بَعْدَمَا يُنْكِرُ بُطْرُسُ مُعَلِّمَهُ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّالِثَةِ،‏ يَكُونُ ٱللَّيْلُ قَدْ أَوْشَكَ أَنْ يَنْتَهِيَ.‏ وَفِي تِلْكَ ٱلْأَثْنَاءِ،‏ يُنْهِي أَعْضَاءُ ٱلسَّنْهَدْرِيمِ مُحَاكَمَتَهُمُ ٱلصُّوَرِيَّةَ وَيَتَفَرَّقُونَ.‏ ثُمَّ يَجْتَمِعُونَ ثَانِيَةً فَجْرَ يَوْمِ ٱلْجُمْعَةِ لِيُعْطُوا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ طَابِعًا مِنَ ٱلشَّرْعِيَّةِ عَلَى ٱلْمُحَاكَمَةِ غَيْرِ ٱلْقَانُونِيَّةِ ٱلَّتِي عَقَدُوهَا لَيْلًا.‏ فَيُحْضِرُونَ يَسُوعَ لِيَمْثُلَ أَمَامَهُمْ.‏

وَمَرَّةً جَدِيدَةً،‏ يَسْأَلُهُ ٱلْقُضَاةُ:‏ «إِنْ كُنْتَ ٱلْمَسِيحَ،‏ فَقُلْ لَنَا».‏ فَيُجِيبُهُمْ:‏ «إِنْ قُلْتُ لَكُمْ،‏ لَا تُصَدِّقُونَ أَبَدًا.‏ وَإِنْ سَأَلْتُكُمْ،‏ لَا تُجِيبُونَ أَبَدًا».‏ غَيْرَ أَنَّهُ يُكْمِلُ وَيُشِيرُ إِلَى نَفْسِهِ بِشَجَاعَةٍ أَنَّهُ هُوَ مَنْ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِ ٱلنُّبُوَّةُ فِي دَانِيَال ٧:‏١٣‏.‏ يَذْكُرُ:‏ «مُنْذُ ٱلْآنَ يَكُونُ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ ٱلْقَدِيرَةِ».‏ —‏ لوقا ٢٢:‏​٦٧-‏٦٩؛‏ متى ٢٦:‏٦٣‏.‏

لٰكِنَّهُمْ مُصِرُّونَ أَنْ يُوقِعُوهُ،‏ فَيَسْأَلُونَهُ:‏ «أَأَنْتَ إِذًا ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟‏».‏ فَيُجِيبُهُمْ:‏ «أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَقُولُونَ إِنِّي هُوَ».‏ عِنْدَئِذٍ يَحْصُلُونَ عَلَى مُبَرِّرٍ مَعْقُولٍ لِيَتَّهِمُوهُ بِٱلتَّجْدِيفِ،‏ فَيَقُولُونَ:‏ «مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شَهَادَةٍ؟‏».‏ (‏لوقا ٢٢:‏​٧٠،‏ ٧١؛‏ مرقس ١٤:‏٦٤‏)‏ فَيُقَيِّدُونَهُ وَيَسُوقُونَهُ إِلَى ٱلْحَاكِمِ ٱلرُّومَانِيِّ بُنْطِيُوسَ بِيلَاطُسَ.‏

وَلَرُبَّمَا يَرَاهُ يَهُوذَا ٱلْإِسْخَرْيُوطِيُّ فِي هٰذِهِ ٱلْأَثْنَاءِ.‏ وَعِنْدَمَا يُدْرِكُ أَنَّ يَسُوعَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِٱلْمَوْتِ،‏ يَشْعُرُ بِنَوْعٍ مِنَ ٱلنَّدَمِ وَٱلْيَأْسِ.‏ وَلٰكِنْ بَدَلَ أَنْ يَتُوبَ تَوْبَةً صَادِقَةً وَيَسْأَلَ ٱللّٰهَ ٱلْغُفْرَانَ،‏ يَذْهَبُ لِيُرْجِعَ ٱلـ‍ ٣٠ قِطْعَةً مِنَ ٱلْفِضَّةِ.‏ وَيَقُولُ لِكِبَارِ ٱلْكَهَنَةِ:‏ «أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَارًّا».‏ لٰكِنَّهُمْ يُجِيبُونَهُ بِأَعْصَابٍ بَارِدَةٍ:‏ «وَمَا هَمُّنَا نَحْنُ؟‏ هٰذَا شَأْنُكَ أَنْتَ!‏».‏ —‏ متى ٢٧:‏٤‏.‏

إِذَّاكَ يُلْقِي قِطَعَ ٱلْفِضَّةِ فِي ٱلْهَيْكَلِ،‏ وَيَزِيدُ إِثْمًا فَوْقَ إِثْمِهِ إِذْ يُحَاوِلُ أَنْ يَشْنُقَ نَفْسَهُ.‏ إِلَّا أَنَّ ٱلْغُصْنَ ٱلَّذِي يَعْقِدُ عَلَيْهِ حَبْلَ ٱلْمِشْنَقَةِ يَنْقَطِعُ كَمَا يَبْدُو،‏ فَيَقَعُ عَلَى ٱلصُّخُورِ تَحْتَهُ وَيَنْشَقُّ جَسَدُهُ.‏ —‏ اعمال ١:‏​١٧،‏ ١٨‏.‏

أَمَّا يَسُوعُ فَيُسَاقُ إِلَى قَصْرِ بُنْطِيُوسَ بِيلَاطُسَ فِيمَا لَا يَزَالُ ٱلْوَقْتُ صُبْحًا.‏ لٰكِنَّ ٱلْيَهُودَ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَهُ يَرْفُضُونَ أَنْ يَدْخُلُوا ٱلْقَصْرَ.‏ فَهُمْ يَعْتَبِرُونَ أَنَّ ٱحْتِكَاكًا كَهٰذَا مَعَ ٱلْأُمَمِيِّينَ يُدَنِّسُهُمْ،‏ فَلَا يَعُودُونَ قَادِرِينَ أَنْ يَتَنَاوَلُوا ٱلْفِصْحَ فِي ١٥ نِيسَانَ ٱلْقَمَرِيِّ،‏ أَيْ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَوَّلِ مِنْ عِيدِ ٱلْفَطِيرِ ٱلْمُعْتَبَرِ جُزْءًا مِنْ مَوْسِمِ ٱلْفِصْحِ.‏

يَخْرُجُ بِيلَاطُسُ وَيَسْأَلُهُمْ:‏ «أَيَّةَ تُهْمَةٍ تُورِدُونَ عَلَى هٰذَا ٱلْإِنْسَانِ؟‏».‏ فَيُجِيبُونَ:‏ «لَوْ لَمْ يَكُنْ هٰذَا فَاعِلَ سُوءٍ،‏ لَمَا كُنَّا سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ».‏ لَعَلَّ بِيلَاطُسَ يَشْعُرُ أَنَّهُمْ يَضْغَطُونَ عَلَيْهِ،‏ فَيَقُولُ:‏ «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَحَاكِمُوهُ بِحَسَبِ شَرِيعَتِكُمْ».‏ عِنْدَئِذٍ يَكْشِفُ ٱلْيَهُودُ عَنْ نَوَايَاهُمُ ٱلْإِجْرَامِيَّةِ إِذْ يَرُدُّونَ:‏ «لَاَ يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا».‏ —‏ يوحنا ١٨:‏​٢٩-‏٣١‏.‏

فَفِي وَاقِعِ ٱلْأَمْرِ،‏ إِذَا قَتَلُوا يَسُوعَ خِلَالَ عِيدِ ٱلْفِصْحِ،‏ فَسَيُهَيِّجُونَ ٱلشَّعْبَ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ.‏ وَلٰكِنْ إِذَا أَلْصَقُوا بِهِ تُهْمَةً سِيَاسِيَّةً وَحَرَّضُوا ٱلرُّومَانَ أَنْ يُمَارِسُوا صَلَاحِيَّاتِهِمْ وَيَقْتُلُوهُ،‏ يَكُونُ ٱلرُّومَانُ فِي ٱلْوَاجِهَةِ،‏ أَمَّا هُمْ فَيُبَرِّئُونَ سَاحَتَهُمْ.‏

مِنْ هٰذَا ٱلْمُنْطَلَقِ،‏ لَا يَأْتِي ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ عَلَى ذِكْرِ تُهْمَةِ ٱلتَّجْدِيفِ ٱلَّتِي أَلْصَقُوهَا بِيَسُوعَ،‏ بَلْ يَخْتَلِقُونَ تُهَمًا جَدِيدَةً.‏ فَيَقُولُونَ:‏ «وَجَدْنَا هٰذَا (‏١)‏ يُفْسِدُ أُمَّتَنَا،‏ (‏٢)‏ وَيَنْهَى عَنْ دَفْعِ ٱلضَّرَائِبِ لِقَيْصَرَ،‏ (‏٣)‏ وَيَقُولُ إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ».‏ —‏ لوقا ٢٣:‏٢‏.‏

بِمَا أَنَّ بِيلَاطُسَ يُمَثِّلُ رُومَا،‏ فَمِنَ ٱلطَّبِيعِيِّ أَنْ تُقْلِقَهُ ٱلْفِكْرَةُ أَنَّ يَسُوعَ يَدَّعِي بِأَنَّهُ مَلِكٌ.‏ فَيَدْخُلُ مُجَدَّدًا إِلَى قَصْرِهِ وَيَدْعُو يَسُوعَ وَيَسْأَلُهُ:‏ «أَأَنْتَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟‏».‏ وَهُوَ بِذٰلِكَ كَأَنَّمَا يَسْأَلُ:‏ ‹هَلْ تَكْسِرُ قَوَانِينَ ٱلْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ وَتُعْلِنُ نَفْسَكَ مَلِكًا مُنَافِسًا لِقَيْصَرَ؟‏›.‏ فَيَرُدُّ:‏ «أَمِنْ عِنْدِكَ تَقُولُ هٰذَا،‏ أَمْ آخَرُونَ أَخْبَرُوكَ عَنِّي؟‏».‏ (‏يوحنا ١٨:‏​٣٣،‏ ٣٤‏)‏ وَلَرُبَّمَا يَسْأَلُ سُؤَالَهُ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَعْرِفَ مَاذَا سَمِعَ بِيلَاطُسُ عَنْهُ.‏

غَيْرَ أَنَّ بِيلَاطُسَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا عَنْهُ،‏ لٰكِنَّهُ يَرْغَبِ فِي ذٰلِكَ.‏ فَيَقُولُ:‏ «أَأَنَا يَهُودِيٌّ؟‏ أُمَّتُكَ وَكِبَارُ ٱلْكَهَنَةِ سَلَّمُوكَ إِلَيَّ.‏ مَاذَا فَعَلْتَ؟‏».‏ —‏ يوحنا ١٨:‏٣٥‏.‏

يَسُوعُ مِنْ جِهَتِهِ لَا يُحَاوِلُ ٱللَّفَّ وَٱلدَّوَرَانَ وَتَمْيِيعَ ٱلْمَوْضُوعِ ٱلرَّئِيسِيِّ،‏ أَلَا وَهُوَ مَوْضُوعُ ٱلْمُلْكِ،‏ فَيُجِيبُ ٱلْحَاكِمَ مُبَاشَرَةً عَنْ سُؤَالِهِ؛‏ يُجِيبُهُ جَوَابًا مَا كَانَ لِيَتَوَقَّعَهُ أَلْبَتَّةَ .‏ .‏ .‏

لَا يُحَاوِلُ يَسُوعُ أَنْ يُخْفِيَ عَلَى بِيلَاطُسَ أَنَّهُ مَلِكٌ بِٱلْفِعْلِ.‏ وَلٰكِنْ هٰذَا لَا يَعْنِي أَنَّ مَمْلَكَتَهُ تُشَكِّلُ تَهْدِيدًا لِرُومَا.‏ فَهُوَ يَقُولُ:‏ «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ.‏ لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي جُزْءًا مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ،‏ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْلَا أُسَلَّمَ إِلَى ٱلْيَهُودِ.‏ وَلٰكِنَّ مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هُنَا».‏ (‏يوحنا ١٨:‏٣٦‏)‏ صَحِيحٌ أَنَّ يَسُوعَ يَتَكَلَّمُ عَنْ مَمْلَكَةٍ،‏ لٰكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ.‏

غَيْرَ أَنَّ بِيلَاطُسَ لَا يَكْتَفِي بِهٰذَا ٱلْجَوَابِ،‏ فَيَسْأَلُ:‏ «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟‏».‏ فَيُبَيِّنُ لَهُ يَسُوعُ أَنَّهُ تَوَصَّلَ إِلَى ٱلِٱسْتِنْتَاجِ ٱلصَّحِيحِ.‏ يُجِيبُهُ:‏ «أَنْتَ نَفْسُكَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ.‏ لِهٰذَا وُلِدْتُ،‏ وَلِهٰذَا أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ،‏ لِأَشْهَدَ لِلْحَقِّ.‏ كُلُّ مَنْ هُوَ إِلَى جَانِبِ ٱلْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي».‏ —‏ يوحنا ١٨:‏٣٧‏.‏

لَقَدْ سَبَقَ لِلْمَسِيحِ أَنْ قَالَ لِتُومَا:‏ «أَنَا ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ».‏ وَٱلْآنَ حَتَّى بِيلَاطُسُ بَاتَ يَعْرِفُ أَنَّ ٱلْقَصْدَ مِنْ إِرْسَالِ يَسُوعَ إِلَى ٱلْأَرْضِ هُوَ أَنْ يَشْهَدَ «لِلْحَقِّ»،‏ تَحْدِيدًا ٱلْحَقَّ عَنْ مَمْلَكَتِهِ.‏ وَيَسُوعُ مُصَمِّمٌ أَنْ يَبْقَى أَمِينًا لِهٰذَا ٱلْحَقِّ وَلَوْ دَفَعَ حَيَاتَهُ ثَمَنًا لِذٰلِكَ.‏ بَعْدَئِذٍ يَسْأَلُ بِيلَاطُسُ:‏ «وَمَا هُوَ ٱلْحَقُّ؟‏».‏ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ جَوَابًا.‏ فَبِرَأْيِهِ أَصْبَحَ لَدَيْهِ مَا يَكْفِي مِنَ ٱلْمُعْطَيَاتِ لِيُصْدِرَ حُكْمًا عَلَى هٰذَا ٱلرَّجُلِ.‏ —‏ يوحنا ١٤:‏٦؛‏ ١٨:‏٣٨‏.‏

إِذَّاكَ يُطِلُّ ٱلْحَاكِمُ مِنْ جَدِيدٍ عَلَى ٱلْجَمْعِ ٱلْوَاقِفِ خَارِجَ ٱلْقَصْرِ.‏ وَعَلَى مَا يَبْدُو،‏ يَكُونُ يَسُوعُ وَاقِفًا إِلَى جَانِبِهِ حِينَ يَقُولُ لِكِبَارِ ٱلْكَهَنَةِ وَمَنْ مَعَهُمْ:‏ «لَا أَجِدُ جُرْمًا عَلَى هٰذَا ٱلْإِنْسَانِ».‏ لٰكِنَّ ٱلْجَمْعَ يَشْتَعِلُونَ غَضَبًا حِينَ يَسْمَعُونَ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ وَيَقُولُونَ:‏ «إِنَّهُ يُثِيرُ ٱلشَّعْبَ إِذْ يُعَلِّمُ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ كُلِّهَا،‏ مُبْتَدِئًا مِنَ ٱلْجَلِيلِ إِلَى هُنَا».‏ —‏ لوقا ٢٣:‏​٤،‏ ٥‏.‏

لَا بُدَّ أَنَّ بِيلَاطُسَ يَقِفُ مَدْهُوشًا أَمَامَ هٰذَا ٱلتَّعَصُّبِ ٱلْأَعْمَى.‏ وَبَيْنَمَا كِبَارُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ يَصْرُخُونَ،‏ يَسْأَلُ بِيلَاطُسُ يَسُوعَ:‏ «أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟‏».‏ (‏متى ٢٧:‏١٣‏)‏ غَيْرَ أَنَّهُ يَبْقَى سَاكِتًا وَلَا يُجِيبُ بِشَيْءٍ.‏ فَيَتَفَاجَأُ بِيلَاطُسُ كَثِيرًا مِنْ هُدُوئِهِ رَغْمَ ٱلتُّهَمِ ٱلنَّارِيَّةِ ٱلَّتِي يُرْمَى بِهَا.‏

لٰكِنَّ عِبَارَةَ ٱلْيَهُودِ أَنَّ يَسُوعَ ‹ٱبْتَدَأَ مِنَ ٱلْجَلِيلِ› تَلْفِتُ ٱنْتِبَاهَ بِيلَاطُسَ.‏ فَيَسْتَنْتِجُ عِنْدَئِذٍ أَنَّ يَسُوعَ جَلِيلِيٌّ.‏ فَيَسْتَغِلُّ هٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَةَ عَسَاهُ يَنْجَحُ فِي ٱلتَّهَرُّبِ مِنْ وَرْطَتِهِ.‏ فَهِيرُودُسُ أَنْتِيبَاسُ (‏اِبْنُ هِيرُودُسَ ٱلْكَبِيرِ)‏ هُوَ حَاكِمُ ٱلْجَلِيلِ،‏ وَهُوَ فِي أُورُشَلِيمَ خِلَالَ مَوْسِمِ ٱلْفِصْحِ هٰذَا.‏ لِذَا يُرْسِلُ بِيلَاطُسُ يَسُوعَ إِلَيْهِ.‏ وَتَجْدُرُ ٱلْإِشَارَةُ أَنَّ هِيرُودُسَ أَنْتِيبَاسَ هُوَ مَنْ قَطَعَ رَأْسَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ.‏ وَلَاحِقًا عِنْدَمَا سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ يَصْنَعُ عَجَائِبَ تَمَلَّكَهُ ٱلْقَلَقُ،‏ إِذْ ظَنَّ أَنَّهُ يُوحَنَّا ٱلْمُقَامُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ.‏ —‏ لوقا ٩:‏​٧-‏٩‏.‏

وَٱلْآنَ يَفْرَحُ حِينَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَرَاهُ.‏ وَٱلسَّبَبُ فِي ذٰلِكَ لَيْسَ أَنَّهُ يُرِيدُ مُسَاعَدَتَهُ أَوْ تَقَصِّيَ ٱلْحَقِيقَةِ لِيَعْرِفَ هَلِ ٱلتُّهَمُ ٱلْمُوَجَّهَةُ إِلَيْهِ صَحِيحَةٌ،‏ بَلْ لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ «يَرْجُو أَنْ يَرَى آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ».‏ (‏لوقا ٢٣:‏٨‏)‏ لٰكِنَّ يَسُوعَ لَا يُشْبِعُ فُضُولَهُ.‏ حَتَّى إِنَّهُ لَا يُجِيبُهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَمَا يُوَجِّهُ إِلَيْهِ ٱلْأَسْئِلَةَ.‏ فَيَخِيبُ أَمَلُ هِيرُودُسَ وَجُنُودِهِ وَيُعَامِلُونَهُ ‹بِٱزْدِرَاءٍ›.‏ (‏لوقا ٢٣:‏١١‏)‏ فَيُلْبِسُونَهُ ثَوْبًا مُتَأَلِّقًا وَيَهْزَأُونَ بِهِ.‏ ثُمَّ يُرْجِعُهُ هِيرُودُسُ إِلَى بِيلَاطُسَ.‏ وَمُنْذُ ذٰلِكَ ٱلْحِينِ،‏ أَصْبَحَ هِيرُودُسُ وَبِيلَاطُسُ صَدِيقَيْنِ بَعْدَمَا كَانَا عَدُوَّيْنِ.‏

عِنْدَمَا يَعُودُ يَسُوعُ،‏ يَجْمَعُ بِيلَاطُسُ كِبَارَ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلرُّؤَسَاءَ ٱلْيَهُودَ وَٱلشَّعْبَ وَيَقُولُ:‏ «أَنَا قَدِ ٱسْتَجْوَبْتُهُ أَمَامَكُمْ،‏ فَلَمْ أَجِدْ فِي هٰذَا ٱلْإِنْسَانِ أَسَاسًا لِلشَّكَاوَى ٱلَّتِي تُقَدِّمُونَهَا عَلَيْهِ.‏ وَلَا هِيرُودُسُ وَجَدَ،‏ لِأَنَّهُ أَرْجَعَهُ إِلَيْنَا.‏ وَهَا إِنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ شَيْئًا يَسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتَ.‏ فَسَأُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ».‏ —‏ لوقا ٢٣:‏​١٤-‏١٦‏.‏

بِيلَاطُسُ مِنْ جِهَتِهِ رَاغِبٌ بِشِدَّةٍ أَنْ يُطْلِقَ سَرَاحَ يَسُوعَ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ ٱلْكَهَنَةَ سَلَّمُوهُ حَسَدًا.‏ وَمَا يَزِيدُهُ تَصْمِيمًا عَلَى تَحْرِيرِهِ هُوَ أَنَّ زَوْجَتَهُ تُرْسِلُ إِلَيْهِ فِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ قَائِلَةً:‏ «إِيَّاكَ وَهٰذَا ٱلْبَارَّ،‏ لِأَنِّي تَأَلَّمْتُ ٱلْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلْمٍ [مِنْ مَصْدَرٍ إِلٰهِيٍّ كَمَا يَبْدُو] بِسَبَبِهِ».‏ —‏ متى ٢٧:‏١٩‏.‏

إِذًا بِيلَاطُسُ مُقْتَنِعٌ بِبَرَاءَةِ ٱلْمَسِيحِ وَيُرِيدُ إِطْلَاقَ سَرَاحِهِ.‏ وَلٰكِنْ كَيْفَ عَسَاهُ يَفْعَلُ ذٰلِكَ؟‏

سَبَقَ لِبِيلَاطُسَ أَنْ قَالَ لِلْجَمْعِ:‏ «لَمْ أَجِدْ فِي هٰذَا ٱلْإِنْسَانِ أَسَاسًا لِلشَّكَاوَى ٱلَّتِي تُقَدِّمُونَهَا عَلَيْهِ.‏ وَلَا هِيرُودُسُ وَجَدَ».‏ (‏لوقا ٢٣:‏​١٤،‏ ١٥‏)‏ وَٱلْآنَ أَيْضًا يُحَاوِلُ إِنْقَاذَهُ،‏ وَلٰكِنْ بِأُسْلُوبٍ مُخْتَلِفٍ.‏ فَيَقُولُ لِلشَّعْبِ:‏ «لَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي ٱلْفِصْحِ.‏ أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ؟‏».‏ —‏ يوحنا ١٨:‏٣٩‏.‏

يَعْرِفُ بِيلَاطُسُ أَنَّ هُنَاكَ سَجِينًا آخَرَ يُدْعَى بَارَابَاسَ،‏ هُوَ لِصٌّ وَقَاتِلٌ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْفِتْنَةِ.‏ فَيَسْأَلُ:‏ «مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ:‏ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ؟‏».‏ وَلٰكِنْ بِمَا أَنَّ كِبَارَ ٱلْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَلَّبُوا ٱلشَّعْبَ عَلَى يَسُوعَ،‏ يَطْلُبُ ٱلْجَمْعُ أَنْ يُطْلَقَ بَارَابَاسُ.‏ غَيْرَ أَنَّ بِيلَاطُسَ يُكَرِّرُ سُؤَالَهُ:‏ «أَيَّ ٱلِٱثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟‏».‏ فَيَصِيحُونَ:‏ «بَارَابَاسَ».‏ —‏ متى ٢٧:‏​١٧،‏ ٢١‏.‏

إِذَّاكَ يَضْطَرِبُ بِيلَاطُسُ وَيَسْأَلُ:‏ «مَاذَا أَفْعَلُ إِذًا بِيَسُوعَ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ؟‏».‏ فَيَصْرُخُ ٱلشَّعْبُ غَيْرَ آبِهِينَ لِبَرَاءَةِ يَسُوعَ:‏ «لِيُعَلَّقْ عَلَى خَشَبَةٍ!‏».‏ (‏متى ٢٧:‏٢٢‏)‏ فَيَحْتَجُّ بِيلَاطُسُ قَائِلًا:‏ «وَأَيَّ أَمْرٍ رَدِيءٍ فَعَلَ هٰذَا؟‏ لَمْ أَجِدْ فِيهِ مَا يَسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتَ.‏ فَسَأُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ».‏ —‏ لوقا ٢٣:‏٢٢‏.‏

وَلٰكِنْ رَغْمَ مُحَاوَلَاتِهِ ٱلْمُتَكَرِّرَةِ،‏ لَا يَكُفُّ ٱلْجَمْعُ ٱلْغَاضِبُ يَصْرُخُ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ:‏ «لِيُعَلَّقْ عَلَى خَشَبَةٍ!‏».‏ (‏متى ٢٧:‏٢٣‏)‏ مَنْ أَوْصَلَهُمْ إِلَى هٰذِهِ ٱلْحَالَةِ ٱلْهِسْتِيرِيَّةِ؟‏ مَنْ حَوَّلَهُمْ أَشْخَاصًا مُتَعَطِّشِينَ لِلدِّمَاءِ؟‏ إِنَّهُمُ ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ.‏ وَٱلْأَبْشَعُ أَنَّ ٱلْجَمْعَ لَا يُطَالِبُ بِمَوْتِ مُجْرِمٍ أَوْ قَاتِلٍ،‏ إِنَّمَا إِنْسَانٍ بَرِيءٍ ٱسْتُقْبِلَ مُنْذُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فَقَطِ ٱسْتِقْبَالَ مُلُوكٍ فِي أُورُشَلِيمَ.‏ وَأَيْنَ هُمْ تَلَامِيذُهُ خِلَالَ هٰذِهِ ٱلْمِحْنَةِ؟‏ فِي حَالِ كَانُوا حَاضِرِينَ،‏ هُمُ ٱلْآنَ سَاكِتُونَ كَيْ لَا يَلْفِتُوا ٱلْأَنْظَارَ.‏

يَرَى بِيلَاطُسُ أَنَّ مَسَاعِيَهُ لَا تَنْفَعُ،‏ بَلْ بِٱلْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ بَيْنَ ٱلْجَمْعِ.‏ فَيَأْخُذُ مَاءً وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ أَمَامَ عُيُونِهِمْ،‏ وَيَقُولُ لَهُمْ:‏ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هٰذَا ٱلرَّجُلِ.‏ فَٱنْظُرُوا أَنْتُمْ فِي ٱلْأَمْرِ».‏ فَهَلْ يُهَدِّئُ ذٰلِكَ مِنْ رَوْعِهِمْ؟‏ إِطْلَاقًا!‏ بَلْ يُجِيبُونَهُ:‏ «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلَادِنَا».‏ —‏ متى ٢٧:‏​٢٤،‏ ٢٥‏.‏

صَحِيحٌ أَنَّ ٱلْحَاكِمَ مُقْتَنِعٌ بِبَرَاءَةِ يَسُوعَ،‏ لٰكِنَّهُ لَا يُرِيدُ إِغْضَابَ ٱلْجَمْعِ.‏ لِذَا يُطْلِقُ بَارَابَاسَ لِلرَّعَاعِ نُزُولًا عِنْدَ طَلَبِهِمْ،‏ ثُمَّ يَأْمُرُ بِخَلْعِ ثِيَابِ يَسُوعَ وَجَلْدِهِ.‏

وَبَعْدَمَا يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَيُعَذَّبُ،‏ يَأْخُذُهُ ٱلْجُنُودُ إِلَى قَصْرِ ٱلْحَاكِمِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ ٱلْعَسْكَرُ وَيَرُوحُونَ يُهِينُونَهُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ.‏ فَيَضْفِرُونَ تَاجًا مِنْ شَوْكٍ وَيَكْبِسُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَيَضَعُونَ قَصَبَةً فِي يَدِهِ ٱلْيُمْنَى وَيُلْبِسُونَهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا كَمَا يَلْبَسُ ٱلْمُلُوكُ.‏ ثُمَّ يَقُولُونَ لَهُ بِٱسْتِهْزَاءٍ:‏ «سَلَامٌ لَكَ يَا مَلِكَ ٱلْيَهُودِ!‏».‏ (‏متى ٢٧:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ وَلَيْسَ هٰذَا فَحَسْبُ،‏ بَلْ يَبْصُقُونَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَيَلْطِمُونَهُ عَلَى وَجْهِهِ.‏ ثُمَّ يَأْخُذُونَ مِنْهُ ٱلْقَصَبَةَ ٱلصَّلْبَةَ وَيَضْرِبُونَهُ بِهَا عَلَى رَأْسِهِ،‏ فَيَنْغَرِزُ «تَاجُ» ٱلْمَذَلَّةِ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ.‏

غَيْرَ أَنَّ يَسُوعَ يُحَافِظُ عَلَى قُوَّةٍ وَثَبَاتٍ ٱسْتِثْنَائِيَّيْنِ رَغْمَ كُلِّ مَا يَتَعَرَّضُ لَهُ.‏ فَيَتَأَثَّرُ بِيلَاطُسُ كَثِيرًا وَيُحَاوِلُ مُجَدَّدًا أَنْ يُبَرِّئَ ذِمَّتَهُ وَيُخْلِيَ سَبِيلَ يَسُوعَ.‏ فَيَقُولُ:‏ «هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَا أَجِدُ فِيهِ ذَنْبًا».‏ فَلَعَلَّهُ يَظُنُّ أَنَّ ٱلْجَمْعَ سَيَلِينُ وَيَعْفُو عَنْ يَسُوعَ إِذَا أَخْرَجَهُ وَهُوَ مَجْرُوحٌ وَيَنْزِفُ.‏ وَحِينَ يَقِفُ يَسُوعُ أَمَامَ ٱلرَّعَاعِ ٱلْمُتَحَجِّرِينَ،‏ يَقُولُ بِيلَاطُسُ:‏ «هُوَذَا ٱلرَّجُلُ!‏».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏​٤،‏ ٥‏.‏

فَمَعَ أَنَّ يَسُوعَ ضُرِبَ بِعُنْفٍ وَجُرِحَ جُرُوحًا بَلِيغَةً،‏ لَا يَزَالُ يُحَافِظُ عَلَى هُدُوئِهِ وَثَبَاتِهِ.‏ حَتَّى إِنَّ بِيلَاطُسَ نَفْسَهُ ٱعْتَرَفَ بِذٰلِكَ.‏ فَعَلَى مَا يَبْدُو،‏ كَانَتْ كَلِمَاتُهُ ٱلْآنِفَةُ ٱلذِّكْرِ مَزِيجًا مِنَ ٱلِٱحْتِرَامِ وَٱلشَّفَقَةِ.‏

رَغْمَ مَا تَعَرَّضَ لَهُ يَسُوعُ مِنِ ٱسْتِهْزَاءٍ وَمُعَامَلَةٍ وَحْشِيَّةٍ،‏ وَرَغْمَ مُحَاوَلَاتِ بِيلَاطُسَ إِطْلَاقَ سَرَاحِهِ،‏ لَا يَرِفُّ جَفْنٌ لِكِبَارِ ٱلْكَهَنَةِ وَأَعْوَانِهِمْ.‏ فَهُمْ لَا يُرِيدُونَهُ إِلَّا مَيْتًا.‏ لِذَا يُوَاصِلُونَ ٱلصِّيَاحَ:‏ «عَلِّقْهُ عَلَى خَشَبَةٍ!‏ عَلِّقْهُ عَلَى خَشَبَةٍ!‏».‏ فَيُجِيبُهُمْ بِيلَاطُسُ:‏ «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَعَلِّقُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ،‏ فَأَنَا لَا أَجِدُ فِيهِ ذَنْبًا».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏٦‏.‏

اَلْيَهُودُ إِذًا لَمْ يَنْجَحُوا فِي إِلْصَاقِ تُهْمَةٍ سِيَاسِيَّةٍ بِيَسُوعَ تُقْنِعُ بِيلَاطُسَ بِقَتْلِهِ.‏ فَيُجَرِّبُونَ تَكْتِيكًا آخَرَ بَاحِثِينَ عَنْ تُهْمَةٍ دِينِيَّةٍ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ.‏ فَيَلْجَأُونَ إِلَى تُهْمَةِ ٱلتَّجْدِيفِ ٱلَّتِي وُجِّهَتْ إِلَيْهِ أَثْنَاءَ مُحَاكَمَتِهِ أَمَامَ ٱلسَّنْهَدْرِيمِ،‏ قَائِلِينَ:‏ «لَنَا شَرِيعَةٌ،‏ وَبِحَسَبِ ٱلشَّرِيعَةِ يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ،‏ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏٧‏.‏

غَيْرَ أَنَّ بِيلَاطُسَ يَرْجِعُ إِلَى قَصْرِهِ مُحَاوِلًا ٱلْبَحْثَ عَنْ طَرِيقَةٍ لِإِطْلَاقِ سَرَاحِ هٰذَا ٱلرَّجُلِ ٱلْجَلُودِ عَلَى ٱلْأَلَمِ وَٱلْعَذَابِ،‏ هٰذَا ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي رَأَتْ زَوْجَةُ بِيلَاطُسَ حُلْمًا بِشَأْنِهِ.‏ (‏متى ٢٧:‏١٩‏)‏ وَلٰكِنْ مَا ٱلْقَوْلُ فِي ٱلتُّهْمَةِ ٱلْجَدِيدَةِ أَنَّهُ «ٱبْنُ ٱللّٰهِ»؟‏ يَعْرِفُ بِيلَاطُسُ أَنَّ يَسُوعَ مِنَ ٱلْجَلِيلِ.‏ (‏لوقا ٢٣:‏​٥-‏٧‏)‏ مَعَ ذٰلِكَ يَسْأَلُهُ:‏ «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟‏».‏ (‏يوحنا ١٩:‏٩‏)‏ فَهَلْ تُرَاهُ يَتَسَاءَلُ إِنْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ عَاشَ قَبْلًا وَهَلْ هُوَ،‏ بِشَكْلٍ أَوْ بِآ‌خَرَ،‏ مِنْ طَبِيعَةٍ إِلٰهِيَّةٍ؟‏

لَقَدْ سَبَقَ وَسَمِعَ مِنْ فَمِ يَسُوعَ مُبَاشَرَةً أَنَّهُ مَلِكٌ،‏ إِنَّمَا مَمْلَكَتُهُ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ.‏ وَإِذْ يُدْرِكُ يَسُوعُ أَنْ لَا جَدْوَى مِنَ ٱلتَّعْقِيبِ عَلَى هٰذَا ٱلْمَوْضُوعِ،‏ يَلْزَمُ ٱلصَّمْتَ رَافِضًا ٱلْإِجَابَةَ.‏ فَتَنْخَدِشُ كِبْرِيَاءُ بِيلَاطُسَ وَيَثُورُ لِكَرَامَتِهِ قَائِلًا:‏ «أَلَا تُكَلِّمُنِي؟‏ أَلَسْتَ تَعْرِفُ أَنَّ لِي سُلْطَةً أَنْ أُطْلِقَكَ وَلِي سُلْطَةً أَنْ أُعَلِّقَكَ عَلَى خَشَبَةٍ؟‏».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏١٠‏.‏

فَيَرُدُّ يَسُوعُ بِبَسَاطَةٍ:‏ «لَمْ تَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَةٌ أَلْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيَتْ لَكَ مِنْ فَوْقُ.‏ لِذٰلِكَ فَمَنْ سَلَّمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ».‏ (‏يوحنا ١٩:‏١١‏)‏ وَٱلْأَرْجَحُ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ شَخْصًا مُعَيَّنًا،‏ بَلْ أَنَّ قَيَافَا وَأَعْوَانَهُ وَيَهُوذَا ٱلْإِسْخَرْيُوطِيَّ مَلُومُونَ أَكْثَرَ مِنْ بِيلَاطُسَ.‏

عِنْدَئِذٍ يَسْعَى هٰذَا ٱلْحَاكِمُ مُجَدَّدًا إِلَى ٱلْإِفْرَاجِ عَنْهُ.‏ فَهُوَ تَأَثَّرَ بِكَلَامِهِ وَرِبَاطَةِ جَأْشِهِ وَزَادَ خَوْفُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَبِيعَةٍ إِلٰهِيَّةٍ.‏ إِلَّا أَنَّ ٱلْيَهُودَ يُلَوِّحُونَ بِتَهْدِيدٍ آخَرَ قَائِلِينَ:‏ «إِنْ أَطْلَقْتَ هٰذَا ٱلرَّجُلَ،‏ فَلَسْتَ صَدِيقًا لِقَيْصَرَ.‏ كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُعَارِضُ قَيْصَرَ».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏١٢‏.‏

إِذَّاكَ يُخْرِجُهُ مَرَّةً أُخْرَى وَيَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْقَضَاءِ وَيَقُولُ لِلْيَهُودِ:‏ «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!‏».‏ إِلَّا أَنَّهُمْ يَظَلُّونَ عَلَى تَصَلُّبِهِمْ وَيَصِيحُونَ:‏ «اِقْضِ عَلَيْهِ!‏ اِقْضِ عَلَيْهِ!‏ عَلِّقْهُ عَلَى خَشَبَةٍ!‏».‏ فَيُنَاشِدُهُمْ قَائِلًا:‏ «أَأُعَلِّقُ مَلِكَكُمْ عَلَى خَشَبَةٍ؟‏».‏ فَيُجِيبُ كِبَارُ ٱلْكَهَنَةِ بِكُلِّ وَقَاحَةٍ:‏ «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلَّا قَيْصَرُ»،‏ مُتَجَاهِلِينَ أَنَّ ٱلْيَهُودَ يَئِنُّونَ مُنْذُ زَمَنٍ طَوِيلٍ مِنْ نِيرِ ٱلرُّومَانِ.‏ —‏ يوحنا ١٩:‏​١٤،‏ ١٥‏.‏

فَيُسَلِّمُ بِيلَاطُسُ يَسُوعَ إِلَيْهِمْ لِيَقْتُلُوهُ مُسْتَسْلِمًا بِجُبْنٍ لِإِصْرَارِهِمْ وَعِنَادِهِمْ.‏ فَيُعَرِّيهِ ٱلْجُنُودُ مِنْ مِعْطَفِهِ ٱلْأُرْجُوَانِيِّ وَيُلْبِسُونَهُ ثِيَابَهُ ٱلْخَارِجِيَّةَ،‏ ثُمَّ يَقْتَادُونَهُ مُجْبِرِينَهُ عَلَى حَمْلِ خَشَبَةِ آلَامِهِ.‏

اَلْوَقْتُ ٱلْآنَ هُوَ قُرَابَةُ ظُهْرِ ٱلْجُمْعَةِ ١٤ نِيسَانَ ٱلْقَمَرِيِّ.‏ وَبِمَا أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَذُقْ طَعْمَ ٱلنَّوْمِ مُنْذُ صَبَاحِ ٱلْخَمِيسِ وَٱلْمَصَائِبَ تَنْزِلُ عَلَى رَأْسِهِ ٱلْوَاحِدَةُ تِلْوَ ٱلْأُخْرَى،‏ تَخُورُ قُوَاهُ تَحْتَ ثِقْلِ ٱلْخَشَبَةِ.‏ فَيُجْبِرُ ٱلْجُنُودُ أَحَدَ ٱلْمَارَّةِ،‏ وَهُوَ سِمْعَانُ مِنَ ٱلْقَيْرَوَانِ ٱلْإِفْرِيقِيَّةِ،‏ أَنْ يَحْمِلَ ٱلْخَشَبَةَ إِلَى مَوْضِعِ ٱلْإِعْدَامِ.‏ وَيَتْبَعُهُمْ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ،‏ بَعْضُهُمْ يُوَلْوِلُونَ وَيَلْطِمُونَ صُدُورَهُمْ حُزْنًا.‏

فَيَلْتَفِتُ يَسُوعُ إِلَى ٱلنِّسَاءِ ٱلْحَزِينَاتِ وَيَقُولُ:‏ «يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ،‏ لَا تَبْكِينَ عَلَيَّ،‏ بَلِ ٱبْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلَادِكُنَّ؛‏ لِأَنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا:‏ ‹مَا أَسْعَدَ ٱلْعَوَاقِرَ،‏ وَٱلْأَرْحَامَ ٱلَّتِي لَمْ تَلِدْ،‏ وَٱلثُّدِيَّ ٱلَّتِي لَمْ تُرْضِعْ!‏›.‏ حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ:‏ ‹اُسْقُطِي عَلَيْنَا!‏›،‏ وَلِلْآكَامِ:‏ ‹غَطِّينَا!‏›.‏ لِأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا يَفْعَلُونَ هٰذَا بِٱلشَّجَرَةِ ٱلرَّطْبَةِ،‏ فَمَاذَا يَكُونُ بِٱلْيَابِسَةِ؟‏».‏ —‏ لوقا ٢٣:‏​٢٨-‏٣١‏.‏

بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ يُشِيرُ ٱلْمَسِيحُ إِلَى أُمَّةِ ٱلْيَهُودِ.‏ فَهُمْ أَشْبَهُ بِشَجَرَةٍ تَذْوِي،‏ لٰكِنَّهَا لَا تَزَالُ «رَطْبَةً» بَعْضَ ٱلشَّيْءِ لِأَنَّ يَسُوعَ مَوْجُودٌ بَيْنَهُمْ هُوَ وَعَدَدٌ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِهِ.‏ وَلٰكِنْ حِينَ يُؤْخَذُونَ،‏ لَنْ تَبْقَى سِوَى أُمَّةٍ «يَابِسَةٍ» رُوحِيًّا شَبِيهَةٍ بِشَجَرَةٍ مَيِّتَةٍ.‏ وَيَا لَلدُّمُوعِ ٱلْحَرَّى ٱلَّتِي سَتُذْرَفُ حِينَ تُنَفِّذُ ٱلْجُيُوشُ ٱلرُّومَانِيَّةُ أَحْكَامَ ٱللّٰهِ فِي هٰذِهِ ٱلْأُمَّةِ!‏

يُسَاقُ يَسُوعُ إِلَى مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ حَيْثُ سَيُعْدَمُ هُوَ وَٱللِّصَّانِ.‏ اِسْمُ ٱلْمَكَانِ جُلْجُثَةُ،‏ أَوْ مَوْضِعُ ٱلْجُمْجُمَةِ،‏ وَيُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ «مِنْ بَعِيدٍ».‏ —‏ مرقس ١٥:‏٤٠‏.‏

يُجَرَّدُ ٱلْمَحْكُومُونَ ٱلثَّلَاثَةُ مِنْ ثِيَابِهِمْ وَيُؤْتَى بِخَمْرٍ مَمْزُوجَةٍ بِمَرَارَةٍ حَضَّرَتْهَا كَمَا يَبْدُو نِسَاءٌ مِنْ أُورُشَلِيمَ.‏ وَلَا يُمَانِعُ ٱلرُّومَانُ إِعْطَاءَ ٱلْمَحْكُومِينَ بِٱلْمَوْتِ جُرْعَةً مِنْ هٰذَا ٱلشَّرَابِ ٱلْمُسَكِّنِ لِلْأَلَمِ.‏ وَلٰكِنْ حِينَ يَذُوقُهَا يَسُوعُ يَرْفُضُ أَنْ يَشْرَبَهَا.‏ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُحْكِمَ ٱلسَّيْطَرَةَ عَلَى حَوَاسِّهِ كُلِّهَا خِلَالَ هٰذَا ٱلِٱمْتِحَانِ ٱلْمَصِيرِيِّ،‏ فَيَبْقَى بِكَامِلِ وَعْيِهِ أَمِينًا حَتَّى ٱلْمَوْتِ.‏

وَبَعْدَمَا يُمَدَّدُ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ‏،‏ يَغْرِزُ ٱلْجُنُودُ فِي يَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ مَسَامِيرَ تَخْرُقُ ٱللَّحْمَ وَٱلْأَرْبِطَةَ،‏ فَيَرُوحُ يَتَلَوَّى أَلَمًا.‏ (‏مرقس ١٥:‏٢٥‏)‏ وَعِنْدَمَا يَرْفَعُونَ ٱلْخَشَبَةَ،‏ تَقْوَى حِدَّةُ ٱلْوَجَعِ فِيمَا ٱلْمَسَامِيرُ تَحْمِلُ ثِقْلَ جَسَدِهِ وَتُمَزِّقُ لَحْمَهُ.‏ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْتَهِرُ ٱلْجُنُودَ،‏ بَلْ يُصَلِّي قَائِلًا:‏ «يَا أَبَتَاهُ،‏ ٱغْفِرْ لَهُمْ،‏ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ».‏ —‏ لوقا ٢٣:‏٣٤‏.‏

فِي ٱلْعَادَةِ،‏ يُعَلِّقُ ٱلرُّومَانُ لَافِتَةً تُحَدِّدُ جُرْمَ ٱلشَّخْصِ ٱلْمَحْكُومِ.‏ أَمَّا فِي حَالَةِ يَسُوعَ فَيَضَعُ بِيلَاطُسُ لَافِتَةً تَقُولُ:‏ «يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ»،‏ مَكْتُوبَةً بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ وَٱللَّاتِينِيَّةِ وَٱلْيُونَانِيَّةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ ٱلْجَمِيعُ تَقْرِيبًا مِنْ قِرَاءَتِهَا.‏ وَبِهٰذَا يَزْدَرِي بِيلَاطُسُ بِٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَى قَتْلِ يَسُوعَ.‏ فَيَسْتَاءُ كِبَارُ ٱلْكَهَنَةِ بِشِدَّةٍ وَيَحْتَجُّونَ:‏ «لَا تَكْتُبْ:‏ ‹مَلِكُ ٱلْيَهُودِ›،‏ بَلْ إِنَّهُ هُوَ قَالَ:‏ ‹أَنَا مَلِكُ ٱلْيَهُودِ›».‏ إِلَّا أَنَّهُ يَرْفُضُ أَنْ يَكُونَ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ أَيْضًا أُلْعُوبَةً فِي يَدِهِمْ،‏ فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ:‏ «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏​١٩-‏٢٢‏.‏

يُكَرِّرُ ٱلْكَهَنَةُ ٱلْحَانِقُونَ ٱلشَّهَادَةَ ٱلْبَاطِلَةَ ٱلَّتِي قُدِّمَتْ سَابِقًا خِلَالَ مُحَاكَمَاتِ ٱلسَّنْهَدْرِيمِ.‏ فَلَا عَجَبَ أَنْ يَهُزَّ ٱلْمَارَّةُ رُؤُوسَهُمْ بِٱسْتِهْزَاءٍ وَيُوَجِّهُوا إِلَى يَسُوعَ كَلَامًا مُهِينًا قَائِلِينَ:‏ «يَا نَاقِضَ ٱلْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ،‏ خَلِّصْ نَفْسَكَ وَٱنْزِلْ عَنْ خَشَبَةِ ٱلْآلَامِ».‏ كَذٰلِكَ يَقُولُ كِبَارُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ وَاحِدُهُمْ لِلْآخَرِ:‏ «لِيَنْزِلِ ٱلْآنَ ٱلْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنْ خَشَبَةِ ٱلْآلَامِ،‏ لِنَرَى وَنُؤْمِنَ».‏ (‏مرقس ١٥:‏​٢٩-‏٣٢‏)‏ حَتَّى ٱللِّصَّانِ ٱلْمُعَلَّقَانِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ يُعَيِّرَانِهِ،‏ مَعَ أَنَّهُ ٱلْوَحِيدُ ٱلْمَظْلُومُ بَيْنَهُمْ.‏

وَفَوْقَ هٰذَا كُلِّهِ يَهْزَأُ بِهِ ٱلْجُنُودُ ٱلرُّومَانُ ٱلْأَرْبَعَةُ.‏ فَيُقَرِّبُونَ إِلَيْهِ كَمَا يَبْدُو بَعْضَ ٱلْخَمْرِ ٱلْحَامِضَةِ،‏ ٱلَّتِي رُبَّمَا كَانُوا يَشْرَبُونَهَا،‏ عَالِمِينَ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ مَدَّ يَدِهِ وَأَخْذَهَا.‏ وَيُشِيرُونَ بِتَهَكُّمٍ إِلَى ٱللَّافِتَةِ فَوْقَ رَأْسِهِ وَيَقُولُونَ:‏ «إِنْ كُنْتَ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ،‏ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ».‏ (‏لوقا ٢٣:‏​٣٦،‏ ٣٧‏)‏ فَيَا لَهٰذَا ٱلْعَارِ!‏ اَلرَّجُلُ ٱلَّذِي بَرْهَنَ أَنَّهُ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ يُعَانِي ٱلْآنَ أَقْبَحَ ٱلْإِهَانَاتِ وَٱلتَّهَكُّمَاتِ.‏ إِلَّا أَنَّهُ يَتَحَمَّلُهَا بِثَبَاتٍ وَلَا يُسِيءُ إِلَى ٱلْيَهُودِ ٱلْحَاضِرِينَ وَلَا ٱلْجُنُودِ ٱلرُّومَانِ ٱلَّذِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ وَلَا فَاعِلَيِ ٱلسُّوءِ ٱلْمُعَلَّقَيْنِ مَعَهُ.‏

وَهٰؤُلَاءِ ٱلْجُنُودُ ٱلْأَرْبَعَةُ يَأْخُذُونَ ثِيَابَ يَسُوعَ ٱلْخَارِجِيَّةَ وَيَقْسِمُونَهَا أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ.‏ ثُمَّ يُلْقُونَ عَلَيْهَا قُرْعَةً لِيَأْخُذَ كُلٌّ حِصَّتَهُ.‏ إِلَّا أَنَّ ٱلْقَمِيصَ نَوْعِيَّتُهُ فَاخِرَةٌ ‹بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ،‏ مَنْسُوجٌ مِنْ فَوْقُ عَلَى مَدَى طُولِهِ›.‏ فَيَقْتَرِحُ ٱلْجُنُودُ:‏ «لَا نَشُقَّهُ،‏ بَلْ لِنَقْتَرِعْ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ»،‏ مُتَمِّمِينَ بِذٰلِكَ آيَةً تَقُولُ:‏ «تَقَاسَمُوا ثِيَابِي ٱلْخَارِجِيَّةَ بَيْنَهُمْ،‏ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏​٢٣،‏ ٢٤؛‏ مزمور ٢٢:‏١٨‏.‏

فِي غُضُونِ ذٰلِكَ،‏ يَسْتَنْتِجُ أَحَدُ ٱللِّصَّيْنِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ مَلِكٌ بِٱلْفِعْلِ.‏ فَيَنْتَهِرُ ٱللِّصَّ ٱلْآخَرَ قَائِلًا:‏ «أَلَا تَخَافُ ٱللّٰهَ أَبَدًا،‏ وَأَنْتَ تَحْتَ ٱلْحُكْمِ نَفْسِهِ؟‏ أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْلٍ،‏ لِأَنَّنَا نَنَالُ ٱسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا.‏ وَأَمَّا هٰذَا فَلَمْ يَفْعَلْ سُوءًا».‏ ثُمَّ يَتَوَسَّلُ إِلَى يَسُوعَ:‏ «اُذْكُرْنِي مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ».‏ —‏ لوقا ٢٣:‏​٤٠-‏٤٢‏.‏

فَيُجِيبُهُ:‏ «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ ٱلْيَوْمَ:‏ سَتَكُونُ مَعِي‏».‏ وَلٰكِنْ أَيْنَ؟‏ لَيْسَ فِي ٱلْمَلَكُوتِ،‏ بَلْ «فِي ٱلْفِرْدَوْسِ».‏ (‏لوقا ٢٣:‏٤٣‏)‏ وَوَعْدُ يَسُوعَ هٰذَا يَخْتَلِفُ عَمَّا وَعَدَ بِهِ رُسُلَهُ أَنَّهُمْ سَيَجْلِسُونَ مَعَهُ عَلَى عُرُوشٍ فِي ٱلْمَلَكُوتِ.‏ (‏متى ١٩:‏٢٨؛‏ لوقا ٢٢:‏​٢٩،‏ ٣٠‏)‏ وَلَرُبَّمَا سَمِعَ هٰذَا ٱلْمُجْرِمُ ٱلْيَهُودِيُّ سَابِقًا عَنِ ٱلْفِرْدَوْسِ عَلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّذِي أَعَدَّهُ يَهْوَهُ فِي ٱلْأَسَاسِ مَوْطِنًا لآِدَمَ وَحَوَّاءَ وَذُرِّيَّتِهِمَا.‏ وَهٰكَذَا يَمُوتُ ٱلْآنَ عَلَى هٰذَا ٱلرَّجَاءِ ٱلرَّائِعِ.‏

إِنَّهَا ٱلْآنَ «ٱلسَّاعَةُ ٱلسَّادِسَةُ»،‏ أَيْ عِنْدَ ٱلظَّهِيرَةِ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ تَحِلُّ «ظُلْمَةٌ عَلَى تِلْكَ ٱلْأَرْضِ بِأَسْرِهَا حَتَّى ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ»،‏ أَيِ ٱلثَّالِثَةِ بَعْدَ ٱلظُّهْرِ.‏ (‏مرقس ١٥:‏٣٣‏)‏ وَهَلْ سَبَبُ هٰذِهِ ٱلظُّلْمَةِ ٱلْمُخِيفَةِ كُسُوفٌ شَمْسِيٌّ؟‏ كَلَّا.‏ فَهٰذِهِ ٱلظَّاهِرَةُ تَقَعُ حِينَ يَكُونُ ٱلْقَمَرُ هِلَالًا.‏ أَمَّا ٱلْآنَ فِي مَوْسِمِ ٱلْفِصْحِ،‏ فَٱلْقَمَرُ بَدْرٌ.‏ وَفِي ٱلْكُسُوفِ تَدُومُ ٱلظُّلْمَةُ عَادَةً دَقَائِقَ قَلِيلَةً،‏ لٰكِنَّهَا تَبْقَى ٱلْآنَ وَقْتًا أَطْوَلَ بِكَثِيرٍ.‏ إِذًا لَا بُدَّ أَنَّ ٱللّٰهَ هُوَ مَنْ أَوْقَعَ هٰذِهِ ٱلظُّلْمَةَ.‏

لَا شَكَّ أَنَّ مَا يَحْدُثُ يَهُزُّ كِيَانَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ بِيَسُوعَ.‏ وَبَيْنَمَا لَا تَزَالُ ٱلظُّلْمَةُ مُخَيِّمَةً،‏ تَقْتَرِبُ أَرْبَعُ نِسَاءٍ مِنْ خَشَبَةِ ٱلْآلَامِ هُنَّ أُمُّ يَسُوعَ،‏ وَسَالُومَةُ،‏ وَمَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ،‏ وَمَرْيَمُ أُمُّ ٱلرَّسُولِ يَعْقُوبَ ٱلصَّغِيرِ.‏

تَقِفُ أُمُّ يَسُوعَ ٱلْمَحْزُونَةُ مَعَ ٱلرَّسُولِ يُوحَنَّا ‹عِنْدَ خَشَبَةِ ٱلْآلَامِ›.‏ وَتَنْظُرُ إِلَى ٱبْنِهَا ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ وَرَبَّتْهُ مُعَلَّقًا يُكَابِدُ ٱلْأَلَمَ ٱلشَّدِيدَ.‏ فَتَشْعُرُ وَكَأَنَّ ‹سَيْفًا طَوِيلًا› يَطْعَنُهَا.‏ (‏يوحنا ١٩:‏٢٥؛‏ لوقا ٢:‏٣٥‏)‏ لٰكِنَّ يَسُوعَ رَغْمَ عَذَابَاتِهِ مُهْتَمٌّ لِأَمْرِهَا.‏ فَيَبْذُلُ جُهْدًا لِيُومِئَ بِٱتِّجَاهِ يُوحَنَّا وَيَقُولُ لِأُمِّهِ:‏ «يَا ٱمْرَأَةُ،‏ هُوَذَا ٱبْنُكِ!‏».‏ ثُمَّ يُومِئُ بِٱتِّجَاهِ مَرْيَمَ وَيَقُولُ لِيُوحَنَّا:‏ «هُوَذَا أُمُّكَ!‏».‏ —‏ يوحنا ١٩:‏​٢٦،‏ ٢٧‏.‏

إِنَّهُ يَضَعُ أُمَّهُ،‏ وَهِيَ أَرْمَلَةٌ كَمَا يَتَّضِحُ،‏ فِي عُهْدَةِ ٱلرَّسُولِ ٱلَّذِي يُحِبُّهُ كَثِيرًا.‏ فَهُوَ يَعِي أَنَّ إِخْوَتَهُ مِنْ أُمِّهِ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ بَعْدُ.‏ وَبِذٰلِكَ لَا يَحْرِصُ عَلَى خَيْرِهَا ٱلْجَسَدِيِّ فَحَسْبُ بَلِ ٱلرُّوحِيِّ أَيْضًا.‏ أَوَلَيْسَ هٰذَا مِثَالًا رَائِعًا لِجَمِيعِنَا؟‏!‏

وَقُرَابَةَ ٱلْوَقْتِ ٱلَّذِي تَنْقَشِعُ فِيهِ ٱلظُّلْمَةُ يَقُولُ يَسُوعُ:‏ «أَنَا عَطْشَانُ»،‏ مُتَمِّمًا نُبُوَّةً عَنْهُ فِي ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ.‏ (‏يوحنا ١٩:‏٢٨؛‏ مزمور ٢٢:‏١٥‏)‏ وَهُوَ يَشْعُرُ ٱلْآنَ كَمَا لَوْ أَنَّ أَبَاهُ سَحَبَ مِنْهُ ٱلْحِمَايَةَ كَيْ يُبَرْهِنَ بِٱلْكَامِلِ عَنِ ٱسْتِقَامَتِهِ.‏ فَيَصْرُخُ:‏ ‏«إِيلِي،‏ إِيلِي،‏ لَمَا شَبَقْتَنِي؟‏»‏ ٱلَّذِي يَعْنِي:‏ «إِلٰهِي،‏ إِلٰهِي،‏ لِمَاذَا تَخَلَّيْتَ عَنِّي؟‏».‏ إِلَّا أَنَّ بَعْضَ ٱلْوَاقِفِينَ هُنَاكَ يُسِيئُونَ فَهْمَهُ فَيَقُولُونَ:‏ «هَا إِنَّهُ يَدْعُو إِيلِيَّا!‏».‏ فَيَرْكُضُ أَحَدُهُمْ وَيَضَعُ عَلَى قَصَبَةٍ إِسْفَنْجَةً مُشْبَعَةً بِخَمْرٍ حَامِضَةٍ لِيَسْقِيَهُ.‏ وَلٰكِنْ يَعْتَرِضُ آخَرُونَ قَائِلِينَ:‏ «دَعُوهُ!‏ لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ».‏ —‏ مرقس ١٥:‏​٣٤-‏٣٦‏.‏

بَعْدَئِذٍ يَصْرُخُ يَسُوعُ:‏ «قَدْ تَمَّ!‏».‏ (‏يوحنا ١٩:‏٣٠‏)‏ وَبِٱلْفِعْلِ،‏ تَمَّمَ ٱلْمَسِيحُ كُلَّ مَا أُرْسِلَ مِنْ أَجْلِهِ‏.‏ وَأَخِيرًا يَقُولُ:‏ «يَا أَبَتَاهُ،‏ فِي يَدَيْكَ أُودِعُ رُوحِي».‏ (‏لوقا ٢٣:‏٤٦‏)‏ وَهٰكَذَا يُسْلِمُ قُوَّةَ ٱلْحَيَاةِ إِلَى يَهْوَهَ وَاثِقًا أَنَّهُ سَيَرُدُّهَا إِلَيْهِ.‏ وَبِثِقَةٍ رَاسِخَةٍ بِٱللّٰهِ،‏ يَحْنِي رَأْسَهُ وَيَلْفِظُ نَفَسَهُ ٱلْأَخِيرَ.‏

فِي تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ،‏ يَضْرِبُ زِلْزَالٌ عَنِيفٌ فَتَنْشَقُّ ٱلصُّخُورُ.‏ حَتَّى إِنَّ ٱلْقُبُورَ خَارِجَ أُورُشَلِيمَ تَنْفَتِحُ،‏ وَتَخْرُجُ ٱلْجُثَثُ مِنْهَا.‏ فَيَرَى ٱلْمَارَّةُ ذٰلِكَ وَيَدْخُلُونَ «ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ» وَيُخْبِرُونَ بِمَا شَهِدُوهُ لِتَوِّهِمْ.‏ —‏ متى ١٢:‏١١؛‏ ٢٧:‏​٥١-‏٥٣‏.‏

وَعِنْدَمَا يَمُوتُ يَسُوعُ،‏ فَإِنَّ ٱلْحِجَابَ ٱلثَّقِيلَ ٱلَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ ٱلْقُدْسِ وَقُدْسِ ٱلْأَقْدَاسِ فِي ٱلْهَيْكَلِ يَنْشَقُّ ٱثْنَيْنِ مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ.‏ وَهٰذَا ٱلْحَدَثُ ٱلْمُذْهِلُ تَعْبِيرٌ عَنْ سُخْطِ ٱللّٰهِ عَلَى قَتَلَةِ ٱبْنِهِ وَإِشَارَةٌ أَنَّ ٱلطَّرِيقَ إِلَى قُدْسِ ٱلْأَقْدَاسِ،‏ أَيِ ٱلسَّمَاءِ عَيْنِهَا،‏ بَاتَ مَفْتُوحًا.‏ —‏ عبرانيين ٩:‏​٢،‏ ٣؛‏ ١٠:‏​١٩،‏ ٢٠‏.‏

فَلَا غَرَابَةَ أَنْ يَسْتَحْوِذَ ٱلْخَوْفُ عَلَى ٱلنَّاسِ.‏ حَتَّى ٱلضَّابِطُ ٱلْمَسْؤُولُ عَنِ ٱلْإِعْدَامِ يُعَبِّرُ:‏ «حَقًّا كَانَ هٰذَا ٱلْإِنْسَانُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ».‏ (‏مرقس ١٥:‏٣٩‏)‏ فَلَعَلَّهُ كَانَ حَاضِرًا حِينَ حُوكِمَ يَسُوعُ أَمَامَ بِيلَاطُسَ وَطُرِحَتِ ٱلْمَسْأَلَةُ هَلْ هُوَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ.‏ وَٱلْآنَ بَاتَ مُقْتَنِعًا أَنَّ يَسُوعَ بَارٌّ وَأَنَّهُ بِٱلْفِعْلِ ٱبْنُ ٱللّٰهِ.‏

أَمَّا آخَرُونَ فَيَأْخُذُهُمُ ٱلْعَجَبُ وَيَعُودُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ «وَهُمْ يَقْرَعُونَ صُدُورَهُمْ»،‏ إِشَارَةً إِلَى شِدَّةِ حُزْنِهِمْ وَخِزْيِهِمْ.‏ (‏لوقا ٢٣:‏٤٨‏)‏ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ يُرَاقِبُونَ مِنْ بَعِيدٍ تِلْمِيذَاتٌ كَثِيرَاتٌ سَافَرْنَ أَحْيَانًا مَعَ يَسُوعَ.‏ وَهُنَّ أَيْضًا تَأَثَّرْنَ كَثِيرًا بِكُلِّ هٰذِهِ ٱلْأَحْدَاثِ ٱلْمَفْصِلِيَّةِ.‏

اَلْوَقْتُ ٱلْآنَ هُوَ بَعْدَ ظُهْرِ يَوْمِ ٱلْجُمْعَةِ ١٤ نِيسَانَ ٱلْقَمَرِيِّ.‏ بَعْدَ قَلِيلٍ تَغْرُبُ ٱلشَّمْسُ وَيَبْدَأُ يَوْمُ ٱلسَّبْتِ ١٥ نِيسَانَ ٱلْقَمَرِيِّ.‏ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ.‏ أَمَّا ٱللِّصَّانِ عَلَى جَانِبَيْهِ فَلَا يَزَالَانِ عَلَى قَيْدِ ٱلْحَيَاةِ.‏ وَبِحَسَبِ ٱلشَّرِيعَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ ‹تَبِيتَ ٱلْجُثَثُ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ›،‏ بَلْ أَنْ تُدْفَنَ «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ».‏ —‏ تثنية ٢١:‏​٢٢،‏ ٢٣‏.‏

أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ بَعْدَ ظُهْرِ ٱلْجُمْعَةِ يُوَافِقُ «ٱلتَّهْيِئَةَ».‏ وَعَلَى ٱلنَّاسِ أَنْ يُهَيِّئُوا وَجَبَاتِ ٱلطَّعَامِ وَيُنْجِزُوا أَيَّ مُهِمَّاتٍ لَا تَحْتَمِلُ ٱلتَّأْجِيلَ إِلَى مَا بَعْدَ ٱلسَّبْتِ.‏ وَهٰذَا ٱلسَّبْتُ سَبْتٌ مُزْدَوِجٌ أَوْ «عَظِيمٌ».‏ (‏يوحنا ١٩:‏٣١‏)‏ فَيَوْمُ ١٥ نِيسَانَ ٱلْقَمَرِيِّ سَيَكُونُ ٱلْيَوْمَ ٱلْأَوَّلَ مِنْ عِيدِ ٱلْفَطِيرِ،‏ ٱلَّذِي يَدُومُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ،‏ وَهُوَ يُوَافِقُ سَبْتًا عَلَى ٱلدَّوَامِ.‏ (‏لاويين ٢٣:‏​٥،‏ ٦‏)‏ وَهٰذَا ٱلتَّارِيخُ يَتَزَامَنُ ٱلْآنَ مَعَ ٱلسَّبْتِ ٱلْأُسْبُوعِيِّ،‏ أَيِ ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ.‏

وَعَلَيْهِ،‏ يَطْلُبُ ٱلْيَهُودُ مِنْ بِيلَاطُسَ أَنْ يُعَجِّلَ بِمَوْتِ يَسُوعَ وَٱللِّصَّيْنِ،‏ وَذٰلِكَ بِكَسْرِ سِيقَانِهِمْ.‏ فَمَتَى كُسِرَتْ لَا يَعُودُ بِإِمْكَانِهِمِ ٱلنُّهُوضُ بِأَجْسَادِهِمْ لِيَتَنَفَّسُوا.‏ وَهٰذَا مَا يَفْعَلُهُ ٱلْجُنُودُ بِٱللِّصَّيْنِ.‏ أَمَّا يَسُوعُ ٱلَّذِي يَبْدُو لَهُمْ مَيْتًا فَلَا يَكْسِرُونَ سَاقَيْهِ‏.‏ وَهٰذَا إِتْمَامٌ لِلْمَزْمُور ٣٤:‏٢٠‏:‏ «يَحْفَظُ جَمِيعَ عِظَامِهِ،‏ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يَنْكَسِرُ».‏

وَلِلتَّيَقُّنِ مِنْ مَوْتِهِ،‏ يَشُكُّ جُنْدِيٌّ جَنْبَهُ بِرُمْحٍ يَخْتَرِقُ مِنْطَقَةَ ٱلْقَلْبِ.‏ ‹فَيَخْرُجُ فِي ٱلْحَالِ دَمٌ وَمَاءٌ›.‏ (‏يوحنا ١٩:‏٣٤‏)‏ وَهٰذَا يُتَمِّمُ آيَةً أُخْرَى تَقُولُ:‏ «سَيَنْظُرُونَ إِلَى ٱلَّذِي طَعَنُوهُ».‏ —‏ زكريا ١٢:‏١٠‏.‏

يَحْضُرُ عَمَلِيَّةَ ٱلْإِعْدَامِ هٰذِهِ يُوسُفُ ٱلَّذِي مِنْ مَدِينَةِ ٱلرَّامَةِ،‏ وَهُوَ «رَجُلٌ غَنِيٌّ» وَعُضْوٌ مُعْتَبَرٌ فِي ٱلسَّنْهَدْرِيمِ.‏ (‏متى ٢٧:‏٥٧‏)‏ إِنَّهُ إِنْسَانٌ «صَالِحٌ وَبَارٌّ» وَ «يَنْتَظِرُ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ».‏ وَبِمَا أَنَّهُ ‹تِلْمِيذٌ لِيَسُوعَ وَلٰكِنْ فِي ٱلسِّرِّ لِخَوْفِهِ مِنَ ٱلْيَهُودِ›،‏ فَلَمْ يُؤَيِّدْ حُكْمَ ٱلْمَحْكَمَةِ ضِدَّهُ.‏ (‏لوقا ٢٣:‏٥٠؛‏ مرقس ١٥:‏٤٣؛‏ يوحنا ١٩:‏٣٨‏)‏ وَٱلْآنَ يَتَشَجَّعُ وَيَطْلُبُ جَسَدَهُ مِنْ بِيلَاطُسَ ٱلَّذِي يَسْتَدْعِي ٱلضَّابِطَ ٱلْمَسْؤُولَ وَيَتَحَقَّقُ مِنْ مَوْتِ يَسُوعَ.‏ بَعْدَئِذٍ يَأْذَنُ لِيُوسُفَ بِأَخْذِ ٱلْجُثَّةِ.‏

فَيَبْتَاعُ يُوسُفُ كَتَّانًا جَيِّدًا نَقِيًّا وَيُنْزِلُ جَسَدَ يَسُوعَ عَنِ ٱلْخَشَبَةِ.‏ وَيَلُفُّ ٱلْجُثَّةَ فِي ٱلْكَتَّانِ تَهْيِئَةً لِدَفْنِهَا‏.‏ وَيُسَاعِدُ فِي هٰذِهِ ٱلْعَمَلِيَّةِ نِيقُودِيمُوسُ «ٱلَّذِي أَتَى إِلَى [يَسُوعَ] لَيْلًا فِي ٱلْمَرَّةِ ٱلْأُولَى».‏ (‏يوحنا ١٩:‏٣٩‏)‏ فَيُحْضِرُ نَحْوَ مِئَةِ مَنًا،‏ أَيْ ٣٣ كِيلُوغْرَامًا،‏ مِنْ مَزِيجِ مُرٍّ وَأَلَاوِيَةٍ غَالِي ٱلثَّمَنِ.‏ فَيُلَفُّ جَسَدُ يَسُوعَ بِلَفَائِفَ مَعَ ٱلْأَطْيَابِ بِحَسَبِ عَادَةِ ٱلْيَهُودِ عِنْدَ ٱلتَّهْيِئَةِ لِلدَّفْنِ.‏

وَإِذْ يَمْلِكُ يُوسُفُ فِي ٱلْجِوَارِ قَبْرًا جَدِيدًا مَحْفُورًا فِي ٱلصَّخْرِ،‏ يَضَعُ فِيهِ جَسَدَ يَسُوعَ.‏ ثُمَّ يُدَحْرَجُ حَجَرٌ كَبِيرٌ عَلَى بَابِهِ.‏ وَيَجْرِي كُلُّ ذٰلِكَ عَلَى عَجَلٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ ٱلسَّبْتُ.‏ وَلَعَلَّ مَرْيَمَ ٱلْمَجْدَلِيَّةَ وَمَرْيَمَ أُمَّ يَعْقُوبَ ٱلصَّغِيرِ سَاهَمَتَا فِي تَهْيِئَةِ جَسَدِ يَسُوعَ.‏ أَمَّا ٱلْآنَ فَتُسْرِعَانِ فِي ٱلْعَوْدَةِ لِتُهَيِّئَا ٱلْمَزِيدَ مِنَ ‹ٱلْأَطْيَابِ وَٱلزُّيُوتِ ٱلْعَطِرَةِ› لِيُدْهَنَ بِهَا جَسَدُهُ بَعْدَ ٱلسَّبْتِ.‏ —‏ لوقا ٢٣:‏٥٦‏.‏

وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي،‏ أَيْ يَوْمِ ٱلسَّبْتِ،‏ يَقْصِدُ كِبَارُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ بِيلَاطُسَ قَائِلِينَ:‏ «يَا سَيِّدُ،‏ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذٰلِكَ ٱلدَّجَّالَ قَالَ وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ:‏ ‹إِنِّي أُقَامُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ›.‏ فَمُرْ بِضَبْطِ ٱلْمَدْفِنِ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ،‏ لِئَلَّا يَأْتِيَ تَلَامِيذُهُ وَيَسْرِقُوهُ وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ:‏ ‹لَقَدْ أُقِيمَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ!‏›،‏ فَيَكُونَ هٰذَا ٱلتَّدْجِيلُ ٱلْأَخِيرُ أَسْوَأَ مِنَ ٱلْأَوَّلِ».‏ فَيُجِيبُهُمْ:‏ «عِنْدَكُمْ حَرَسٌ.‏ اِذْهَبُوا وَٱضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ».‏ —‏ متى ٢٧:‏​٦٣-‏٦٥‏.‏

وَصَبَاحَ ٱلْأَحَدِ،‏ تَقْصِدُ ٱلْقَبْرَ فِي وَقْتٍ بَاكِرٍ جِدًّا مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَنِسَاءٌ أُخْرَيَاتٌ حَامِلَاتٍ أَطْيَابًا يَدْهُنَّ بِهَا جَسَدَ يَسُوعَ.‏ فَتَقُولُ إِحْدَاهُنَّ لِلْأُخْرَى:‏ «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا ٱلْحَجَرَ عَنْ بَابِ ٱلْقَبْرِ؟‏».‏ (‏مرقس ١٦:‏٣‏)‏ إِلَّا أَنَّ زِلْزَالًا كَانَ قَدْ ضَرَبَ فِي ٱلْمَكَانِ.‏ وَٱلْأَعْجَبُ أَنَّ ٱلْقَبْرَ فَارِغٌ!‏ فَمَلَاكُ ٱللّٰهِ دَحْرَجَ ٱلْحَجَرَ وَلَا أَثَرَ لِلْحُرَّاسِ.‏