رفقاء بولس في العمل مَن كانوا؟
ثمة مئة شخص تقريبا يجري ذكرهم في سفر الاعمال للكتاب المقدس وفي رسائل بولس، كانوا اعضاء في الجماعة المسيحية للقرن الاول وعلى علاقة شخصية بمَن كان ‹رسولا للامم›. هنالك امور كثيرة معروفة عن عدد منهم. فأنتم، على الارجح، مطَّلعون على نشاطات أبُلُّس، برنابا، وسيلا. وبالمقابل، ربما تجدون التكلم عن أرخيبُّس، برسيس، بوديس، دامرس، سوباترس، كلودية، ولينُس امرا اكثر صعوبة.
في اوقات وظروف مختلفة، لعب اشخاص كثيرون دورا فعّالا في دعم خدمة بولس. فخدم البعض مثل أرسترخس، تيموثاوس، ولوقا مع الرسول سنوات عديدة. ووقف البعض الآخر الى جانبه عندما كان في السجن او عند انتقاله، إما كرفقاء سفر او كمضيفين ومضيفات. ومن المحزن انّ آخرين كالإسكندر، ديماس، فيجِلوس، وهرموجِنيس لم يواظبوا على الايمان المسيحي.
وكان لبولس اصدقاء آخرون مثل: أسينكريتس، هرماس، يوليا، او فيلولوغس — هذا اذا ذكرنا عددا قليلا فقط — غير اننا لا نعرف إلا القليل عنهم الى جانب اسمائهم. ولا نملك حتى هذا القدر القليل من المعرفة في ما يتعلق بأخت نيريوس او أم روفس، او الذين من قِبل بيت خُلوي. (روما ١٦:١٣-١٥؛ ١ كورنثوس ١:١١) ومع ذلك، انّ فحصا للمعلومات القليلة التي نملكها عن هؤلاء الافراد البالغ عددهم مئة شخص تقريبا يلقي الضوء على الطريقة التي عمل بها الرسول بولس. ويعلِّمنا ايضا شيئا عن فوائد ان نكون محاطين بعدد كبير من الرفقاء المؤمنين وأن نعمل معهم بشكل لصيق.
رفقاء السفر، المضيفون، والمضيفات
شملت خدمة الرسول بولس الكثير من السفر. ويقدِّر احد الكتّاب انّ المسافة التي قطعها برا وبحرا كما هو مسجل في سفر الاعمال وحده قاربت ٠٠٠,١٦ كيلومتر (٠٠٠,١٠ ميل). والسفر آنذاك لم يكن متعبا فحسب بل خطرا ايضا. وبعض المخاطر المختلفة التي واجهها هي تحطم السفينة، اخطار الانهار، اخطار من قطّاع الطرق، اخطار في البرية، وأخطار في البحر. (٢ كورنثوس ١١:٢٥، ٢٦) ومن المناسب انّ بولس نادرا ما كان وحده في انتقاله من مكان الى آخر.
كان الذين رافقوا بولس مصدرا للصحبة، التشجيع، والمساعدة العملية في الخدمة. وفي احدى المناسبات، تركهم بولس وراءه للاهتمام بالحاجات الروحية لدى المؤمنين الجدد. (اعمال ١٧:١٤؛ تيطس ١:٥) لكنّ وجود المرافقين كان ضروريا على الارجح من اجل السلامة ومنح الدعم لمواجهة قسوة الرحلة. لذلك من المحتمل انّ اشخاصا مثل سوباترس، سِكندوس، غايس، وتروفيمس، الذين كانوا بين رفقاء بولس في السفر كما نعلم، لعبوا دورا مهما في نجاح خدمته. — اعمال ٢٠:٤.
وكانت المساعدة التي قدّمها المضيفون والمضيفات مُرحَّبا بها ايضا. فعندما كان بولس يصل الى مدينة ينوي القيام بحملة كرازية فيها او التوقف لقضاء الليل فقط، كان امرا اولويا ان يجد مكانا يمكث به. وكان محتّما على ايّ شخص سافر كثيرا كبولس ان ينام في عدد لا حَصْر له حرفيا من الاسرَّة المختلفة. لقد كان بإمكانه دائما النزول في الفندق، لكنّ المؤرخين يصفون الفنادق بأنها «اماكن خطرة ومنحطة اخلاقيا»، لذلك كان بولس على الارجح يمكث عند الرفقاء المؤمنين حين يكون ذلك ممكنا.
نعرف اسماء بعض الذين استضافوا بولس: اكيلا وبرسكلّا، غايس، فليمون، فيلبس، ليدية، مناسون، وياسون. (اعمال ١٦:١٤، ١٥؛ ١٧:٧؛ ١٨:٢، ٣؛ ٢١:٨، ١٦؛ روما ١٦:٢٣؛ فليمون ١، ٢٢) وفي فيلبي، تسالونيكي، وكورنثوس، زوّدت اماكن المبيت هذه بولس مركزا استطاع فيه تنظيم نشاطاته الارسالية. ففي كورنثوس، فتح تيطيوس يوستس ايضا بيته ليوفر للرسول مكانا يستطيع منه القيام بكرازته. — اعمال ١٨:٧.
حشد من الاصدقاء
وكما يمكن ان نتوقع، تذكّر بولس معارفه بطرائق مختلفة وفقا للظروف المختلفة التي التقاهم فيها. على سبيل المثال، كانت برسيس، تريفوسة، تريفينة، فيبي، ومريم جميعا رفيقات مؤمنات مدحهن بولس بسبب عملهن وكدِّهن. (روما ١٦:١، ٢، ٦، ١٢) وعمّد بولس كريسبس، غايس، وأهل بيت إستفاناس. وقبِل ديونيسيوس ودامرس رسالة الحق منه في اثينا. (اعمال ١٧:٣٤؛ ١ كورنثوس ١:١٤، ١٦) اما اندرونيكس ويونياس ‹المشهوران بين الرسل› اللذان آمنا قبل بولس، فيدعوهما ‹رفيقيه في الأسر›. فربما كانا مسجونين معه في بعض المناسبات. وتحدث بولس عنهما ايضا كما عن هيروديون، ياسون، لوكيوس، وسوسيباترس بصفتهم ‹انسباءه›. (روما ١٦:٧، ١١، ٢١) ومع انّ الكلمة اليونانية المستعملة هنا يمكن ان تعني: «ابناء البلد الرفقاء»، لكنّ المعنى الرئيسي لها هو: «انسباء تربطهم صلة الدم ينتمون الى الجيل نفسه».
وكان كثيرون من اصدقاء بولس يسافرون من اجل البشارة. فإلى جانب رفقائه المعروفين اكثر، هنالك ايضا اخائيكس، إستفاناس، وفرتوناتس الذين سافروا من كورنثوس الى افسس ليشاوروا بولس بشأن الحالة الروحية في جماعتهم. وكان ارتماس وتيخيكس مستعدَّين للسفر للانضمام الى تيطس الذي كان يخدم في جزيرة كريت، وكان على زيناس ان يقوم برحلة مع أبلُّس. — ١ كورنثوس ١٦:١٧؛ تيطس ٣:١٢، ١٣.
وثمة اشخاص يزوِّد بولس بعض التفاصيل الصغيرة والمثيرة للاهتمام المتعلقة بهم. فيجري اخبارنا، مثلا، انّ إبينتس كان «باكورة آسيا»، وإرستس «وكيل المدينة» في كورنثوس، وترتيوس الشخص الذي استخدمه بولس لكتابة رسالته الى اهل روما، ولوقا طبيبا، وليدية بائعة ارجوان. (روما ١٦:٥، ٢٢، ٢٣؛ اعمال ١٦:١٤؛ كولوسي ٤:١٤) ولكون هذه المعلومات القليلة موجزة، فهي تثير اهتمام من يرغبون في ان يعرفوا امورا اكثر عن اشخاص كهؤلاء.
تلقّى آخرون من رفقاء بولس رسائل شخصية هي مسجّلة الآن في الكتاب المقدس. ففي رسالته الى اهل كولوسي، مثلا، حضَّ بولس أرخيبُّس: «ابقَ منتبها للخدمة التي قبلتها في الرب، كي تتمّمها». (كولوسي ٤:١٧) وكان على إفودية وسنتيخي، كما يظهر، ان تحلّا مشكلة شخصية بينهما. لذلك وعظهما بولس من خلال ‹رفيق له› في فيلبي اسمه غير وارد «ان يكون لهما الفكر نفسه في الرب». (فيلبي ٤:٢، ٣) انها، بالطبع، مشورة جيدة لنا جميعا.
دعم ولي اثناء سجنه
سُجن بولس مرات عديدة. (٢ كورنثوس ١١:٢٣) وفي تلك الاوقات لا بد ان يكون المسيحيون المحليون، في حال وجودهم، قد حاولوا صنع ما في وسعهم لمساعدته على الاحتمال. وعندما اختبر بولس سجنه الاول في روما، سُمح له ان يستأجر بيتا خاصا به مدة سنتين وأن يقوم اصدقاؤه بزيارته. (اعمال ٢٨:٣٠) وفي تلك الاثناء، كتب رسائل الى الجماعات في افسس، فيلبي، وكولوسي، ورسالة الى فليمون. وتخبرنا هذه المصادر الكثير عن الذين كانوا قريبين من بولس اثناء احتجازه.
مثلا، يجري اخبارنا انّ اونسيمس، عبد فليمون الفارّ، التقى بولس في روما وكذلك فعل تيخيكس الذي كان عليه مرافقة اونسيمس عندما سافر عائدا الى سيده. (كولوسي ٤:٧-٩) وهنالك ايضا إبفرديتس الذي قام برحلة طويلة من فيلبي حاملا هدية من جماعته، والذي مرض بعد ذلك. (فيلبي ٢:٢٥؛ ٤:١٨) اما ارسترخس، مرقس، ويسوع الذي يدعى يوستس فقد عملوا مع بولس بشكل لصيق في روما، وقال عنهم: «هؤلاء وحدهم هم رفقائي في العمل لأجل ملكوت اللّٰه، وهم انفسهم قد صاروا لي عونا مقوّيا». (كولوسي ٤:١٠، ١١) وإلى جانب جميع هؤلاء الاشخاص الامناء، كان هنالك تيموثاوس ولوقا المعروفان اكثر، بالاضافة الى ديماس الذي تخلى لاحقا عن بولس من اجل محبة العالم. — كولوسي ١:١؛ ٤:١٤؛ ٢ تيموثاوس ٤:١٠؛ فليمون ٢٤.
ولم يكن ايّ من هؤلاء من روما، كما يظهر، ولكنهم كانوا موجودين هناك قرب بولس. وربما ذهب بعضهم الى هناك لسبب محدد ألا وهو مساعدته اثناء سجنه. ولا شك انّ بولس حمّل البعض رسائل شفهية منه، وأرسل البعض الآخر في مهمات الى مناطق بعيدة، فيما املى رسائله على آخرين غيرهم. ويا له من دليل قوي على شدة التعلّق والولاء اللذين أكنَّهما جميع هؤلاء لبولس وعمل اللّٰه!
تجعلنا خاتمة بعض رسائل بولس ندرك انه كان على الارجح محاطا برفقة عدد كبير من الاخوة والاخوات المسيحيين الذين يتجاوز عددهم الاسماء القليلة التي نعرفها. ففي مناسبات مختلفة كتب: «يسلّم عليكم جميع القديسين» و «يسلّم عليك جميع الذين معي». — ٢ كورنثوس ١٣:١٣؛ تيطس ٣:١٥؛ فيلبي ٤:٢٢.
اثناء سجن بولس الثاني الحرج في روما عندما كان استشهاده وشيكا، كان يفكر كثيرا في رفقائه العاملين معه. وكان لا يزال فعّالا في الإشراف على نشاطات البعض منهم على الاقل وتنسيقها. فقد أُرسل تيطس وتيخيكس في مهمات، وذهب كرسكس الى غلاطية، ومكث إرستس في كورنثوس، وتُرك تروفيمس مريضا في ميليتس، اما مرقس وتيموثاوس، فكانا سيأتيان اليه. كان لوقا ايضا موجودا قرب بولس، وعندما كتب الرسول رسالته الثانية الى تيموثاوس، كان عدد من المؤمنين الآخرين حاضرين لإرسال سلامهم، مثل: إفبولس، بوديس، لينس، وكلودية. فقد كانوا دون شك يفعلون ما في وسعهم لمساعدة بولس. وفي الوقت عينه، ارسل بولس سلامه الى برسكا وأكيلا وأهل بيت اونسيفورس. ولكن من المحزن انه في ذلك الوقت المتصف بالمشاكل، تخلى ديماس عنه وأنزل الإسكندر به الكثير من الأذى. — ٢ تيموثاوس ٤:٩-٢١.
«نحن عاملان مع اللّٰه»
لم يكن بولس وحده الا نادرا اثناء نشاطاته الكرازية. يقول المعلّق أ. إرل إليس: «انّ الصورة التي تبرز هي صورة مرسل لديه عدد كبير من العشراء. وفي الواقع، نادرا ما كان بولس دون رفقة». وبتوجيه من روح اللّٰه القدس، تمكّن بولس من حشد اناس كثيرين وتنظيم حملات ارسالية فعالة. فقد كان محاطا بشركاء احماء، مساعدين مؤقتين، اشخاص ذوي شخصيات قوية، وخدام متواضعين كثيري العدد. ولكن لم يكن هؤلاء مجرد رفقاء عمل. ومهما كان نطاق عملهم مع بولس او مدى رفقتهم له، فرباط المحبة المسيحية والصداقة الشخصية يبدو جليّا.
قيل انّ الرسول بولس كان «متفوقا في اكتساب الصداقات». وقد جاهد كثيرا لإيصال البشارة الى الامم، لكنه لم يحاول فعل ذلك وحده. فقد تعاون مع الجماعة المسيحية المنظمة مستفيدا من هذا التدبير بشكل كامل. ولم ينسب بولس الفضل الى نفسه حيال النتائج التي حصل عليها بل اعترف بتواضع بأنه كان مجرد عبد وأنّ كل الإكرام يجب توجيهه الى اللّٰه بصفته المسؤول عن الإنماء. — ١ كورنثوس ٣:٥-٧؛ ٩:١٦؛ فيلبي ١:١.
يختلف زمن بولس عن زمننا، ولكن، رغم ذلك، لا يجب ان يفكر ايّ فرد في الجماعة المسيحية اليوم انه يستطيع او يلزم ان يكون مستقلا. وعوض ذلك، يجب ان نعمل دائما مع هيئة اللّٰه، مع الجماعة المحلية، ومع رفقائنا المؤمنين. فنحن بحاجة الى مساعدتهم، دعمهم، والتعزية التي يقدمونها في السرّاء والضرّاء. ولدينا الامتياز الثمين ان نكون جزءا من ‹كامل معشر الاخوة في العالم›. (١ بطرس ٥:٩) وإذا عملنا بأمانة ومحبة جنبا الى جنب وبالتعاون معهم جميعا، فعندئذ يمكننا نحن ايضا القول، تماما كبولس، اننا ‹عاملون مع اللّٰه›. — ١ كورنثوس ٣:٩.
[الصور في الصفحة ٣١]
أبُلُّس
أرسترخس
برنابا
ليدية
اونسيفورس
ترتيوس
تيخيكس