الى اين تتَّجه الآداب؟
طوال قرون لم يكن هنالك شك في بلدان كثيرة في ان الكتاب المقدس مقياس الآداب. وفيما لم يعش كل فرد بموجب مبادئه السامية، اعطى الكتاب المقدس المجتمعَ الذي قدَّره لغة مشتركة في الآداب، مِحكًّا للحكم في السلوك. لكنَّ رئيس الجامعة اليسوعية جوزِف اوهار رثى: «كانت لدينا مجموعة تقليدية من المقاييس جرى تحدِّيها واعتبارها ناقصة او انها لم تعد عصرية. والآن لا يبدو ان هنالك اية معالم ادبية على الاطلاق.»
فماذا سبَّب ان تخسر الآداب المؤسسة على الكتاب المقدس الاستحسان؟ احد العوامل الفعَّالة كان القبول الواسع الانتشار لنظرية التطور. يقول كتاب القِيَم الاميركية: وجهات النظر المتعارضة: «بالنسبة الى كل الحضارات المعروفة، كان الناس يؤمنون بعالمَين: عالم يمكنكم ان تروه، وعالم غير منظور. . . . والعالم غير المنظور زوَّد الاساس للقصد والقيمة . . . لقد كان مصدر التلاحم لمجتمعهم. ولكن، نحو منتصف القرن الماضي، ابتُدئ بإخبار الناس بعدم وجود عالم غير منظور. انه لم يوجد ولم يكن كذلك قط.» ومن ذلك الوقت فصاعدا بوجه خصوصي، كانت هنالك هجومات لم يسبق لها مثيل على الكتاب المقدس وآدابه. وكان ما يُدعى بالنقد الاعلى للكتاب المقدس ونشر اصل الانواع لـ داروين بين هذه الهجومات الفلسفية.a
وهكذا اضعف التطور تأثير الكتاب المقدس في اذهان كثيرين. وكما تعبِّر عن ذلك مقالة في هارڤرد ماڠازين، لم يُعتبر الكتاب المقدس آنذاك اكثر من «قصة خيالية ممتعة.» والتأثير في الآداب كان مخرِّبا. فصار التطور ما دعاه العالِم المشهور فرِد هويْل «رخصة علنية لأيّ شكل من اشكال التصرف الانتهازي.»
طبعا، ان التطور مجرد ناحية من الصورة. فقد ألهبت حربان عالميتان ايضا خيبة امل واسعة الانتشار في الدين. والثورة الصناعية احدثت تغييرات اجتماعية — وأدبية — كبيرة. وعلاوة على ذلك، فإن النمو السريع لوسائل الاعلام الشديدة التأثير جعل من الممكن تعريض الناس للآداب المنحطة على نطاق واسع.
كل شيء نسبي؟
لا عجب، اذًا، ان كثيرين من الناس ليس لديهم اطار مرجعي ادبي. انهم ينجرفون كسفينة من دون دفَّة. فكثيرون، على سبيل المثال، يماشون التيار الشائع للنسبية الادبية، النظرة ان «الحقائق الاخلاقية تعتمد على الافراد والفِرَق التي تتمسَّك بها.» ووفقا لهذه الفلسفة، ليست هنالك حقائق ادبية مطلَقة — فكل شيء نسبي. ‹ما هو خاطئ بالنسبة اليكم يمكن ان يكون صائبا بالنسبة الى شخص آخر،› يؤكد مؤيِّدو النسبية. ولأن بوصلتهم الادبية تشير الى ايّ اتجاه تقريبا، هم سريعون الى المصادقة في الواقع على ايّ نوع من التصرف بصفته مقبولا.
وهكذا، فإن العمل الذي كان يُقال سابقا انه «أثيم» او «خاطئ» هو الآن مجرد «حماقة.» والتصرف يمكن ان يبرَّر بأنه «مثير للاشمئزاز» ولكن لا يُدان بصفته «فاسدا ادبيا.» ويجري تذكير المرء بأيام النبي القديم اشعياء حين كان هنالك اولئك ‹القائلون للشر خيرا وللخير شرا الجاعلون الظلام نورا والنور ظلاما.› — اشعياء ٥:٢٠.
تحويل اللوم
ان التيار الادبي الآخر هو تحويل اللوم. فآدم لام حواء، وحواء، بدورها، لامت الحية. والمسيئون اليوم يلعبون بطريقة مماثلة لعبة الهروب من المسؤولية، وغالبا ما يساعدهم على ذلك الاختصاصيون في القانون والطب النفسي. وقد وبَّخت مقالة في اخبار الولايات المتحدة وأنباء العالم مجتمعَ الطب النفسي على «اختراعه امراضا جديدة تصوِّر المسيئين في دور الضحايا العاجزين.» على سبيل المثال، أُخبِر ان جمعية الطب النفسي الاميركية فكَّرت جدِّيا في تصنيف المغتصبين كضحايا مرض سُمِّيَ على نحو وهمي «الاغتصابية rapism المتسمة بالولع الشاذ.» فشعر البعض بأن ذلك كان سيعادل رخصة قانونية للاغتصاب مع اعفاء من العقاب. «وأثارت النساء اعتراضا شديدا بحيث وُجد سريعا ان الاغتصابية ليست مرضا رغم كل شيء.»
لا ينكر ذلك الحقيقة الواضحة ان جروح الطفولة يمكن ان يكون لها تأثير مضاد في الفرد كراشد. ولكن من الخطإ الادِّعاء ان الماضي يبرِّر تصرف الراشد العنيف او الفاسد ادبيا.
الاحداث — لا بوصلة ادبية
ان التشويش الادبي في العالم ترك انطباعه وخصوصا في الاحداث السريعي التأثر. وجد الباحث روبرت كولز من جامعة هارڤرد انه ليست هنالك اية مجموعة واحدة تشكل الاساس لفرائض توجِّه الحياة الادبية للاولاد الاميركيين. فهم توجههم مجموعة منوَّعة من البوصلات الادبية وما يُنظم من قِيَم. قال ٦٠ في المئة تقريبا من فريق من الاحداث في سن الدراسة جرى استفتاؤهم انهم يوجَّهون بما يجعلهم في الطليعة او ما يجعلهم يشعرون انهم بخير.
وأحيانا تساهم المدارس في مثل هذا التشويش الادبي. تأملوا في منهج تعليمي له تأثير قوي يُسمَّى «توضيح القِيَم،» ابتُدئ به منذ سنوات قليلة في مدارس الولايات المتحدة. وتعاليمه الاساسية؟ يجب ان يكون الاولاد احرارا في اختيار قِيَمهم الادبية الخاصة.
والجهل الادبي لموقف عقلي كهذا ظاهر من اختبار تلميذة في مدرسة في مدينة نيويورك قرَّرت ان تسلِّم الى الشرطة محفظة وجدتها وتحتوي على ٠٠٠,١ دولار اميركي نقدا. فماذا كان تجاوب رفقائها التلامذة في صف للقيم الادبية؟ جرت مضايقتها بالسخرية ولومها على فعل هذا الامر! والاسوأ من ذلك ايضا انه ما من معلِّم او رسمي في المدرسة مدح سلوكها المستقيم. وبرَّر احد المعلِّمين انعدام المدح هذا بالقول: «اذا اتَّخذتُ موقفا محدَّدا في ما يتعلق بما هو صواب وما هو خطأ، فعندئذ يعني ذلك انني لا اعطيهم الخيار كما يجب ان يفعل المشير.»
هل يمكن للكنائس ان توقف الانحطاط الادبي؟
لا عجب ان تكون الحالة الادبية المؤسفة للعالم قد سبَّبت نتيجة عكسية. وكثيرون الآن يطالبون بشدة بالعودة الى القِيَم التقليدية، الامر الذي يعني للبعض العودة الى الدين. لكنَّ الكنائس تحظى بسجل رديء في ما يتعلق بتزويد القيادة الادبية. اعترف المجلس العام للكنيسة المشيخية (الولايات المتحدة): «اننا نواجه ازمة مروِّعة في أبعادها ومضامينها.» وطبيعة هذه الازمة؟ «بين ١٠ و ٢٣ في المئة من رجال الدين في كل انحاء البلاد ينهمكون في تصرف جنسي الخاصِّيَّة او اتصال جنسي مع رعايا الابرشية، العملاء، والمستخدَمين، الخ.»
وهكذا، فإن خيبة الامل الواسعة الانتشار في الدين تسود. وأوجز ذلك رئيس المجلس التجاري والصناعي في الولايات المتحدة عندما اعلن: «فشلت المؤسسات الدينية في نقل قِيَمها التاريخية، وفي حالات كثيرة، صارت جزءا من المشكلة [الادبية]، اذ روَّجت نظرية اللاهوت التحررية وآراء عدم الادانة في التصرف البشري.»
من الواضح، اذًا، ان الضمير البشري غير المُرشَد ليس كافيا لتوجيه الجنس البشري. وآداب اليوم تنجرف نحو شيء ليس اقل من ان يكون انهيارا ادبيا كليا. فنحن بحاجة الى موجِّه يأتي من شخص اسمى منا. — قارنوا امثال ١٤:١٢؛ ارميا ١٠:٢٣.
وموجِّه كهذا موجود. وامكانية بلوغه سهلة لكل الذين يريدونه.
[الحاشية]
a ان الدليل المُقنِع على الخلق مقدَّم في مطبوعة الحياة — كيف وصلت الى هنا؟ بالتطور ام بالخلق؟، بالانكليزية، اصدار جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس في نيويورك.
[النبذة في الصفحة ٥]
الايمان بالتطور كان عاملا في جعل الآداب المؤسسة على الكتاب المقدس تخسر الاستحسان
[النبذة في الصفحة ٦]
‹بين ١٠ و ٢٣ في المئة من رجال الدين ينهمكون في اتصال جنسي مع رعايا الابرشية، العملاء، والمستخدَمين، الخ.›
[الصورة في الصفحة ٧]
عزَّز رجال الدين نظاما ادبيا مؤسسا على الحكمة البشرية بدلا من الكتاب المقدس