مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ب٩٦ ١/‏١١ ص ٢٢-‏٢٧
  • اكثر من ٥٠ سنة من ‹العبور›‏

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • اكثر من ٥٠ سنة من ‹العبور›‏
  • برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٦
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • اجوبة عن اسئلتي
  • في الاعتقال
  • حكم الموت
  • نشاطات ما بعد الحرب
  • لم اعد وحيدا
  • بركة يهوه السخية
  • الخدمة تحت يد يهوه الحبية
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٦
  • منح يهوه ما يستحقه
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٩
  • انتظرت يهوه بصبر منذ صباي
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٧
  • من مجاهِد سياسي الى مسيحي حيادي
    استيقظ!‏ ٢٠٠٢
المزيد
برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٦
ب٩٦ ١/‏١١ ص ٢٢-‏٢٧

اكثر من ٥٠ سنة من ‹العبور›‏

كما رواه ايمانويل پاتيراكيس

قبل تسعة عشر قرنا تلقَّى الرسول بولس دعوة غير عادية:‏ «اعبر الى مكدونية وأعنَّا.‏» فقبِل بولس طوعا هذه الفرصة الجديدة ‹للبشارة.‏› (‏اعمال ١٦:‏٩،‏ ١٠‏)‏ ان الدعوة التي تلقيتها ليست قديمة الى هذا الحد،‏ لكنَّ تاريخها يعود الى ٥٠ سنة عندما وافقت على ‹العبور› الى مقاطعات جديدة بروح اشعياء ٦:‏٨‏:‏ «هأنذا ارسلني.‏» وقد اكسبتني اسفاري العديدة لقب «السائح الدائم،‏» لكنَّ نشاطاتي قلما كانت تشبه السياحة.‏ وقد حصل غير مرة ان جثوت فور وصولي الى غرفتي في الفندق،‏ وشكرت يهوه على حمايته.‏

وُلدت في ١٦ كانون الثاني ١٩١٦،‏ في يراپيترا،‏ في كريت،‏ في عائلة ارثوذكسية متديِّنة جدا.‏ ومنذ كنت طفلا كانت امي تأخذني وأخواتي الثلاث الى الكنيسة يوم الاحد.‏ أما ابي،‏ فقد كان يفضِّل البقاء في البيت وقراءة الكتاب المقدس.‏ كنت مولعا بأبي —‏ رجل مستقيم،‏ صالح،‏ ومسامح —‏ وقد اثر فيَّ كثيرا موته،‏ عندما كنت في التاسعة من العمر.‏

اتذكر انني في الخامسة من العمر،‏ قرأت عبارة في المدرسة تقول:‏ «كل شيء حولنا يعلن وجود اللّٰه.‏» وكنت وأنا اكبر مقتنعا بذلك تماما.‏ وهكذا،‏ بعمر ١١ سنة،‏ اخترت ان اكتب مقالة محورها المزمور ١٠٤:‏٢٤‏:‏ «ما اعظم اعمالك يا رب.‏ كلها بحكمة صنعت.‏ ملآنة الارض من غناك.‏» كنت مفتتنا بروائع الطبيعة،‏ حتى البسيطة منها كالبذور المزوَّدة بأجنحة صغيرة لكي تحملها الريح بعيدا عن ظل الشجرة الاصلية.‏ وبعدما قدَّمت مقالتي بأسبوع،‏ قرأها معلِّمي على الصف بكامله،‏ ثم على المدرسة بأسرها.‏ في ذلك الحين كان المعلِّمون يقاومون الافكار الشيوعية وسُرُّوا بأن يسمعوا دفاعي عن وجود اللّٰه.‏ اما انا فلم أسرّ إلا بالتعبير عن ايماني بالخالق.‏

اجوبة عن اسئلتي

لا يزال لقائي الاول لشهود يهوه في اوائل ثلاثينات الـ‍ ١٩٠٠ حيا في ذاكرتي.‏ كان ايمانويل ليانوداكيس يكرز في كل بلدات وقرى كريت.‏ وقد قبلت عدة كراريس منه،‏ لكنَّ الكراس الذي يحمل العنوان اين هم الموتى؟‏ هو ما لفت انتباهي حقا.‏ فقد كان يتملَّكني وسواس الخوف من الموت حتى انني لم ادخل الغرفة التي توفي فيها والدي.‏ وإذ قرأت هذا الكراس مرارا وتكرارا وأدركت ما يعلِّمه الكتاب المقدس عن حالة الموتى،‏ شعرت بأن وسواس الخوف قد زال.‏

ومرة في السنة خلال الصيف،‏ كان الشهود يزورون بلدتنا ويجلبون لي المزيد من المطبوعات لأقرأها.‏ وشيئا فشيئا ازداد فهمي للاسفار المقدسة،‏ إلا انني ظللت اذهب الى الكنيسة الارثوذكسية.‏ لكنَّ كتاب الانقاذ،‏ وسم نقطة تحول.‏ فقد اظهر بوضوح الفرق بين هيئة يهوه وهيئة الشيطان.‏ ومن ذلك الحين فصاعدا،‏ ابتدأت ادرس بقانونية اكثر الكتاب المقدس وأيًّا من مطبوعات جمعية برج المراقبة التي تمكنت من الحصول عليها.‏ وبما ان شهود يهوه كانوا تحت الحظر في اليونان،‏ كنت ادرس سرًّا في الليل.‏ ومع ذلك كنت متحمسا جدا بشأن ما اتعلَّمه حتى انني لم اتمكن من الامساك عن التكلم مع ايّ شخص عن ذلك.‏ وسرعان ما ابتدأت الشرطة بمراقبتي،‏ وكانت تزورني باستمرار في ايّ وقت من النهار والليل بحثا عن المطبوعات.‏

سنة ١٩٣٦ حضرت اجتماعا للمرة الاولى في هيراكليون،‏ على بعد ٧٥ ميلا.‏ وكنت سعيدا جدا بلقاء الشهود.‏ كانت اغلبيتهم اناسا من طبقة متواضعة،‏ معظمهم مزارعون،‏ لكنهم اقنعوني بأن هذا هو الحق.‏ فانتذرت ليهوه على الفور.‏

معموديتي هي حدث لن انساه ابدا.‏ فذات مساء سنة ١٩٣٨،‏ اخذني الاخ ليانوداكيس انا واثنين من تلاميذ الكتاب المقدس الذين كنت ادرس معهم الى الشاطئ في الظلام الدامس.‏ وبعد تقديم صلاة،‏ غطَّسنا في الماء.‏

في الاعتقال

لا ابالغ في القول ان المرة الاولى التي ذهبت فيها للكرازة كانت زاخرة بالاحداث.‏ فقد التقيت صديقا قديما في المدرسة كان قد صار كاهنا،‏ وتمتعنا بمناقشة رائعة معا.‏ لكنه بعد ذلك اوضح انه مضطر ان يعتقلني،‏ اطاعة لاوامر الاسقف.‏ وفيما كنا في مكتب المحافظ ننتظر وصول الشرطة من القرية المجاورة،‏ تجمَّع حشد في الخارج.‏ فأخذت العهد الجديد باليونانية الذي كان في المكتب وابتدأت القي عليهم خطابا مؤسسا على متى الاصحاح ٢٤‏.‏ في البداية لم يرد الناس ان يسمعوا،‏ لكنَّ الكاهن تدخَّل.‏ «دعوه يتكلم،‏» قال.‏ «انه كتابنا المقدس.‏» فتمكَّنت من التكلم ساعة ونصفا.‏ وهكذا كان يومي الاول في الخدمة مناسبة ايضا لالقاء خطابي العام الاول.‏ وبما ان الشرطة لم تكن قد وصلت عندما انتهيت،‏ قرَّر المحافظ والكاهن ان يجعلا فريقا من الرجال يخرجني من البلدة.‏ وعند اول منعطف في الطريق،‏ ابتدأت اركض بأسرع ما يمكنني لتجنب الحجارة التي كانوا يرمونها.‏

وفي اليوم التالي،‏ اعتقلني وأنا في العمل شرطيان يرافقهما الاسقف.‏ وفي مركز الشرطة تمكَّنت من ان اشهد لهم من الكتاب المقدس،‏ ولكن بما ان مطبوعات الكتاب المقدس التي في حوزتي لم تكن تحمل ختم الاسقف الذي يتطلَّبه القانون،‏ اتُّهمت بالهداية وتوزيع مطبوعات غير مصرَّح بها.‏ وأُطلق سراحي في انتظار المحاكمة.‏

تمّت محاكمتي بعد شهر.‏ وفي دفاعي اوضحت انني لم اكن اقوم بأكثر من اطاعة امر المسيح بالكرازة.‏ (‏متى ٢٨:‏١٩،‏ ٢٠‏)‏ فأجاب القاضي باستهزاء:‏ «يا ولدي،‏ ان الذي اعطى هذا الامر قد صُلب.‏ ولسوء الحظ،‏ لا املك السلطة لإنزال عقوبة مماثلة بك.‏» لكنَّ محاميا شابا لم اكن اعرفه دافع عني،‏ قائلا انه،‏ مع تفشي الشيوعية والالحاد حولنا،‏ ينبغي ان تفخر المحكمة بأن هنالك شبانا مستعدين للدفاع عن كلمة اللّٰه.‏ ثم جاء وهنَّأني بحرارة بدفاعي الخطي الذي كان في ملفي.‏ وإذ تأثر بحداثة سني،‏ عرض ان يدافع عني مجانا.‏ وبدلا من ان يُحكَم علي بمدة اقلها ثلاثة اشهر،‏ حُكم علي بالسجن عشرة ايام فقط مع غرامة قدرها ٣٠٠ دراخمة.‏ ولم تعمل هذه المقاومة إلا على تقوية تصميمي ان اخدم يهوه وأدافع عن الحق.‏

وعندما اعتُقلتُ مرة اخرى،‏ لاحظ القاضي مهارتي في الاقتباس من الكتاب المقدس.‏ فطلب من الاسقف ان يغادر مكتبه قائلا:‏ «لقد قمتَ بعملك.‏ انا سأهتم به.‏» وبعد ذلك اخرج كتابه المقدس،‏ وتحدثنا عن ملكوت اللّٰه طوال فترة بعد الظهر.‏ وقد شجَّعتني هذه الحوادث على المثابرة رغم الصعوبات.‏

حكم الموت

سنة ١٩٤٠ استُدعيت الى الخدمة العسكرية فكتبت رسالة توضح لماذا لا يمكنني ان اتجنَّد.‏ وبعد يومين اعتقلتني الشرطة وضربتني بعنف.‏ ثم أُرسلت الى الجبهة في ألبانيا،‏ حيث حوكمت محاكمة عسكرية لأنني رفضت ان احارب.‏ وقالت لي السلطات العسكرية انه لا يهمها ان تعرف هل انا على صواب ام خطإ بقدر ما يهمها التأثير الذي يمكن ان يكون لمثالي في الجنود.‏ فحُكم علي بالموت،‏ ولكن لراحتي الكبيرة،‏ خُفِّف هذا الحكم بسبب خطإ قانوني الى عشر سنوات مع الاشغال الشاقة.‏ قضيت الاشهر القليلة التالية من حياتي في سجن عسكري في اليونان في اوضاع صعبة جدا،‏ لا ازال اعاني من جرائها الآثار الجسدية.‏

لكنَّ السجن لم يوقفني عن الكرازة.‏ لا بل بالعكس،‏ كان من السهل الابتداء بالمحادثات،‏ لأن كثيرين كانوا يتساءلون عن سبب وجود مدني في سجن عسكري.‏ وقد ادَّت احدى هذه المناقشات مع شاب مخلص الى درس في الكتاب المقدس في ساحة السجن.‏ وبعد ثمانٍ وثلاثين سنة التقيت هذا الرجل مجددا في محفل.‏ كان قد قبل الحق ويخدم كناظر جماعة في جزيرة ليفكاس.‏

عندما اجتاحت جيوش هتلر يوغوسلاڤيا سنة ١٩٤١،‏ نُقلنا الى مكان ابعد جنوبا الى سجن في پريڤِزا.‏ وخلال الرحلة،‏ اطلقت قاذفات القنابل الالمانية نيرانها على قافلتنا،‏ ولم نُمنح نحن السجناء طعاما.‏ وعندما نفد القليل من الخبز الذي كان معي،‏ صلَّيت الى اللّٰه:‏ «اذا كانت مشيئتك ان اموت جوعا بعد ان خلَّصتني من حكم الموت،‏ فلتكن مشيئتك.‏»‏

في اليوم التالي اخذني احد الضباط جانبا اثناء تلاوة الاسماء،‏ وبعد ان علم من اين انا،‏ من هم والداي،‏ ولماذا انا في السجن،‏ قال لي ان اتبعه.‏ فأخذني الى قاعة طعام الضباط في البلدة،‏ ارشدني الى طاولة عليها خبز،‏ جبن،‏ وخروف مشوي،‏ وقال لي ان آكل.‏ لكنني اوضحت ان ضميري لا يسمح لي بأن آكل والسجناء الـ‍ ٦٠ الآخرون ليس لديهم ما يأكلونه.‏ فأجاب الضابط:‏ «لا يمكنني ان اطعم الجميع!‏ والدك كان كريما جدا مع والدي.‏ ولديَّ التزام ادبي نحوك انما ليس نحو الآخرين.‏» اجبت:‏ «في هذه الحال سأعود.‏» ففكَّر لحظة ثم اعطاني كيسا كبيرا لأضع فيه قدر ما استطيع من الطعام.‏

وعند عودتي الى السجن،‏ انزلت الكيس وقلت:‏ «ايها السادة،‏ هذا لكم.‏» واتَّفق انني اتُّهمت الليلة السابقة بأنني مسؤول عن بلوى السجناء الآخرين لأنني لم انضم اليهم في صلواتهم الى مريم العذراء.‏ لكنَّ شيوعيا دافع عني.‏ وإذ رأى الطعام الآن،‏ قال للآخرين:‏ «اين هي ‹مريم العذراء› التي تصلُّون اليها؟‏ لقد قلتم اننا سنموت بسبب هذا الرجل،‏ لكنه هو مَن يجلب لنا الطعام.‏» ثم التفت اليَّ وقال:‏ «ايمانويل!‏ تعالَ وقدِّم صلاة الشكر.‏»‏

بُعيد ذلك،‏ هرب حراس السجن من جراء تقدم الجيش الالماني،‏ ففُتحت ابواب الاسر.‏ فشققت طريقي الى پاتراس لأجد شهودا آخرين قبل ان اتوجَّه الى اثينا في نهاية ايار ١٩٤١.‏ وهناك تمكَّنت من الحصول على بعض الثياب والاحذية واستحممت للمرة الاولى في فترة تزيد على السنة.‏ وحتى نهاية الاحتلال،‏ كان الالمان يوقفونني باستمرار وأنا اكرز،‏ لكنهم لم يعتقلوني قط.‏ قال واحد منهم:‏ «في المانيا نقتل شهود يهوه رميا بالرصاص.‏ لكننا نتمنى هنا ان يكون كل اعدائنا شهودا!‏»‏

نشاطات ما بعد الحرب

وكأن اليونان لم تنَل ما يكفيها من القتال،‏ فأتت الحرب الاهلية ايضا لتمزِّقها من سنة ١٩٤٦ حتى سنة ١٩٤٩،‏ مسبِّبة آلاف الوفيات.‏ وكان الاخوة بحاجة الى كثير من التشجيع للبقاء اقوياء في وقت كان يمكن اعتقالهم لمجرد حضورهم الاجتماعات.‏ وحُكم على العديد من الاخوة بالموت بسبب موقفهم الحيادي.‏ ولكن رغم ذلك،‏ تجاوب كثيرون مع رسالة الملكوت،‏ وكانت هنالك معمودية او اثنتان كل اسبوع.‏ واعتبارا من سنة ١٩٤٧،‏ ابتدأت اعمل في مكاتب الجمعية في اثينا خلال النهار وأزور الجماعات كناظر جائل اثناء الليل.‏

سنة ١٩٤٨،‏ فرحت بدعوتي الى حضور مدرسة جلعاد برج المراقبة للكتاب المقدس،‏ في الولايات المتحدة.‏ لكن كانت هنالك مشكلة.‏ فبسبب اداناتي السابقة،‏ لم اتمكَّن من الحصول على جواز سفر.‏ لكنَّ تلميذا كنت ادرس معه الكتاب المقدس كان على علاقة جيدة برائد في الجيش.‏ وبفضل هذا التلميذ،‏ حصلت على جواز سفري في مجرد اسابيع قليلة.‏ لكنني كنت قلقا عندما اعتُقلت،‏ قُبيل سفري،‏ لأنني كنت اوزع برج المراقبة‏.‏ فقد اخذني احد رجال الشرطة الى رئيس شرطة امن الدولة في اثينا.‏ ولشدة دهشتي،‏ كان احد جيراني!‏ وأوضح له الشرطي سبب اعتقالي وأعطاه رزمة المجلات.‏ فأخرج جاري كدسة من مجلات برج المراقبة من مكتبه وقال لي:‏ «لا املك العدد الاخير.‏ أيمكنني ان آخذ نسخة؟‏» فكم ارتحت لرؤيتي تدخُّل يهوه في امور كهذه!‏

كان صف جلعاد الـ‍ ١٦،‏ سنة ١٩٥٠،‏ اختبارا مغنيا.‏ وعند نهايته عُيِّنت في قبرص،‏ حيث اكتشفت سريعا ان مقاومة رجال الدين عنيفة كما في اليونان.‏ وكثيرا ما اضطُررنا الى مواجهة جموع من المتعصبين الدينيين الذين هيَّجهم الكهنة الارثوذكس الى حد الجنون.‏ وسنة ١٩٥٣،‏ لم تُجدَّد تأشيرتي الى قبرص،‏ فأُعطيت تعيينا جديدا في إستانبول،‏ تركيا.‏ وكانت اقامتي هنا ايضا قصيرة.‏ فالتوترات السياسية بين تركيا واليونان عنت انه،‏ رغم النتائج الجيدة في عمل الكرازة،‏ عليَّ ان اغادر الى تعيين آخر —‏ مصر.‏

كنت في السجن اتذكَّر المزمور ٥٥:‏٦،‏ ٧‏.‏ فهناك عبَّر داود عن توق الى الهرب الى الصحراء.‏ ولكنني لم اتصوَّر قط انني سأكون حقا في مكان كهذا يوما ما.‏ سنة ١٩٥٤،‏ بعد رحلة متعبة استغرقت عدة ايام بالقطار وعلى متن قارب نهري في النيل،‏ وصلت اخيرا الى وجهتي —‏ الخرطوم،‏ في السودان.‏ كل ما اردت فعله هو ان استحم وآوي الى الفراش.‏ لكنني نسيت انه كان الظهر.‏ فاحرقني الماء المخزَّن في البركة على السطح،‏ مما اجبرني ان اعتمر خوذة من الفلّين عدة اشهر حتى شُفيت فروة رأسي.‏

كثيرا ما شعرت هناك بأنني منعزل،‏ وحيد وسط الصحراء الكبرى،‏ بعيد آلاف الاميال عن اقرب جماعة،‏ لكنَّ يهوه دعمني وقوَّاني لأستمر.‏ وكان التشجيع يأتي احيانا من المصادر التي لا يتوقعها المرء اطلاقا.‏ فذات يوم التقيت مدير المتحف في الخرطوم.‏ وكان منفتح العقل،‏ فتمتعنا بمناقشة رائعة.‏ وعندما علم بأنني من اصل يوناني،‏ سألني هل اساعده بالذهاب الى المتحف لترجمة بعض النقوش على المصنوعات اليدوية الموجودة في كنيسة يعود تاريخها الى القرن السادس.‏ وبعد خمس ساعات في طابق سفلي سيئ التهوية،‏ وجدت طَبقا يحمل اسم يهوه،‏ التتراڠراماتون.‏ تصوَّروا فرحي!‏ فمن الشائع رؤية الاسم الالهي في كنائس اوروپا أما في وسط الصحراء الكبرى فهذا غريب جدا!‏

بعد المحفل الاممي سنة ١٩٥٨،‏ عُيِّنت ناظر اقليم لزيارة الاخوة في ٢٦ بلدا ومقاطعة في الشرق الاوسط والادنى وحول منطقة البحر الابيض المتوسط.‏ وفي احيان كثيرة لم اكن اعرف كيف اخرج من وضع صعب،‏ لكنَّ يهوه كان دائما يهيئ لي طريق الخروج.‏

لطالما تأثرت بعناية هيئة يهوه بالشهود المنعزلين في بعض البلدان.‏ ففي احدى المناسبات،‏ التقيت اخا هنديا يعمل في احد حقول النفط.‏ ومن الواضح انه كان الشاهد الوحيد في ذلك البلد.‏ وفي خزانته كان يملك مطبوعات بـ‍ ١٨ لغة مختلفة اعطاها لزملائه في العمل.‏ فحتى هنا،‏ حيث كان الحظر شديدا على كل الاديان الاجنبية،‏ لم ينسَ اخونا مسؤوليته ان يكرز بالبشارة.‏ وقد تأثر زملاؤه عندما رأوا ان ممثِّلا لدينه قد أُرسل لزيارته.‏

سنة ١٩٥٩ زرت اسپانيا والپرتغال.‏ وإذ كانا كلاهما آنذاك تحت سلطة دكتاتوريتين عسكريتين،‏ كان عمل شهود يهوه تحت الحظر الشديد.‏ وفي احد الاشهر تمكَّنت من ادارة اكثر من مئة اجتماع،‏ مشجِّعا الاخوة على عدم الاستسلام رغم الصعوبات.‏

لم اعد وحيدا

طوال اكثر من ٢٠ سنة،‏ كنت اخدم يهوه في الخدمة كامل الوقت كرجل اعزب،‏ لكنني شعرت فجأة بأنني تعبت من اسفاري المتواصلة دون ايّ مسكن مستقر.‏ وفي الوقت نفسه تقريبا التقيت آني بيانوتشي،‏ فاتحة خصوصية في تونس.‏ فتزوجنا سنة ١٩٦٣.‏ ومحبتها ليهوه والحق،‏ تعلُّقها بالخدمة مع فن التعليم الذي لديها،‏ ومعرفتها للغات تبيَّن انها بركة حقيقية في عملنا الارسالي والدائري في افريقيا الشمالية والغربية وفي ايطاليا.‏

في آب ١٩٦٥ عُيِّنَّا زوجتي وأنا في دكار،‏ السنڠال،‏ حيث كان لي امتياز تنظيم مكتب الفرع المحلي.‏ كان السنڠال بلدا مشهورا بتسامحه الديني،‏ ولا شك ان ذلك يعود الى رئيس جمهوريته،‏ ليوپولد سنڠور،‏ احد رؤساء الدول الافريقيين القليلين الذين كتبوا الى رئيس جمهورية ملاوي باندا،‏ دعما لشهود يهوه اثناء الاضطهاد الرهيب في ملاوي في سبعينات ١٩٠٠.‏

بركة يهوه السخية

سنة ١٩٥٠،‏ عندما غادرت جلعاد الى قبرص،‏ سافرت ومعي سبع حقائب.‏ وعندما غادرت الى تركيا،‏ قلَّلتها الى خمس.‏ ولكن لأنني كنت اسافر كثيرا،‏ اضطررت ان اعتاد حقيبة الـ‍ ٢٠ كيلوڠراما (‏٤٤ پاوندا)‏،‏ وهو الحد الاقصى المسموح به لحقائب السفر،‏ بما في ذلك ملفاتي وآلتي الكاتبة «الصغيرة جدا.‏» وذات يوم قلت للأخ نور،‏ رئيس جمعية برج المراقبة آنذاك:‏ «انتم تحمونني من المادية.‏ فأنتم تجعلونني اعيش بـ‍ ٢٠ كيلوڠراما،‏ وأنا راضٍ.‏» لم اشعر قط بأنني محروم لأنني لا املك اشياء كثيرة.‏

كانت مشكلتي الرئيسية خلال اسفاري الدخول الى البلدان والخروج منها.‏ وذات يوم،‏ في بلد كان العمل فيه محظورا،‏ ابتدأ موظف الجمارك يفتِّش ملفاتي.‏ وهذا كان يعرِّض الشهود في البلد للخطر،‏ لذلك اخرجت من سترتي رسالة من زوجتي وقلت لموظف الجمارك:‏ «ارى انك تود قراءة البريد.‏ أتود ايضا قراءة هذه الرسالة من زوجتي التي ليست في الملفات؟‏» وإذ شعر بالإحراج،‏ اعتذر وتركني امرّ.‏

منذ سنة ١٩٨٢ نخدم زوجتي وأنا كمرسلَين في نيس،‏ جنوب فرنسا.‏ وبسبب صحتي الرديئة،‏ لم يعد بإمكاني القيام تماما بما كنت اقوم به.‏ لكنَّ ذلك لا يعني ان فرحنا قلّ.‏ فقد رأينا ان ‹تعبنا ليس باطلا.‏› (‏١ كورنثوس ١٥:‏٥٨‏)‏ وأفرح برؤية اشخاص عديدين ممن كان لي امتياز ان ادرس معهم على مرّ السنين،‏ وكذلك برؤية اكثر من ٤٠ عضوا من عائلتي يخدمون يهوه بأمانة.‏

لست نادما على الاطلاق على التضحيات التي استلزمتها حياة ‹العبور› التي قضيتها.‏ فمن حيث الاساس لا مجال لمقارنة اية تضحية نقوم بها بما فعله لأجلنا يهوه وابنه،‏ المسيح يسوع.‏ وعندما افكِّر في السنوات الـ‍ ٦٠ الماضية التي عرفت فيها الحق،‏ يمكنني القول ان يهوه باركني كثيرا.‏ وكما تقول الامثال ١٠:‏٢٢‏،‏ «بركة الرب هي تغني.‏»‏

لا شك ان «رحمة [يهوه] افضل من الحياة.‏» (‏مزمور ٦٣:‏٣‏)‏ ومع ازدياد مصاعب الشيخوخة كثيرا ما اذكر كلمات المرنم الملهم في صلواتي:‏ «بك يا رب احتميت فلا اخزى الى الدهر.‏ لأنك انت رجائي يا سيدي الرب متَّكلي منذ صباي.‏ اللهم قد علَّمتني منذ صباي والى الآن أُخبر بعجائبك.‏ وأيضا الى الشيخوخة والشيب يا اللّٰه لا تتركني.‏» —‏ مزمور ٧١:‏١،‏ ٥،‏ ١٧،‏ ١٨‏.‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٥]‏

مع زوجتي،‏ آني،‏ اليوم

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة