مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ب٩٧ ١/‏٨ ص ٢٠-‏٢٥
  • انتظرت يهوه بصبر منذ صباي

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • انتظرت يهوه بصبر منذ صباي
  • برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٧
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • دُربت لأثق بيهوه
  • الاضطهاد يزداد حدة
  • فترة وجيزة من النشاط الروحي الغيور
  • الدعم من اخوتي الروحيين
  • يهوه ينجّي خدامه الاولياء
  • ماذا عساي أردّ ليهوه؟‏
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٩
  • وثقتُ بعناية يهوه الحبية
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٤
  • ولاء عائلتي للّٰه كان حافزا لي
    استيقظ!‏ ١٩٩٨
  • اكثر من ٥٠ سنة من ‹العبور›‏
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٦
المزيد
برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٧
ب٩٧ ١/‏٨ ص ٢٠-‏٢٥

انتظرت يهوه بصبر منذ صباي

كما رواه رودولف ڠرايخن

فجأة،‏ اصابت المأساة عائلتي عندما كان عمري ١٢ سنة فقط.‏ اولا،‏ أُلقي ابي في السجن.‏ ثم أُخذتُ وأختي عنوة من البيت وأُرسلنا لنعيش مع اشخاص غرباء.‏ ولاحقا،‏ القى الڠستاپو القبض علينا امي وأنا.‏ فسُجنت انا،‏ وانتهى الامر بأمي الى معسكر اعتقال.‏

ان سلسلة الاحداث هذه لم تسم سوى بداية فترة من الاضطهاد المؤلم الذي عانيته في صباي كواحد من شهود يهوه.‏ فقد حاول الڠستاپو النازيون السيِّئو السمعة ثم شرطة الـ‍ شْتازي الالمانية الشرقية ان يكسروا استقامتي للّٰه.‏ والآن،‏ بعد ٥٠ سنة من الخدمة له،‏ يمكنني ان اقول كما قال صاحب المزمور:‏ «كثيرا ما ضايقوني منذ شبابي.‏ لكن لم يقدروا عليّ.‏» (‏مزمور ١٢٩:‏٢‏)‏ فكم انا شاكر ليهوه!‏

ولدتُ في ٢ حزيران ١٩٢٥،‏ في بلدة لوكا الصغيرة قرب لَيْپتزيڠ،‏ المانيا.‏ وحتى قبل ان اولد،‏ ميَّز والداي،‏ ألفرد وتريزا،‏ رنة حق الكتاب المقدس في مطبوعات تلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه معروفين آنذاك.‏ اتذكر انني كنت كل يوم انظر الى صور لمشاهد من الكتاب المقدس معلَّقة على جدران بيتنا.‏ وكانت احدى الصور تعرض الذئب والخروف،‏ الجدي والنمر،‏ العجل والشبل —‏ جميعها بسلام،‏ وصبي صغير يسوقها.‏ (‏اشعياء ١١:‏٦-‏٩‏)‏ لقد اثَّرت فيَّ صور كهذه تأثيرا دائما.‏

كلما كان ممكنا،‏ كان والداي يشملانني بنشاطات الجماعة.‏ على سبيل المثال،‏ في شباط ١٩٣٣،‏ بعد تسلُّم هتلر السلطة بمجرد ايام قليلة،‏ عُرضت «رواية الخلق المصوَّرة» —‏ بصورها المنزلقة،‏ فيلمها السينمائي،‏ وروايتها المسجَّلة —‏ في بلدتنا الصغيرة.‏ وكم كنت فرحا،‏ صبي عمره سبع سنوات فقط يدور في كل انحاء البلدة في مؤخّرة شاحنة صغيرة كجزء من المسيرة الدعائية لِـ‍ «الرواية المصوَّرة»!‏ وفي هذه وغيرها من المناسبات،‏ جعلني الاخوة اشعر بأنني عضو نافع في الجماعة على الرغم من صغر سني.‏ فمن سنّ باكرة جدا،‏ تعلَّمت من يهوه وتأثرت بكلمته.‏

دُربت لأثق بيهوه

بسبب الحياد المسيحي التام،‏ لم يتورط شهود يهوه في السياسة النازية.‏ ونتيجة لذلك،‏ سنَّ النازيون قوانين سنة ١٩٣٣ تمنعنا من الكرازة والاجتماع وحتى قراءة مطبوعاتنا الخاصة للكتاب المقدس.‏ وفي ايلول ١٩٣٧ القى الڠستاپو القبض على جميع الاخوة في جماعتنا،‏ بمن فيهم ابي.‏ فأحزنني ذلك كثيرا.‏ وحُكم على ابي بخمس سنوات في السجن.‏

ضاقت بنا الحال كثيرا في البيت.‏ ولكننا سرعان ما تعلَّمنا ان نثق بيهوه.‏ وفي احد الايام عندما رجعت الى البيت من المدرسة،‏ كانت امي تقرأ مجلة برج المراقبة.‏ وأرادت ان تعدّ لي وجبة سريعة،‏ فوضعت المجلة على خزانة صغيرة.‏ وبعد الغداء،‏ فيما كنا نعيد الصحون الى مكانها،‏ قُرع الباب بقوة.‏ لقد كان شرطيا يريد ان يبحث عن مطبوعات للكتاب المقدس في شقتنا.‏ فخفتُ كثيرا.‏

كان ذلك يوما حارًّا بشكل غير اعتيادي.‏ وأول امر فعله الشرطي هو انه نزع خوذته ووضعها على احدى الطاولات.‏ ثم باشر بحثه.‏ وفيما كان يبحث تحت الطاولة،‏ ابتدأت خوذته تنزلق.‏ فأمسكت امي الخوذة بسرعة ووضعتها على الخزانة فوق مجلة برج المراقبة!‏ فتّش الشرطي شقتنا بتدقيق لكنه لم يجد اية مطبوعات.‏ فهو طبعا لم يفكّر قط في البحث تحت خوذته.‏ وعند مغادرته،‏ تمتم معتذرا الى امي فيما مدَّ يده الى الوراء ليمسك بخوذته.‏ يا للراحة التي شعرت بها!‏

لقد اعدَّتني اختبارات كهذا الاختبار للمزيد من الامتحانات الصعبة.‏ على سبيل المثال،‏ ضُغط عليَّ في المدرسة لأنضم الى منظمة الشبيبة الهتلرية التي كان الاولاد يُدرَّبون فيها على الانضباط العسكري ويُشرَّبون الفلسفة النازية.‏ وكان لدى بعض المعلِّمين هدف شخصي ان يجعلوا كل التلاميذ دون استثناء يشاركون.‏ ولا بد ان معلِّمي،‏ السيد شنايدر،‏ شعر بأنه فاشل تماما لأنه،‏ بخلاف كل المعلِّمين الآخرين في مدرستي،‏ هنالك تلميذ واحد لم يستطع ان يجبره على الاشتراك.‏ وكنت انا هذا التلميذ.‏

في احد الايام اعلن السيد شنايدر لكامل الصف:‏ «ايها الفتيان،‏ سيذهب صفنا غدا في نزهة.‏» فأحب الجميع الفكرة.‏ ثم اضاف:‏ «ينبغي ان ترتدوا جميعا بدلات الشبيبة الهتلرية حتى عندما نسير في الشوارع،‏ يستطيع الجميع ان يروا انكم فتيان هتلر المهذبون.‏» وفي الصباح التالي حضر كل الفتيان ببدلاتهم باستثنائي.‏ فدعاني المعلِّم الى مقدِّمة الصف وطلب مني:‏ «انظر حولك الى الفتيان الآخرين ثم انظر الى نفسك.‏» وأضاف:‏ «اعرف ان والدَيك فقيران ولا يستطيعان ان يشتريا لك بدلة،‏ ولكن دعني اريك شيئا.‏» وأخذني الى مكتبه،‏ فتح درجا،‏ وقال:‏ «اريد ان اعطيك هذه البدلة الجديدة.‏ أليست جميلة؟‏»‏

كنت افضِّل الموت على ارتداء بدلة نازية.‏ وعندما رأى معلِّمي انني لا انوي ارتداءها غضب،‏ وابتدأ الصف بأسره يردِّد اصوت الازدراء.‏ ثم اخذَنا في النزهة لكنه حاول ان يخبِّئني بجعلي اسير وسط الفتيان الآخرين المرتدين بدلاتهم.‏ لكنَّ اناسا كثيرين في البلدة استطاعوا ان يروني لأنني كنت بارزا بين رفقاء صفي.‏ وعرف الجميع انني ووالديَّ من شهود يهوه.‏ وأنا اشكر يهوه على منحي القوة الروحية اللازمة عندما كنت حدثا.‏

الاضطهاد يزداد حدة

ذات يوم في اوائل سنة ١٩٣٨،‏ أُخذتُ وأختي من المدرسة ونُقلنا بسيارة الشرطة الى اصلاحية في شتاترودا،‏ على بعد نحو ٥٠ ميلا [٨٠ كيلومترا].‏ ولماذا؟‏ لقد قرَّرت المحاكم ان تبعدنا عن تأثير والدَينا وتحوِّلنا الى ولدَين نازيَّين.‏ وسرعان ما لاحظ المسؤولون عن الاصلاحية اننا اختي وأنا نتصف بالاحترام والطاعة،‏ مع اننا ثابتان في حيادنا المسيحي.‏ وتأثرت المديرة جدا حتى انها ارادت ان تلتقي امي شخصيا.‏ فسمحوا لأمي استثنائيا بزيارتنا.‏ وكنا اختي وأمي وأنا سعداء وشاكرين جدا ليهوه على منحنا الفرصة ان نكون معا من اجل التشجيع المتبادل طوال يوم بكامله.‏ كنا فعلا بحاجة الى ذلك.‏

بقينا في الاصلاحية طوال اربعة اشهر تقريبا.‏ ثم أُرسلنا لنعيش مع عائلة في پانا.‏ وقد طُلب منهم ان يُبقونا بعيدَين عن انسبائنا.‏ ولم يكن يُسمح لأمي حتى بزيارتنا.‏ ولكن في مناسبات قليلة،‏ وجدتْ طريقة للاتصال بنا.‏ لقد انتهزت امي تلك المناسبات النادرة،‏ وفعلت كل ما في وسعها لتغرس فينا التصميم ان نبقى امينَين ليهوه،‏ مهما كانت الامتحانات والظروف التي يسمح بها.‏ —‏ ١ كورنثوس ١٠:‏١٣‏.‏

وأتت الامتحانات.‏ ففي ١٥ كانون الاول ١٩٤٢،‏ عندما كنت بعمر ١٧ سنة فقط،‏ اعتقلني الڠستاپو ووضعوني في مركز للاعتقال في ڠَيْرا.‏ وبعد اسبوع تقريبا،‏ أُلقي القبض على امي ايضا ووُضعت معي في السجن نفسه.‏ وبما انني كنت لا ازال قاصرا،‏ لم تستطع المحاكم ان تحاكمني.‏ فقضيتُ وأمي ستة اشهر معتقلَين فيما كانت المحاكم تنتظر بلوغي الـ‍ ١٨ من العمر.‏ وفي اليوم نفسه الذي بلغت فيه الـ‍ ١٨،‏ أُخذتُ وأمي الى المحكمة.‏

وقبل ان ادرك ما يجري،‏ انتهت المحاكمة.‏ وطبعا لم اكن اعرف انني لن ارى امي ثانية.‏ وآخر ذكرى عنها هي رؤيتها جالسة في المحكمة على مقعد خشبي ادكن بقربي.‏ وأُعلن اننا كلينا مذنبان.‏ فحُكم عليّ بأربع سنوات في السجن وأمي بسنة ونصف.‏

في تلك الايام كان الآلاف من شهود يهوه محتجزين في السجون والمعسكرات.‏ لكنني أُرسلتُ الى سجن في شتولبرڠ،‏ حيث كنت الشاهد الوحيد.‏ وقضيتُ اكثر من سنة في السجن الانفرادي،‏ لكنَّ يهوه كان معي.‏ والمحبة التي نمّيتها له في صباي كانت مفتاح محافظتي على روحياتي.‏

في ٩ ايار ١٩٤٥،‏ بعد سنتَين ونصف في السجن،‏ تلقينا اخبارا سارّة —‏ انتهت الحرب!‏ وفي ذلك اليوم أُطلق سراحي.‏ وبعد مسيرة ٧٠ ميلا [١١٠ كيلومترات]،‏ وصلتُ الى البيت مريضا حقا من الارهاق والجوع.‏ وتطلب الامر اشهرا لأستعيد عافيتي.‏

حالما وصلت،‏ صعقتني الاخبار المحزنة الكثيرة.‏ اولا بشأن امي.‏ فبعد ان قضت سنة ونصف السنة في السجن،‏ طلب منها النازيون ان توقِّع وثيقة تنكر فيها ايمانها بيهوه.‏ فرفضت.‏ لذلك اخذها الڠستاپو الى معسكر اعتقال للنساء،‏ في رَڤنْسْبروك.‏ وهناك ماتت من التيفوس قبيل نهاية الحرب.‏ لقد كانت مسيحية شجاعة جدا —‏ مكافِحة نشيطة لم تستسلم قط.‏ فليذكرها يهوه بلطفه.‏

وكانت هنالك اخبار ايضا عن اخي الاكبر،‏ ڤرنر،‏ الذي لم ينتذر قط ليهوه.‏ لقد انضم الى الجيش الالماني وقُتل في روسيا.‏ وأبي؟‏ رجع الى البيت،‏ ولكن من المؤسف انه كان من الشهود القليلين جدا الذين وقَّعوا تلك الوثيقة الشائنة ينكرون فيها ايمانهم.‏ وعندما رأيته،‏ بدا كئيبا ومشوَّش الذهن.‏ —‏ ٢ بطرس ٢:‏٢٠‏.‏

فترة وجيزة من النشاط الروحي الغيور

في ١٠ آذار ١٩٤٦،‏ حضرت اول محفل لي بعد الحرب في لَيْپتزيڠ.‏ ويا للاثارة التي شعرت بها عندما أُعلن انه ستُجرى معمودية في ذلك اليوم!‏ ومع انني كنت قد نذرت حياتي ليهوه قبل سنوات عديدة،‏ كانت هذه اول فرصة لي لأعتمد.‏ لن انسى ابدا ذلك اليوم.‏

وفي ١ آذار ١٩٤٧،‏ بعد الفتح طوال شهر،‏ دُعيتُ الى بيت ايل في ماڠدَبورڠ.‏ وكانت مكاتب الجمعية متضرِّرة جدا من القصف.‏ فيا له من امتياز ان اساعد في عمل الترميم!‏ وبعد ذلك الصيف عُيِّنتُ في مدينة ويتينبرڠ كفاتح خصوصي.‏ وصرفت في بعض الاشهر اكثر من ٢٠٠ ساعة وأنا اكرز للآخرين ببشارة ملكوت اللّٰه.‏ وكم كنت سعيدا انني حرّ من جديد —‏ فلا حرب،‏ لا اضطهاد،‏ لا سجون!‏

للأسف،‏ لم تدم تلك الحرية طويلا.‏ فبعد الحرب قُسمت المانيا،‏ والمنطقة حيث كنت اعيش وقعت تحت سيطرة الشيوعيين.‏ وفي ايلول ١٩٥٠ ابتدأت الشرطة السرية في المانيا الشرقية،‏ المعروفة بالـ‍ شْتازي،‏ تلقي القبض على الاخوة الواحد بعد الآخر.‏ وكانت التهم الموجَّهة ضدي سخيفة.‏ فكنتُ متَّهما بأنني جاسوس للحكومة الاميركية.‏ وأرسلوني الى اسوإ سجن للـ‍ شْتازي في البلد،‏ في براندنبورڠ.‏

الدعم من اخوتي الروحيين

هناك لم يدَعني الـ‍ شْتازي انام خلال النهار.‏ ثم كانوا يستجوبونني طوال الليل.‏ وبعد اخضاعي لهذا التعذيب بضعة ايام،‏ صارت الامور اسوأ.‏ ففي صباح احد الايام،‏ عوضا عن اعادتي الى زنزانتي،‏ اخذوني الى احدى الـ‍ يوبوت تسِلن الرديئة السمعة (‏المعروفة بالزنزانات الغواصة بسبب موقعها في قبو غائر)‏.‏ وفتحوا بابا حديديا قديما صدئا وطلبوا مني ان ادخل.‏ وكان عليّ ان اخطو فوق عتبة عالية.‏ وعندما وطئت الارض،‏ ادركت انها مغطاة تماما بالماء.‏ وأُغلق الباب بقوة بصوت حادّ مرعب.‏ لم تكن هنالك اية اضاءة ولا اية نافذة.‏ فكان الظلام دامسا.‏

بسبب ارتفاع الماء عدة سنتيمترات فوق سطح الارض،‏ لم اكن استطيع ان اجلس،‏ استلقي،‏ او انام.‏ وبعد ان انتظرت وقتا بدا دهرا،‏ أُخذتُ من جديد من اجل مزيد من الاستجواب تحت اضواء قوية.‏ لا اعلم أيهما كان اسوأ —‏ الوقوف في الماء طوال النهار في الظلام ام احتمال الاضواء الغامرة الساطعة بشكل مؤلم الموجَّهة اليَّ مباشرة طوال الليل.‏

في مناسبات عديدة هدَّدوا ان يطلقوا النار عليّ.‏ وبعد بضع ليالٍ من الاستجواب،‏ زارني ذات صباح ضابط عسكري روسي برتبة عالية.‏ وسنحت لي الفرصة ان اخبره ان الـ‍ شْتازي الالمانية تعاملني اسوأ ايضا مما كان الڠستاپو النازيون يفعلون.‏ وأخبرته ان شهود يهوه كانوا حياديين في ظل الحكومة النازية وهم ايضا حياديون في ظل الحكومة الشيوعية وأننا لا نتدخل في السياسة في ايّ مكان في العالم.‏ وبالتباين،‏ قلت ان كثيرين من الذين هم الآن ضباط في الـ‍ شْتازي كانوا اعضاء في منظمة الشبيبة الهتلرية،‏ حيث تعلَّموا على الارجح كيف يعذبون الناس الابرياء بوحشية.‏ وفيما كنت اتكلَّم،‏ كان جسدي يرتجف من البرد،‏ الجوع،‏ والارهاق.‏

وما يثير الدهشة هو ان الضابط الروسي لم يغضب عليّ.‏ على العكس،‏ غطاني ببطانية وعاملني بلطف.‏ وبُعيد زيارته،‏ أُعدت الى زنزانة مريحة اكثر.‏ وبعد ايام قليلة،‏ سُلِّمتُ الى المحاكم الالمانية.‏ وفيما كانت قضيتي لا تزال معلَّقة،‏ تمتعت بالامتياز الرائع لتقاسم احدى الزنزانات مع خمسة شهود آخرين.‏ فبعد احتمال الكثير من المعاملة الوحشية،‏ كم وجدته منعشا ان اعاشر اخوتي الروحيين!‏ —‏ مزمور ١٣٣:‏١‏.‏

في المحكمة أُعلن انني مذنب بالتجسس وحُكم عليّ بأربع سنوات في احد السجون.‏ وكان ذلك يُعتبر عقوبة خفيفة.‏ فبعض الاخوة حُكم عليهم بأكثر من عشر سنوات.‏ وأُرسلتُ الى سجن ذي حراسة مشدَّدة.‏ أعتقد انه حتى ولا الفأرة كانت تستطيع الدخول او الخروج من ذلك السجن —‏ فقد كانت الحراسة مشدَّدة جدا.‏ ولكن بمساعدة يهوه تمكَّن بعض الاخوة الشجعان ان يهرِّبوا كتابا مقدسا كاملا.‏ وقد فُكِّك وقسِّم الى اسفار مستقلة وكان يدور بين الاخوة المسجونين.‏

وكيف كنا نفعل ذلك؟‏ كان الامر صعبا جدا.‏ فالوقت الوحيد الذي نلتقي فيه واحدنا الآخر كان عندما نؤخذ للاستحمام كل اسبوعين.‏ وفي احدى المناسبات،‏ فيما كنت استحم،‏ همس احد الاخوة في اذني انه خبأ بعض صفحات الكتاب المقدس في منشفته.‏ وبعد ان أستحم كان عليّ ان آخذ منشفته بسرعة عوضا عن منشفتي.‏

رأى احد الحراس الاخ يهمس اليّ فضربه بشدة بواسطة هراوة.‏ فاضطررت الى اخذ المنشفة بسرعة والاختلاط بالسجناء الآخرين.‏ وما يدعو الى الشكر هو انه لم يُقبض عليّ ومعي صفحات الكتاب المقدس.‏ وإلَّا لصار برنامج تغذيتنا الروحي معرَّضا للخطر.‏ وقد مررنا بحالات مماثلة عديدة.‏ وكنا نقوم بقراءتنا للكتاب المقدس دائما بالسر وتحت خطر كبير.‏ حقا،‏ كانت كلمات الرسول بطرس،‏ «اصحوا واسهروا،‏» ملائمة جدا.‏ —‏ ١ بطرس ٥:‏٨‏.‏

لسبب ما،‏ قرَّرت السلطات ان تنقل بعضا منا بشكل متكرِّر من سجن الى آخر.‏ فطوال اربع سنوات،‏ نُقلتُ الى حوالي عشرة سجون مختلفة.‏ لكنني كنت دائما اجد اخوة.‏ وصرتُ احب جميع هؤلاء الاخوة بعمق،‏ وكلما نُقلت كنت اتركهم والحزن الشديد يفطر قلبي.‏

وأخيرا أُرسلتُ الى لَيْپتزيڠ،‏ وهناك أُطلق سراحي من السجن.‏ وحارس السجن الذي حرَّرني لم يقل وداعا،‏ بل بالاحرى،‏ «سنراك من جديد قريبا.‏» فذهنه الشرير اراد ان اكون من جديد وراء القضبان الحديدية.‏ وغالبا ما افكِّر في المزمور ١٢٤:‏٢،‏ ٣‏،‏ حيث يقول:‏ «لولا الرب الذي كان لنا عندما قام الناس علينا اذًا لابتلعونا احياء عند احتماء غضبهم علينا.‏»‏

يهوه ينجّي خدامه الاولياء

صرتُ الآن رجلا حرًّا ثانية.‏ وكانت اختي التوأمة،‏ روث،‏ والاخت هرتا شلَنزوڠ في انتظاري عند البوابة.‏ وخلال كل سنوات السجن هذه،‏ كانت هرتا ترسل اليّ كل شهر رزمة صغيرة تحوي طعاما.‏ وأعتقد حقا انه لولا تلك الرزم الصغيرة،‏ لكنت متُّ في السجن.‏ فليذكرها يهوه بلطفه.‏

منذ اطلاق سراحي،‏ باركني يهوه بامتيازات خدمة عديدة.‏ فقد خدمت ثانية كفاتح خصوصي،‏ في ڠرونو،‏ المانيا،‏ وكناظر دائرة في جبال الألپ الالمانية.‏ ودُعيت لاحقا الى الانضمام الى الصف الـ‍ ٣١ لمدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس الخاصة بالمرسلين.‏ تخرجنا في يانكي ستاديوم خلال محفل شهود يهوه الاممي سنة ١٩٥٨.‏ وتمتعت بامتياز مخاطبة الحشد الكبير من الاخوة والاخوات وذكر بعض اختباراتي.‏

بعد التخرج سافرت الى تشيلي لأخدم كمرسل.‏ وهناك خدمت من جديد كناظر دائرة،‏ في اقصى جنوب تشيلي —‏ لقد أُرسلتُ حرفيا الى اقاصي الارض.‏ وسنة ١٩٦٢،‏ تزوجت پاتسي بويتناڠل،‏ مرسلة جميلة من سان انطونيو،‏ تكساس،‏ الولايات المتحدة الاميركية.‏ وتمتعتُ بسنوات رائعة عديدة من خدمة يهوه وهي الى جانبي.‏

في سنوات حياتي التي تزيد على الـ‍ ٧٠،‏ تمتعت بلحظات سعيدة كثيرة وعانيت الكثير من البلايا.‏ قال صاحب المزمور:‏ «كثيرة هي بلايا الصدّيق ومن جميعها ينجيه الرب.‏» (‏مزمور ٣٤:‏١٩‏)‏ فسنة ١٩٦٣،‏ فيما كنا لا نزال في تشيلي،‏ عانيتُ وپاتسي موت طفلتنا المأساوي.‏ ولاحقا،‏ مرضت پاتسي كثيرا،‏ فانتقلنا الى تكساس.‏ وعندما كانت بعمر ٤٣ سنة فقط،‏ ماتت،‏ في ظروف مأساوية ايضا.‏ وغالبا ما اصلّي ان يذكر يهوه زوجتي الحبيبة.‏

والآن،‏ مع انني مريض ومتقدم في السن،‏ اتمتع بامتياز الخدمة كفاتح قانوني وشيخ في برادي،‏ تكساس.‏ صحيح ان الحياة لم تكن سهلة دائما،‏ وقد تكون هنالك امتحانات اخرى سأواجهها ايضا.‏ ولكن كصاحب المزمور يمكنني ان اقول:‏ «اللهمَّ قد علَّمتني منذ صباي والى الآن اخبر بعجائبك.‏» —‏ مزمور ٧١:‏١٧‏.‏

‏[الصور في الصفحة ٢٣]‏

‏(‏١)‏ اخدم اليوم كشيخ وفاتح،‏ (‏٢)‏ مع پاتسي،‏ قبيل زواجنا،‏ (‏٣)‏ في صف السيد شنايدر،‏ (‏٤)‏ امي،‏ تريزا،‏ التي ماتت في رَڤنْسْبروك

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة