مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • بص «الروح»‏
  • الروح

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • الروح
  • بصيرة في الاسفار المقدسة
  • مواد مشابهة
  • الروح القدس —‏ قوة اللّٰه الفعالة
    هل يجب ان تؤمنوا بالثالوث؟‏
  • الروح
    المباحثة من الاسفار المقدسة
  • ‏«النفس» و «الروح» —‏ المعنى الحقيقي لهاتين الكلمتين
    ماذا يعلّم الكتاب المقدس حقا؟‏
  • لمَ الاسترشاد بروح اللّٰه؟‏
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠١١
المزيد
بصيرة في الاسفار المقدسة
بص «الروح»‏

الروح

تشتق الكلمة اليونانية پنِفما (‏روح)‏ من الكلمة پنِيو التي تعني «تنفَّس او نفَخ»،‏ ويُعتقَد ان الكلمة العبرانية رواح (‏روح)‏ تشتق من جذر يحمل نفس المعنى.‏ إذًا،‏ تعني الكلمتان رواح و پنِفما بشكل اساسي «نسمة» او «نفَسا»،‏ لكن لديهما معانٍ اوسع من ذلك.‏ (‏قارن حب ٢:‏١٩؛‏ رؤ ١٣:‏١٥‏.‏)‏ فتعنيان ايضا ريحا؛‏ قوة الحياة في المخلوقات الحية؛‏ روح الشخص (‏القوة الدافعة التي تجعله يتكلم ويتصرف بطريقة معيَّنة)‏؛‏ كائنات روحانية،‏ بمَن فيها اللّٰه وملائكته؛‏ وقوة اللّٰه العاملة،‏ او الروح القدس.‏ (‏قارن Lexicon in Veteris Testamenti Libros تحرير كوهلر وباومغارتنر،‏ لايدن،‏ ١٩٥٨،‏ الصفحات ٨٧٧-‏٨٧٩؛‏ معجم عبراني وإنكليزي للعهد القديم تحرير براون ودرايفر وبريغز،‏ ١٩٨٠،‏ الصفحات ٩٢٤-‏٩٢٦؛‏ القاموس اللاهوتي للعهد الجديد تحرير غ.‏ فريدريك،‏ ترجمة ج.‏ بروميلي،‏ ١٩٧١،‏ المجلد ٦،‏ الصفحات ٣٣٢-‏٤٥١.‏)‏ كل هذه المعاني لديها شيء مشترك:‏ كلها تشير الى ما لا تراه العين البشرية وما يعطي دليلا على وجود قوة متحرِّكة.‏ وهذه القوة غير المنظورة لها تأثيرات منظورة.‏

هناك كلمة عبرانية اخرى هي نِشاماه (‏تك ٢:‏٧‏)‏ تُترجَم عموما ايضا الى «نسمة»،‏ ولكن لديها معانٍ محدودة اكثر من رواح‏.‏ ويبدو ان الكلمة اليونانية پنوي لها معنى محدود مماثل (‏اع ١٧:‏٢٥‏)‏،‏ وقد استعملها مترجمو السبعينية لينقلوا نِشاماه.‏

الريح:‏ لنتأمل اولا في المعنى الذي ربما يكون الاسهل.‏ في معظم الحالات،‏ يُظهر سياق الكلام ان كلمة رواح تعني «ريحا»،‏ مثل «الريح الشرقية» (‏خر ١٠:‏١٣‏)‏ و ‹الرياح الاربع›.‏ (‏زك ٢:‏٦‏)‏ وما يساعد على ترجمتها بهذا المعنى هو ذكر الغيوم،‏ العاصفة،‏ تطايُر القش،‏ او ما يشبهها في السياق.‏ (‏عد ١١:‏٣١؛‏ ١ مل ١٨:‏٤٥؛‏ ١٩:‏١١؛‏ اي ٢١:‏١٨‏)‏ ولأن الرياح الاربع تشير الى الجهات الاربع،‏ الشرق والغرب والشمال والجنوب،‏ يمكن ان تُنقل رواح احيانا الى ‹جهة› او «جانب».‏ —‏ ١ اخ ٩:‏٢٤؛‏ ار ٤٩:‏٣٦؛‏ ٥٢:‏٢٣؛‏ حز ٤٢:‏١٦-‏٢٠‏.‏

تقول ايوب ٤١:‏١٥،‏ ١٦ ان حراشف لَوِياثان مرصوصة معا بإحكام «لا يدخل بينها حتى الهواء [‏رواح‏]».‏ هنا ايضا تشير كلمة رواح الى الهواء عندما يهبّ،‏ لا عندما يكون ساكنا.‏ وهكذا تبرز فكرة وجود قوة غير منظورة،‏ وهي من ابرز خصائص الكلمة العبرانية رواح.‏

يبدو ان المرة الوحيدة التي ترد فيها الكلمة پنِفما في الاسفار اليونانية المسيحية بمعنى «ريح» هي في يوحنا ٣:‏٨‏.‏

لا يستطيع الانسان ان يسيطر على الريح.‏ فهو لا يقدر ان يوجِّهها او يضبطها او يمتلكها.‏ لذلك غالبا ما تُستخدَم كلمة «ريح [‏رواح‏]» للاشارة الى اي امر لا يقدر الانسان ان يتحكم فيه او يحصل عليه،‏ امر لا يمكن الإمساك به،‏ سريع الزوال،‏ فارغ وبلا فائدة حقيقية.‏ (‏قارن اي ٦:‏٢٦؛‏ ٧:‏٧؛‏ ٨:‏٢؛‏ ١٦:‏٣‏،‏ حاشية ع‌ج؛‏ ام ١١:‏٢٩؛‏ ٢٧:‏١٥،‏ ١٦؛‏ ٣٠:‏٤؛‏ جا ١:‏١٤،‏ ١٧؛‏ ٢:‏١١؛‏ اش ٢٦:‏١٨؛‏ ٤١:‏٢٩‏.‏)‏ من اجل مناقشة مفصَّلة لهذا المعنى،‏ انظر «الريح».‏

الكائنات الروحانية:‏ لا يقدر الانسان ان يرى اللّٰه (‏خر ٣٣:‏٢٠؛‏ يو ١:‏١٨؛‏ ١ تي ١:‏١٧‏)‏؛‏ واللّٰه حي،‏ وقوَّته العظيمة تظهر في كل الكون.‏ (‏٢ كو ٣:‏٣؛‏ اش ٤٠:‏٢٥-‏٣١‏)‏ قال المسيح يسوع:‏ «اللّٰه روح [‏پنِفما‏]».‏ وكتب الرسول بولس:‏ «يهوه هو الروح».‏ (‏يو ٤:‏٢٤؛‏ ٢ كو ٣:‏١٧،‏ ١٨‏)‏ كما ان الهيكل الذي بُني على المسيح،‏ حجر الزاوية الاساسي،‏ هو ‹مكان لسكنى اللّٰه بالروح›.‏ —‏ اف ٢:‏٢٢‏.‏

هذا لا يعني ان اللّٰه هو قوة لا جسم لها ولا شخصية،‏ مثل الريح.‏ فالاسفار المقدسة تخبر عن صفاته،‏ وتتحدث عن مكان وجوده.‏ فالمسيح قال انه ‹سيذهب الى ابيه› لكي «يظهر .‏.‏.‏ امام حضرة اللّٰه من اجلنا».‏ —‏ يو ١٦:‏٢٨؛‏ عب ٩:‏٢٤‏؛‏ قارن ١ مل ٨:‏٤٣؛‏ مز ١١:‏٤؛‏ ١١٣:‏٥،‏ ٦‏؛‏ انظر «‏يهوه‏» (‏الإله الذي يحمل هذا الاسم)‏.‏

ان كلمة «روحي (‏بالعبرانية روحي‏)‏» التي استعملها اللّٰه في التكوين ٦:‏٣ قد تعني «انا الروح».‏ وهكذا يُظهر اللّٰه الفرق بين مركزه الروحاني في السموات ومركز الانسان على الارض.‏

ابن اللّٰه:‏ كان كلمة اللّٰه،‏ ‹مولوده الوحيد›،‏ كائنا روحانيا مثل ابيه،‏ وبالتالي «كان بهيئة اللّٰه».‏ (‏في ٢:‏٥-‏٨‏)‏ لكنه لاحقا «صار جسدا»،‏ وعاش بين الناس كإنسان.‏ (‏يو ١:‏١،‏ ١٤‏)‏ وعندما انتهت حياة يسوع على الارض،‏ ‹أُميت في الجسد،‏ ولكن أُحيي في الروح›.‏ (‏١ بط ٣:‏١٨‏)‏ فقد اقام الآب ابنه،‏ ولبى طلبه ان يمجده ابوه بقربه مثلما كان ممجدا قبل ان يصير انسانا (‏يو ١٧:‏٤،‏ ٥‏)‏،‏ وجعله «روحا محييا».‏ (‏١ كو ١٥:‏٤٥‏)‏ ومن جديد لم يعد البشر يقدرون ان يروا الابن،‏ لأنه صار «في نور لا يُدنى منه،‏ .‏.‏.‏ لم يره احد من الناس ولا يقدر ان يراه».‏ —‏ ١ تي ٦:‏١٤-‏١٦‏.‏

مخلوقات روحانية اخرى:‏ تشير آيات عديدة الى الملائكة بالكلمتَين رواح و پنِفما.‏ (‏١ مل ٢٢:‏٢١،‏ ٢٢؛‏ حز ٣:‏١٢،‏ ١٤؛‏ ٨:‏٣؛‏ ١١:‏١،‏ ٢٤؛‏ ٤٣:‏٥؛‏ اع ٢٣:‏٨،‏ ٩؛‏ ١ بط ٣:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ وفي الاسفار اليونانية المسيحية،‏ تشير كلمة «روح» في غالبية تلك المرات الى مخلوقات روحانية شريرة،‏ اي شياطين.‏ —‏ مت ٨:‏١٦؛‏ ١٠:‏١؛‏ ١٢:‏٤٣-‏٤٥؛‏ مر ١:‏٢٣-‏٢٧؛‏ ٣:‏١١،‏ ١٢،‏ ٣٠‏.‏

يقول المزمور ١٠٤:‏٤ ان اللّٰه صنع «ملائكته ارواحا،‏ وخدامه نارا ملتهمة».‏ لكنَّ بعض الترجمات تنقل هذه الآية الى:‏ «صنعتَ الرياح رسلك ولهيب النيران خدامك»،‏ او ما يشبه ذلك.‏ (‏جد،‏ ي‌ج،‏ ت‌ع‌م‏)‏ ومثل هذه الترجمة للنص العبراني تُعتبر مقبولة.‏ (‏قارن مز ١٤٨:‏٨‏.‏)‏ إلا ان اقتباس الرسول بولس للآية (‏عب ١:‏٧‏)‏ ينسجم مع نص الآية في المزمور كما يرد في الترجمة السبعينية اليونانية،‏ ويتوافق مع الترجمة التي ترد في بداية الفقرة.‏ (‏في النص اليوناني للعبرانيين ١:‏٧‏،‏ تُستعمل اداة التعريف [‏توس‏] قبل كلمة «ملائكة»،‏ وليس قبل كلمة «ارواح [‏پنِفماتا‏]»،‏ ما يدل ان الحديث هو عن الملائكة.‏)‏ يرد في ملاحظات بارنز حول العهد الجديد (‏١٩٧٤)‏:‏ «يُفترض ان [بولس] يعرف اكثر منا المعنى المقصود من تركيبتها [اشارة الى المزمور ١٠٤:‏٤‏]،‏ لأنه كان ضليعا في اللغة العبرانية.‏ ومن البديهي القول ان [بولس]،‏ لكي يدعم حجته،‏ استخدم هذه الآية مثلما فهمها عموما مَن كتب لهم،‏ وهم اشخاص يعرفون اللغة العبرانية وكتاباتها».‏ —‏ قارن عب ١:‏١٤‏.‏

صحيح ان ملائكة اللّٰه يقدرون ان يتجسدوا ويتَّخذوا شكلا بشريا ويظهروا للناس،‏ إلا انهم ليسوا من طبيعة البشر،‏ وليست لديهم اجساد لحمية.‏ لذلك لا يمكننا رؤيتهم.‏ انهم احياء ولديهم قوة كبيرة،‏ لذلك فإن الكلمتَين رواح و پنِفما مناسبتان لوصفهم.‏

تقول افسس ٦:‏١٢ ان مصارعة المسيحيين «ليست ضد دم ولحم،‏ بل ضد الرئاسات،‏ ضد السلاطين،‏ ضد ولاة العالم على هذه الظلمة،‏ ضد القوى الروحية الشريرة في الاماكن السماوية».‏ ان الترجمة اليونانية الحرفية للجزء الاخير من هذه الآية هو:‏ «تجاه روحيات [باليونانية پنِفماتيكا‏] الشر في السماويات».‏ وقد فهم معظم مترجمي الكتاب المقدس ان الاشارة هنا ليست الى شيء مجرَّد،‏ مثل «الشرّ الروحي» (‏م‌ج‏)‏،‏ بل الى الشر الذي تمارسه كائنات روحانية.‏ لذلك ينقلون هذه العبارة الى:‏ «اجناد الشر الروحية في السماويات» (‏ع‌أ‏)‏،‏ «الارواح الشريرة في السماويات» (‏يس‏)‏،‏ «قوى الشر الروحية في الاماكن السماوية» (‏تف‏)‏.‏

قوة اللّٰه العاملة؛‏ الروح القدس:‏ في غالبية المرات التي ترد فيها كلمتا رواح و پنِفما تكون الاشارة الى روح اللّٰه،‏ قوته العاملة،‏ روحه القدس.‏

ليس كائنا له شخصية:‏ ابتداء من القرن الرابع ب‌م،‏ اعتمدت الكنيسة التعليم ان الروح القدس هو كائن له شخصية كواحد من اقانيم الذات الإلهية،‏ وصار ذلك جزءا من عقيدتها الرسمية.‏ غير ان «آباء» الكنيسة الاوائل لم يعلِّموا ذلك.‏ مثلا،‏ علَّم يوستينوس الشهيد في القرن الثاني ب‌م ان الروح القدس هو ‹عامل مؤثِّر من عند اللّٰه او الوسيلة التي يعمل بواسطتها›،‏ وهيبوليتوس لم ينسب الى الروح القدس اية شخصية.‏ وكل الاسفار المقدسة تُظهر ان روح اللّٰه القدس ليس كائنا،‏ بل القوة العاملة التي يستخدمها اللّٰه لينجز قصده ويتمم مشيئته.‏

من الملاحظ ان الكلمات «في السماء هم .‏.‏.‏ الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد» (‏ع‌أ‏)‏،‏ الموجودة في الترجمات الاقدم للآية في ١ يوحنا ٥:‏٧‏،‏ هي في الحقيقة كلمات ملفَّقة مضافة الى النص الاصلي.‏ فبحسب حاشية في الكتاب المقدس الاورشليمي،‏ وهي ترجمة كاثوليكية،‏ لا وجود لهذه الكلمات «في اي من المخطوطات اليونانية الباكرة،‏ ولا في اي من الترجمات الباكرة،‏ ولا في احسن مخطوطات الفولغات».‏ كما ان كتاب تعليق نصِّي على العهد الجديد اليوناني،‏ تحرير بروس متزغر (‏١٩٧٥،‏ الصفحات ٧١٦-‏٧١٨)‏ يتحدث بالتفصيل عن تاريخ هذه الكلمات الملفقة.‏ فهو يذكر انها وردت اولا في بحث (‏Liber Apologeticus‏)‏ يعود الى القرن الرابع،‏ وأنها تظهر في مخطوطات اللاتينية القديمة ومخطوطات الفولغات للاسفار المقدسة،‏ ابتداء من القرن السادس.‏ اما الترجمات العصرية،‏ وخصوصا الكاثوليكية،‏ فتُسلِّم ان هذه الكلمات ملفقة،‏ ولا تُدخلها في نص الآية.‏ —‏ ي‌ج،‏ ك،‏ ت‌ع‌م،‏ جد.‏

التشخيص ليس دليلا ان الروح له شخصية:‏ قال يسوع عن الروح القدس انه «معين»،‏ ووصفه بأنه «يعلِّم»،‏ «يشهد»،‏ ‹يقدِّم دليلا›،‏ «يرشد»،‏ «يتكلم»،‏ «يسمع»،‏ و «يأخذ».‏ ويُظهر النص اليوناني الاصلي ان يسوع استخدم احيانا الضمير المذكَّر ليشير الى «المعين» (‏البرقليط)‏.‏ (‏قارن يو ١٤:‏١٦،‏ ١٧،‏ ٢٦؛‏ ١٥:‏٢٦؛‏ ١٦:‏٧-‏١٥‏.‏)‏ والتشخيص،‏ اي تصوير اشياء وكأنها اشخاص لهم حياة،‏ هو اسلوب تستعمله الاسفار المقدسة عادة.‏ مثلا،‏ يستعمل سفر الامثال (‏١:‏٢٠-‏٣٣؛‏ ٨:‏١-‏٣٦‏)‏ التشخيص عند الحديث عن الحكمة.‏ فيقول انها «تصرخ» و «تنادي» و ‹تضحك› و ‹تسخر› و ‹تبغض› و ‹تحب›.‏ وتشخَّص ايضا الحكمة في متى ١١:‏١٩ ولوقا ٧:‏٣٥ حيث يُقال ان لديها ‹اعمالا› و ‹اولادا›.‏ والرسول بولس ايضا صوَّر الخطية والموت واللطف الفائق ‹كملوك›.‏ (‏رو ٥:‏١٤،‏ ١٧،‏ ٢١؛‏ ٦:‏١٢‏)‏ ويقول ان الخطية ‹وجدت حافزا›،‏ ‹انتجت طمعا›،‏ «اغوَت»،‏ و «قتلت».‏ (‏رو ٧:‏٨-‏١١‏)‏ لكن طبعا لم يقصد بولس ان الخطية هي كائن له شخصية.‏

اذًا،‏ لنفهم كلمات يسوع عن الروح القدس في رواية يوحنا،‏ يجب ان نأخذ سياق الكلام في الاعتبار.‏ فيسوع استعمل التشخيص عندما قال ان الروح القدس هو «معين» (‏باليونانية الاسم المذكر پاراكلِتوس‏)‏.‏ لذلك،‏ عندما نقل يوحنا كلمات يسوع التي اشار فيها الى دور الروح القدس ‹كمعين›،‏ استعمل ضمائر بصيغة المذكر.‏ اما في السياق نفسه الذي استعمل فيه يوحنا الكلمة اليونانية پنِفما،‏ فاستخدم ضميرا محايدا للاشارة الى الروح القدس،‏ فكلمة پنِفما هي بصيغة الجنس المحايد.‏ بناء على ذلك،‏ عندما استعمل يوحنا ضميرا مذكَّرا مع كلمة پاراكلِتوس،‏ كان يلتزم بقواعد اللغة ولم يكن يطرح عقيدة دينية.‏ —‏ يو ١٤:‏١٦،‏ ١٧؛‏ ١٦:‏٧،‏ ٨‏.‏

لا هوية خاصة به:‏ اللّٰه روح وهو قدوس،‏ وكل ابنائه الملائكة الامناء هم ارواح وقدوسون.‏ لذلك،‏ لو كان «الروح القدس» كائنا (‏اقنوما)‏،‏ لكان من المنطقي ان تكون هناك وسيلة في الاسفار المقدسة لتحديد هوية هذا الكائن الروحاني وتمييزه عن باقي ‹الارواح القدوسة›؛‏ او على الاقل،‏ ان تُستخدَم معه اداة التعريف كلما ذُكر،‏ فيُقال دائما «الروح القدس» (‏إلا طبعا حين يستلزم التركيب ان يقال مثلا «روح اللّٰه القدس»)‏.‏ لكنَّ الحقيقة ان آيات عديدة في النص اليوناني الاصلي تدعوه «روحا قدسا» بدون اداة التعريف،‏ مما يدل انه ليس اقنوما او كائنا عنده شخصية.‏ —‏ قارن اع ٦:‏٣،‏ ٥؛‏ ٧:‏٥٥؛‏ ٨:‏١٥،‏ ١٧،‏ ١٩؛‏ ٩:‏١٧؛‏ ١١:‏٢٤؛‏ ١٣:‏٩،‏ ٥٢؛‏ ١٩:‏٢؛‏ رو ٩:‏١؛‏ ١٤:‏١٧؛‏ ١٥:‏١٣،‏ ١٦،‏ ١٩؛‏ ١ كو ١٢:‏٣؛‏ عب ٢:‏٤؛‏ ٦:‏٤؛‏ ٢ بط ١:‏٢١؛‏ يه ٢٠‏،‏ بين وغيرها من الترجمات بين السطور.‏

ما هي المعمودية ‹باسمه›؟‏ في متى ٢٨:‏١٩ هناك اشارة الى «اسم الآب والابن والروح القدس».‏ لكنَّ كلمة «اسم» لا تعني بالضرورة الاسم العلم.‏ ففي اللغة العربية مثلا نقول «باسم القانون» او «باسم فلان».‏ وبذلك نقصد ‹بقوة او بسلطة القانون› او ‹بالنيابة عن فلان›.‏ والكلمة اليونانية التي تقابل كلمة «اسم» (‏أُنوما‏)‏ تُستعمَل بنفس الطريقة.‏ لذلك،‏ صحيح ان بعض الترجمات (‏ع‌أ،‏ يس‏)‏ تنقل الآية في متى ١٠:‏٤١ نقلا حرفيا عن النص اليوناني فتقول:‏ «مَن يقبل نبيا باسم نبي فأجر نبي يأخذ.‏ ومَن يقبل بارا باسم بار فأجر بار يأخذ»،‏ إلا ان الترجمات الاحدث تقول:‏ «يقبل نبيا لأنه نبي» و «يقبل بارا لأنه بار»،‏ او ما شابه.‏ (‏ي‌ج،‏ تف،‏ جد،‏ ك‌م١٢‏)‏ ايضا،‏ يرد في صوَر الكلام في العهد الجديد،‏ تحرير روبرتسن (‏١٩٣٠،‏ المجلد ١،‏ ص ٢٤٥)‏ تعليقا على متى ٢٨:‏١٩‏:‏ «ان استعمال ‹اسم› (‏أُنوما‏)‏ هنا هو بالمعنى الذي تعتمده عادة السبعينية ونصوص البردي مقابل قوة او سلطة».‏ بناء على ذلك،‏ تعني المعمودية ‹باسم الروح القدس› الاعتراف ان اللّٰه هو مصدر هذا الروح،‏ وأن الروح يعمل بحسب مشيئة اللّٰه.‏

ادلة اخرى انه ليس له شخصية:‏ هناك ادلة اخرى تدحض الفكرة ان الروح القدس كائن لديه شخصية.‏ فالاسفار المقدسة تذكره مع اشياء اخرى لا شخصية لها،‏ مثل الماء والنار.‏ (‏مت ٣:‏١١؛‏ مر ١:‏٨‏)‏ كما تقول ان المسيحيين يعتمدون «بروح قدس».‏ (‏اع ١:‏٥؛‏ ١١:‏١٦‏)‏ وتشجع الناس ان ‹يمتلئوا من الروح› لا من النبيذ.‏ (‏اف ٥:‏١٨‏)‏ وتتحدث عن اشخاص «ممتلئين» به وبصفات مثل الحكمة والايمان (‏اع ٦:‏٣،‏ ٥؛‏ ١١:‏٢٤‏)‏ او الفرح (‏اع ١٣:‏٥٢‏)‏.‏ وفي ٢ كورنثوس ٦:‏٦ يُعدَّد الروح القدس مع صفات اخرى.‏ فمن المستبعَد جدا ان تُذكر عبارات كهذه لو كان الروح القدس اقنوما إلهيا.‏ اما بالنسبة الى القول ان الروح «يشهد» (‏اع ٥:‏٣٢؛‏ ٢٠:‏٢٣‏)‏،‏ فتجدر الملاحظة ان ١ يوحنا ٥:‏٦-‏٨ تقول الامر نفسه عن الماء والدم.‏ وصحيح ان بعض الآيات تقول عن الروح انه «يشهد» و «يقول»،‏ إلا ان آيات اخرى توضح انه تكلم من خلال اشخاص،‏ لأنه هو نفسه لا يتكلم.‏ (‏قارن عب ٣:‏٧؛‏ ١٠:‏١٥-‏١٧؛‏ مز ٩٥:‏٧؛‏ ار ٣١:‏٣٣،‏ ٣٤؛‏ اع ١٩:‏٢-‏٦؛‏ ٢١:‏٤؛‏ ٢٨:‏٢٥‏.‏)‏ وهذا يشبه الموجات اللاسلكية التي تنقل كلمات شخص يتكلم عبر ميكروفون،‏ فيسمع صوته اشخاص في مكان بعيد،‏ كما لو ان مكبِّر الصوت في الراديو هو الذي «يتكلم».‏ وبنفس الطريقة،‏ يتواصل اللّٰه بواسطة روحه مع خدامه على الارض وينقل كلماته الى قلوبهم وعقولهم،‏ وهم بدورهم ينقلون كلماته الى آخرين.‏

ليس قوة داخلية كامنة:‏ عندما تُستعمل كلمتا رواح و پنِفما في الاسفار المقدسة للاشارة الى روح اللّٰه القدس،‏ يُقصد بهما قوة اللّٰه العاملة غير المرئية التي يستخدمها لينجز قصده ويتمم مشيئته.‏ وهذه القوة قدوسة لأنها تنبع من اللّٰه وليس من اي مصدر ارضي،‏ كما انها خالية من اي فساد لأنها «روح القداسة».‏ (‏رو ١:‏٤‏)‏ غير ان هذه القوة تختلف عن القوة الداخلية عند اللّٰه التي يُعبَّر عنها بالكلمة العبرانية كواح والكلمة اليونانية ديناميس.‏ ويُرى ذلك في استعمال الكلمتَين رواح و پنِفما في نفس السياق مع كواح و ديناميس (‏اللتَين تُنقلان الى «قوة» و «قدرة»)‏.‏ فمع ان هذا يدل على وجود ارتباط بين هذه الكلمات،‏ فهو يُظهر في نفس الوقت وجود فرق بينها.‏ (‏مي ٣:‏٨؛‏ زك ٤:‏٦؛‏ لو ١:‏١٧،‏ ٣٥؛‏ اع ١٠:‏٣٨‏)‏ فالكلمة ديناميس تعني من حيث الاساس القدرة على القيام بعمل ما،‏ إلا انها يمكن ان تكون كامنة وبحالة سكون في الشخص او الشيء ولا تُحدِث تأثيرا خارجيا.‏ اما پنِفما فتصف قوة عاملة،‏ اي قوة تُمارَس على شخص او شيء وتفعل فعلًا فيه.‏ وهكذا ينطبق عليها تعريف القوة بأنها «عامل مؤثِّر يسبِّب حركة،‏ او يغيِّر في الحركة».‏ ويمكن تشبيه ديناميس بالطاقة المخزنة في البطارية،‏ و پنِفما بالطاقة التي تخرج منها.‏ اذًا،‏ مع ان هذه الكلمات العبرانية واليونانية تُنقل كلها الى «قوة» و «قدرة» بالعربية،‏ من المهم ان نُبقي في بالنا الفرق في معنى هذه الكلمات باللغة الاصلية.‏

استخدامه في الخلق:‏ خلق يهوه اللّٰه الكون المادي بواسطة روحه،‏ او قوته العاملة.‏ ففي الحديث عن المراحل الاولى لتكوين كوكب الارض،‏ يذكر السجل ان ‹قوة اللّٰه الفعالة [‏رواح‏] كانت تروح وتجيء على وجه المياه›.‏ (‏تك ١:‏٢‏)‏ ويقول المزمور ٣٣:‏٦‏:‏ «بكلمة يهوه صُنعت السموات،‏ وبروح فمه كل جندها».‏ فاللّٰه يرسل روحه،‏ كما لو انه ينفخ بقوة،‏ كي يعمل شيئا ما حتى دون ان يلمسه.‏ (‏قارن خر ١٥:‏٨،‏ ١٠‏.‏)‏ وهو يستعمل روحه مثلما يستعمل الحِرَفي قوة يدَيه وأصابعه ليصنع شيئا.‏ لذلك،‏ يُقال عن روح اللّٰه انه ‹يده› او ‹اصابعه›.‏ —‏ قارن مز ٨:‏٣؛‏ ١٩:‏١؛‏ مت ١٢:‏٢٨‏؛‏ بـ‍ لو ١١:‏٢٠‏.‏

بحسب العلم الحديث،‏ المادة هي طاقة منظمة،‏ وكأنها كُتَل من الطاقة،‏ ويمكن «تحويل المادة الى طاقة والطاقة الى مادة».‏ (‏دائرة معارف الكتاب العالمي،‏ ١٩٨٧،‏ المجلد ١٣،‏ ص ٢٤٦)‏ والجزء الضخم من الكون الذي تمكَّن الانسان حتى الآن من اكتشافه بالتلسكوبات،‏ لا يعطينا إلا فكرة بسيطة عن الطاقة التي لا تنتهي والتي مصدرها يهوه اللّٰه.‏ كتب احد انبياء اللّٰه:‏ «مَن قاس روح يهوه؟‏».‏ —‏ اش ٤٠:‏١٢،‏ ١٣،‏ ٢٥،‏ ٢٦‏.‏

مصدر الحياة والقوى التناسلية:‏ كل المخلوقات الحية،‏ وليس فقط المخلوقات الجامدة،‏ تدين بوجودها وحياتها لعمل روح يهوه.‏ فهو الذي صنع المخلوقات الحية الاولى التي تكاثرت حتى امتلأت الارض اليوم بالمخلوقات الحية.‏ (‏قارن اي ٣٣:‏٤‏؛‏ انظر العنوان الفرعي «النسمة؛‏ نسمة الحياة؛‏ قوة الحياة» في هذه المقالة.‏)‏ كما استخدم يهوه روحه القدس ليعيد إحياء قوى ابراهيم وسارة التناسلية،‏ لذلك قيل عن اسحاق انه «المولود على حسب الروح».‏ (‏غل ٤:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ ايضا،‏ نقل اللّٰه بواسطة روحه حياة ابنه من السماء الى الارض،‏ الى رحم العذراء اليهودية مريم.‏ —‏ مت ١:‏١٨،‏ ٢٠؛‏ لو ١:‏٣٥‏.‏

استخدم اللّٰه روحه لأجل خدامه:‏ من ابرز الطرق التي يعمل بها روح اللّٰه هي انه ينقل المعلومات ويوضحها ويكشفها.‏ لذلك صلى داود:‏ «علمني ان افعل مشيئتك،‏ لأنك انت إلهي.‏ روحك صالح،‏ فليهدني في ارض الاستقامة».‏ (‏مز ١٤٣:‏١٠‏)‏ وقبل ذلك بكثير ساعد اللّٰه يوسف ان يفسِّر حلمَي فرعون النبويَّين.‏ وفرعون ادرك ان ذلك كان نتيجة عمل روح اللّٰه في يوسف.‏ (‏تك ٤١:‏١٦،‏ ٢٥-‏٣٩‏)‏ والنبوات هي اكثر ما يُظهر قدرة الروح على ايضاح المعلومات.‏ فالرسول بطرس قال ان النبوات لم تأتِ من تحليل بشر للظروف والاحداث،‏ ولم تكن نتيجة قدرة فطرية عند الانبياء على تفسير معناها ومغزاها،‏ او توقع الاحداث المستقبلية.‏ قال بطرس انهم كانوا «مسوقين بروح قدس»،‏ اي ان قوة اللّٰه العاملة قادتهم ودفعتهم ووجهتهم.‏ (‏٢ بط ١:‏٢٠،‏ ٢١؛‏ ٢ صم ٢٣:‏٢؛‏ زك ٧:‏١٢؛‏ لو ١:‏٦٧؛‏ ٢:‏٢٥-‏٣٥؛‏ اع ١:‏١٦؛‏ ٢٨:‏٢٥‏؛‏ انظر «النبوة»؛‏ «النبي».‏)‏ كذلك،‏ كل الاسفار المقدسة الموحى بها «موحى بها من اللّٰه»،‏ وهذا ما ينقل معنى الكلمة اليونانية ثِيوپنِفستوس التي تعني حرفيا «مِن نفْخ اللّٰه».‏ (‏٢ تي ٣:‏١٦‏)‏ فالروح عمل بعدة طرق ليتواصل مع هؤلاء الاشخاص ويوجههم.‏ ففي بعض الحالات جعلهم يرون رؤى او احلاما (‏حز ٣٧:‏١؛‏ يوء ٢:‏٢٨،‏ ٢٩؛‏ رؤ ٤:‏١،‏ ٢؛‏ ١٧:‏٣؛‏ ٢١:‏١٠‏)‏،‏ لكنه كان دائما يعمل في عقولهم وقلوبهم ليدفعهم ويوجههم بحسب قصد اللّٰه.‏ —‏ دا ٧:‏١؛‏ اع ١٦:‏٩،‏ ١٠؛‏ رؤ ١:‏١٠،‏ ١١‏؛‏ انظر «الوحي».‏

اذًا،‏ لا يكشف الروح مشيئة اللّٰه ويساعد على فهمها فقط،‏ بل ايضا يعطي خدامه القوة ليعملوا اعمالا تنسجم مع مشيئة اللّٰه.‏ فهو قوة تحركهم وتدفعهم.‏ وهذا ما قصده مرقس عندما قال ان الروح «دفع» يسوع ان يذهب الى الصحراء بعد معموديته.‏ (‏مر ١:‏١٢‏؛‏ قارن لو ٤:‏١‏.‏)‏ وهذا الروح يمكن ان يكون مثل نار مشتعلة فيهم تجعلهم ‹متقدين› بهذه القوة (‏١ تس ٥:‏١٩؛‏ اع ١٨:‏٢٥؛‏ رو ١٢:‏١١‏)‏؛‏ بكلمات اخرى،‏ انه يغلي في داخلهم و ‹يضغطهم› ليقوموا بعمل ما.‏ (‏قارن اي ٣٢:‏٨،‏ ١٨-‏٢٠؛‏ ٢ تي ١:‏٦،‏ ٧‏.‏)‏ فخدام اللّٰه يصيرون «تحت تأثير الروح» او ينالون «القوة من خلال روح» اللّٰه.‏ (‏لو ٢:‏٢٧؛‏ اف ٣:‏١٦‏؛‏ قارن مي ٣:‏٨‏.‏)‏ لكنَّ ما يحدث لهم ليس اندفاعا اعمى لا يدركون ما وراءه.‏ فالروح يؤثر في عقولهم وقلوبهم بشكل يتيح لهم التعاون بكل وعي مع هذه القوة العاملة التي اعطاها اللّٰه لهم.‏ لهذا السبب قال الرسول بولس للذين نالوا موهبة التنبؤ في الجماعة المسيحية ان «مواهب الروح التي للانبياء يضبطها الانبياء»،‏ ليجري كل شيء بترتيب داخل الجماعة.‏ —‏ ١ كو ١٤:‏٣١-‏٣٣‏.‏

انواع مختلفة من الاعمال:‏ مثلما يستخدم الانسان التيار الكهربائي لينجز اعمالا مختلفة كثيرة،‏ يستخدم اللّٰه روحه ليفوِّض اشخاصا ويمكِّنهم من انجاز اعمال مختلفة كثيرة.‏ (‏اش ٤٨:‏١٦؛‏ ٦١:‏١-‏٣‏)‏ كتب بولس عن مواهب الروح العجائبية في ايامه:‏ «هناك انواع من المواهب،‏ لكنَّ الروح هو نفسه.‏ وهناك انواع من الخدمات،‏ لكنَّ الرب هو نفسه.‏ وهناك انواع من الاعمال،‏ لكنَّ اللّٰه الذي ينجز في الجميع كل الاعمال هو نفسه.‏ لكنَّ اظهار الروح يُعطى لكل واحد لمنفعة مقصودة».‏ —‏ ١ كو ١٢:‏٤-‏٧‏.‏

يقدر الروح القدس ان يؤهِّل اشخاصا لينجزوا عملا ما او يشغلوا مركزا معيَّنا.‏ مثلا،‏ صحيح ان بصلئيل وأهوليآ‌ب ربما كانا يقومان بالاعمال الحِرَفية قبل ان يعيِّنهما اللّٰه ليصنعا تجهيزات الخيمة المقدسة وثياب الكهنة،‏ إلا ان روح اللّٰه ‹ملأهما حكمة وفهما ومعرفة› لكي ينجزا العمل كما يريد هو.‏ والروح عزَّز مواهبهما الطبيعية وزاد على خبرتهما المكتسبة،‏ ومكَّنهما من تعليم الآخرين.‏ (‏خر ٣١:‏١-‏١١؛‏ ٣٥:‏٣٠-‏٣٥‏)‏ لاحقا،‏ اعطى اللّٰه لداود تصاميم الهيكل الهندسية بالوحي،‏ اي من خلال عمل روحه.‏ وهكذا تمكَّن داود من القيام بكل الاعمال التحضيرية اللازمة لإنجاز هذا المشروع.‏ —‏ ١ اخ ٢٨:‏١٢‏.‏

عمل روح اللّٰه في موسى ومن خلاله ليمكِّنه من التنبؤ وصنع العجائب،‏ وليقود الامة ويقضي لها؛‏ وهكذا يكون دوره رمزا الى الدور الذي سيلعبه المسيح يسوع لاحقا.‏ (‏اش ٦٣:‏١١-‏١٣؛‏ اع ٣:‏٢٠-‏٢٣‏)‏ لكنَّ هذه المسؤولية بدت حملا ثقيلا بالنسبة الى الانسان الناقص موسى.‏ ‹فأخذ اللّٰه من الروح الذي كان على موسى ووضعه على ٧٠ شيخا› ليساعدوه في حمل المسؤولية.‏ (‏عد ١١:‏١١-‏١٧،‏ ٢٤-‏٣٠‏)‏ ايضا،‏ عمل الروح في داود منذ عيَّنه صموئيل،‏ فوجَّهه وجهَّزه ليقوم لاحقا بتعيينه كملك.‏ —‏ ١ صم ١٦:‏١٣‏.‏

صار يشوع،‏ خلف موسى،‏ ‹ممتلئا روح حكمة›.‏ لكنَّ الروح لم يعطِه القدرة على التنبؤ وصنع العجائب بقدر ما اعطى موسى.‏ (‏تث ٣٤:‏٩-‏١٢‏)‏ إلا انه مكَّن يشوع من ان يقود اسرائيل في حملة عسكرية ادت الى الاستيلاء على كنعان.‏ كما حلَّ روح يهوه على رجال آخرين ‹وحرَّكهم› ليحاربوا دفاعا عن شعب اللّٰه،‏ من بينهم عثنيئيل،‏ جدعون،‏ يفتاح،‏ وشمشون.‏ —‏ قض ٣:‏٩،‏ ١٠؛‏ ٦:‏٣٤؛‏ ١١:‏٢٩؛‏ ١٣:‏٢٤،‏ ٢٥؛‏ ١٤:‏٥،‏ ٦،‏ ١٩؛‏ ١٥:‏١٤‏.‏

ايضا،‏ قوَّى روح اللّٰه رجالا ليخاطروا بحياتهم وينقلوا للمقاومين رسائل اللّٰه بجرأة وشجاعة.‏ —‏ مي ٣:‏٨‏.‏

عندما ‹يسكب› اللّٰه روحه على شعبه فهذا دليل على رضاه،‏ وتكون النتيجة بركات وازدهارا.‏ —‏ حز ٣٩:‏٢٩؛‏ اش ٤٤:‏٣،‏ ٤‏.‏

المحاكمة وتنفيذ الحكم:‏ يجلس اللّٰه على كرسي القضاء ليحاكم بواسطة روحه اشخاصا وشعوبا.‏ وبواسطة روحه ايضا ينفِّذ احكامه،‏ فيعاقب او يُهلك.‏ (‏اش ٣٠:‏٢٧،‏ ٢٨؛‏ ٥٩:‏١٨،‏ ١٩‏)‏ وفي حالات كهذه،‏ يمكن ان تُنقل كلمة رواح الى «نفخة»،‏ كما عندما يقول يهوه انه في سخطه ‹يثير نفخة [‏رواح‏] عواصف الريح›.‏ (‏حز ١٣:‏١١،‏ ١٣‏؛‏ قارن اش ٢٥:‏٤؛‏ ٢٧:‏٨‏.‏)‏ ويمكن لروح اللّٰه ان يصل الى اي مكان،‏ فيكافئ او يعاقب مَن يوجِّه اللّٰه انتباهه اليهم.‏ —‏ مز ١٣٩:‏٧-‏١٢‏.‏

تقول الرؤيا ١:‏٤ ان «ارواح [اللّٰه] السبعة» هي امام عرشه.‏ بعد ذلك،‏ تُنقل سبع رسائل،‏ كلها تنتهي بنصيحة لمَن له اذن ان «يسمع ما يقوله الروح للجماعات».‏ (‏رؤ ٢:‏٧،‏ ١١،‏ ١٧،‏ ٢٩؛‏ ٣:‏٦،‏ ١٣،‏ ٢٢‏)‏ وتحتوي هذه الرسائل على اعلانات لأحكام اللّٰه تحرِّك الضمير وعلى وعود بمكافأة الامناء.‏ ويخبر سفر الرؤيا ان ابن اللّٰه لديه «ارواح اللّٰه السبعة».‏ (‏رؤ ٣:‏١‏)‏ ويقول عن الارواح انها «سبعة سرج نار» (‏رؤ ٤:‏٥‏)‏،‏ وإنها سبع عيون للخروف الذي ذُبح،‏ «وهذه الاعين تمثِّل ارواح اللّٰه السبعة المرسلة الى الارض كلها».‏ (‏رؤ ٥:‏٦‏)‏ وبما ان الرقم سبعة يرمز الى التمام والكمال في نبوات اخرى (‏انظر «‏الاعداد‏»)‏،‏ يبدو ان هذه الارواح السبعة ترمز الى المقدرة الكاملة عند يسوع المسيح الممجَّد،‏ حمل اللّٰه،‏ على ملاحظة الامور وتمييزها وكشفها،‏ ما يمكِّنه من فحص كل الارض.‏

كلمة اللّٰه هي «سيف» الروح.‏ (‏اف ٦:‏١٧‏)‏ فهي تكشف الانسان على حقيقته،‏ لأنها تفضح الصفات المخفية ومواقف القلب،‏ وإما تجعل الشخص يلين ويعمل بانسجام مع مشيئة اللّٰه المذكورة فيها،‏ او يقسِّي قلبه ويتمرد.‏ (‏قارن عب ٤:‏١١-‏١٣؛‏ اش ٦:‏٩،‏ ١٠؛‏ ٦٦:‏٢،‏ ٥‏.‏)‏ بناء على ذلك،‏ تخبر كلمة اللّٰه بكل وضوح عن العقاب الذي سيحل بالمتمردين.‏ وبما ان كلمة اللّٰه او رسالته لا بد ان تتم،‏ فإن اتمامها يشبه ما تفعله النار بالقش وما تفعله المطرقة بالصخر.‏ (‏ار ٢٣:‏٢٨،‏ ٢٩‏)‏ والمسيح يسوع،‏ المتكلم الرئيسي بالنيابة عن اللّٰه،‏ «كلمة اللّٰه»،‏ يعلن رسائل دينونة اللّٰه ولديه السلطة ليأمر بتنفيذ هذه الاحكام على مَن يُحاسَبون.‏ ولا شك ان هذا هو المقصود عند الاشارة الى انه سيهلك اعداء اللّٰه «بروح [القوة التي تحرِّك] فمه».‏—‏ قارن ٢ تس ٢:‏٨؛‏ اش ١١:‏٣،‏ ٤؛‏ رؤ ١٩:‏١٣-‏١٦،‏ ٢١‏.‏

روح اللّٰه يلعب دور «المعين» للجماعة:‏ عندما صعد يسوع الى السماء،‏ وفى بوعده لتلاميذه الامناء وطلب من ابيه الروح القدس،‏ او قوة اللّٰه العاملة.‏ واللّٰه منحه السلطة ليستخدم هذا الروح،‏ وهو بدوره ‹سكبه› على تلاميذه في يوم الخمسين.‏ وبعد ذلك،‏ استمر يسكبه على الذين يقتربون الى اللّٰه بواسطة ابنه.‏ (‏يو ١٤:‏١٦،‏ ١٧،‏ ٢٦؛‏ ١٥:‏٢٦؛‏ ١٦:‏٧؛‏ اع ١:‏٤،‏ ٥؛‏ ٢:‏١-‏٤،‏ ١٤-‏١٨،‏ ٣٢،‏ ٣٣،‏ ٣٨‏)‏ ومثلما اعتمد هؤلاء سابقا بالماء،‏ كانوا سيعتمدون الآن بروح واحد،‏ كما لو انهم يتغطَّسون فيه حتى يغمرهم،‏ ليصيروا جميعا جسدا واحدا.‏ وكما تكتسب قطعة الحديد قوة مغناطيسية عندما يغمرها حقل من القوة المغناطيسية،‏ يكتسب مَن يعتمد بالروح هذا الروح.‏ (‏١ كو ١٢:‏١٢،‏ ١٣‏؛‏ قارن مر ١:‏٨؛‏ اع ١:‏٥‏.‏)‏ صحيح ان روح اللّٰه عمل في التلاميذ من قبل ومكَّنهم مثلا من اخراج الشياطين (‏قارن مت ١٢:‏٢٨؛‏ مر ٣:‏١٤،‏ ١٥‏)‏،‏ إلا انه صار يعمل فيهم الآن على مستويات اعلى بكثير وبطرق جديدة لم يختبروها من قبل.‏ —‏ يو ٧:‏٣٩‏.‏

يملك المسيا الملك يسوع المسيح «روح الحكمة والفهم،‏ روح المشورة والقدرة،‏ روح المعرفة ومخافة يهوه».‏ (‏اش ١١:‏١،‏ ٢؛‏ ٤٢:‏١-‏٤؛‏ مت ١٢:‏١٨-‏٢١‏)‏ وهذا ما يجعل كل ما يفعله صائبا تماما.‏ ويتأكد لنا ذلك حين نرى طريقة استخدامه لروح اللّٰه،‏ قوته العاملة،‏ في ادارته للجماعة المسيحية على الارض،‏ هو الذي عيَّنه اللّٰه ليكون رأسها ومالكها وربَّها.‏ (‏كو ١:‏١٨؛‏ يه ٤‏)‏ فهذا الروح،‏ «المعين»،‏ ساعد اعضاء الجماعة ان يفهموا بشكل اوضح مشيئة اللّٰه وقصده وكلمته النبوية.‏ (‏١ كو ٢:‏١٠-‏١٦؛‏ كو ١:‏٩،‏ ١٠؛‏ عب ٩:‏٨-‏١٠‏)‏ وأعطاهم القدرة ليكونوا شهودا في كل الارض.‏ (‏لو ٢٤:‏٤٩؛‏ اع ١:‏٨؛‏ اف ٣:‏٥،‏ ٦‏)‏ كما انه منحهم «مواهب الروح» العجائبية التي مكنتهم ان يتكلموا بلغات اجنبية ويتنبأوا ويشفوا ويقوموا بأعمال اخرى تسهِّل عليهم اعلان الاخبار الحلوة وتعطي الدليل على ان اللّٰه هو مَن فوَّضهم ويدعمهم.‏ —‏ رو ١٥:‏١٨،‏ ١٩؛‏ ١ كو ١٢:‏٤-‏١١؛‏ ١٤:‏١،‏ ٢،‏ ١٢-‏١٦‏؛‏ قارن اش ٥٩:‏٢١‏؛‏ انظر «الهبات من اللّٰه» (‏مواهب الروح)‏.‏

وبما ان يسوع هو ناظر الجماعة،‏ فقد استخدم روح اللّٰه ليقودها،‏ اي ليوجِّه اختيار الرجال الذين سيقومون بمهمات خصوصية والذين سيخدمون في مراكز اشراف ويعلِّمون ويقومون ‹بإصلاح› الجماعة.‏ (‏اع ١٣:‏٢-‏٤؛‏ ٢٠:‏٢٨؛‏ اف ٤:‏١١،‏ ١٢‏)‏ وكان احيانا يدفعهم للذهاب الى مكان ما وأحيانا اخرى يمنعهم من ذلك،‏ بهدف ان يريهم اين يجب ان يركِّزوا جهودهم في الخدمة.‏ (‏اع ١٦:‏٦-‏١٠؛‏ ٢٠:‏٢٢‏)‏ كما انه مكَّنهم من كتابة ‹رسائل المسيح بروح اللّٰه،‏ على ألواح لحمية،‏ في القلوب›.‏ (‏٢ كو ٣:‏٢،‏ ٣؛‏ ١ تس ١:‏٥‏)‏ ومثلما وعدهم،‏ كان الروح ينعش ذاكرتهم ويحرِّك عقولهم ويعطيهم الجرأة ليقدِّموا شهادة حتى امام الحكام.‏ —‏ قارن مت ١٠:‏١٨-‏٢٠؛‏ يو ١٤:‏٢٦؛‏ اع ٤:‏٥-‏٨،‏ ١٣،‏ ٣١؛‏ ٦:‏٨-‏١٠‏.‏

كان اعضاء الجماعة بمثابة «حجارة حية»،‏ تشكِّل هيكلا روحيا مؤسسا على المسيح.‏ وفي هذا الهيكل تُقدَّم «ذبائح روحية» (‏١ بط ٢:‏٤-‏٦؛‏ رو ١٥:‏١٥،‏ ١٦‏)‏ وتُرنَّم ترانيم روحية (‏اف ٥:‏١٨،‏ ١٩‏)‏ ويسكن اللّٰه بالروح.‏ (‏١ كو ٣:‏١٦؛‏ ٦:‏١٩،‏ ٢٠؛‏ اف ٢:‏٢٠-‏٢٢‏؛‏ قارن حج ٢:‏٥‏.‏)‏ وروح اللّٰه لديه قوة كبيرة جدا على توحيد المسيحيين.‏ فطالما يسمحون له ان يعمل بحرية بينهم،‏ كان يجمعهم بسلام في رباط المحبة والولاء للّٰه ولابنه وواحدهم للآخر.‏ (‏اف ٤:‏٣-‏٦؛‏ ١ يو ٣:‏٢٣،‏ ٢٤؛‏ ٤:‏١٢،‏ ١٣‏؛‏ قارن ١ اخ ١٢:‏١٨‏.‏)‏ صحيح ان موهبة الروح لم تجهزهم ليقوموا بأشغال يدوية،‏ مثلما حصل مع بصلئيل وغيره ممن بنوا اشياء وصنعوا تجهيزات،‏ لكنها اعدَّتهم ليقوموا بأعمال روحية مثل التعليم والتوجيه والرعاية وتقديم النصائح.‏ وكان يجب ان يتزين الهيكل الروحي الذي شكَّلوه بثمر روح اللّٰه الذي يشتمل على «المحبة،‏ الفرح،‏ السلام،‏ طول الاناة،‏ اللطف،‏ الصلاح،‏ الايمان»،‏ وغيرها من الصفات الجميلة التي تؤكد ان روح اللّٰه كان يعمل فيهم وبينهم.‏ (‏غل ٥:‏٢٢،‏ ٢٣‏؛‏ قارن لو ١٠:‏٢١؛‏ رو ١٤:‏١٧‏.‏)‏ هذا كان العامل الرئيسي الذي جعلهم يسيرون بترتيب ومكَّنهم من ادارة الجماعة بطريقة فعالة.‏ (‏غل ٥:‏٢٤-‏٢٦؛‏ ٦:‏١؛‏ اع ٦:‏١-‏٧‏؛‏ قارن حز ٣٦:‏٢٦،‏ ٢٧‏.‏)‏ وهم خضعوا ‹لشريعة الروح›،‏ اي القوة التي تدفعهم الى فعل الصواب والابتعاد عن اعمال الجسد الخاطئ الموجودة فيهم.‏ (‏رو ٨:‏٢؛‏ غل ٥:‏١٦-‏٢١؛‏ يه ١٩-‏٢١‏)‏ وقد اتكلوا على روح اللّٰه الذي يعمل فيهم،‏ لا على مقدراتهم وخلفيتهم.‏ —‏ ١ كو ٢:‏١-‏٥؛‏ اف ٣:‏١٤-‏١٧؛‏ في ٣:‏١-‏٨‏.‏

وحين تنشأ قضية معيَّنة،‏ كان الروح القدس يعينهم للتوصل الى القرار المناسب،‏ كما عندما نشأت قضية الختان التي بتتها هيئة،‏ او مجمع،‏ الرسل والشيوخ في اورشليم.‏ فقد اخبر بطرس ان الروح أُعطي لأشخاص من الامم غير مختونين.‏ وبولس وبرنابا تحدثا عن الاعمال التي عملها الروح خلال خدمتهما بين الامم.‏ اما يعقوب فذكَّره الروح القدس دون شك بما كُتب في الاسفار المقدسة،‏ ولفت الانتباه الى نبوة عاموس الموحى بها التي تخبر ان اسم اللّٰه سيُدعى على اناس من الامم.‏ وهكذا،‏ كان واضحا في اي اتجاه يدفعهم روح اللّٰه.‏ واعترافا بذلك قالت هذه الهيئة،‏ او المجمع،‏ في الرسالة التي تضمَّنت قرارهم:‏ «قد استحسن الروح القدس ونحن ألا نزيد عليكم عبئا اكثر،‏ غير هذه الاشياء التي لا بد منها».‏ —‏ اع ١٥:‏١-‏٢٩‏.‏

يختار،‏ يلد،‏ يمنح ‹حياة روحانية›:‏ مثلما عيَّن اللّٰه يسوع بروحه القدس عند معموديته (‏مر ١:‏١٠؛‏ لو ٣:‏٢٢؛‏ ٤:‏١٨؛‏ اع ١٠:‏٣٨‏)‏،‏ عيَّن ايضا تلاميذ يسوع.‏ وهذا الاختيار بالروح كان «عربون» الميراث السماوي الذي دعاهم اليه اللّٰه.‏ (‏٢ كو ١:‏٢١،‏ ٢٢؛‏ ٥:‏١،‏ ٥؛‏ اف ١:‏١٣،‏ ١٤‏)‏ كما انه شهد لهم انهم ‹وُلدوا› من اللّٰه ليكونوا ابناءه وينالوا الوعد بالحياة الروحانية في السموات.‏ (‏يو ٣:‏٥-‏٨؛‏ رو ٨:‏١٤-‏١٧،‏ ٢٣؛‏ تي ٣:‏٥؛‏ عب ٦:‏٤،‏ ٥‏)‏ وقد طُهِّروا وقُدِّسوا واعتُبروا بلا لوم «باسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلهنا» الذي اهَّل يسوع ليقدِّم الفدية ويصير رئيس كهنة للّٰه.‏ —‏ ١ كو ٦:‏١١؛‏ ٢ تس ٢:‏١٣؛‏ عب ٩:‏١٤؛‏ ١ بط ١:‏١،‏ ٢‏.‏

ولأن اتباع يسوع المختارين بالروح نالوا الدعوة والميراث السماويَّين،‏ صارت لديهم حياة روحانية رغم انهم لا يزالون مخلوقات بشرية ناقصة.‏ ومن الواضح ان هذا ما اشار اليه الرسول بولس عندما اظهر الفرق بين الآباء البشر ويهوه اللّٰه،‏ «ابي حياتنا الروحية [حرفيا «ابي الارواح»]».‏ (‏عب ١٢:‏٩‏؛‏ قارن الآية ٢٣‏.‏)‏ وبما انهم ورثة مع المسيح وسيُقامون من الموت بأجسام روحانية ويحملون صورته السماوية،‏ يجب ان يعيشوا على الارض ‹كروح واحد› في اتحاد به ويكون هو رأسهم.‏ ولا يجب ان يسمحوا لرغبات جسدهم وميوله الفاسدة بأن تتحكم فيهم،‏ فهذا يمكن ان يجعلهم «جسدا واحدا» مع عاهرة.‏ —‏ ١ كو ٦:‏١٥-‏١٨؛‏ ١٥:‏٤٤-‏٤٩؛‏ رو ٨:‏٥-‏١٧‏.‏

نيل روح اللّٰه والمحافظة عليه:‏ الروح القدس هو «هبة» من اللّٰه،‏ واللّٰه يفرح ان يعطيه للذين يطلبونه من كل قلبهم ويجتهدون للحصول عليه.‏ (‏اع ٢:‏٣٨؛‏ لو ١١:‏٩-‏١٣‏)‏ وصحيح ان الموقف القلبي الصائب هو العامل الرئيسي للحصول عليه (‏اع ١٥:‏٨‏)‏،‏ غير ان معرفة مطالب اللّٰه والعيش بانسجام معها هما عاملان ضروريان ايضا.‏ (‏قارن اع ٥:‏٣٢؛‏ ١٩:‏٢-‏٦‏.‏)‏ وعندما ينال المسيحي الروح القدس،‏ لا يجب ان ‹يحزنه› بتجاهله.‏ (‏اف ٤:‏٣٠‏؛‏ قارن اش ٦٣:‏١٠‏.‏)‏ فلا يجب ان يعيش حياة غير التي يوجهه اليها،‏ ولا ان يركز على اهداف غير التي يدله عليها،‏ ولا ان يرفض كلمة اللّٰه الموحى بها والنصيحة التي تقدمها فيمتنع عن تطبيقها على نفسه.‏ (‏اع ٧:‏٥١-‏٥٣؛‏ ١ تس ٤:‏٨‏؛‏ قارن اش ٣٠:‏١،‏ ٢‏.‏)‏ ايضا،‏ الشخص المنافق ‹يكذب› على الروح القدس الذي يستخدمه المسيح ليوجه الجماعة.‏ والذي ‹يمتحن› قوة الروح بهذه الطريقة يجلب كارثة على نفسه.‏ (‏اع ٥:‏١-‏١١‏؛‏ لاحظ الفرق في رو ٩:‏١‏.‏)‏ اضافة الى ذلك،‏ ان الانكار العمدي للدليل الواضح على عمل روح اللّٰه والتمرد عليه يمكن ان يُعتبر تجديفا على الروح.‏ وهذا يُعَد خطية لا تُغتفر.‏ —‏ مت ١٢:‏٣١،‏ ٣٢؛‏ مر ٣:‏٢٩،‏ ٣٠‏؛‏ قارن عب ١٠:‏٢٦-‏٣١‏.‏

النسمة؛‏ نسمة الحياة؛‏ قوة الحياة:‏ تقول الرواية عن خلق الانسان ان اللّٰه جبل الانسان من تراب الارض «ونفخ [صيغة من نافاح‏]في انفه نسمة [صيغة من نِشاماه‏] الحياة،‏ فصار الانسان نفْسا [‏نيفيش‏] حية».‏ (‏تك ٢:‏٧‏؛‏ انظر «‏النفس‏».‏)‏ يمكن ترجمة كلمة نيفيش حرفيا الى «متنفِّس»،‏ اي «مخلوق يتنفَّس»،‏ سواء كان انسانا او حيوانا.‏ كذلك قد تُستخدم نِشاماه (‏«نسمة» او «نفَس»)‏ بمعنى مَن او ما يتنفَّس.‏ لذلك نجدها تُستعمَل احيانا كمرادف لكلمة نيفيش،‏ «نفْس».‏ (‏قارن تث ٢٠:‏١٦؛‏ يش ١٠:‏٣٩،‏ ٤٠؛‏ ١١:‏١١؛‏ ١ مل ١٥:‏٢٩‏.‏)‏ اما في التكوين ٢:‏٧ فتُستعمَل نِشاماه لتصف كيف اعطى اللّٰه الحياة لجسد آدم حتى صار «نفْسا حية».‏ غير انه يتبيَّن من آيات اخرى ان ذلك شمل اكثر من مجرد عملية التنفُّس،‏ اي ادخال الهواء الى الرئتَين وإخراجه منهما.‏ فعند الحديث عن هلاك البشر والحيوانات خارج الفلك في وقت الطوفان،‏ تقول الآية في التكوين ٧:‏٢٢‏:‏ «كل ما في انفه نسمة [صيغة من نِشاماه‏] قوة [او «روح» (‏رواح‏)‏] الحياة،‏ كل ما كان على اليابسة،‏ مات».‏ وهذا ما يُظهر وجود ارتباط مباشر بين نِشاماه،‏ ‹النسمة› (‏النفَس)‏،‏ وبين رواح،‏ التي تصف هنا الروح،‏ او قوة الحياة التي تعمل في كل المخلوقات الحية،‏ اي الانفس البشرية والحيوانية.‏

يقول القاموس اللاهوتي للعهد الجديد (‏المجلد ٦،‏ ص ٣٣٦)‏:‏ «يمكن تمييز النفَس فقط من خلال الحركة [حركة الصدر او توسُّع المنخرَين]،‏ كما انه دليل على وجود حياة وعامل يدعمها وشرط لوجودها،‏ وهو مرتبط خصوصا بالتنفُّس».‏ لذلك فإن نِشاماه،‏ اي ‹النسمة› (‏النفَس)‏،‏ تنتج عن رواح،‏ او قوة الحياة،‏ وهي ايضا وسيلة رئيسية لدعم قوة الحياة هذه في المخلوقات الحية.‏ وبالفعل،‏ تُظهِر الدراسات العلمية ان الحياة موجودة في كل خلية من خلايا الجسم التي يبلغ عددها مئة تريليون،‏ وأن الجسم ينتج خلايا جديدة حية بدلا من آلاف ملايين الخلايا التي تموت كل دقيقة.‏ وقوة الحياة التي تعمل في الخلايا الحية تعتمد على الاكسجين الذي يدخل الى الجسم من خلال عملية التنفُّس وينتقل الى كل الخلايا عبر مجرى الدم.‏ بدون اكسجين تموت الخلايا،‏ بعضها بعد دقائق قليلة والبعض الآخر بعد فترة اطول.‏ صحيح ان الانسان لا يموت اذا توقف عن التنفُّس لدقائق قليلة،‏ ولكن اذا لم تعد قوة الحياة موجودة في خلاياه،‏ يموت ولا يمكن لأي انسان ان يعيده الى الحياة.‏ فمن الواضح ان الاسفار العبرانية التي اوحى بها مصمم الانسان وخالقه تستعمل كلمة رواح لتشير الى قوة الحياة التي هي اساس الحياة،‏ وكلمة نِشاماه لتشير الى التنفُّس الذي يدعم قوة الحياة هذه.‏

بما انه لا توجد حياة من دون تنفُّس،‏ ترد كلمتا نِشاماه و رواح معا في آيات عديدة.‏ مثلا،‏ عندما تحدَّث ايوب عن تصميمه بأن يبتعد عن الشر قال:‏ «ما دامت نسمتي [صيغة من نِشاماه‏] كلها فيَّ،‏ وروح [‏رواح‏] اللّٰه في انفي».‏ (‏اي ٢٧:‏٣-‏٥‏)‏ وقال أليهو:‏ «إن .‏.‏.‏ جمع [اللّٰه] اليه روحهم [صيغة من رواح‏] ونسمتهم [صيغة من نِشاماه‏]،‏ يلفظ كل ذي جسد جميعا النفَس الاخير،‏ ويعود الانسان الى التراب».‏ (‏اي ٣٤:‏١٤،‏ ١٥‏)‏ ايضا،‏ تقول اشعيا ٤٢:‏٥ ان يهوه هو «ناشر الارض مع غلتها،‏ معطي الشعب عليها نسمة،‏ والسائرين فيها روحا».‏ فالنسمة (‏نِشاماه‏)‏ تدعم وجود الانسان،‏ والروح (‏رواح‏)‏ تعطيه الطاقة لأنها قوة الحياة التي تجعله مخلوقا قادرا ان يمشي ويتحرك ويعيش حياة كلها نشاط.‏ (‏قارن اع ١٧:‏٢٨‏.‏)‏ فالانسان ليس مثل الاصنام الجامدة التي ابتكرها هو،‏ والتي لا حياة فيها ولا تقدر ان تتنفس.‏ —‏ مز ١٣٥:‏١٥،‏ ١٧؛‏ ار ١٠:‏١٤؛‏ ٥١:‏١٧؛‏ حب ٢:‏١٩‏.‏

مع ان نِشاماه (‏النسمة)‏ و رواح (‏الروح؛‏ القوة العاملة؛‏ قوة الحياة)‏ تُستعمَلان معا في بعض الاحيان،‏ فهما لا تحملان نفس المعنى تماما.‏ صحيح ان بعض الآيات تأتي على ذكر «الروح»،‏ او رواح،‏ وكأنها هي النفَس (‏نِشاماه‏)‏ ذاته،‏ لكنَّ السبب بكل بساطة ان التنفُّس هو الدليل الرئيسي المرئي على وجود قوة الحياة في جسم شخص ما.‏ —‏ اي ٩:‏١٨؛‏ ١٩:‏١٧؛‏ ٢٧:‏٣‏.‏

يتَّضح ذلك من الرؤيا النبوية في حزقيال ٣٧:‏١-‏١٠‏.‏ فهي تتحدث عن سهل مليء بالعظام اليابسة.‏ وتخبر ان العظام اقتربت الواحدة الى الاخرى وغطتها الاوتار واللحم والجلد،‏ «انما لم يكن فيها نسمة [‏رواح‏]».‏ ثم قال يهوه لحزقيال ان يتنبأ «للريح [‏رواح‏]» ويقول لها:‏ «هلمي ايتها الريح من الرياح [صيغة الجمع من رواح‏] الاربع،‏ وهُبِّي على هؤلاء القتلى ليحيوا».‏ والاشارة الى اربع رياح تُظهر ان ترجمة كلمة رواح الى ريح ملائمة في هذه الحالة.‏ ولكن عندما دخلت هذه «الريح»،‏ وهي هواء يتحرك،‏ في مناخير الموتى في الرؤيا،‏ صارت «نسمة»،‏ او نفَسا،‏ الذي هو ايضا هواء يتحرك.‏ لذلك فإن ترجمة رواح الى «نسمة» في هذا الجزء من القصة (‏الآية ١٠‏)‏ ملائمة اكثر من «روح» او «قوة الحياة».‏ وحزقيال ايضا لم يرَ قوة الحياة،‏ او الروح،‏ التي اعطت الاجساد طاقة،‏ بل رأى انها بدأت تتنفس.‏ وكما تُظهر الآيات ١١-‏١٤‏،‏ فإن هذه الرؤيا رمزت الى إحياء شعب اسرائيل بطريقة روحية (‏لا حرفية)‏.‏ فالاسرائيليون كانوا لفترة من الوقت امواتا روحيا بسبب اسرهم في بابل.‏ وبما انهم كانوا حرفيا احياء ويتنفسون،‏ فمن المنطقي ترجمة رواح الى «روح» في الآية ١٤ حيث يقول اللّٰه انه سيضع ‹روحه› في شعبه ليصيروا احياء روحيا.‏

وترد رؤيا نبوية مشابهة في الرؤيا الفصل ١١‏.‏ نقرأ هناك عن ‹شاهدَين› قُتلا وبقيت جثتاهما في الشارع ثلاثة ايام ونصفا.‏ ثم «دخل فيهما روح [او نسمة،‏ پنِفما‏] حياة من اللّٰه،‏ فوقفا على اقدامهما».‏ (‏رؤ ١١:‏١-‏١١‏)‏ وهذه الرؤيا ايضا تستخدم وصفا حرفيا لإيضاح عملية إحياء روحية.‏ وكذلك تُظهر ان الكلمة اليونانية پنِفما،‏ تماما مثل الكلمة العبرانية رواح،‏ يمكن ان تشير الى القوة من اللّٰه التي تمنح الحياة والتي تجعل النفْس او الانسان يتحرك.‏ فكما تقول يعقوب ٢:‏٢٦‏:‏ «الجسد بلا روح [‏پنِفماتوس‏] ميت».‏

بناء على ما تقدَّم،‏ عندما خلق اللّٰه آدم في جنة عدن ونفخ في انفه «نسمة [صيغة من نِشاماه‏] الحياة»،‏ من الواضح انه ملأ رئتَيه بالهواء وجعل ايضا قوة الحياة،‏ او الروح (‏رواح‏)‏،‏ تُحيي كل الخلايا في جسمه.‏ —‏ تك ٢:‏٧‏؛‏ قارن مز ١٠٤:‏٣٠؛‏ اع ١٧:‏٢٥‏.‏

قوة الحياة هذه ينقلها الاهل الى اولادهم عند الحبَل.‏ ولكن بما ان يهوه هو مصدر قوة الحياة ومصمم عملية الانجاب،‏ فمن الملائم ان يعتبر الانسان ان اللّٰه هو معطي الحياة،‏ رغم انه حصل عليها بشكل غير مباشر من والدَيه.‏ —‏ قارن اي ١٠:‏٩-‏١٢؛‏ مز ١٣٩:‏١٣-‏١٦؛‏ جا ١١:‏٥‏.‏

قوة الحياة،‏ او الروح،‏ ليست كائنا له شخصية:‏ كما سبق ان ذُكر،‏ تشير الاسفار المقدسة الى ان رواح،‏ او قوة الحياة،‏ ليست موجودة فقط في الانسان بل ايضا في الحيوانات.‏ (‏تك ٦:‏١٧؛‏ ٧:‏١٥،‏ ٢٢‏)‏ وتُظهِر الجامعة ٣:‏١٨-‏٢٢ ان الانسان يموت بنفس الطريقة التي تموت بها الحيوانات لأنه توجد «روح [‏رواح‏] واحدة للكل،‏ فليس للانسان مزية على البهيمة»،‏ اي في ما يتعلق بقوة الحياة التي عندهما كلَيهما.‏ لهذا السبب،‏ من الواضح ان «الروح»،‏ او قوة الحياة (‏رواح‏)‏،‏ بهذا المعنى ليست كائنا له شخصية.‏ لإيضاح ذلك،‏ يمكن تشبيه الروح بقوة اخرى لا تراها العين:‏ الكهرباء.‏ فيمكن استخدام الكهرباء لتشغيل انواع عديدة من الاجهزة.‏ مثلا،‏ هي تجعل الفرن يعطي حرارة،‏ المروحة تعطي هواء،‏ الكمبيوتر يحل مسائل معقدة،‏ والتلفزيون ينقل صورا وأصواتا.‏ لكنَّ التيار الكهربائي لا يكتسب ابدا ايًّا من مواصفات الاجهزة التي يشغِّلها.‏

لذا يقول المزمور ١٤٦:‏٣،‏ ٤ عن الانسان:‏ «تخرج روحه [صيغة من رواح‏]،‏ فيعود الى ترابه،‏ في ذلك اليوم تبيد افكاره».‏ فالروح،‏ او قوة الحياة،‏ التي كانت تعمل في خلايا جسم الانسان،‏ لا تحتفظ بأي من مواصفات هذه الخلايا،‏ كخلايا الدماغ مثلا ودورها في عملية التفكير.‏ ولو كانت الروح،‏ او قوة الحياة (‏رواح؛‏ پنِفما‏)‏،‏ كائنا له شخصية،‏ لكان الولدان اللذان اقامهما النبيان ايليا وأليشع موجودَين في مكان ما بحالة وعي خلال الفترة التي كانا فيها ميتَين.‏ ويصح الامر نفسه بالنسبة الى لعازر الذي اقامه يسوع من الموت بعد اربعة ايام.‏ (‏١ مل ١٧:‏١٧-‏٢٣؛‏ ٢ مل ٤:‏٣٢-‏٣٧؛‏ يو ١١:‏٣٨-‏٤٤‏)‏ ولو كان الامر كذلك،‏ لكان من المنطقي الاستنتاج انهم تذكروا الحالة التي كانوا فيها،‏ ووصفوها او اخبروا عنها بعد قيامتهم.‏ لكن لا شيء يدل انهم فعلوا ذلك.‏ لهذا نستنتج ان شخصية الانسان الذي يموت لا تبقى في قوة الحياة،‏ او الروح،‏ التي تتوقف عن العمل في خلايا جسمه بعد الموت.‏

تذكر الجامعة ١٢:‏٧ انه عند الموت يعود جسم الانسان الى التراب،‏ «والروح ترجع الى اللّٰه الذي اعطاها».‏ الانسان نفسه لم يكن ابدا في السماء عند اللّٰه.‏ فما ‹يرجع› الى اللّٰه هو القوة التي جعلته يعيش.‏

بما ان قوة الحياة،‏ او الروح،‏ الموجودة في الانسان (‏وأيضا في الحيوان)‏،‏ ليست كائنا له شخصية،‏ فمن الواضح ان كلمات داود في المزمور ٣١:‏٥ التي اقتبسها يسوع عند موته (‏لو ٢٣:‏٤٦‏)‏،‏ «في يدك اودع روحي»،‏ عنت الطلب من اللّٰه ان يحفظ او يصون قوة الحياة.‏ (‏قارن اع ٧:‏٥٩‏.‏)‏ وليس هناك داعٍ ان تنتقل حرفيا قوة من هذا الكوكب الى حضرة اللّٰه في السماء.‏ فكما يُقال ان اللّٰه «اشتم» رائحة الذبائح (‏تك ٨:‏٢٠،‏ ٢١‏)‏،‏ في حين ان هذه الرائحة بقيت دون شك ضمن غلاف الارض الجوي،‏ كذلك ايضا يمكن ان يُقال ان اللّٰه ‹يجمع› مجازيا الروح او قوة الحياة،‏ او يقبل ان توضع امانة في يدَيه،‏ دون ان تُنقل حرفيا من الارض.‏ (‏اي ٣٤:‏١٤؛‏ لو ٢٣:‏٤٦‏)‏ اذًا،‏ عندما يضع الانسان روحه امانة في يدَي اللّٰه،‏ فهذا يعني انه يأمل ان يعيد اللّٰه اليه قوة الحياة هذه بإقامته من الموت.‏ —‏ قارن عد ١٦:‏٢٢؛‏ ٢٧:‏١٦؛‏ اي ١٢:‏١٠؛‏ مز ١٠٤:‏٢٩،‏ ٣٠‏.‏

الميل العقلي الدافع:‏ ان كلمتَي رواح و پنِفما تُستعملان للاشارة الى القوة التي تجعل كائنا يعرب عن موقف او ميل او مشاعر معيَّنة،‏ او يتصرف بطريقة معيَّنة.‏ وفي حين ان هذه القوة غير مرئية،‏ إلا انه يمكن رؤية ما ينتج عنها.‏ وهذا ما نجده في بعض المصطلحات العربية.‏ فيُقال مثلا ان الشخص ‹خفيف الروح›،‏ او ‹روحه حلوة›،‏ او ‹لديه روح رياضية›.‏ كما يوصف الشخص المحبَط بأن ‹روحه المعنوية منهارة›.‏ وعند الحديث عن الجو السائد بين مجموعة من الاشخاص،‏ تُستعمَل عبارة ‹روح الفريق› اشارة الى استعدادهم للتعاون في ما بينهم.‏ ويمكن التحدث بشكل مجازي عن ‹جو من الغضب› او ‹رياح التغيير وروح الثورة التي تجتاح بلدا ما›.‏ كل هذه التعابير تشير الى القوة غير المرئية التي تعمل في الناس وتدفعهم ليتكلموا او يتصرفوا بطريقة معيَّنة.‏

كذلك،‏ نقرأ ان اسحاق ورفقة شعرا ‹بمرارة روح› لأن عيسو تزوج امرأتَين حثيتَين (‏تك ٢٦:‏٣٤،‏ ٣٥‏)‏،‏ وأن آخاب ‹اغتمَّت روحه› وفقد شهيته.‏ (‏١ مل ٢١:‏٥‏)‏ ايضا،‏ عندما تسيطر «روح الغيرة» على الرجل،‏ قد يبدأ يشك في زوجته،‏ ويمكن ان يصل به الامر الى حد اتهامها بالزنى.‏ —‏ عد ٥:‏١٤،‏ ٣٠‏.‏

نرى ايضا استعمال كلمة روح بمعنى القوة التي «تحرِّك» او «تدفع» اعمال الشخص وأقواله عندما نقرأ عن يشوع انه ‹رجل فيه روح› (‏عد ٢٧:‏١٨‏)‏،‏ وعن كالب انه يُظهر ‹روحا اخرى› مختلفة عن روح معظم الاسرائيليين الذين ضعفت معنوياتهم بسبب التقرير السيئ الذي نشره الجواسيس العشرة.‏ (‏عد ١٤:‏٢٤‏)‏ كذلك،‏ كان ايليا رجلا مليئا بالطاقة والقوة اللتَين ساعدتاه ان يخدم اللّٰه بحماسة.‏ وقد طلب أليشع الذي خلَفه نصيب اثنَين من روحه.‏ (‏٢ مل ٢:‏٩،‏ ١٥‏)‏ وأظهر يوحنا المعمِّد نفس القوة الدافعة والحماسة اللتَين كانتا عند ايليا،‏ فأثَّر على سامعيه تأثيرا قويا.‏ لذلك،‏ قيل عنه انه سار «بروح ايليا وقدرته».‏ (‏لو ١:‏١٧‏)‏ ومن ناحية اخرى،‏ يُذكَر ان ملكة سبأ،‏ عندما رأت غنى سليمان وحكمته،‏ «لم يبقَ فيها روح بعد»،‏ اي انها تأثَّرت كثيرا بما رأته.‏ (‏١ مل ١٠:‏٤،‏ ٥‏)‏ بنفس هذا المعنى،‏ يمكن ان ‹تُنبَّه› روح الشخص (‏عز ١:‏١،‏ ٥؛‏ حج ١:‏١٤‏؛‏ قارن جا ١٠:‏٤‏)‏،‏ ‹تُثار› (‏١ اخ ٥:‏٢٦؛‏ اع ١٧:‏١٦‏)‏،‏ ‹تضطرب› (‏تك ٤١:‏٨؛‏ دا ٢:‏١،‏ ٣‏)‏،‏ ‹تسكن› اي تهدأ (‏قض ٨:‏٣‏)‏،‏ تشعر ‹بالشدة› او ‹يُغشى عليها› (‏اي ٧:‏١١؛‏ مز ١٤٢:‏٢،‏ ٣‏؛‏ قارن يو ١١:‏٣٣؛‏ ١٣:‏٢١‏)‏،‏ ‹تعيش› او ‹تنتعش› (‏تك ٤٥:‏٢٧،‏ ٢٨؛‏ اش ٥٧:‏١٥،‏ ١٦؛‏ ١ كو ١٦:‏١٧،‏ ١٨؛‏ ٢ كو ٧:‏١٣‏؛‏ قارن ٢ كو ٢:‏١٣‏)‏.‏

القلب والروح:‏ غالبا ما يُذكَر القلب مع الروح،‏ مما يدل على وجود ارتباط واضح بينهما.‏ وبما ان الكتاب المقدس يُظهر ان القلب المجازي يقدر ان يفكر ويدفع،‏ وأنه يرتبط بشكل كبير بالمشاعر والعواطف (‏انظر «القلب»)‏،‏ فلا شك ان له تأثيرا كبيرا في الروح (‏الميل العقلي السائد)‏ الذي يُظهِره الشخص.‏ مثلا،‏ تذكر الخروج ٣٥:‏٢١ القلب والروح معا حين تقول:‏ «كل مَن دفعه قلبه وكل مَن حثته روحه» تبرَّع لبناء الخيمة المقدسة.‏ ايضا،‏ عندما عرف الكنعانيون بالاعمال العظيمة التي عملها يهوه لأجل اسرائيل،‏ ‹ذابت قلوبهم،‏ ولم تبقَ بعد روح في احد›،‏ اي لم يندفعوا ليعملوا شيئا ضد جيش اسرائيل.‏ (‏يش ٢:‏١١؛‏ ٥:‏١‏؛‏ قارن حز ٢١:‏٧‏.‏)‏ ويذكر الكتاب المقدس ايضا عبارات مثل:‏ ‹وجع القلب وانكسار الروح›.‏ (‏اش ٦٥:‏١٤‏؛‏ قارن مز ٣٤:‏١٨؛‏ ١٤٣:‏٤،‏ ٧؛‏ ام ١٥:‏١٣‏.‏)‏ من الواضح اذًا انه بسبب التأثير القوي للقلب على الروح،‏ ينصح بولس المسيحيين ان ‹يتجددوا في القوة التي تحرك [صيغة من پنِفما‏] ذهنهم،‏ ويلبسوا الشخصية الجديدة التي خُلقت بحسب مشيئة اللّٰه في البر والولاء الحقيقيَّين›.‏ —‏ اف ٤:‏٢٣،‏ ٢٤‏.‏

يشدد الكتاب المقدس كثيرا على اهمية ان يضبط الانسان روحه.‏ يقول:‏ «الانسان الذي لا يضبط روحه مدينة مقتحَمة لا سور لها».‏ (‏ام ٢٥:‏٢٨‏)‏ فعندما يتعرض الشخص للاستفزاز،‏ يمكن ان يفقد صبره ويتصرف مثل الغبي الذي «لا يضبط روحه ابدا»،‏ في حين ان الشخص الحكيم «يسكِّنها الى النهاية».‏ (‏ام ٢٩:‏١١؛‏ قارن ١٤:‏٢٩،‏ ٣٠‏.‏)‏ في احدى المناسبات،‏ ‹امرَّ الاسرائيليون روح موسى›،‏ فغضب كثيرا الى درجة انه «فرط بشفتَيه».‏ وهذا ما ارتدَّ عليه سلبًا.‏ (‏مز ١٠٦:‏٣٢،‏ ٣٣‏)‏ اذًا،‏ «البطيء الغضب خير من الجبار،‏ والضابط روحه افضل ممن يستولي على مدينة».‏ (‏ام ١٦:‏٣٢‏)‏ والتواضع ضروري لتحقيق ذلك (‏ام ١٦:‏١٨،‏ ١٩؛‏ جا ٧:‏٨،‏ ٩‏)‏،‏ «والمتواضع الروح ينال مجدا».‏ (‏ام ٢٩:‏٢٣‏)‏ والذي عنده معرفة وتمييز يكون عنده ايضا «سكينة الروح» ويقدر ان يضبط لسانه.‏ (‏ام ١٧:‏٢٧؛‏ ١٥:‏٤‏)‏ ويهوه ‹يَزِن الارواح› ويحاكم الذين لا ‹يحترزون لروحهم›.‏ —‏ ام ١٦:‏٢؛‏ مل ٢:‏١٤-‏١٦‏.‏

الروح التي تُظهرها مجموعة من الناس:‏ مثلما يمكن ان يُظهر شخص واحد روحا معيَّنة،‏ كذلك ايضا يمكن لمجموعة من الاشخاص ان يُظهروا روحا ما،‏ اي ميلا عقليا سائدا.‏ (‏غل ٦:‏١٨؛‏ ١ تس ٥:‏٢٣‏)‏ فالجماعة المسيحية كان يجب ان تكون في روح واحدة،‏ اي موحَّدة،‏ تعكس روح رأسها المسيح يسوع.‏ —‏ ٢ كو ١١:‏٤؛‏ في ١:‏٢٧‏؛‏ قارن ٢ كو ١٢:‏١٨؛‏ في ٢:‏١٩-‏٢١‏.‏

ويُظهر بولس ان هناك تباينا بين «روح العالم» وروح اللّٰه.‏ (‏١ كو ٢:‏١٢‏)‏ فبما ان العالم هو تحت سلطة عدو اللّٰه (‏١ يو ٥:‏١٩‏)‏،‏ فهو يُظهر روحا ترضي رغبات الجسد الناقص،‏ اي الرغبات الانانية،‏ الامر الذي يجعله عدوا للّٰه.‏ (‏اف ٢:‏١-‏٣؛‏ يع ٤:‏٥‏)‏ ومثل شعب اسرائيل الخائن،‏ فإن دوافع العالم النجسة تروِّج العهارة،‏ سواء الحرفية او الروحية،‏ وكذلك الصنمية.‏ —‏ هو ٤:‏١٢،‏ ١٣؛‏ ٥:‏٤؛‏ زك ١٣:‏٢‏؛‏ قارن ٢ كو ٧:‏١‏.‏

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة