النفس
يتبيَّن من طريقة استعمال الاسفار المقدسة للكلمة العبرانية نيفيش (נֶפֶשׁ) والكلمة اليونانية پسيخي (ψυχή) ان كلمة «نفس» تشير الى شخص، او حيوان، او حياة شخص او حيوان.
تُستعمل احيانا كلمة «نفس» باللغة العربية بشكل لا ينسجم مع معنى الكلمتَين العبرانية واليونانية كما استعملهما الكتبة الذين اوحى اليهم اللّٰه بكتابة الكتاب المقدس. وهذا لا يقتصر على العربية. ففي سنة ١٨٩٧، ذكر البروفسور ت. أ. بريغز، بعد تحليل مفصَّل لاستعمال كلمة نيفيش (مجلة أدب الكتاب المقدس، المجلد ١٦، ص ٣٠): «في الوقت الحاضر، عادةً ما تنقل كلمة نفس بالانكليزية معنى مختلفا تماما عن نيفيش (נֶפֶשׁ) العبرانية. وإذا لم ينتبه القارئ، فمن السهل ان يسيء فهمها».
لاحقا، عندما اصدرت جمعية النشر اليهودية في اميركا ترجمة جديدة للتوراة (اسفار الكتاب المقدس الخمسة الاولى) الى الانكليزية، ذكر رئيس التحرير ه. م. اورلنسكي من كلية الاتحاد العبري، ان كلمة «نفس» حُذفت تقريبا بشكل كامل من هذه الترجمة، لأن «الكلمة العبرانية المستعمَلة هنا هي ‹نيفيش›». وأضاف: «نقلها مترجمون آخرون الى ‹نفس›، وهي ترجمة غير دقيقة ابدا. فالكتاب المقدس لا يقول ان لدينا نفسا. ‹نيفيش› هي الشخص نفسه، حاجته الى الطعام، الدم الذي يجري في عروقه، كيانه». — ذا نيويورك تايمز، ١٢ تشرين الاول (اكتوبر) ١٩٦٢.
ما هو اصل التعليم ان النفس البشرية غير مرئية وخالدة؟
المشكلة هي ان بعض المعاني المرتبطة بكلمة «نفس» لا تأتي من الاسفار المقدسة العبرانية او اليونانية، بل هي متأثرة بالفلسفة اليونانية القديمة، وتحديدا الفكر الديني الوثني. مثلا، اقتبس الفيلسوف اليوناني افلاطون من سقراط قوله: «النفس، . . . عندما تترك الجسد نقيةً دون ان تأخذ معها شيئا منه، . . . تذهب الى ذاك الذي هو مثلها، الى غير المنظور، الإلهي، الخالد، والحكيم، وعندما تصل الى هناك تكون سعيدة، متحررة من الخطإ والحماقة والخوف . . . وكل علل البشر الاخرى، . . . وتحيا في الحق طيلة الزمن اللاحق مع الآلهة». — فيدون، ٨٠، د، ه؛ ٨١، أ.
بعكس التعليم اليوناني ان پسيخي (النفس) ليس لها وجود مادي، ليست محسوسة، لا تُرى، وخالدة، تُظهر الاسفار المقدسة ان پسيخي و نيفيش، عندما تُستعمَلان اشارة الى المخلوقات الارضية، تشيران الى ما هو مادي، محسوس، يُرى، وفانٍ.
تقول دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة: «نيفيش لها معانٍ اوسع بكثير من كلمة ‹نفس›. فهي تعني الحياة (خر ٢١:٢٣؛ تث ١٩:٢١) وكل ما يدل على وجودها: التنفُّس (تك ٣٥:١٨؛ اي ٤١:١٣[٢١])، الدم [تك ٩:٤؛ تث ١٢:٢٣؛ مز ١٤٠ (١٤١):٨]، الرغبات (٢ صم ٣:٢١؛ ام ٢٣:٢). فالنفس في العهد القديم لا تعني جزءا من الانسان، بل الانسان بكامل كيانه، الانسان كمخلوق حي. ايضا، في العهد الجديد تعني الحياة البشرية: حياة الانسان الواعي (مت ٢:٢٠؛ ٦:٢٥؛ لو ١٢:٢٢-٢٣؛ ١٤:٢٦؛ يو ١٠:١١، ١٥، ١٧؛ ١٣:٣٧)». — ١٩٦٧، المجلد ١٣، ص ٤٦٧.
يقول الكتاب المقدس الاميركي الجديد، وهو ترجمة كاثوليكية رومانية للكتاب المقدس، في «جدول شرح المصطلحات اللاهوتية للكتاب المقدس» (ص ٢٧، ٢٨)، تعليقا على ورود لكلمة پسيخي (نفس): «في العهد الجديد، لا تعني عبارة ‹يخلِّص نفسه› (مر ٨:٣٥) ان الانسان يخلِّص جزءا ‹روحانيا› منه، دون ‹جسده› (بالمعنى الافلاطوني)، بل الانسان بكامل كيانه مع التركيز على انه حيّ، يشتهي، يحب، ويرغب، إلخ، اضافة الى انه محسوس ومادي». — طبعة اصدرتها مؤسسة ب. ج. كنيدي وأولاده، نيويورك، ١٩٧٠.
يتضح ان نيفيش تشتق من جذر معناه «تنفَّس»، ويمكن ترجمتها حرفيا الى «متنفِّس». ويُعرِّفها معجم كوهلر وباومغارتنر (Lexicon in Veteris Testamenti Libros، لايدن، ١٩٥٨، ص ٦٢٧) كما يلي: «هي المادة التي تتنفس والتي تجعل الانسان والحيوان كائنات حية تك ١:٢٠، هي النفس (التي تختلف كثيرا عن المفهوم اليوناني للنفس) التي اساسها الدم تك ٩:٤ وما يليها؛ لا ١٧:١١؛ تث ١٢:٢٣: (٢٤٩ مرة) ... النفس = الكائن الحي، الشخص، الانسان».
اما بالنسبة الى الكلمة اليونانية پسيخي، فتعرِّفها المعاجم اليونانية-الانكليزية بأنها «الحياة»، و «الذات الواعية او الشخصية التي هي مركز المشاعر والرغبات والعواطف»، «كائن حي». كما تُظهِر ان هذه الكلمة تُستعمَل حتى في الكتابات اليونانية غير الكتاب المقدس للاشارة «الى الحيوانات». طبعا، بما ان هذه المراجع تتناول بشكل رئيسي الكتابات اليونانية الكلاسيكية، فهي تشمل كل المعاني التي اعطاها الفلاسفة اليونانيون الوثنيون لهذه الكلمة، بما فيها التعريفات التالية: «الروح التي تغادر الجسد»، «النفس اللامادية الخالدة»، «الروح الكونية»، و «مبدأ الحركة والحياة اللامادي». وكما يتضح، لأن بعض الفلاسفة الوثنيين علَّموا ان النفس تنفصل عن الجسد عند الموت، فقد صارت كلمة پسيخي تصف «الفراشة او العثة» لأن مخلوقات كهذه تخضع لعملية تحوُّل، فتتغير من يُسْروع الى مخلوق له اجنحة. — معجم يوناني-انكليزي تحرير ليدل وسكوت، تنقيح ه. جونز، ١٩٦٨، ص ٢٠٢٦، ٢٠٢٧؛ معجم يوناني وإنكليزي جديد تحرير دونيغان، ١٨٣٦، ص ١٤٠٤.
لم يستعمل الكتبة اليونانيون القدامى كلمة پسيخي دائما بنفس المعنى، لأنهم كانوا متأثرين بفلسفاتهم الدينية والشخصية. مثلا، يُقال عن افلاطون الذي تُنسب الى فلسفته المفاهيم الشائعة لكلمة «نفس» (كما هو معروف عموما): «صحيح انه يتكلم احيانا عن احد الاجزاء الثلاثة [بحسب ادعائه] التي تتألف منها النفس، اي ‹الجزء العاقل›، على انه خالد حتما فيما الجزءان الآخران فانيان، إلا انه يتكلم ايضا كما لو ان هناك نفسَين في الجسد الواحد، احداهما خالدة وإلهية والاخرى فانية». — المجلة الانجيلية الفصلية، لندن، ١٩٣١، المجلد ٣، ص ١٢١، «افكار عن النظرية الثلاثية حول الطبيعة البشرية»، تحرير أ. ماكايغ.
نظرا الى هذه التناقضات في الكتابات غير الكتاب المقدس، من الضروري ان ندع الاسفار المقدسة تتكلم عن نفسها وتظهر ما قصَده الذين كتبوا هذه الاسفار بالوحي عندما استعملوا كلًّا من الكلمتَين پسيخي و نيفيش. فكلمة نيفيش ترد ٧٥٤ مرة في النص الماسوري للاسفار العبرانية، وكلمة پسيخي ترد ١٠٢ مرة في نص وستكوت وهورت للاسفار اليونانية المسيحية، ما مجموعه ٨٥٦ مرة. (انظر ملحق كم٧ ص ٦٠٥.) ونظرا الى عدد المرات التي ترد فيها هاتان الكلمتان، يمكن تحديد المعنى الذي فهمه كتبة الكتاب المقدس، والمعنى الذي يجب ان يفهمه القارئ اليوم. صحيح ان هاتَين الكلمتَين تحملان عدة معان، ولكن يتضح، بعد الفحص والتدقيق، ان كتبة الكتاب المقدس لم يحتاروا او يختلفوا في الرأي حول طبيعة الانسان، كما حصل بين الفلاسفة اليونانيين في ما يدعى الحقبة الكلاسيكية.
اول الانفس على الارض: ترد كلمة نيفيش اولا في التكوين ١:٢٠-٢٣. ففي «اليوم» الخلقي الخامس قال اللّٰه: «‹لتعج المياه بنفوس [نيفيش] حية، ولتطر طيور فوق الارض ...› فخلق اللّٰه التنانين العظام وكل النفوس [نيفيش] الحية المتحركة، التي عجت بها المياه بحسب اجناسها، وكل طير ذي جناح بحسب جنسه». ايضا، استُعملت كلمة نيفيش في «اليوم» الخلقي السادس عندما وُصفت ‹البهائم والحيوانات الدابة ووحوش الارض› بأنها ‹نفوس حية›. — تك ١:٢٤.
وبعد ان خلق اللّٰه الانسان استخدم ايضا كلمة نيفيش في الارشاد الذي اعطاه اياه عن الحيوانات، حين قال عنها: «كل ما يدب على الارض مما فيه حياة كنفس [حرفيا، فيه نفس (نيفيش) حية]». (تك ١:٣٠) وهناك آيات اخرى تستعمل كلمة نيفيش للاشارة الى الحيوانات، مثل التكوين ٢:١٩؛ ٩:١٠-١٦؛ اللاويين ١١:١٠، ٤٦؛ ٢٤:١٨؛ العدد ٣١:٢٨؛ حزقيال ٤٧:٩. ومن الملاحَظ ان الاسفار اليونانية المسيحية تستخدم ايضا الكلمة اليونانية پسيخي اشارة الى الحيوانات، كما في الرؤيا ٨:٩؛ ١٦:٣ حيث الحديث عن المخلوقات التي في البحر.
اذًا، تُظهر الاسفار المقدسة بوضوح ان نيفيش و پسيخي تنطبقان على الحيوانات التي هي ادنى من الانسان. إلا انهما تنطبقان ايضا على الانسان.
النفس البشرية: ان العبارة العبرانية نيفيش حايّاه (نفس حية) التي تُستعمَل للحيوانات تُستعمَل هي نفسها عند الحديث عن آدم. فبعد ان جبل اللّٰه الانسان من تراب الارض ونفخ في انفه نسمة الحياة، «صار الانسان نفسا حية». (تك ٢:٧) وقد تميَّز الانسان عن الحيوانات، لكنَّ ذلك ليس لأن الانسان هو نيفيش (نفس) اما الحيوانات فلا. فالسبب هو، حسبما يُظهر الكتاب المقدس، ان الانسان خُلق «على صورة اللّٰه». (تك ١:٢٦، ٢٧) لقد اعطاه اللّٰه صفات اخلاقية مثل صفاته هو، ومنحه سلطة وحكمة اكثر بكثير من الحيوانات؛ فاستطاع ان يتسلط على كل المخلوقات التي هي ادنى منه. (تك ١:٢٦، ٢٨) كما ان تركيبة جسم الانسان معقدة وتتيح له إمكانات اكثر من الحيوانات. (قارن ١ كو ١٥:٣٩.) ايضا، كان لدى آدم امل بالحياة الابدية (لكنه خسرها). اما باقي المخلوقات الادنى من الانسان، فلا يُقال انه كان لديها هذا الامل. — تك ٢:١٥-١٧؛ ٣:٢٢-٢٤.
تقول الرواية ان ‹اللّٰه نفخ في انف الانسان نسمة [صيغة من نِشاماه] الحياة›. صحيح انها لا تقول الامر نفسه عند الحديث عن خلق الحيوانات، لكنَّ السبب كما يتَّضح هو ان هناك تفاصيل اكثر عن خلق الانسان. غير انه عندما تصف التكوين ٧:٢١-٢٣ كيف اهلك الطوفان «كل جسد» خارج الفلك، نجد انها تعدِّد الحيوانات مع البشر وتقول: «كل ما في انفه نسمة [صيغة من نِشاماه] قوة الحياة، كل ما كان على اليابسة، مات». فمن الواضح ان نسمة الحياة التي في الحيوانات هي ايضا اتت في الاساس من الخالق، يهوه اللّٰه.
كذلك ايضا، لا تختلف «روح» (بالعبرانية رواح؛ باليونانية پنِفما) الانسان، او قوة الحياة التي فيه، عن قوة الحياة التي في الحيوانات. وهذا ما يتضح من الجامعة ٣:١٩-٢١ التي تقول انه توجد «روح [رواح] واحدة للكل».
النفس هي المخلوق الحي: كما سبق ان ذُكر، «صار الانسان نفسا حية». اذًا، الانسان هو نفس، لا يملك في داخله نفسا وكأنها شيء غير مادي، غير محسوس، ولا يُرى. وقد اظهر الرسول بولس ان التعليم المسيحي لا يختلف عما علَّمته الاسفار العبرانية قبله. فهو اقتبس من التكوين ٢:٧ حين قال: «هكذا ايضا مكتوب: ‹صار الانسان الاول آدم نفسا حية [پسيخِن زوسان]›. ... الانسان الاول من الارض ترابي». — ١ كو ١٥:٤٥-٤٧.
تُظهر رواية التكوين ان النفس الحية هي الجسد اللحمي ونسمة الحياة معا. وعبارة «نسمة قوة الحياة [حرفيا، نسمة روح الحياة، او قوتها العاملة (رواح)]» (تك ٧:٢٢) تدل ان تنفُّس الهواء (بما فيه من اكسجين) يدعم قوة الحياة، او «الروح»، الموجودة في كل المخلوقات، البشر والحيوانات. وقوة الحياة هذه موجودة في كل خلايا الجسد، كما ناقشت مقالتا «الحياة» و «الروح».
وبما ان كلمة نيفيش تشير الى المخلوق نفسه، فمن الطبيعي ان تُنسب اليها الوظائف والخصائص الطبيعية لأجساد المخلوقات اللحمية. مثلا، يرد ان نيفيش (النفس) تأكل لحما، شحما، دما او اشياء اخرى (لا ٧:١٨، ٢٠، ٢٥، ٢٧؛ ١٧:١٠، ١٢، ١٥؛ تث ٢٣:٢٤)؛ تجوع وتشتهي ان تأكل وتشرب (تث ١٢:١٥، ٢٠، ٢١؛ مز ١٠٧:٩؛ ام ١٩:١٥؛ ٢٧:٧؛ اش ٢٩:٨؛ ٣٢:٦؛ مي ٧:١)؛ تُسمَّن (ام ١١:٢٥)؛ تصوم (مز ٣٥:١٣)؛ تلمس اشياء نجسة، مثل جثة (لا ٥:٢؛ ٧:٢١؛ ١٧:١٥؛ ٢٢:٦؛ عد ١٩:١٣)؛ ‹تُرتهَن› او ‹تُخطَف› (تث ٢٤:٦، ٧)؛ تعمل (لا ٢٣:٣٠)؛ تنعشها المياه الباردة عندما تكون متعبة (ام ٢٥:٢٥)؛ تُشترى (لا ٢٢:١١؛ حز ٢٧:١٣)؛ تُنذَر (لا ٢٧:٢)؛ تُقيَّد بالحديد (مز ١٠٥:١٨)؛ لا تقدر ان تنام (مز ١١٩:٢٨)؛ تتنفس بصعوبة (ار ١٥:٩).
كذلك ايضا ترد في عدة آيات عبارات مثل «نفسي»، «نفسه»، «نفسها» و «نفسك». والسبب هو ان نيفيش و پسيخي يمكن ان تعنيا الانسان نفسه. لذلك يمكن التعبير عن هذا المعنى باستعمال الضمائر. فباللغة العبرانية، بحسب احد المعاجم (Lexicon in Veteris Testamenti Libros، ص ٦٢٧)، عندما يتصل ضمير المتكلم بكلمة نيفيش يصير معناها «انا» (تك ٢٧:٤، ٢٥؛ اش ١:١٤)؛ ومع ضمير المخاطَب المفرد يصير معناها «انتَ» او «انتِ» (تك ٢٧:١٩، ٣١؛ اش ٤٣:٤؛ ٥١:٢٣)؛ ومع ضمير الغائب يصير معناها «هو» او «هي» (عد ٣٠:٢، ٥-١٢؛ اش ٥٣:١٠)؛ وهلم جرا.
وينطبق الامر نفسه على الكلمة اليونانية پسيخي. فيقول قاموس فاين التفسيري لكلمات العهدين القديم والجديد (١٩٨١، المجلد ٤، ص ٥٤) انه يمكن استعمالها «كمرادف للضمائر بهدف التشديد او ترك اثر عميق: ضمير المتكلم، يو ١٠:٢٤ (بمعنى ‹نحن›)؛ عب ١٠:٣٨ قارن تك ١٢:١٣؛ عد ٢٣:١٠؛ قض ١٦:٣٠؛ مز ١٢٠:٢ (بمعنى ‹انا›)؛ ضمير المخاطَب، ٢ كو ١٢:١٥؛ عب ١٣:١٧»، وهلم جرا.
تمثِّل حياة المخلوق نفسه: تُستعمَل كلمتا نيفيش و پسيخي ايضا بمعنى الحياة، وإنما ليس الحياة بالمعنى المجرَّد والمطلق، بل حياة المخلوق نفسه، سواء كان انسانا او حيوانا.
عندما كانت راحيل تلد بنيامين، خرجت نيفيش راحيل («نفسها»، او حياتها) وماتت. (تك ٣٥:١٦-١٩) فهي لم تعد مخلوقا حيا. كذلك الامر، عندما صنع النبي ايليا عجيبة وأقام ابن ارملة صرفة الميت، رجعت نيفيش الولد (‹نفسه›، او حياته) الى داخله «وعاد الى الحياة»، اي صار من جديد مخلوقا حيا. — ١ مل ١٧:١٧-٢٣.
وبما ان حياة المخلوق ترتبط ارتباطا وثيقا بالدم وتعتمد عليه (الدم المسفوك يعني حياة الشخص او المخلوق [تك ٤:١٠؛ ٢ مل ٩:٢٦؛ مز ٩:١٢؛ اش ٢٦:٢١])، تقول الاسفار المقدسة ان نيفيش (النفس) هي «في الدم». (تك ٩:٤؛ لا ١٧:١١، ١٤؛ تث ١٢:٢٣) لا شك ان هذا المعنى ليس حرفيا، وذلك لأن الاسفار المقدسة تستعمل ايضا عبارة ‹دم نفوسكم› (تك ٩:٥؛ قارن ار ٢:٣٤)، ولأن نيفيش في الآيات العديدة الاخرى التي ناقشناها سابقا لا يمكن منطقيا ان تنطبق حصرًا على الدم او على مميزاته التي تدعم الحياة.
لا تُستعمل نيفيش (نفس) في الحديث عن خلق الحياة النباتية الذي بدأ في «اليوم» الخلقي الثالث (تك ١:١١-١٣) ولا لاحقا. فالنباتات لا دم فيها.
يمكن ايجاد امثلة عن استعمال الكلمة اليونانية پسيخي بمعنى «حياة المخلوق نفسه» في متى ٦:٢٥؛ ١٠:٣٩؛ ١٦:٢٥، ٢٦؛ لوقا ١٢:٢٠؛ يوحنا ١٠:١١، ١٥؛ ١٣:٣٧، ٣٨؛ ١٥:١٣؛ الاعمال ٢٠:١٠. وبما ان خدام اللّٰه لديهم الامل بالقيامة اذا ماتوا، فهذا يعني ان لديهم الامل ان يعيشوا من جديد «كأنفس»، او مخلوقات حية. لذلك قال يسوع: «من خسر نفسه [حياته] في سبيلي وسبيل البشارة ... يخلصها. فإنه ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ وماذا يعطي الانسان بدل نفسه؟». (مر ٨:٣٥-٣٧) كما قال: «مَن اعزَّ نفسه يهلكها، ومن ابغض نفسه في هذا العالم يصونها لحياة ابدية». (يو ١٢:٢٥) وهذه الآيات وغيرها تساعدنا ان نفهم بشكل صحيح كلمات يسوع في متى ١٠:٢٨: «لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون ان يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر ان يهلك النفس والجسد كلَيهما في وادي هنوم». فصحيح ان الانسان يقدر ان يقتل جسد شخص ما، إلا انه لا يقدر ان يقتله بشكل نهائي. فالشخص الامين اذا مات يبقى حيا بحسب قصد اللّٰه (قارن لو ٢٠:٣٧، ٣٨)، واللّٰه يقدر ويرغب ان يعيد اليه حياته بإقامته من الموت. وخدام اللّٰه يعتبرون خسارة «نفوسهم»، او حياتهم، وقتية لا ابدية. — قارن رؤ ١٢:١١.
فانية ويمكن اهلاكها: من ناحية اخرى، تقول متى ١٠:٢٨ ان اللّٰه «يقدر ان يهلك النفس [پسيخِن] والجسد كلَيهما في وادي هنوم». وهذا يُظهر ان پسيخي لا تشير الى شيء لا يفنى او يهلك. فلا توجد ولا آية في كل الاسفار المقدسة، العبرانية واليونانية، تذكر نيفيش او پسيخي مع صفات مثل خالدة، لا تهلك، لا تفنى، لا تموت، وما شابه. (انظر «الخلود»؛ «الفساد (عدم الفساد)».) ولكن هناك الكثير جدا من الآيات في الاسفار العبرانية واليونانية التي تقول عن نيفيش او پسيخي (نفس) انها يمكن ان تموت (تك ١٩:١٩، ٢٠؛ عد ٢٣:١٠؛ يش ٢:١٣، ١٤؛ قض ٥:١٨؛ ١٦:١٦، ٣٠؛ ١ مل ٢٠:٣١، ٣٢؛ مز ٢٢:٢٩؛ حز ١٨:٤، ٢٠؛ مت ٢:٢٠؛ ٢٦:٣٨؛ مر ٣:٤؛ عب ١٠:٣٩؛ يع ٥:٢٠)؛ «تُقطَع» او تهلك (تك ١٧:١٤؛ خر ١٢:١٥؛ لا ٧:٢٠؛ ٢٣:٢٩؛ يش ١٠:٢٨-٣٩؛ مز ٧٨:٥٠؛ حز ١٣:١٩؛ ٢٢:٢٧؛ اع ٣:٢٣؛ رؤ ٨:٩؛ ١٦:٣)، سواء بالسيف (يش ١٠:٣٧؛ حز ٣٣:٦)، او اختناقا (اي ٧:١٥)، او غرقا (يون ٢:٥)؛ وتذهب الى الحفرة او القبر (اي ٣٣:٢٢؛ مز ٨٩:٤٨) او تُنقَذ منه (مز ١٦:١٠؛ ٣٠:٣؛ ٤٩:١٥؛ ام ٢٣:١٤).
النفس الميتة: ترد عبارة «نفس ميتة» ايضا مرات عديدة، وهي تعني ببساطة «شخص ميت». — لا ١٩:٢٨؛ ٢١:١، ١١؛ ٢٢:٤؛ عد ٥:٢؛ ٦:٦؛ حج ٢:١٣؛ قارن عد ١٩:١١، ١٣.
الرغبة: احيانا تُستعمل كلمة نيفيش للتعبير عن رغبة الشخص، رغبة تملأه وتسيطر عليه الى ان تصل الى هدفها. مثلا، تقول الامثال ١٣:٢: «نفس الغادرين ... هي عنف». وهذا يعني ان العنف يسيطر عليهم لدرجة انهم يصيرون تشخيصا له. (قارن تك ٣٤:٣؛ مز ٢٧:١٢؛ ٣٥:٢٥؛ ٤١:٢.) كما يُدعى رعاة اسرائيل المزيفون ‹كلابا شرهة النفس لا تعرف الشبع›. — اش ٥٦:١١، ١٢؛ قارن ام ٢٣:١-٣؛ حب ٢:٥.
الخدمة من كل النفس: كما رأينا سابقا، تعني «النفس» من حيث الاساس الشخص بكامله. غير ان بعض الآيات تشجعنا ان نفتش عن اللّٰه ونحبه ونخدمه ‹بكل قلبنا وبكل نفسنا›. (تث ٤:٢٩؛ ١١:١٣، ١٨) وتقول التثنية ٦:٥: «تحب يهوه إلهك بكل قلبك وبكل نفسك وبكل قوتك». كما قال يسوع انه من الضروري ان يخدم الشخص اللّٰه بكل نفسه وقوته، وأيضا ‹بكل عقله›. (مر ١٢:٣٠؛ لو ١٠:٢٧) لذلك ينشأ السؤال: ما دامت النفس تشمل كل شيء، فلماذا تُذكر معها تلك الامور الاخرى؟ يمكن ايضاح المعنى المحتمل بالمثل التالي: قد يبيع شخص نفسه عبدا لشخص آخر ويصير ملكا له. لكنه قد لا يخدم سيده من كل قلبه، اي انه قد لا يكون عنده كل الدافع وكل الرغبة ليرضيه. وبالتالي قد لا يستخدم كل قوته وكل قدرته التفكيرية ليدعم سيده. (قارن اف ٦:٥؛ كو ٣:٢٢.) فمن الواضح ان هذه الاوجه للنفس انما هي مذكورة لإبرازها، وهكذا نبقيها في بالنا ونركِّز عليها فيما نخدم اللّٰه الذي نحن ملك له، ونخدم ابنه الذي دفع حياته فدية ليشترينا. فخدمة اللّٰه «من كل النفس» تشمل الشخص بكامله، بكل ما في جسده من اعضاء ووظائف وقدرات ورغبات. — قارن مت ٥:٢٨-٣٠؛ لو ٢١:٣٤-٣٦؛ اف ٦:٦-٩؛ في ٣:١٩؛ كو ٣:٢٣، ٢٤.
النفس تختلف عن الروح: لا يجب الخلط بين «الروح» (بالعبرانية رواح؛ باليونانية پنِفما) و «النفس» (بالعبرانية نيفيش؛ باليونانية پسيخي)، لأن الكلمتَين تشيران الى امور مختلفة. لذلك تقول العبرانيين ٤:١٢ ان كلمة اللّٰه «تخرق لتفرق بين النفس والروح، وبين المفاصل ومخها». (قارن ايضا في ١:٢٧؛ ١ تس ٥:٢٣.) فكما رأينا، النفس (نيفيش؛ پسيخي) هي المخلوق نفسه. اما الروح (رواح؛ پنِفما) فتشير عموما الى قوة الحياة الموجودة في المخلوق الحي او النفس، رغم ان الكلمتَين الاصليتَين يمكن ان تحملا معاني اخرى.
كذلك يُرى الفرق بين الكلمتَين اليونانيتَين پسيخي و پنِفما في رسالة الرسول بولس الاولى الى الاخوة في كورنثوس عندما ناقش موضوع قيامة المسيحيين الى الحياة الروحانية. فهناك يُظهر بولس الفرق بين «المادي [پسيخيكون، حرفيا، نفساني]» و «الروحي [پنِفماتيكون]»، ويوضح ان المسيحيين المختارين يكون لديهم جسد «مادي»، مثل الذي كان لدى الانسان الاول آدم، الى ان يموتوا. وعندما يُقامون من الموت ينالون جسما روحانيا مثل جسم يسوع المسيح الممجَّد. (١ كو ١٥:٤٢-٤٩) ويهوذا يُجري مقارنة مشابهة نوعا ما عندما يتكلم عن اشخاص ‹حيوانيين [پسيخيكي، حرفيا، نفسانيين]، لا روحيات لهم [حرفيا، ليس لديهم روح (پنِفما)]». — يه ١٩.
بأي معنى يكون لدى اللّٰه نفس؟ نظرا الى ما تقدَّم، يبدو ان الآيات التي يقول فيها اللّٰه «نفسي (نيفيش مع ضمير المتكلم)» (لا ٢٦:١١، ٣٠؛ مز ٢٤:٤؛ اش ٤٢:١) هي امثلة على استعمال اوصاف بشرية للّٰه لمساعدة القارئ على الفهم، كما عندما يُقال ان له عينَين ويدَين وغير ذلك. ومن الواضح ان يهوه عندما يقول «نفسي» يقصد «انا». فالاسفار المقدسة تقول: «اللّٰه روح [پنِفما]». — يو ٤:٢٤؛ انظر «يهوه» (اوصاف لحضرة يهوه).