مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ع٩٥ ٢٢/‏٤ ص ١٨-‏٢٤
  • اكثر من ٤٠ سنة تحت الحظر الشيوعي

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • اكثر من ٤٠ سنة تحت الحظر الشيوعي
  • استيقظ!‏ ١٩٩٥
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • كيف صرنا شهودا
  • حظْر العمل الكرازي
  • استجواب متكرِّر
  • الحبس الانفرادي
  • اطلاق السراح ومواصلة الكرازة
  • تعيين جديد
  • رفيق حبيب
  • وقت امتحان وشجاعة
  • تغيير نمط حياتي
  • مدعومة بعون يهوه
  • الايمان باللّٰه وجَّهني في بلد شيوعي
    استيقظ!‏ ١٩٩٦
  • كيف تحقق حلمي
    استيقظ!‏ ٢٠٠٢
  • من مجاهِد سياسي الى مسيحي حيادي
    استيقظ!‏ ٢٠٠٢
  • الوقوف بثبات الى جانب يهوه
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٤
المزيد
استيقظ!‏ ١٩٩٥
ع٩٥ ٢٢/‏٤ ص ١٨-‏٢٤

اكثر من ٤٠ سنة تحت الحظر الشيوعي

كما روته يارميلا هالوڤا

الزمان:‏ بعد منتصف الليل،‏ ٤ شباط ١٩٥٢.‏ المكان:‏ شقتنا في پراڠ،‏ تشيكوسلوڤاكيا.‏ أيقظَنا القرع المتواصل لجرس الباب.‏ ثم اندفعت الشرطة الى الداخل.‏

وضعتنا الشرطة امي،‏ ابي،‏ اخي پاڤل،‏ وأنا في غرف مختلفة،‏ اقامت حارسا عند كل واحد منا،‏ وابتدأت تفتش كل شيء.‏ وبقيت تبحث نحو ١٢ ساعة.‏ وبعد ان وضعت قائمة بكل المطبوعات التي وجدتها،‏ جمعتها في صناديق.‏

وبعد ذلك أُمرتُ بأن ادخل في سيارة،‏ ووُضعَت نظارة سوداء على عينيَّ.‏ بدا ذلك غريبا،‏ ولكني تمكنت من ازاحة النظارة قليلا لأرى المكان الذي كانوا يأخذونني اليه.‏ كانت الشوارع مألوفة.‏ وكانت وجهتنا المقر العام الرديء السمعة لأمن الدولة.‏

دفعوني خارج السيارة.‏ وبعد ذلك عندما نُزعت النظارة،‏ وجدت نفسي في غرفة صغيرة وقذرة.‏ امرتني امرأة في بزتها الرسمية ان اخلع ثيابي وأرتدي سروال عمل سميكا وقميصا رجاليا.‏ ورُبطت عصابة حول رأسي لتغطية عينيَّ،‏ وأُخرجتُ من الغرفة معصوبة العينين وجعلوني اسير في ممرات بدا انها لا تنتهي.‏

وأخيرا توقفت الحارسة وفتحت بابا حديديا،‏ ودُفعتُ الى الداخل.‏ ونُزعت العصابة عن رأسي وأُقفل الباب ورائي.‏ كنت في زنزانة سجن.‏ وكانت امرأة في اربعيناتها تحدِّق اليَّ وهي مرتدية ثيابا تشبه ثيابي.‏ شعرتُ بنوع من المرح —‏ ومع ان ذلك يبدو غريبا —‏ لم اتمكن من منع نفسي من الضحك.‏ فكفتاة شابة في الـ‍ ١٩ من العمر لا خبرة لها بأمور كالسجن،‏ بقيت في حالة نفسية جيدة.‏ وبعد وقت قصير ابتهجت كثيرا عندما عرفت انه لم يُحتجز شخص آخر من عائلتنا.‏

كان خطرا في تلك السنوات ان يكون المرء واحدا من شهود يهوه في ما كان يُعرف آنذاك بتشيكوسلوڤاكيا.‏ كان البلد تحت الحكم الشيوعي،‏ وكان الشهود تحت الحظر.‏ فكيف صارت عائلتنا على علاقة وثيقة الى هذا الحد بهيئة محظورة؟‏

كيف صرنا شهودا

كان ابي،‏ المولود في پراڠ،‏ من خلفية پروتستانتية ومخلصا جدا في معتقداته الدينية.‏ التقى امي في عشرينات الـ‍ ١٩٠٠ عندما اتت الى پراڠ من اجل دروس طبية.‏ كانت من منطقة تدعى بسارابيا،‏ التي كانت جزءا من روسيا في طفولتها.‏ وبعد ان تزوجا،‏ انضمت الى كنيسة زوجها مع انها كانت يهودية.‏ لكنها لم تكن راضية عنها.‏

خلال الحرب العالمية الثانية،‏ وُضع ابي في معسكر عمل الزامي،‏ وكاد يُقضى على امي في المحرقة.‏ كانت تلك سنوات صعبة علينا،‏ لكننا بقينا جميعا احياء.‏ وفي منتصف العام ١٩٤٧،‏ بعد سنتين من نهاية الحرب،‏ قامت عمّة لي،‏ كانت واحدة من شهود يهوه،‏ بصنع اشتراك لعائلتنا في برج المراقبة.‏ وكانت امي اول مَن ابتدأ بقراءتها،‏ وسرعان ما قبلت الرسالة المقدَّمة فيها على انها الحق الذي كانت تبحث عنه.‏

في البداية كانت تقول القليل لنا نحن الباقين،‏ لكنها عرفت اين تُعقد الاجتماعات في پراڠ وابتدأت تحضرها.‏ وفي غضون اشهر قليلة،‏ في ربيع السنة ١٩٤٨،‏ اعتمدَت في محفل دائري للشهود.‏ ثم دعتنا الى الانضمام اليها في حضورها للاجتماعات.‏ فوافق ابي بتردُّد.‏

كانت الاجتماعات تُعقد في قاعة صغيرة في وسط پراڠ،‏ حيث ابتدأنا نحضر كعائلة.‏ كانت تنتابنا ابي وأنا مشاعر متضاربة،‏ مشاعر الفضول والارتياب على السواء.‏ وأدهشنا ان يكون لأمي اصدقاء جدد تعرِّفهم بنا.‏ وتأثرتُ بحماسهم وتفكيرهم المنطقي،‏ وبمدى تقديرهم الظاهر لأخوَّتهم.‏

وعندما رأت امي تجاوبنا المؤاتي،‏ اقترحت ان يُدعى الشهود الى بيتنا لإجراء مناقشات مفصلة.‏ وكم صُدمنا ابي وأنا عندما اظهروا لنا من كتابنا المقدس انه ليست هنالك نفس خالدة ولا ثالوث!‏ نعم،‏ كان امرا مدهشا ان نعرف ما تعنيه حقا الصلاة من اجل تقديس اسم اللّٰه وإتيان ملكوته.‏

بعد اسابيع قليلة دعا ابي عددا من رجال دين كنيسته الى بيتنا.‏ وقال:‏ «ايها الاخوة،‏ اريد ان اناقش بعض النقاط من الاسفار المقدسة معكم.‏» وعند ذلك عرض خطوة بعد خطوة العقائد الاساسية في الكنيسة وأظهر كيف تناقض الكتاب المقدس.‏ فاعترف رجال الدين ان ما يقوله صحيح.‏ فاختتم ابي النقاش بالقول:‏ «لقد قررتُ،‏ وأنا اتكلم نيابة عن عائلتي،‏ ان اترك الكنيسة.‏»‏

حظْر العمل الكرازي

في شباط ١٩٤٨،‏ قبيل ابتدائنا ابي وأنا بحضور الاجتماعات،‏ سيطر الحزب الشيوعي على البلد.‏ كنت ارى رفقائي التلاميذ يُبلغون عن مدرِّسيهم،‏ ورأيت معلمين يخافون من والدي تلاميذهم.‏ وابتدأ كل شخص يتجنب الآخر.‏ ولكن،‏ في البداية،‏ لم يعكِّر شيء تقريبا عمل شهود يهوه.‏

وأحد الاوجه البارزة من سنة ١٩٤٨ بالنسبة الينا كان محفل شهود يهوه في پراڠ.‏ وأكثر من ٨٠٠‏,٢ شخص كانوا حاضرين من ١٠ الى ١٢ ايلول.‏ وبعد اسابيع قليلة،‏ في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٤٨،‏ اقتحمت الشرطة السرية مكتب الفرع وأُقفل.‏ وفي شهر نيسان التالي وُضع حظر رسمي على عملنا.‏

لم يُرهِب عائلتَنا ايٌّ من هذين الاجراءين،‏ وفي ايلول ١٩٤٩ حضرنا برنامجا خصوصيا في الغابة خارج پراڠ.‏ وبعد اسبوع اعتمدنا ابي وأنا.‏ ورغم اننا حاولنا ان نكون حذرين في العمل الكرازي،‏ أُلقي القبض عليَّ في شباط ١٩٥٢،‏ كما ذُكر في البداية.‏

استجواب متكرِّر

بعد ان استُجوبتُ عدة مرات،‏ استنتجت انني سأبقى في السجن فترة طويلة.‏ وبدا ان المستجوبين يعتقدون انه كلما طالت فترة سجن المرء مع عدم وجود ايّ شيء يشغل نفسه به،‏ زاد استعداده للتعاون.‏ لكني بقيت اتذكر ارشاد والديَّ،‏ وعمل ذلك على دعمي.‏ فغالبا ما كانا يقتبسان كلمات المزمور ٩٠:‏١٢‏،‏ مشجِّعَين اياي على ‹إحصاء ايامي،‏› اي تقديرها او تقييمها،‏ ‹فأوتى قلب حكمة.‏›‏

لذلك كنت اراجع في فكري مزامير بكاملها ومقاطع اخرى من الكتاب المقدس كنت قد حفظتها قبلا.‏ وكنت اتأمل ايضا في مقالات برج المراقبة التي درستها قبل ان أُسجن،‏ وكنت ارنم ترانيم الملكوت لنفسي.‏ وعلاوة على ذلك،‏ كانت هنالك في الاشهر الاولى من حبسي سجينات معي كنت اتحدث اليهن.‏ وكنت ايضا اراجع مواضيع تعلمتها في صفوف المدرسة،‏ وذلك لأني نجحت في الامتحانات النهائية قبل اشهر قليلة فقط.‏

بدا واضحا لي من الاستجوابات ان مخبرا كان يحضر احد دروسي للكتاب المقدس وأبلغ عن نشاطاتي الكرازية.‏ واستنتجت السلطات انني مسؤولة ايضا عن نُسخ مطبوعات الكتاب المقدس المضروبة على الآلة الكاتبة والتي صودرت في منزلنا.‏ وفي الواقع،‏ كان اخي البالغ من العمر ١٥ سنة فقط يقوم بضربها على الآلة الكاتبة.‏

بعد فترة اتضح للمستجوبين انني لن اورِّط ايّ شخص آخر،‏ لذلك بُذلت جهود لإقناعي بالعدول عن معتقداتي.‏ حتى انهم جعلوني اواجه شخصا كنت اعرفه كناظر جائل من شهود يهوه.‏ ومع انه كان هو نفسه سجينا،‏ فقد كان يتعاون الآن مع الشيوعيين في حملة تهدف الى جعل الشهود المسجونين الآخرين ينكرون ايمانهم.‏ كم كان انسانا بائسا!‏ وبعد سنوات،‏ بعد اطلاق سراحه،‏ اسرف في شرب الكحول حتى مات.‏

الحبس الانفرادي

بعد سبعة اشهر نُقلتُ الى سجن آخر ووُضعت في حبس انفرادي.‏ والآن صار يعود اليَّ وحدي فقط تحديد طريقة استخدامي للوقت.‏ كنت أُزوَّد بالكتب عند الطلب،‏ ولكنها طبعا لم تكن من نوع روحي.‏ لذلك وضعت برنامجا لنشاطي شمل فترات من القراءة بالاضافة الى وقت للتأمل في الامور الروحية.‏

لا بد لي ان اقول انني لم اشعر قط بأنني قريبة الى اللّٰه في صلواتي كما كنت آنذاك.‏ ولم تبدُ لي من قبل فكرة اخوَّتنا العالمية عزيزة الى هذا الحد.‏ وكنت كل يوم احاول ان اتخيل كيف تنتشر البشارة في تلك اللحظة المعيَّنة في مناطق مختلفة من الارض.‏ وكنت اتخيل نفسي اشارك في هذا العمل،‏ مقدِّمة عروض الكتاب المقدس للناس.‏

ومع ذلك،‏ في هذا الجو الهادئ،‏ وقعت اخيرا في شرك.‏ فلأني كنت دائما احب المطالعة وأتوق الى الحصول على انطباعات من الخارج،‏ صرت احيانا استغرق في قراءة كتاب معيَّن الى حد اهمال برنامج تأملي في الامور الروحية.‏ وبعد ان يحدث ذلك،‏ كنت دائما اشعر بالندم.‏

وهكذا،‏ أُخذت في صباح احد الايام الى مكتب المدعي العام.‏ لم يجرِ التحدث عن موضوع معيَّن —‏ فقط نتائج استجوابات سابقة.‏ وشعرت بخيبة الامل لأنه لم يحدَّد تاريخ المحاكمة للنظر في قضيتي.‏ وبعد نحو نصف ساعة عدت الى زنزانتي.‏ وهناك فقدت رباطة جأشي وابتدأت ابكي.‏ لماذا؟‏ هل ظهر فيَّ اخيرا التأثير المعاكس للاسابيع الطويلة في الحبس الانفرادي؟‏

بدأت احلل مشكلتي وحددت السبب بسرعة.‏ ففي اليوم السابق،‏ استغرقت كثيرا في القراءة،‏ ومن جديد لم احافظ على نشاطاتي الروحية.‏ لذلك عندما أُخذت فجأة للاستجواب،‏ لم اكن في حالة نفسية مدعومة بروح الصلاة كما كان ينبغي.‏ فسكبت قلبي ليهوه بسرعة وصممت ألّا اهمل ابدا ثانية الامور الروحية.‏

وبعد ذلك الاختبار قررتُ ان الغي القراءة كليا.‏ وعندئذ خطرت على بالي فكرة افضل،‏ ان اجبر نفسي على قراءة اللغة الالمانية.‏ خلال الاحتلال الالماني في الحرب العالمية الثانية،‏ أُجبرنا على تعلُّم الالمانية في المدرسة.‏ ولكن بسبب الامور المريعة التي كانوا يقومون بها خلال احتلالهم لپراڠ،‏ اردت بعد الحرب ان انسى كل شيء الماني،‏ بما في ذلك اللغة.‏ فصممت الآن ان اكون صارمة مع نفسي وأتعلم الالمانية من جديد.‏ لكنَّ ما قُصد ان يكون عقابا تحول الى بركة.‏ دعوني اوضح.‏

كان بإمكاني الحصول على طبعات المانية وتشيكية على السواء من بعض الكتب،‏ فبدأت ادرِّب نفسي على الترجمة من الالمانية الى التشيكية ومن التشيكية الى الالمانية.‏ ولم يتضح فقط ان هذا العمل هو علاج آخر للتأثيرات المؤذية المحتملة للحبس الانفرادي بل خدم ايضا قصدا نافعا في المستقبل.‏

اطلاق السراح ومواصلة الكرازة

وأخيرا،‏ بعد ثمانية اشهر في الحبس الانفرادي،‏ رُفعت قضيتي الى المحكمة.‏ واتُّهمت بالقيام بنشاط هدَّام وحُكم عليَّ بالسجن سنتين.‏ وبما اني كنت قد قضيت ١٥ شهرا وبما ان قرار عفو صدر مع انتخاب رئيس جديد،‏ أُطلق سراحي.‏

عندما كنت في السجن صليت ان لا تتملك عائلتي الهموم بشأني،‏ وعند عودتي الى البيت وجدت ان هذه الصلاة قد استجيبت.‏ كان ابي طبيبا،‏ وشجع كثيرين من مرضاه على درس الكتاب المقدس.‏ ونتيجةً لذلك،‏ كانت امي تدير نحو ١٥ درسا في الاسبوع.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ كان ابي يدير فريقا لدرس مجلة برج المراقبة.‏ وكان يترجم ايضا بعض مطبوعات جمعية برج المراقبة من الالمانية الى التشيكية،‏ وكان اخي يطبع النسخ على الآلة الكاتبة.‏ فانهمكت بسرعة في النشاط الروحي ولم يمضِ وقت طويل حتى صرت اعقد دروسا في الكتاب المقدس.‏

تعيين جديد

بعد ظهر يوم ماطر في تشرين الثاني ١٩٥٤،‏ قُرع الباب.‏ وعند الباب وقف كونستانتن پاوكرت،‏ احد الذين يأخذون القيادة في العمل الكرازي،‏ والماء يجري من مِمطره الپلاستيكي الرمادي الغامق.‏ عادةً كان يطلب التكلم مع ابي او اخي پاڤل،‏ لكنه سألني هذه المرة:‏ «أيمكنكِ ان تخرجي في نزهة قصيرة؟‏»‏

مشينا برهةً قصيرة دون كلام،‏ وكان بعض المشاة يمرُّون بنا.‏ وكان الضوء الخافت من مصابيح الشوارع ينعكس بشكل خفيف على السطح المبلل للرصيف الاسود.‏ ونظر كونستانتن الى الوراء؛‏ لم يكن هنالك انسان في الشارع وراءنا.‏ فسأل فجأة:‏ «هل ترغبين في ان تساعدي في عمل ما؟‏» فأومأتُ برأسي موافقة وأنا مندهشة.‏ وتابع قائلا:‏ «نريد انجاز بعض الترجمة.‏ يجب ان تجدي مكانا تعملين فيه انما ليس في البيت ولا مع شخص تعرفه الشرطة.‏»‏

بعد ايام قليلة كنت جالسة وراء مكتب في شقة صغيرة هي ملك لزوجين متقدمين في السن لا اعرفهما.‏ كانا من مرضى ابي،‏ ولم يكن قد مرَّ وقت طويل على الابتداء بدرس الكتاب المقدس معهما.‏ وهكذا اتضح ان درسي اللغة الالمانية في السجن كان قيِّما،‏ اذ كنا نترجم آنذاك مطبوعاتنا من الالمانية الى التشيكية.‏

وبعد اسابيع قليلة سُجن الاخوة المسيحيون الذي يأخذون القيادة في العمل،‏ بمن فيهم الاخ پاوكرت.‏ ولكنَّ كرازتنا لم تُوقَف.‏ وساعدت نساء،‏ بمن فيهن امي وأنا،‏ في الاهتمام بفرق درس الكتاب المقدس وخدمتنا المسيحية.‏ وخدم اخي پاڤل،‏ مع انه كان لا يزال مراهقا،‏ كساعٍ لتوزيع المطبوعات والارشادات التنظيمية في كل انحاء الجزء الناطق بالتشيكية من البلد.‏

رفيق حبيب

في اواخر سنة ١٩٥٧،‏ أُطلق سراح ياروسلاڤ هالا من السجن وقتيا للمعالجة الطبية،‏ وهو شاهد أُوقف في سنة ١٩٥٢ وحُكم عليه بالسجن ١٥ سنة.‏ فاتصل به پاڤل في الحال،‏ وسرعان ما عاد ياروسلاڤ ينهمك من جديد في مساعدة الاخوة.‏ وبما انه كان يعرف اللغتين جيدا،‏ ابتدأ يقوم بمعظم عمل الترجمة.‏

في مساء احد الايام في اواسط سنة ١٩٥٨،‏ دعانا ياروسلاڤ پاڤل وأنا للتنزه.‏ كنا نقوم بذلك عادةً لمناقشة مسائل تنظيمية،‏ لأنه كان في شقتنا جهاز تنصُّت.‏ ولكن بعد ان تكلم على حدة مع پاڤل،‏ طلب منه ان ينتظر على مقعد في المنتزه فيما نواصل نحن الاثنين سيرنا.‏ وبعد مناقشة قصيرة تتعلق بمهماتي،‏ سألني ما اذا كنتُ ارغب،‏ بالرغم من صحته الضعيفة ومستقبله غير الاكيد،‏ في التزوُّج به.‏

ادهشني طلب اليد الصادق والمباشر هذا من قِبل شخص اكنُّ له احتراما كبيرا،‏ فوافقت دون تردُّد.‏ وجعلتني خطبتنا على اتصال وثيق بوالدة ياروسلاڤ،‏ وهي مسيحية ممسوحة.‏ كانت هي وزوجها بين الشهود الاولين في پراڠ في اواخر عشرينات الـ‍ ١٩٠٠.‏ وقد سجنهما النازيون خلال الحرب العالمية الثانية،‏ ومات زوجها في سجن شيوعي سنة ١٩٥٤.‏

قبل ان نتزوج،‏ استدعت السلطات يارا،‏ كما كنا ندعوه.‏ وقالوا له انه عليه إما ان يقبل اجراء عملية لذات الجنب pleurisy المزمن المصاب به —‏ الامر الذي عنى آنذاك قبول نقل الدم —‏ او يقضي باقي عقوبته في السجن.‏ وبما انه رفض العملية،‏ فقد عنى ذلك انه بقيت له عشر سنوات تقريبا من السَّجن.‏ فقررتُ ان انتظره.‏

وقت امتحان وشجاعة

في اوائل سنة ١٩٥٩ أُخذ يارا الى السجن،‏ وبعد وقت قصير تلقينا رسالة تشير الى انه في حالة نفسية جيدة.‏ وبعد ذلك انقضت فترة طويلة قبل ان تصل رسالة كان لها وقع الصاعقة علينا.‏ فقد عبَّرت عن الاسف،‏ الحزن،‏ والخوف،‏ كما لو ان يارا يعاني انهيارا عصبيا.‏ فقالت امه:‏ «لا بد ان شخصا آخر كتبها.‏» لكنَّ الخط كان خطه!‏

فكتبنا امه وأنا اليه وعبَّرنا عن ثقتنا بيهوه وشجعناه.‏ وبعد اسابيع كثيرة،‏ وصلت رسالة اخرى،‏ وكانت محيِّرة اكثر.‏ فقالت امه ايضا:‏ «لا يمكن ان يكون هو مَن كتبها.‏» ولكنَّ الخط كان حتما نمطه،‏ وكانت هنالك ايضا تعابيره المميِّزة.‏ ثم لم نتلقَّ اية رسائل اخرى،‏ ولم يُسمح بالزيارات.‏

وبشكل مماثل،‏ تلقى يارا رسائل مقلقة زُعم انها منا.‏ كانت رسائل امه تلومه على تركها وحدها وهي في هذه السن المتقدمة،‏ وكانت رسائلي تعرب عن الانزعاج لاضطراري الى انتظاره كل هذه المدة.‏ وكان في هذه الرسائل ايضا تشابه كبير في خطَّينا وطريقتَينا في التعبير.‏ في البداية انزعج هو ايضا،‏ لكنه اقتنع في ما بعد بأنه لا يمكن ان نكون نحن مَن كتب الرسائل.‏

في احد الايام اتى شخص الى الباب،‏ سلَّمَني حزمة صغيرة،‏ وانصرف مسرعا.‏ كانت فيها عشرات من رقاقات اوراق السجائر،‏ وعليها كُتبت اصغر كتابة يد ممكنة.‏ كان يارا قد نسخ الرسائل التي زُعم اننا كتبناها،‏ بالاضافة الى عدد من رسائله غير المراقَبة.‏ وبعد ان تسلَّمنا هذه الاوراق التي هرَّبها سجين غير شاهد أُطلق سراحه،‏ كم ارتحنا وشكرنا يهوه!‏ وحتى هذا اليوم لا نعرف ابدا كيف او مَن هو العقل الموجِّه الذي قام بهذه المحاولة الشيطانية لكسر استقامتنا.‏

ولاحقا سُمح لوالدة يارا بأن تزور ابنها.‏ وفي تلك المناسبات كنت ارافقها الى بوابة السجن وأراقب هذه المرأة الصغيرة القدّ والضعيفة تقوم بأعمال تنمُّ عن شجاعة كبيرة.‏ فمع ان الحراس كانوا يراقبون،‏ كانت تمسك يد ابنها وتمرِّر اليه مطبوعة مصوَّرة فوتوڠرافيا صغيرة الى اقصى حد ممكن.‏ ورغم ان اكتشاف ذلك كان يعني عقابا شديدا،‏ وخصوصا على ابنها،‏ فقد اتكلت على يهوه،‏ مدركةً ان المحافظة على الصحة الروحية لها دائما الاولوية.‏

ولاحقا،‏ في سنة ١٩٦٠،‏ أُعلن عن عفو عام،‏ وأُطلق سراح معظم الشهود من السجن.‏ وعاد يارا الى البيت،‏ وبعد اسابيع قليلة صرنا زوجين سعيدين متزوِّجين حديثا.‏

تغيير نمط حياتي

عُيِّن يارا في العمل الجائل،‏ خادما مصالح الاخوة في كل انحاء البلد.‏ وفي السنة ١٩٦١ عُيِّن له تنظيم اول صف لمدرسة خدمة الملكوت في الجزء الناطق بالتشيكية من البلد،‏ بالاضافة الى ادارة العديد من صفوف المدرسة بعد ذلك.‏

وبسبب التغييرات السياسية التي حصلت في تشيكوسلوڤاكيا سنة ١٩٦٨،‏ تمكن في السنة التالية عدد منا من حضور المحفل الاممي «السلام على الارض» لشهود يهوه في نورمبورڠ،‏ المانيا.‏ لكنَّ السلطات لم تسمح ليارا بأن يغادر البلد.‏ فالتقط البعض منا صورا منزلقة لذلك المحفل الكبير،‏ وحصل يارا على امتياز المشاركة في تقديم برنامج مقوٍّ للايمان أبرزَ هذه الصور في كل انحاء البلد.‏ وتمنى كثيرون ان يروا البرنامج مرارا وتكرارا.‏

لم نكن ندرك ان هذه ستكون المرة الاخيرة التي يزور فيها يارا الاخوة.‏ ففي اوائل سنة ١٩٧٠،‏ تدهورت صحته بشكل مفاجئ.‏ والالتهاب المزمن،‏ الذي تعلَّم العيش معه،‏ أثَّر في كليتيه،‏ وكان القصور الكلوي مميتا.‏ فمات وهو في الـ‍ ٤٨ من العمر.‏

مدعومة بعون يهوه

فقدتُ مَن احببته حبا جما.‏ ولكني مُنحت عونا سريعا ضمن هيئة اللّٰه،‏ لأنه سُمح لي بأن اشارك في ترجمة مطبوعات الكتاب المقدس.‏ كان ذلك كما لو اني في سباق تتابع،‏ اذ شعرت بأن زوجي سلَّمني العصا لأواصل ذلك الجزء من العمل الذي كان يقوم به.‏

كثيرون منا في اوروپا الشرقية خدموا يهوه طوال اكثر من ٤٠ سنة تحت الحظر الشيوعي.‏ ثم،‏ في سنة ١٩٨٩،‏ بإزاحة الستار الحديدي،‏ بدأت الحياة هنا تتغير بشكل مذهل.‏ كنت احلم بأن يعقد شهود يهوه محفلا في مدرَّج ستراهوف الضخم في پراڠ،‏ ولم اتصور قط ان هذا الحلم سيتحقق.‏ لكنه تحقق في آب ١٩٩١ بطريقة رائعة عندما اجتمع اكثر من ٠٠٠‏,٧٤ في عبادة مفرحة!‏

لم يعد لتشيكوسلوڤاكيا وجود في كانون الثاني ١٩٩٣ عندما قُسِّم البلد الى بلدين —‏ الجمهورية التشيكية وسلوڤاكيا.‏ وكم فرحنا عندما منحت الجمهورية التشيكية في ١ ايلول ١٩٩٣ شهود يهوه الاعتراف الرسمي!‏

اعرف من اختبارات حياتي ان يهوه يخبئ دائما بركة لنا،‏ شرط ان نسمح له بأن يعلمنا كيف نحصي ايامنا.‏ (‏مزمور ٩٠:‏١٢‏)‏ وأصلي دائما الى يهوه ان يعلمني كيف احصي باقي ايامي في نظام الاشياء هذا لكي اكون،‏ في الايام التي لا تحصى في عالمه الجديد في المستقبل،‏ بين خدامه السعداء.‏

‏[الصورة في الصفحة ١٩]‏

امي وأبي

‏[الصورة في الصفحة ٢١]‏

اجتماع في الغابة سنة ١٩٤٩ خلال الحظر:‏ ١-‏ اخي پاڤل،‏ ٢-‏ امي،‏٣-‏ ابي،‏ ٤-‏ انا،‏ ٥-‏ الاخ هالا

‏[الصورة في الصفحة ٢٢]‏

مع زوجي يارا

‏[الصورتان في الصفحة ٢٣]‏

والدة يارا والمطبوعات المصوَّرة فوتوڠرافيا التي كانت تهرِّبها له

‏[الصورة في الصفحة ٢٤]‏

اعمل اليوم في الفرع في پراڠ

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة