احداث منفصلون عن العالم
١ تزداد الضغوط على العائلة حول العالم. فنحن نعيش في ازمنة صعبة، وإذ تتأملون في ٢ تيموثاوس ٣:١-٥ تجدون ان الكثير من علامات الايام الاخيرة يجري الاعراب عنها داخل العائلات.
٢ لا شك ان ابليس يضغط على الآباء والابناء اكثر. وهو يستعمل «هواء» يتنشقه الناس. انه الموقف السائد للانانية والعصيان الذي يعكسه العالم البعيد عن اللّٰه. (افسس ٢:٢) وهدف ابليس ان لا يبقى المسيحي منفصلا عن العالم، ان يصير جزءا منه. (يوحنا ١٧:١٤) ويتعاون الاحداث والآباء المسيحيون ليحفظوا انفسهم بلا دنس من العالم. (يعقوب ١:٢٧) كيف؟
٣ احداث يحبون البر ويبغضون الشر: يعتبر الاحداث المسيحيون كونهم في الحق بركة. فقد تحرروا من اعمال الجسد وصاروا يعربون عن ثمار الروح. (غلاطية ٥:١٩-٢٣) ومعاشراتهم المؤسسة على الكتاب المقدس تجعلهم يتمتعون بعلاقات سلام ومحبة في مجتمع تسود فيه روح التمرد والانانية والكبرياء وعدم الولاء. وهم يقدرون هذه البركات ويلمسون نتائجها في حياتهم. ولكنَّ خطر تنشق روح العالم لا يزال موجودا. فأية امور يلزم الانتباه اليها كي لا يصيروا جزءا من العالم؟
٤ اذ يستمر الحدث المسيحي في تنمية بغض الشر لا يشعر بأنه ينقصه شيء جدير بالاهتمام. فكل ما هو خارج الجماعة المسيحية من شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، هو زائل. (١ يوحنا ٢:١٥-١٧) فلماذا التوق الى امور عالم يتجه نحو الدمار؟
٥ قال احد الكتبة: «الجزء الاكبر من الجنس البشري يستعملون سنواتهم الاولى ليجعلوا الاخيرة شقية.» فعندما يبدد الحدث طاقاته وقدراته الجسدية بطريقة تجعل سنوات الرشد اصعب تكون حداثته وشبابه باطلين حقا. (امثال ٢٢:٣) ولذلك لا يشعر الحدث المسيحي بأنه مقيَّد لامتناعه عن العديد من ممارسات العالم. فالذين يخالفون مبادئ الكتاب المقدس في حداثتهم يحصدون لاحقا الشقاوة والالم والمرض والموت المبكر. — غلاطية ٦:٧، ٨.
٦ ان النشوء في بيت مسيحي ليس كافيا لجعل الاحداث قادرين على مقاومة ضغوط هذا العالم والبقاء منفصلين عنه. فهم يحتاجون ايضا الى الاقتناع شخصيا بكلمة اللّٰه، والى الاقتناع بأنهم مسؤولون امام اللّٰه عن اعمالهم. — جامعة ١١:٩.
٧ ويعرف الحدث المسيحي ان ابليس اختار حواء الاصغر والاقل خبرة من آدم ليخدعها. وزيَّن لها الاكل من الثمرة ليبدو جذابا وغير مؤذ. وأوهمها انها تفقد شيئا ممتعا بلا لزوم. (تكوين ٣:١-٦) لذلك لا يستخفَّ الحدث بأساليب الشيطان الماكرة متوهما انها لا يمكن ان تؤثر فيه.
٨ على سبيل المثال، يعتبر الكثير من الاحداث المواعدة مجرد شكل بريء من التسلية يمكِّن الشبان من ان يتعرفوا بأعضاء من الجنس الآخر على اساس صريح، ولكنَّ العادة في الحقيقة مفعمة بالمخاطر الادبية. اعترفت فتاة عمرها ١٨ سنة تواعدت بانتظام وصارت حبلى: «بعد المواعدة ببعض الوقت يصبح امساك اليدين والتقبيل مبتذلا.» وتقول فتاة اخرى عمرها ١٧ سنة: «ينمو التقبيل والمعانقة الى ان اصبح بحاجة شديدة الى جعل الشاب يمارس الحب معي.» — قارنوا امثال ٦:٢٧، ٢٨.
٩ ويحاول العالم الضغط على الاحداث في مجال اللباس ومماشاة العصر كي يصيروا جزءا منه. ان طريقة لباسنا تعكس شخصيتنا، ما نحن عليه في الداخل. اذًا، علينا ان لا نفرط في الاهتمام بالطراز والرغبة في السطوع. ومن ناحية اخرى، لا نهمل مظهرنا مرتدين ثيابا غير مرتبة. وسنجد دائما حلا وسطا نتمسك به دون ان نكون محافظين جدا او عصريين جدا، وبهذه الطريقة تكون زينتنا الحقيقية «زينة الروح الوديع الهادئ الذي هو قدام اللّٰه كثير الثمن.» — ١ بطرس ٣:٣، ٤.
١٠ كيف يمكن ان يساعد الآباء؟ الآباء المسيحيون المحبون يدركون حاجة الاحداث اليهم الآن اكثر من ايّ وقت مضى. صحيح ان مشاكل العمل، المشاكل المالية، البطالة، وغيرها صارت اكثر إلا انهم لا يهملون عائلاتهم. (١ تيموثاوس ٥:٨) ومسؤولياتهم تبدأ قبل ان يصير اولادهم احداثا. فكيف يمكن ان يساعد الآباء على جعل اولادهم منفصلين عن العالم؟ بالتدريب الروحي منذ الصغر. وفي ما يلي مجموعة من الاسئلة والاجوبة التي تهم الآباء.
١١ ألا يظهر الآباء المحبة بتأمين الطعام، اللباس، والبيت للولد؟ بلى، وغالبا ما يعني ذلك سنوات من التضحية بالنسبة الى الآباء. ولكنَّ تزويد المحبة يفوق في الاهمية تزويد الطعام. (قارنوا امثال ١٥:١٧.) فالاولاد يتغذون بالعاطفة — كلمات حنان، معانقة دافئة، تربيتة على الظهر، او ببساطة ‹انا فخور بك!›
١٢ كيف يمكنكم اظهار المحبة لولد يسيء التصرف؟ ليس ذلك سهلا. ولكنَّ الكتاب المقدس يشدد على ان نكون ‹متعاطفين بعضنا مع بعض.› (١ بطرس ٣:٨، ترجمة تفسيرية ) وغالبا ما تكون هنالك اسباب غير ظاهرة تجعل الولد يتصرف كجزء من العالم بسلوك رديء. مثلا، بدأ صبي يتمرد في المدرسة. فاهتم الاب بالمسألة وقضى ساعات من الحديث مع الصبي واستمرت العائلة في اظهار الاهتمام الحبي به. وأخيرا اخبرهم بالمشكلة: كان رفاقه يهزأون به بسبب الآلة المساعدة على السمع التي يضعها. فكان التمرد رد فعل عنده. لكنَّ سلوك الولد تحسن بعد مناقشات دافئة عديدة. وغالبا ما يكون التثبط، الغيرة، الغضب المكبوت، والخوف دافعا الى السلوك الرديء.
١٣ كيف يستطيع الوالدون ان يعرفوا ان ثمة ما يزعج ابنهم؟ المشاعر والافكار، نواياه الحقيقية، تكمن في قلبه كمياه في بئر عميقة. واستخراجها صعب! «المشورة [قصد المرء او نواياه] في قلب الرجل مياه عميقة وذو الفطنة يستقيها.» (امثال ٢٠:٥) ويتطلب الامر اسئلة فطينة لمعرفة سبب تمرده، أهو تمرد عمدي ام نابع من خيبة. ويمكن استعمال اسئلة مثل: (١) هل انت على ما يرام؟ (٢) أتشعر بأني اظلمك؟ لماذا؟ (٣) أتعاني من مشاكل في المدرسة؟ (٤) هل انت تحت ضغط كبير؟ (٥) أتشعر بالحزن وحسب؟ (٦) هل امورك على ما يرام مع اصدقائك؟ (٧) أتشعر بأنني اتوقع منك الكثير جدا؟ (٨) أأستطيع ان اساعد بطريقة ما؟
١٤ هل الطريقة التي يتحدث بها الآباء مع الابناء مهمة حقا؟ نعم، انها مهمة جدا. عندما سئلت فتاة لماذا تتمنى الموت اجابت: «آنذاك انعم بالسلام ولا تصرخ امي في وجهي كل الوقت.» (قارنوا امثال ١٢:١٨.) المدح يبني ويشجع. اما الصراخ فيسبب كبت المشاعر والتمرد والشعور بالخجل.
١٥ هل المحبة تعني السماح دائما للحدث بأن يفعل او يحصل على ما يريد؟ يعتقد البعض ذلك. وهم يريدون ان يحبهم اولادهم. «أتحبني،» يقول الولد بدلال، «اذًا اشترِ لي لعبة.» وعندما يكبر يصبح الطلب: «دعني اسهر كما اشاء،» «دعني اعاشر من احب.» لكنَّ المحبة تقوِّم وتصحِّح. ولا يجب ان يحجم الوالدون عن التأديب اللازم. فبعض الوالدين الذين يريدون الاحتفاظ بصداقة ولدهم مهما كلف الامر يميلون الى التغاضي عن فعل الخطإ، مقللين من خطورته، ويصيرون متأثرين بتساهل العالم. أما الوالد المحب فهو الذي يمنح التأديب الملائم حسب الحاجة. (امثال ١٣:٢٤) ويرغب بعض الآباء في اعطاء اولادهم كل ما لم يتمتعوا هم به في صغرهم، حرية دون تأديب، لعبا كثيرة، دراهم سخية، وغير ذلك. ولكن سرعان ما يدركون ان حياة الاكتفاء لا تنتج من مقتنيات المرء. (لوقا ١٢:١٥) ومِن الآباء مَن يدللون اولادهم. ويتجاهلون القاعدة العملية القائلة ان العطايا يجب ان تتناسب مع قدرة نائلها على استعمالها. (متى ٢٥:١٥) والمال الذي سيصرف بغير حكمة ليس هبة جيدة. فهو هبة تؤدي اخيرا الى الحزن، لانها تنتج الميل الى عدم تحمل المسؤولية.
١٦ في اية امور يجب ان يكون الآباء حازمين؟ كونوا حازمين بشأن تناول ولدكم الطعام المغذي لان الاطعمة الناقصة الغذاء تعيق نموه الجسدي. ولا تدعوا ولدكم يغذي عقله «بالنفايات،» كعروض التلفزيون، الافلام، والمجلات التي تبرز العنف والفساد الادبي. والخطر الاعظم هو المعاشرات الرديئة. انه واجبكم ان تقطعوا هذه المعاشرات. وهذا يتطلب التأديب، ولكن عندما تستبدلونها بمعاشرات جيدة، او تجعلون نشاطاتكم العائلية ممتعة اكثر، يصير عملكم اسهل بكثير، ويبقى ولدكم منفصلا عن العالم.
١٧ في ايّ سن مبكرة ينمي الولد احساسا بالخير والشر؟ قد لا ينمي ذلك الاحساس ابدا من تلقاء نفسه. والكتاب المقدس يشير الى ان الصبي لا يعرف «(كيف) يرفض الشر ويختار الخير.» — اشعياء ٧:١٦.
١٨ كيف يمكن تعليم الولد ذلك؟ يجب بلوغ القلب. ويجب ان ينمي دافعا داخليا خاصا به لكي «يرفض الشر ويختار الخير.» ولذلك اضافة الى ‹التأديب› يجب ان ‹يربي› الآباء اولادهم بحسب ‹انذار› يهوه. (افسس ٦:٤) وهذا يتطلب وضع معلومات في فكر الولد تمس قلبه. ويجب ان تدفعه في الطريق الصحيح وتحذره من الاخطار المقبلة.
١٩ كيف يجعل الآباء تدريب اولادهم اسهل؟ الآباء المخلصون مهتمون بتدريب اولادهم. ويكون ذلك اسهل عليهم اذا كانوا يمتحنون مؤهلاتهم دائما ويبذلون جهدا قانونيا ليصيروا اكثر كفاءة. واذا رسموا هم المثال واتخذوا هم الحق بجدية. فالولد يمتحن دائما ابويه ويكيِّف مسلكه مع ما يلاحظه. ويستريح اكثر عندما يكون ابواه ثابتين في قواعدهما. ليس ضروريا ان يكون الآباء متعلمين اكثر من اولادهم لينجحوا في تدريبهم. فالابناء يندفعون الى الاستفادة من تدريب آبائهم اذ يلاحظون محبة الآباء لهم، اخلاصهم، علاقتهم القوية بهم وخبرتهم الوافرة.
٢٠ كيف يمكن ان ينجح الآباء اكثر في تعليم اولادهم؟ باستعمال اساليب جذابة. يقول اب لاربعة اولاد: «عندما كان اولادنا صغارا كنا نزحف معهم على الارض، نقرع القدور، نضع اواني المطبخ على رؤوسنا كخوذات لنمثل ادوار شخصيات شهيرة من الكتاب المقدس. وقد احب الاولاد ذلك.» وعندما كبروا كيَّف الابوان اساليب التعليم، لكنها ظلَّت تثير خيالهم ورغبتهم في التعلُّم. وببذل الجهد لمعرفة ما في قلب الولد، وفهم مشاعره وقلبه، وبالتقمص العاطفي، واستعمال الاسئلة، والاصغاء اليه، وبالتحلي بالصبر يبلغ الآباء قلوب اولادهم وينجحون اكثر في جعلهم يحبون الحق وينفصلون عن العالم.
٢١ لا الآباء كاملون ولا الاولاد. فهم على السواء يرتكبون اخطاء يندمون عليها. والكتاب المقدس يظهر مسؤولية الآباء اذ يقول: «ربِّ الولد في طريقه فمتى شاخ ايضا لا يحيد عنه.» (امثال ٢٢:٦) والجزء الاخير من هذه الآية يجعل بعض الآباء، اذا حاد الولد لاحقا، يشعرون بالذنب. ولكنَّ هذه الآية هي جزء من نصائح سفر الامثال للآباء والابناء. وهذا السفر يطلب من الاولاد ان ‹يسمعوا،› ‹يخبئوا،› ‹لا ينسوا،› ‹يحفظوا،› ‹يصغوا الى،› و ‹لا يتركوا› وصايا وتأديب آبائهم. (امثال ١:٨؛ ٢:١؛ ٣:١؛ ٤:١؛ ٦:٢٠) وفي الواقع، ان المشورة المقدمة للاولاد في هذا السفر فقط هي اربعة اضعاف المشورة المقدَّمة للآباء. اذًا، يتحمَّل الاولاد ايضا مسؤولية تطبيق المشورة المعطاة لهم.
٢٢ يقترب هذا النظام من نهايته وتزداد ضغوط الشيطان. ويشعر الآباء والابناء المسيحيون بالحاجة الى الالتفات الى مشورة الكتاب المقدس. فاللّٰه يقدم لنا هذه المشورة لخيرنا. (اشعياء ٣٠:٢٠، ٢١) واذ يتبعونها لا يتنشقون روح العالم ويطمئن الآباء ان اولادهم منفصلون عنه. وبوحدة عائلية يتطلعون جميعا الى التمتع ببركات نظامه الجديد.