد ان يسيطر كاملا على قواه العقلية خلال هذا الامتحان الاعظم لايمانه.‏

      يسوع متمدِّد الآن على الخشبة ويداه موضوعتان فوق رأسه.‏ ثم يدقّ العسكر مسامير كبيرة في يديه وفي رجليه.‏ فيتلوَّى من الألم فيما تثقب المسامير اللحم والاربطة.‏ وعندما تُرفَع الخشبة منتصبة يكون الالم مبرِّحا،‏ لأن ثقل الجسد يمزِّق مكان جروح المسامير.‏ ومع ذلك،‏ عوضا عن ان يهدد،‏ يصلّي يسوع لأجل العسكر الرومان:‏ «يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون.‏»‏

      يضع بيلاطس على الخشبة لافتة تتألف من الكلمات التالية:‏ «يسوع الناصري ملك اليهود.‏» وكما يبدو،‏ يكتب ذلك ليس فقط لأنه يحترم يسوع بل لأنه يكره الكهنة اليهود لانتزاعهم حكم موت يسوع منه.‏ ولكي يقرأ الجميع اللافتة،‏ جعلها بيلاطس تُكتب بثلاث لغات —‏ بالعبرانية،‏ باللاتينية الرسمية،‏ وباليونانية العامة.‏

      ان رؤساء الكهنة،‏ بمن فيهم قيافا وحنَّان،‏ مرتاعون.‏ فهذا الإعلان القاطع يفسد ساعة انتصارهم.‏ ولذلك يعترضون:‏ «لا تكتب ملك اليهود بل ان ذاك قال انا ملك اليهود.‏» واذ يغتاظ من ان يخدم كأداة للكهنة،‏ يجيب بيلاطس باحتقار واضح:‏ «ما كتبت قد كتبت.‏»‏

      يجتمع الكهنة الآن،‏ بالاضافة الى جمع كبير،‏ في موضع تنفيذ الحكم،‏ ويحاول الكهنة ان يدحضوا شهادة اللافتة.‏ فيكرِّرون الشهادة الزائفة التي أُعطيت في وقت ابكر في محاكمات السنهدريم.‏ ولذلك ليس مدهشا ان يجدِّف المجتازون وهم يهزّون رؤوسهم بسخرية،‏ قائلين:‏ «يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة ايام خلِّص نفسك.‏ إن كنت ابن اللّٰه فانزل عن الصليب.‏»‏

      ‏«خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر ان يخلِّصها،‏» يتدخَّل رؤساء الكهنة وأصدقاؤهم الدينيون.‏ «إن كان هو ملك اسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به.‏ قد اتكل على اللّٰه فلينقذه الآن إن اراده.‏ لأنه قال انا ابن اللّٰه.‏»‏

      إذ يتأثرون بالموقف العقلي هذا،‏ يستهزئ العسكر ايضا بيسوع.‏ وبسخرية يقدِّمون له خلاًّ،‏ ممسكين بذلك كما يبدو على مسافة من شفتيه الظَمِئتين.‏ «إن كنت انت ملك اليهود،‏» يُعيِّرون،‏ «فخلِّص نفسك.‏» وحتى اللصَّان —‏ واحد معلَّق عن يمين يسوع،‏ وآخر عن يساره —‏ يهزأان به.‏ فكِّروا في ذلك!‏ ان اعظم انسان عاش على الإطلاق،‏ نعم،‏ ذاك الذي اشترك مع يهوه اللّٰه في خلق كل الاشياء،‏ يعاني بعزم ثابت كل هذه الاساءة!‏

      يأخذ العسكر ثياب يسوع ويقسمونها الى اربعة اقسام.‏ ويُلقون قرعة ليروا لمن ستكون هذه.‏ أما القميص فهو بغير خياطة،‏ لكونه ذا نوعية ممتازة.‏ ولذلك يقول العسكر بعضهم لبعض:‏ «لا نشقُّه بل نقترع عليه لمن يكون.‏» وهكذا،‏ دون ان يعلموا،‏ يتمِّمون الكتاب القائل:‏ «اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة.‏»‏

      وفي حينه يقدِّر احد اللصَّين انه لا بد ان يكون يسوع ملكا حقا.‏ ولذلك،‏ اذ ينتهر رفيقه،‏ يقول:‏ «أَوَلا انت تخاف اللّٰه اذ انت تحت هذا الحكم بعينه.‏ أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا.‏ وأما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محلِّه.‏» ثم يخاطب يسوع،‏ «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك.‏»‏

      ‏«الحق اقول لك اليوم،‏» يجيب يسوع،‏ «ستكون معي في الفردوس.‏» وهذا الوعد سيتمّ عندما يحكم يسوع ملكا في السماء ويقيم فاعل الشر التائب هذا الى الحياة على الارض في الفردوس الذي يكون للناجين من هرمجدون ورفقائهم امتياز الاعتناء به.‏ متى ٢٧:‏٣٣-‏٤٤؛‏ مرقس ١٥:‏٢٢-‏٣٢؛‏ لوقا ٢٣:‏​٢٧،‏ ٣٢-‏٤٣‏،‏ ع‌ج؛‏ يوحنا ١٩:‏١٧-‏٢٤‏.‏

      ▪ لماذا لا يريد يسوع ان يشرب الخمر الممزوجة بمُرّ؟‏

      ▪ كما يبدو،‏ لماذا توضع لافتة على خشبة يسوع،‏ وأية منازعة تُبدئها بين بيلاطس ورؤساء الكهنة؟‏

      ▪ اية اساءة اضافية ينالها يسوع على الخشبة،‏ وماذا يثيرها كما يتضح؟‏

      ▪ كيف تتمّ النبوة في ما يجري فعله بثياب يسوع؟‏

      ▪ اي تغيير يصنعه احد اللصَّين،‏ وكيف سيتمِّم يسوع طلبه؟‏

  • ‏«حقا كان هذا ابن اللّٰه»‏
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٦

      ‏«حقا كان هذا ابن اللّٰه»‏

      لم يكن قد مضى على يسوع وقت طويل على الخشبة حين تقع،‏ عند الظهر،‏ ظلمة غامضة طوال ثلاث ساعات.‏ ان كسوف الشمس ليس السبب،‏ لأنه يحدث وقت الهلال فقط،‏ والقمر هو بدر وقت الفصح.‏ وعلاوة على ذلك،‏ ان كسوف الشمس يدوم بضع دقائق فقط.‏ ولذلك فان الظلمة هي من مصدر الهي!‏ وهي على الارجح تجعل الذين يهزأون بيسوع يتوقفون ويفكرون،‏ حتى انها تسبِّب انقطاع تعييراتهم.‏

      اذا وقعت هذه الظاهرة الغريبة قبل ان يعنِّف احدُ فاعلَي الشر رفيقه ويطلب من يسوع ان يذكره،‏ فقد تكون عاملا في توبته.‏ وربما في اثناء الظلمة تشق اربع نساء طريقهن الى قرب خشبة الآلام،‏ وهن امّ يسوع وأختها سالومة،‏ مريم المجدلية،‏ ومريم امّ الرسول يعقوب الصغير.‏ ويوحنا،‏ رسول يسوع الحبيب،‏ معهن هناك.‏

      كم يُطعَن قلب امّ يسوع فيما تشاهد الابن،‏ الذي ارضعته وربَّته،‏ معلَّقا هناك يقاسي ألما شديدا!‏ وعلى الرغم من ذلك،‏ يفكِّر يسوع،‏ لا في ألمه،‏ بل في خيرها.‏ وبجهد كبير،‏ يومئ برأسه الى يوحنا ويقول لأمه:‏ «يا امرأة هوذا ابنك.‏» ثم،‏ اذ يومئ برأسه الى مريم،‏ يقول ليوحنا:‏ «هوذا امك.‏»‏

      بذلك يعهد يسوع في عناية امه،‏ التي كما يتضح هي الآن ارملة،‏ الى رسوله الحبيب على نحو خصوصي.‏ ويفعل ذلك لأن اولاد مريم الآخرين لم يُظهروا حتى الآن ايمانا به.‏ وهكذا يرسم مثالا جيدا في تزويد لا حاجات امه الجسدية فقط بل الروحية ايضا.‏

      ونحو الساعة الثالثة بعد الظهر،‏ يقول يسوع:‏ «انا عطشان.‏» ويشعر يسوع كما لو ان اباه نزع الحماية عنه لكي تُمتحن استقامته الى اقصى حد.‏ ولذلك يصرخ بصوت عظيم:‏ «الهي الهي لماذا تركتني.‏» وعندما يسمعون ذلك يقول قوم واقفون بالقرب منه:‏ «هوذا ينادي ايليا.‏» وللوقت يركض واحد منهم ويسقيه،‏ واضعا إسفنجة ملآنة خلاًّ على طرف زوفا.‏ ولكن يقول آخرون:‏ «اتركوا.‏ لنرَ هل يأتي ايليا ليُنزله.‏»‏

      وعندما يأخذ يسوع الخلَّ يصرخ:‏ «قد أُكمل.‏» نعم،‏ لقد انهى كل ما ارسله ابوه الى الارض ليفعله.‏ وأخيرا،‏ يقول:‏ «يا ابتاه في يديك استودع روحي.‏» وبذلك يسلِّم يسوع قوة حياته الى اللّٰه واثقا بأن اللّٰه سيعيدها اليه من جديد.‏ ثم ينكِّس رأسه ويموت.‏

      حالما يلفظ يسوع نفسَه الاخير تقع زلزلة عنيفة،‏ فتنشق الصخور.‏ والهزة قوية حتى ان القبور التذكارية خارج اورشليم تنفتح عنوة وتُطرح منها الجثث.‏ والمجتازون،‏ الذين يرون الاجساد الميتة التي انكشفت،‏ يدخلون المدينة ويخبرون بذلك.‏

      وعلاوة على ذلك،‏ في اللحظة التي يموت فيها يسوع،‏ ينشق الحجاب الكبير،‏ الذي يفصل القدس عن قدس الاقداس في هيكل اللّٰه،‏ الى اثنين،‏ من فوق الى اسفل.‏ وكما يظهر،‏ فإن هذا الحجاب المزخرف على نحو جميل يبلغ ارتفاعه نحو ٦٠ قدما (‏١٨ م)‏ وهو ثقيل جدا!‏ والعجيبة المذهلة لا تُظهر فقط غضب اللّٰه على قاتلي ابنه بل تدل ان الطريق الى قدس الاقداس،‏ السماء عينها،‏ يصير الآن ممكنا بموت يسوع.‏

      عندما يشعر الناس بالزلزلة ويرون ما يحدث يخافون جدا.‏ وقائد المئة المشرف على الاعدام يمجِّد اللّٰه.‏ «حقا كان هذا ابن اللّٰه،‏» يعلن.‏ وعلى الارجح كان حاضرا عندما جرت مناقشة الادِّعاء بالبنوَّة الالهية وقت محاكمة يسوع امام بيلاطس.‏ والآن هو مقتنع بأن يسوع هو ابن اللّٰه،‏ نعم،‏ انه حقا اعظم انسان عاش على الاطلاق.‏

      وثمة آخرون ايضا تبهرهم هذه الحوادث العجائبية،‏ فيبدأون بالرجوع الى بيوتهم قارعين صدورهم،‏ اشارة الى حزنهم وخزيهم الشديدين.‏ وتراقب المنظر من بعيد تلميذات كثيرات ليسوع فتثير مشاعرهن بعمق هذه الحوادث المهمة.‏ والرسول يوحنا ايضا حاضر.‏ متى ٢٧:‏٤٥-‏٥٦؛‏ مرقس ١٥:‏٣٣-‏٤١؛‏ لوقا ٢٣:‏​٤٤-‏٤٩؛‏ ٢:‏​٣٤،‏ ٣٥؛‏ يوحنا ١٩:‏٢٥-‏٣٠‏.‏

      ▪ لماذا لا يمكن ان يكون كسوف الشمس السبب لثلاث ساعات من الظلمة؟‏

      ▪ قبل موته بمدة وجيزة،‏ اي مثال جيد يزوِّده يسوع لذوي الوالدين المسنين؟‏

      ▪ ما هي العبارات الاربع الاخيرة ليسوع قبل ان يموت؟‏

      ▪ ماذا تنجز الزلزلة،‏ وما هو مغزى انشقاق حجاب الهيكل الى اثنين؟‏

      ▪ كيف يتأثر قائد المئة المشرف على الاعدام بالعجائب؟‏

  • يُدفَن الجمعة —‏ قبر فارغ الاحد
    اعظم انسان عاش على الاطلاق
    • الفصل ١٢٧

      يُدفَن الجمعة —‏ قبر فارغ الاحد

      الآن هو وقت متأخر من يوم الجمعة بعد الظهر،‏ والسبت في ١٥ نيسان قمري سيبتدئ عند الغروب.‏ وجسد يسوع الميت يتدلى مرتخيا على الخشبة،‏ إلا ان اللصَّين الى جانبه لا يزالان على قيد الحياة.‏ وبعد ظهر يوم الجمعة يدعى الاستعداد لأن الناس يعدُّون وجبات الطعام ويتمّمون اي عمل ملحّ آخر لا يمكن تأجيله الى ما بعد السبت.‏

      والسبت الذي يوشك ان يبدأ ليس مجرد سبت عادي (‏اليوم السابع من الاسبوع)‏ بل ايضا سبت مزدوج او «عظيم.‏» وهو يدعى هكذا لأن ١٥ نيسان قمري،‏ الذي هو اول يوم من الايام السبعة لعيد الفطير (‏وهو دائما سبت مهما كان اليوم من الاسبوع الذي يصادفه)‏،‏ يقع في يوم السبت العادي نفسه.‏

      ووفقا لشريعة اللّٰه،‏ لا يجب ان تُترك الاجساد معلَّقة على خشبة طوال الليل.‏ ولذلك يطلب اليهود من بيلاطس تعجيل موت اللذين حُكم عليهما بكسر سيقانهما.‏ وهكذا يكسر العسكر سيقان اللصَّين.‏ ولكن،‏ اذ يتضح ان يسوع قد مات،‏ لا تُكسر ساقاه.‏ وهذا يتمم الكتاب القائل:‏ «عظم لا يُكسَر منه.‏»‏

      ولكن،‏ لازالة ايّ شك في ان يسوع قد مات حقا،‏ يطعن واحد من العسكر جنبه بحربة.‏ فتخترق الحربة ناحية قلبه،‏ وللوقت يخرج دم وماء.‏ والرسول يوحنا،‏ الذي هو شاهد عيان،‏ يخبر ان ذلك يتمم كتابا آخر:‏ «سينظرون الى الذي طعنوه.‏»‏

      ويوسف الذي من الرامة،‏ عضو حسن السمعة في السنهدريم،‏ يكون ايضا حاضرا عند تنفيذ الحكم.‏ وقد رفض الموافقة على اجراء المحكمة العليا غير العادل ضد يسوع.‏ ويوسف هو في الواقع تلميذ ليسوع،‏ مع انه كان يخاف من تحديد هويته بهذه الصفة.‏ ولكنه،‏ الآن،‏ يتجاسر ويذهب الى بيلاطس ليطلب جسد يسوع.‏ فيدعو بيلاطس قائد المئة المسؤول،‏ وبعد ان يؤكِّد قائد المئة ان يسوع ميت،‏ يقوم بيلاطس بتسليم الجثة.‏

      يأخذ يوسف الجسد ويكفّنه بكتان نقي استعدادا للدفن.‏ ويساعده نيقوديموس،‏ عضو آخر في السنهدريم.‏ ونيقوديموس ايضا فشل في الاقرار بايمانه بيسوع بسبب الخوف من ان يخسر منصبه.‏ لكنه الآن يجلب مزيجا يحتوي على نحو مئة مَنًا من المر والعود الباهظ الثمن.‏ فيُلفّ جسد يسوع بأكفان تحتوي على هذين الطيبين،‏ كما لليهود عادة ان يكفّنوا.‏

      ثم يوضع الجسد في القبر التذكاري الجديد ليوسف المنحوت في صخرة في البستان القريب.‏ وأخيرا،‏ يُدحرج حجر كبير امام القبر.‏ ولانجاز الدفن قبل السبت،‏ يجري الاسراع في إعداد الجسد.‏ ولذلك تهرع مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب الصغير،‏ اللتان ربما كانتا تساعدان في الإعداد،‏ الى البيت لإعداد مزيد من الحنوط والاطياب.‏ وبعد السبت،‏ تخططان لمعالجة جسد يسوع اكثر لكي تحفظاه لفترة اطول من الوقت.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة