مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ب٩٥ ١/‏١٠ ص ١٩-‏٢٤
  • اتِّباع خطوات والديّ

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • اتِّباع خطوات والديّ
  • برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٥
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • غيرة ابي للملكوت
  • خدمة امي الامينة
  • الخدمة في حداثتي
  • الحرب العالمية الثانية تندلع
  • خدمة سارة كامل الوقت
  • ميراثنا الروحي الغني
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٥
  • ميراث مسيحي نادر
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٣
  • علَّمنا والدانا ان نحب اللّٰه
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٩
  • ‏«لا اغيِّر شيئا البتة!‏»‏
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٢
المزيد
برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٥
ب٩٥ ١/‏١٠ ص ١٩-‏٢٤

اتِّباع خطوات والديّ

كما روته هيلدا پادجيت

‏«نذرت حياتي لخدمة العليّ،‏» ذكر التقرير الصحفي،‏ «ولا يمكنني ان اخدم سيدين.‏» ان هذه الكلمات من تصريحي الذي قدَّمته الى السلطات في وزارة العمل والخدمات القومية البريطانية سنة ١٩٤١ اظهرت سبب رفضي امرهم بأن اقوم بالخدمة الاجبارية في مستشفى خلال الحرب العالمية الثانية.‏ وبعيد ذلك جرت ادانتي وحُكم عليَّ بالسجن ثلاثة اشهر بسبب رفضي.‏

فماذا ادى بي الى هذه الورطة؟‏ لم يكن ذلك نزوة شبابية او سلوكا تمرديا،‏ بل تعود الاسباب الى الوقت الذي كنت فيه طفلة.‏

غيرة ابي للملكوت

ولدتُ في ٥ حزيران ١٩١٤ في هورسفرث قرب ليدز،‏ في شمالي انكلترا.‏ كان والداي،‏ أَتكِنسن وپاتي پادجيت،‏ معلمَين في مدرسة الاحد وعضوَين في جوقة المعبد المنهجي الابتدائي حيث كان ابي يعزف على الأُرغن.‏ وعندما كنت طفلة،‏ كانت عائلتنا عائلة سعيدة إلا من ناحية واحدة.‏ فالاوضاع العالمية كانت تقلق ابي.‏ كان يكره الحرب والعنف ويؤمن بأمر الكتاب المقدس:‏ «لا تقتل.‏» —‏ خروج ٢٠:‏١٣‏.‏

وفي سنة ١٩١٥ حثَّت الحكومة جميع الشبان على الالتحاق بالجيش طوعا،‏ وهكذا يتجنبون التجنيد الاجباري.‏ فوقف ابي طوال النهار تحت المطر منتظرا دوره ليتسجل كجندي فيما كانت تراوده بعض الشكوك.‏ وفي اليوم التالي تغيَّرت حياته بكاملها!‏

بينما كان يعمل سبَّاكا في بيت كبير،‏ تكلم مع عمال آخرين عن حوادث العالم.‏ فأعطاه البستاني نشرة صغيرة بعنوان تجميع جواهر الرب.‏ اخذها ابي الى البيت،‏ قرأها،‏ وأعاد قراءتها.‏ «اذا كان هذا هو الحق،‏» قال،‏ «فكل شيء آخر اذًا هو خطأ.‏» وفي اليوم التالي،‏ طلب معلومات اضافية،‏ وطوال ثلاثة اسابيع كان يدرس الكتاب المقدس كل الليل حتى ساعات الصباح الباكرة.‏ لقد ادرك انه وجد الحق!‏ ويقول في يومياته عن يوم الاحد في ٢ كانون الثاني ١٩١٦:‏ «ذهبت الى المعبد في الصباح ثم ذهبت الى جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الامم [كما كان يُعرف شهود يهوه آنذاك في انكلترا] في المساء —‏ اذ كنا ندرس عبرانيين ٦:‏٩-‏٢٠ —‏ وكانت هذه زيارتي الاولى للاخوة.‏»‏

سرعان ما بدأت المقاومة.‏ واعتقد اقرباؤنا ورفقاؤنا في المعبد ان ابي مجنون.‏ لكنه كان قد اتَّخذ قراره.‏ لقد صارت الاجتماعات والدرس الامر الاساسي في حياته،‏ وبحلول آذار كان قد رمز الى انتذاره ليهوه بمعمودية الماء.‏ وبعد اسابيع قليلة من ذهاب ابي وحده الى الاجتماعات،‏ لم تعد امي تمتنع عن الذهاب.‏ فوضعتني في عربة الاطفال التي لي ومشت مسافة الخمسة اميال (‏٨ كلم)‏ الى ليدز،‏ واصلة تماما عند انتهاء الاجتماع.‏ يمكنكم ان تتخيَّلوا فرح ابي.‏ ومن ذلك الحين فصاعدا،‏ اتَّحدت عائلتنا في خدمة يهوه.‏

كان وضع ابي صعبا جدا —‏ متطوع في الجيش ثم في غضون اسابيع قليلة معترض بسبب الضمير.‏ عندما دُعي الى الالتحاق،‏ رفض ان يحمل بندقية،‏ وبحلول تموز ١٩١٦ واجه اول محاكمة من خمس محاكمات امام المحكمة العسكرية،‏ وحُكم عليه بالسجن ٩٠ يوما.‏ وبعد قضاء مدة اول حكم،‏ اخذ ابي إجازة لاسبوعين،‏ تبعتها محاكمة ثانية امام المحكمة العسكرية والسجن ٩٠ يوما اضافيا.‏ وبعد انتهاء مدة سجنه الثانية،‏ نُقل الى الفيلق الطبي في الجيش الملكي،‏ وفي ١٢ شباط ١٩١٧،‏ سافر على متن سفينة لنقل الجنود الى رُووَان،‏ فرنسا.‏ ويذكر في يومياته انه كان يشمئز اكثر يوما بعد يوم من حالته.‏ وأدرك انه كان يعتني بالجنود الجرحى ليعودوا ويحاربوا.‏

ومرة اخرى رفض ان يتعاون.‏ فحكمت المحكمة العسكرية عليه هذه المرة بالسجن مدة خمس سنوات في السجن العسكري البريطاني في رُووَان.‏ وعندما استمر ابي في الطلب ان يُنقل الى سجن مدني كمعترض بسبب الضمير،‏ عوقب بأكل الخبز وشرب الماء مدة ثلاثة اشهر،‏ تبعتها وجبة السجن العادية حتى ازداد وزنه؛‏ ثم اعادوا العقوبة من جديد.‏ وكانت تقيَّد يداه وراء ظهره في النهار والى الامام خلال الليل وفي اوقات الطعام.‏ وقد حمل كل حياته ندوبا على معصميه حيث كان الصفد الضيق جدا يطوِّق لحمه،‏ مسبِّبا قرحات.‏ وكانت رجلاه ايضا توثقان بقيد موصول بخصره.‏

بذلت السلطات العسكرية كل ما في وسعها لتزعزع ثباته لكن بلا جدوى.‏ وأُخذ منه كتابه المقدس وكتبه.‏ ولم يكن يتسلَّم الرسائل من عائلته،‏ وكان لا يستطيع ان يرسل اية رسالة.‏ وبعد سنتين قرر ان يظهر اخلاصه بالاضراب عن الطعام.‏ واستمر في قراره طوال سبعة ايام دون ان يأكل او يشرب،‏ مما ادى الى مرضه على نحو خطير والى نقله الى مستشفى السجن.‏ لقد برهن عن اخلاصه،‏ رغم انه كاد يخسر حياته نتيجة لذلك.‏ وبعد سنوات اعترف بأنه اخطأ في تعريض حياته للخطر بهذه الطريقة وأنه لن يفعل ذلك ثانية.‏

انتهت الحرب في تشرين الثاني ١٩١٨ وكان ابي لا يزال في السجن في رُووَان،‏ لكن في اوائل السنة التالية نُقل الى سجن مدني في انكلترا.‏ وتصوروا فرحه عندما وصلته الرسائل والطرود المكدَّسة التي ارسلتها امي مع كتابه المقدس وكتبه الثمينة!‏ لقد أُخذ الى سجن وِنتْشسْتر حيث التقى اخا شابا مرَّ في زمن الحرب باختبارات مماثلة لاختباراته.‏ وكان اسمه فرانك پلات،‏ وقد خدم لاحقا في بتل لندن سنوات عديدة.‏ فرتَّبا ان يلتقيا في اليوم التالي،‏ لكنَّ فرانك نُقل في ذلك الوقت الى مكان آخر.‏

وفي ١٢ نيسان ١٩١٩،‏ تلقت امي برقية:‏ «هلِّلويا!‏ سأرجع الى البيت —‏ سأتصل بلندن.‏» ويا له من وقت للفرح بعد ثلاث سنوات من التجارب،‏ المحن،‏ والانفصال!‏ وكان اول امر فكَّر فيه ابي هو الاتصال بالاخوة في بتل لندن والالتقاء بهم.‏ فنال ترحيبا حارا عندما وصل الى موقع البتل في ٣٤ كرايڤِن تِرّاس.‏ وبعد ان استحمَّ ابي وحلق ذقنه واستعار بدلة وقبعة،‏ عاد الى البيت.‏ فهل يمكنكم ان تتخيَّلوا اتحادنا ثانية؟‏ كنت آنذاك في الخامسة من العمر تقريبا،‏ ولم اتذكره.‏

كانت الذكرى اول اجتماع حضره ابي بعد نيله حريته.‏ وبعد صعوده الدرج الى القاعة،‏ كان اول اخ التقاه هو فرانك پلات،‏ الذي كان قد نُقل الى مستشفى عسكري في ليدز.‏ فيا للفرح الذي اختبراه عندما تبادلا اختباراتهما!‏ ومنذ ذلك الوقت وحتى اطلاقه من المستشفى،‏ غالبا ما كان يأتي فرانك لزيارتنا لأنه شعر بأنه في بيته معنا.‏

خدمة امي الامينة

طوال الوقت الذي كان فيه ابي بعيدا عن البيت،‏ كانت امي تغسل الثياب للناس لتزيد دخلها الضئيل الذي تحصل عليه من الحكومة.‏ وكان الاخوة لطفاء جدا معنا.‏ فكل بضعة اسابيع كان يعطيها احد شيوخ الجماعة ظرفا صغيرا يحتوي على هبة مجهولة المصدر.‏ وكانت امي تقول دائما ان محبة الاخوة هي التي قرَّبتها اكثر الى يهوه وساعدتها على الاحتمال خلال تلك الاوقات الصعبة.‏ وكانت تحضر اجتماعات الجماعة بأمانة خلال فترة غياب ابي.‏ وكان امتحانها الاصعب ان لا تعلم لاكثر من سنة ما اذا كان ابي حيا او ميتا.‏ والثقل الآخر الذي حملناه امي وأنا كان في سنة ١٩١٨ حين أُصبنا بالانفلونزا الاسپانية.‏ وكان الناس يموتون في كل مكان حولنا.‏ والجيران الذين اتوا لمساعدة جيران آخرين التقطوا المرض وماتوا.‏ ولا شك ان النقص في الاغذية في ذلك الوقت ساهم في اضعاف مقاومة الناس للعدوى.‏

لقد صحَّت كثيرا كلمات الرسول بطرس في عائلتنا:‏ «بعدما تألمتم يسيرا هو [اللّٰه] .‏ .‏ .‏ يثبِّتكم ويقوِّيكم ويمكِّنكم»!‏ (‏١ بطرس ٥:‏١٠‏)‏ ان معاناة والديَّ ساعدتهما على تنمية ايمان لا يتزعزع بيهوه،‏ ثقة مطلقة بأنه يعتني بنا وأنه لا شيء يمكن ان يفصلنا عن محبة اللّٰه.‏ لقد بوركت خصوصا بتربية كهذه في الايمان.‏ —‏ رومية ٨:‏٣٨،‏ ٣٩؛‏ ١ بطرس ٥:‏٧‏.‏

الخدمة في حداثتي

بعد اطلاق سراح ابي،‏ صارت خدمة الملكوت محور حياتنا.‏ لا اذكر ابدا اننا فوَّتنا اجتماعا،‏ إلا بسبب المرض.‏ وبُعيد رجوع ابي الى البيت،‏ باع آلته المصممة للتصوير على لوح زجاجي وسوار امي الذهبي للحصول على المال من اجل حضور محفل.‏ ورغم اننا لم نكن قادرين على تحمل عبء العطل،‏ لم نفوِّت قط هذه المحافل،‏ بما فيها المحافل في لندن.‏

كانت السنتان او السنوات الثلاث الاولى بعد الحرب اوقات انتعاش.‏ فاستفاد ابي وأمي كاملا من كل فرص الرفقة والمعاشرة.‏ ولا ازال اذكر كيف كنا نزور اخوة وأخوات آخرين،‏ وكيف كنت اجلس كطفلة صغيرة ألوِّن وأرسم فيما الكبار يتحدثون واحدهم الى الآخر ساعات طويلة عن فهم امور جديدة في الحق.‏ وكان التكلم معا،‏ الترنيم بمرافقة الأُرغن،‏ التمتع بالرفقة السارة،‏ يفرحهم وينعشهم جدا.‏

كان والداي حازمَين جدا في تدريبي.‏ ففي المدرسة كنت ابرز مختلفة،‏ حتى عندما كنت في الخامسة من العمر،‏ اذ كنت آخذ «العهد الجديد» معي لاقرأ فيما كان الصف يتعلم في كتاب التعليم الديني.‏ ولاحقا أوقفتُ امام كل المدرسة بصفتي «معترضة بسبب الضمير» لأنني لم اشترك في احتفالات ذكرى الهدنة.‏a لم اندم على تربيتي.‏ وفي الواقع،‏ كانت حماية لي وسهَّلت عليّ البقاء في ‹الطريق الضيق.‏› وحيثما كان يذهب والداي،‏ الى الاجتماعات او في الخدمة،‏ كنت اذهب معهما.‏ —‏ متى ٧:‏١٣،‏ ١٤‏.‏

وأذكر خصوصا صباح يوم الاحد الذي ابتدأت فيه لأول مرة اكرز وحدي.‏ كنت في الـ‍ ١٢ من العمر فقط.‏ وأتذكر عندما كنت مراهقة قولي في صباح يوم احد انني سأبقى في البيت.‏ لم ينقدني احد او يجبرني على الذهاب للكرازة،‏ لذلك جلست في الحديقة ادرس كتابي المقدس وأشعر بانزعاج كبير.‏ بعد ذلك بأسبوع او اثنين،‏ قلت لأبي:‏ «اعتقد انني سأذهب معك هذا الصباح!‏» ومن ذلك الحين فصاعدا اتقدم روحيا باستمرار.‏

كم كانت سنة ١٩٣١ رائعة!‏ ففي تلك السنة لم نتَّخذ فقط اسمنا الجديد،‏ شهود يهوه،‏ بل ايضا اعتمدت في محفل قومي في الكسندرا پالاس،‏ لندن.‏ ولن انسى ابدا ذلك اليوم.‏ لقد لبسنا اثوابا سوداء طويلة،‏ واتفق ان ثوبي كان مبلَّلا لأن مرشحا آخر قبلي كان قد استعمله!‏

كان طموحي دائما كحدثة ان اصير موزعة جائلة للمطبوعات،‏ كما كان يُعرف المبشرون كامل الوقت آنذاك.‏ واذ كبرت اكثر،‏ شعرت بوجوب فعل المزيد في خدمة يهوه.‏ لذلك انضممت في آذار ١٩٣٣،‏ وأنا في الـ‍ ١٨ من العمر،‏ الى صفوف الخدام كامل الوقت.‏

كانت «اسابيع الفتح» في بعض المدن الكبرى اوقات فرح خصوصي لنا،‏ اذ كان يأتي اثنا عشر خادما كامل الوقت،‏ يقيمون عند الاخوة المحليين،‏ ويعملون كفريق.‏ كنا نوزع الكراريس على القادة الدينيين ورجال بارزين آخرين.‏ وكان الاقتراب منهم يتطلب الشجاعة.‏ وغالبا ما كنا نلاقي الاستهزاء،‏ وكثيرون منا كان الباب يغُلق في وجههم بعنف.‏ لم يزعجنا ذلك لان حماستنا كانت كبيرة جدا حتى اننا كنا نفرح بأن نُعيَّر من اجل اسم المسيح.‏ —‏ متى ٥:‏١١،‏ ١٢‏.‏

استعملنا في ليدز عربة اطفال،‏ دراجة بثلاث عجلات،‏ دراجة ابي النارية والعربة الجانبية،‏ ولاحقا سيارته لحمل آلات الاسطوانات مع مكبِّرات الصوت.‏ وكان أخَوان يسيران في الشارع مع الآلة،‏ يضعان اسطوانة موسيقية لتنبِّه الناس وتجذبهم الى عتبات ابوابهم،‏ ثم يضعان خطابا مسجَّلا للاخ رذرفورد مدته خمس دقائق.‏ ثم ينتقلان الى الشارع التالي فيما كنا نتبعهما،‏ نحن الناشرين،‏ ونعرض مطبوعات الكتاب المقدس.‏

وطوال سنوات كنا نذهب كل يوم احد مساء بعد الاجتماع الى ساحة دار البلدية حيث توجد زاوية للخطباء العامين وكنا نمنح الدعم بالاستماع الى احد الخطابات المسجلة للاخ رذرفورد لمدة ساعة،‏ بتوزيع النشرات وبالتحدث الى من يظهر اهتماما.‏ وأصبحنا معروفين جيدا هناك.‏ حتى ان الشرطة كانت تحترمنا.‏ وفي احدى الامسيات اجتمعنا كالعادة لكننا سمعنا من بعيد صوت طبول وفرقة موسيقية.‏ وسرعان ما ظهر في الشارع موكب من مئة فاشي.‏ فداروا وراءنا ثم توقفوا رافعين اعلامهم عاليا.‏ وقفت الفرقة،‏ وساد الصمت تماما عندما دوَّى صوت الاخ رذرفورد:‏ «دعوهم يؤدون التحية لأعلامهم ويهتفون بالبشر اذا شاءوا.‏ نحن سنعبد ونهتف بيهوه الهنا فقط!‏» وتساءلنا عما سيحدث بعد ذلك!‏ لكن لم يحدث شيء سوى انهم اخذوا شهادة حسنة وقد جعلتهم الشرطة يلتزمون الصمت لنتمكن من سماع بقية المحاضرة العامة.‏

وفي هذا الوقت بدأ استعمال الفونوڠراف ليساعدنا على تقديم شهادة عظيمة.‏ فكنا،‏ على عتبة الباب،‏ نُبقي اعيننا على الاسطوانة لنشجِّع الناس على الاصغاء الى موعظة الكتاب المقدس المسجَّلة لمدة خمس دقائق كاملة.‏ وغالبا ما كان اصحاب البيوت يدعوننا الى الداخل ويُسرّون بأن نعود ثانية ليسمعوا تسجيلات اضافية.‏

كانت السنة ١٩٣٩ حافلة بالنشاطات وصعبة،‏ اذ نشبت فيها المقاومة والعنف.‏ وقبل احد محافلنا،‏ واجه الاخوة اعمال الرعاع في الشوارع.‏ لذلك،‏ في اثناء المحفل،‏ خططوا ان تكرز فرقة خاصة من الاخوة في سيارات في المناطق المضطربة،‏ فيما ذهب الاخوة الآخرون والاخوات حيث يوجد امن اكثر.‏ واذ كنت اعمل مع احدى الفرق في احد الشوارع،‏ نزلت في ممر ضيق لزيارة البيوت الواقعة وراء الشارع.‏ وبينما كنت امام احد الابواب،‏ سمعت اهتياجا —‏ كان هنالك صياح وصراخ في الشارع.‏ استمررت في التحدث الى الشخص على الباب،‏ وأطلت المحادثة حتى ساد الهدوء.‏ ثم سرت في الممر رجوعا الى ان وصلت الى الشارع لأجد ان الاخوة والاخوات الآخرين مذعورون لانهم لم يجدوني!‏ ومع ذلك،‏ في وقت لاحق في النهار،‏ حاول مثيرو المشاكل ان يعطِّلوا اجتماعنا،‏ لكنَّ الاخوة اخرجوهم الى خارج.‏

الحرب العالمية الثانية تندلع

بحلول ذلك الوقت كان التجنيد الزاميا،‏ وكثيرون من الاحداث سُجنوا لمدة تتراوح بين ٣ و١٢ شهرا.‏ فحصل ابي آنذاك على امتياز اضافي وهو ان يزور الاخوة في السجن.‏ وكان يدير كل يوم احد درسَ برج المراقبة في السجن المحلي.‏ ويوم الاربعاء مساء كان يزور الاخوة في زنزاناتهم.‏ واذ اختبر هو نفسه السجن الطويل والشاق اثناء الحرب العالمية الاولى،‏ كان مسرورا بأن يخدم الذين يمرون بمحن مماثلة.‏ وفعل ذلك طوال ٢٠ سنة،‏ حتى موته في سنة ١٩٥٩.‏

بحلول سنة ١٩٤١،‏ صرنا معتادين القسوة والعداء اللذين اظهرهما كثيرون من الناس بسبب موقفنا من الحياد.‏ ولم يكن سهلا الوقوف في الشوارع حاملين المجلات ومواجهين هذا الامر.‏ وفي الوقت نفسه سررنا بأن نساعد اللاجئين المقيمين في منطقتنا.‏ لقد كانوا لاتڤيين،‏ پولنديين،‏ استونيين،‏ أَلمانا —‏ كم سررنا برؤية الفرح يشعّ من عيونهم عندما يرون مجلتي برج المراقبة والتعزية (‏الآن استيقظ!‏‏)‏ بلغتهم الخاصة!‏

ثم اتت محنتي نتيجة لموقف الحياد الذي اتخذته خلال الحرب العالمية الثانية.‏ وقد وجدت حياة السجن قاسية اذ كنت أُسجن في زنزانتي ١٩ ساعة من كل ٢٤ ساعة.‏ وكانت الايام الثلاثة الاولى هي الاصعب لأنني كنت وحدي.‏ وفي اليوم الرابع،‏ طُلبتُ الى مكتب الحاكم حيث وجدتُ فتاتين اخريين واقفتين.‏ فهمسَت اليَّ واحدة منهما:‏ «لماذا انتِ في السجن؟‏» قلت:‏ «ستندهشين عندما تعلمين.‏» فسألت هامسة بتوتر:‏ «هل انت من شهود يهوه؟‏» فسمعتها الفتاة الاخرى وسألتنا كلتينا:‏ «هل انتما من شهود يهوه؟‏» فتعانقنا نحن الثلاث.‏ وهكذا لم نعد وحدنا!‏

خدمة سارة كامل الوقت

واذ أُطلق سراحي من السجن،‏ استمررت في خدمتي كامل الوقت وانضمَّت اليَّ حدثة عمرها ١٦ سنة كانت قد تركت المدرسة مؤخرا.‏ فانتقلنا الى إلكْلي،‏ بلدة جميلة في طرف يوركْشَير دايلز.‏ وطوال ستة اشهر كاملة حاولنا بجهد ان نجد مكانا مناسبا لاجتماعاتنا.‏ وأخيرا استأجرنا مرأبا صغيرا حوَّلناه الى قاعة ملكوت.‏ وأتى ابي لمساعدتنا في هذه المهمة الصعبة مزوِّدا ايانا الانارة والتدفئة.‏ وزيَّن ايضا البناء لنا.‏ وطوال سنوات دعمتنا الجماعة القريبة اذ كانت تعيِّن اخوة ليقدموا كل اسبوع خطابات عامة.‏ وببركة يهوه ازدهرنا ونمونا وأخيرا تأسست جماعة.‏

في كانون الثاني ١٩٥٩ مرض ابي فجأة.‏ فدُعيت الى البيت،‏ ومات في نيسان.‏ وكانت السنوات التي تلت صعبة.‏ فقد تدهورت صحة امي وكذلك ذاكرتها مما جعلني اعيش في كفاح.‏ لكنَّ روح يهوه ساعدني على الاستمرار وكنت قادرة على الاعتناء بها حتى موتها سنة ١٩٦٣.‏

تمتعت ببركات كثيرة من يهوه على مر السنين.‏ وهي اكثر من ان تُعد.‏ لقد شاهدت جماعتي المحلية تنمو وتنقسم اربع مرات،‏ مرسِلةً ناشرين وفاتحين،‏ والبعض كمرسلين الى بلدان بعيدة كبوليڤيا،‏ لاوس،‏ وأوغندا.‏ حالت الظروف دون ان اتزوج وأستقر.‏ لكنَّ ذلك لم يجعلني تعيسة؛‏ فقد كنت مشغولة جدا.‏ ورغم انه ليس لديَّ اقرباء جسديون،‏ لديَّ اولاد وحفداء كثيرون في الرب،‏ حتى مئة ضعف.‏ —‏ مرقس ١٠:‏٢٩،‏ ٣٠‏.‏

غالبا ما ادعو احداثا فاتحين وأحداثا آخرين الى بيتي للتمتع بالرفقة المسيحية.‏ ونستعد معا على درس برج المراقبة.‏ ونسرد ايضا اختبارات ونرنم ترانيم الملكوت،‏ تماما كما كان يفعل والداي.‏ واذ أُحاط بمجموعة من الاحداث الفرحين،‏ احافظ على نظرة الشباب والسعادة.‏ وبالنسبة اليَّ،‏ ليست هنالك حياة افضل من حياة خدمة الفتح.‏ وأنا شاكرة ليهوه على حيازتي امتياز اتباع خطوات والديَّ.‏ وأصلي ان استمر في خدمة يهوه طوال الابدية.‏

‏[الحاشية]‏

a احتفال بذكرى نهاية الحرب سنة ١٩١٨ ولاحقا سنة ١٩٤٥.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

النشرة التي اثارت اهتمام ابي بالحق

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

هيلدا پادجيت مع والدَيها،‏ أتكِنسن وپاتي

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة