مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ب٠٥ ١/‏١ ص ١٨-‏٢٣
  • تعلَّمنا ان نتكل كاملا على يهوه

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • تعلَّمنا ان نتكل كاملا على يهوه
  • برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٥
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • بحّار ومبشِّر
  • النازيون يلاحقوننا
  • الغستابو يقتفي اثرنا
  • الكرازة دون تراخٍ في معسكر الاعتقال
  • تربية ابنتيَّ وحدي
  • الى زاكسنهاوزن
  • اخيرا!‏ اتّحدنا معا كعائلة
  • ‏«على يهوه اتوكل»‏
  • الكنيسة الكاثوليكية في اسپانيا —‏ السلطة والامتياز
    استيقظ!‏ ١٩٩٠
  • لا شيء افضل من الحق
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٨
  • ‏«يا للإيمان الذي لا يتزعزع»!‏
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٠
  • الولع بالپيتزا
    استيقظ!‏ ٢٠٠٩
المزيد
برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٥
ب٠٥ ١/‏١ ص ١٨-‏٢٣

قصة حياة

تعلَّمنا ان نتكل كاملا على يهوه

كما روتها ناتالي هولتورف

في احد ايام حزيران سنة ١٩٤٥،‏ رأت ابنتي الصغرى رُوث رجلا شاحب اللون يقف امام منزلنا.‏ فخافت منه وصرخت:‏ «امي،‏ هنالك رجل غريب على عتبة الباب!‏».‏ لم تكن رُوث تعرف ان هذا الرجل الغريب هو ابوها وزوجي العزيز فرديناند.‏ فبعد ثلاثة ايام فقط من ولادة رُوث،‏ غادر فرديناند البيت ولم يعد إلا بعد سنتين.‏ فقد اعتُقل وانتهى به المطاف الى معسكر اعتقال نازي.‏ والآن،‏ بعد طول انتظار،‏ التقت رُوث بأبيها واجتمع شمل عائلتنا.‏ وتمكنّا اخيرا انا وفرديناند من إفراغ ما في جعبتنا من اخبار بعد ان حُرمنا من ذلك فترة طويلة.‏

وُلد فرديناند عام ١٩٠٩ في مدينة كِيل الالمانية.‏ ووُلدت انا سنة ١٩٠٧ في مدينة درسدِن الواقعة ايضا في المانيا.‏ وعندما كان عمري ١٢ سنة،‏ تعرّفت عائلتنا للمرة الاولى بتلاميذ الكتاب المقدس،‏ كما كان شهود يهوه يُدعون آنذاك.‏ وبعمر ١٩ سنة،‏ تركتُ الكنيسة الانجيلية ونذرت حياتي ليهوه.‏

في هذه الاثناء،‏ تخرج فرديناند من الكلية البحرية وصار بحّارا.‏ وكان خلال اسفاره يتأمل في اسئلة حول وجود خالق.‏ وفي يوم من الايام،‏ بعد ان عاد من احدى رحلاته،‏ زار اخاه الذي كان تلميذا للكتاب المقدس.‏ وكانت هذه الزيارة كافية لإقناعه بأن الكتاب المقدس يحتوي اجوبة عن الاسئلة التي تحيره.‏ فترك الكنيسة اللوثرية،‏ وقرر ان يتوقف عن العمل كبحّار.‏ وعندما امضى يومه الاول في الكرازة،‏ شعر برغبة عارمة في امتهان هذا العمل مدى الحياة.‏ وفي تلك الليلة نفسها،‏ نذر فرديناند حياته ليهوه واعتمد في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٣١.‏

بحّار ومبشِّر

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٣١،‏ استقل فرديناند القطار متجها الى هولندا لكي يساعد في عمل الكرازة في ذلك البلد.‏ وعندما قال للاخ الذي ينظم العمل في هولندا انه كان في السابق بحّارا،‏ هتف الاخ:‏ «انت الشخص المطلوب!‏».‏ فقد استأجر الاخوة مركبا لكي يتمكن الفاتحون (‏المبشرون كامل الوقت)‏ من الكرازة للناس العائشين على طول القنوات الملاحية في شمال البلاد.‏ وكان طاقم المركب مؤلفا من خمسة اخوة،‏ لكنّ احدا منهم لم يكن خبيرا بالملاحة.‏ فصار فرديناند قبطان ذلك المركب.‏

بعد ستة اشهر،‏ طُلب من فرديناند ان يخدم كفاتح في مدينة تِلْبورڠ في جنوب البلاد.‏ وفي تلك الفترة،‏ وصلتُ انا ايضا الى تلك المدينة لأخدم كفاتحة،‏ والتقيت به.‏ ولكن على الفور،‏ طُلب منا ان ننتقل الى ڠرونِنْڠِن في شمال البلاد.‏ وقد تزوجنا هناك في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ سنة ١٩٣٢.‏ وأمضينا شهر العسل في بيت يسكنه عدد من الفاتحين الآخرين،‏ وكنا في الوقت نفسه نتابع خدمة الفتح.‏

عام ١٩٣٥ وُلدت ابنتنا إستِر.‏ ومع ان مواردنا كانت محدودة،‏ قررنا الاستمرار في عمل الفتح.‏ فانتقلنا الى قرية حيث سكنّا في بيت صغير.‏ وكنت ابقى في البيت طوال النهار لأعتني بطفلتنا فيما يمضي زوجي الوقت في الكرازة.‏ وفي اليوم التالي كنا نتبادل الادوار.‏ واستمر ذلك الى ان صار عمر إستِر يسمح بأن ترافقنا في الخدمة.‏

لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت غيوم الحرب السوداء تتلبَّد في سماء اوروبا.‏ وبعد ان عرفنا عن الاضطهاد الذي يتعرض له الشهود في المانيا،‏ ادركنا انهم السابقون وأننا اللاحقون.‏ وتساءلنا ماذا سيحل بنا عندما نتعرض للاضطهاد العنيف.‏ وفي عام ١٩٣٨،‏ أصدرت السلطات الهولندية قرارا منعَ الاجانب من توزيع المطبوعات الدينية.‏ ولكي نتمكن من الاستمرار في خدمتنا،‏ صار الاخوة الهولنديون يعطوننا اسماء اشخاص اظهروا الاهتمام بعملنا.‏ فدرسنا الكتاب المقدس مع البعض منهم.‏

في تلك الاثناء،‏ جرى التخطيط لعقد محفل لشهود يهوه.‏ ومع اننا لم نكن نملك مالا كافيا لشراء تذاكر القطار الذي سيقلّنا الى موقع المحفل،‏ فقد رغبنا في الذهاب.‏ لذلك انطلقنا على دراجتَينا ووضعنا ابنتنا إستِر في كرسي متصل بمقود الدراجة.‏ وقد استغرقت الرحلة ثلاثة ايام.‏ وكنا نمضي الليل في بيوت الاخوة الواقعة على طول طريقنا.‏ وكم سُررنا لأننا حضرنا للمرة الاولى محفلا كوريا للبلد كله!‏ فقد قوّانا البرنامج لمواجهة المحن التي تنتظرنا.‏ والاهم انه حثّنا على وضع ثقتنا في اللّٰه.‏ فاتّخذنا شعارا لنا كلمات المزمور ٣١:‏٦ التي تقول:‏ «اما انا فعلى يهوه اتوكل».‏

النازيون يلاحقوننا

في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٠،‏ اجتاح النازيون هولندا.‏ وبُعيد ذلك فاجأَنا رجال الغستابو،‏ اي البوليس السري،‏ بزيارتهم لنا فيما كنا نوضب شحنة من المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس.‏ فأُخذ فرديناند الى مركز الغستابو وصرنا انا وإستِر نزوره بانتظام هناك.‏ وكانوا احيانا يستجوبونه ويضربونه امام اعيننا.‏ وفي كانون الاول (‏ديسمبر)‏،‏ أُطلق سراح فرديناند بشكل مفاجئ،‏ لكنّ حريته لم تدُم طويلا.‏ ففي مساء احد الايام فيما كنا عائدين الى البيت،‏ لمحنا سيارة تابعة للغستابو قرب بيتنا.‏ فتمكن فرديناند من الهرب فيما تابعت انا وإستِر طريقنا الى البيت.‏ كان الغستابو ينتظروننا وفي نيّتهم ان يقبضوا على فرديناند.‏ وفي تلك الليلة عينها،‏ بعد ان غادر الغستابو،‏ اتى رجال الشرطة الهولندية وأخذوني الى مركزهم ليستجوبوني.‏ وفي اليوم التالي،‏ قررت ان اغادر بيتنا وأعيش انا وإستِر بعيدا عن انظار الشرطة.‏ فاستقبلَنا الاخ والاخت نوردر،‏ زوجان من الشهود اعتمدا منذ فترة قصيرة،‏ وزوّدانا بالمأوى والحماية.‏

نحو نهاية كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤١،‏ أُلقي القبض على زوجَين فاتحَين كانا يسكنان في قارب حوَّلاه الى منزل.‏ وفي اليوم التالي،‏ ذهب زوجي برفقة احد نظار الدوائر (‏خادم ديني متجول)‏ الى القارب لكي يوضِّبا بعض اغراض الزوجَين،‏ لكنّ عملاء الغستابو حاولوا الامساك بهما.‏ فتمكن فرديناند من الهرب على دراجته في حين أُلقي القبض على ناظر الدائرة وزُجَّ به في السجن.‏

طلب الاخوة المسؤولون من فرديناند ان يملأ الفراغ الذي تركه ناظر الدائرة.‏ وعنى ذلك انه لن يتمكن من المجيء الى البيت اكثر من ثلاثة ايام كل شهر.‏ وكان هذا تحديا جديدا بالنسبة الينا،‏ إلّا اني استمررت في عمل الفتح.‏ وكان الغستابو يكثفون بحثهم عن الشهود.‏ لذلك اضطررنا الى مواصلة التنقل.‏ فقد انتقلنا ثلاث مرات عام ١٩٤٢.‏ وانتهى بنا المطاف الى مدينة روتردام،‏ بعيدا جدا عن المكان حيث تابع فرديناند خدمته سرا.‏ بحلول ذلك الوقت،‏ كنت انتظر مولودي الثاني.‏ وقد اعرب افراد عائلة كامپ عن لطفهم نحونا باستقبالنا في منزلهم.‏ ولم يكن قد مضى وقت طويل على ترحيل شابَّين من هذه العائلة الى معسكرات الاعتقال.‏

الغستابو يقتفي اثرنا

وُلدت ابنتنا الثانية رُوث في تموز (‏يوليو)‏ ١٩٤٣.‏ وبعد ولادتها،‏ تمكّن فرديناند من قضاء ثلاثة ايام معنا،‏ ثم اضطر الى المغادرة.‏ ولم نرَه مرة ثانية إلا بعد مرور وقت طويل.‏ فقد اعتُقل بعد نحو ثلاثة اسابيع في امستردام،‏ وأُخذ الى مركز الغستابو حيث عرفوا مَن يكون.‏ فأُخضع لاستجواب قاسٍ على يد الغستابو في محاولة لإجباره على كشف معلومات حول نشاطنا الكرازي.‏ لكنَّ كل ما كشفه هو انه واحد من شهود يهوه وأنه غير متورط في اي نشاط سياسي.‏ وكان رجال الغستابو ساخطين على فرديناند لأنه لم يتقدم للخدمة العسكرية رغم انه مواطن الماني،‏ وهددوه بالاعدام بتهمة الخيانة.‏

خلال الاشهر الخمسة التالية،‏ احتُجز فرديناند في زنزانة حيث كان يُهدَّد باستمرار بالاعدام رميا بالرصاص.‏ ورغم كل ذلك،‏ لم ينثلم ولاؤه ليهوه.‏ فما الذي ساعده على البقاء قويا روحيا؟‏ كلمة اللّٰه،‏ الكتاب المقدس.‏ طبعا،‏ لم يكن يحق لفرديناند ان يمتلك كتابا مقدسا بسبب كونه شاهدا ليهوه.‏ لكن كان بإمكان السجناء الآخرين طلب كتاب مقدس.‏ لذلك اقنع فرديناند احد زملائه في الزنزانة ان يطلب كتابا مقدسا من عائلته،‏ وهذا ما حدث.‏ وطوال سنوات،‏ ظل فرديناند يتذكر هذه الحادثة ويقول مبتسما:‏ «كم كان هذا الكتاب المقدس معزيا لي!‏».‏

في اوائل كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٤٤،‏ أُخذ فرديناند فجأة الى معسكر اعتقال في مدينة ڤوخت الهولندية.‏ غير ان هذا الانتقال كان لفائدته إذ التقى هناك ٤٦ شاهدا آخر.‏ وعندما علمتُ انه نُقل،‏ غمرتني السعادة لأني تأكدت انه لا يزال حيا.‏

الكرازة دون تراخٍ في معسكر الاعتقال

كانت الحياة في معسكر الاعتقال قاسية جدا.‏ فقد كانت قلة الطعام والنقص في الثياب السميكة التي تقي من البرد القارس جزءا لا يتجزأ من حياة السجناء.‏ فأُصيب فرديناند في احد الايام بالتهاب حاد في اللوزتين.‏ وذات صباح،‏ بعد ان وقف في البرد القارس مدة طويلة ينتظر انتهاء تلاوة اسماء السجناء،‏ ذهب الى المستوصف ليرى إن كان بإمكانه الاستراحة هناك.‏ فكان يُسمح بذلك للمرضى الذين حرارتهم ٤٠ درجة مئوية او اكثر.‏ لكنّ حرارة فرديناند كانت ٣٩ درجة!‏ فرُفض طلبه وأُلزم بالعمل.‏ غير ان بعض السجناء المتعاطفين ساعدوه على الاختباء فترات من الوقت في مكان دافئ لكي يرتاح قليلا.‏ إلّا انه لم يستعِد عافيته إلّا بحلول الطقس الدافئ.‏ اضافة الى ذلك،‏ عندما كان بعض الاخوة يتسلمون الطعام من عائلاتهم،‏ كانوا يتشاركون فيه مع الآخرين.‏ وبهذه الطريقة تمكّن فرديناند من استعادة بعض ما خسره من قوَّته.‏

قبل سجن زوجي،‏ كانت الكرازة محور حياته.‏ وقد استمر في إخبار الآخرين بمعتقداته حتى داخل المعتقل.‏ فكان المسؤولون في معسكر الاعتقال يهزأون به بسبب المثلث الارجواني،‏ العلامة التي وسمت السجناء الشهود.‏ لكنّ فرديناند كان يعتبر هذه الملاحظات الساخرة فرصة للتحادث مع هؤلاء الرجال.‏ في البداية،‏ لم يكن الاخوة يستطيعون الكرازة إلّا في المبنى الذي يأويهم.‏ وكان معظم سكان هذا المبنى من الشهود.‏ فتساءل الاخوة:‏ ‹كيف سنتمكن من ايصال البشارة الى باقي السجناء؟‏›.‏ إلّا ان ادارة المعسكر حلت المشكلة دون ان تدري.‏ كيف؟‏

كان لدى الاخوة مخزون سري من المطبوعات المؤسسة على الكتاب المقدس،‏ وامتلكوا ايضا ١٢ كتابا مقدسا.‏ وفي احد الايام،‏ وجد الحراس بعض المطبوعات،‏ لكنهم لم يتمكنوا من معرفة اصحابها.‏ فقرر المسؤولون عن المعسكر ان يسلبوا الاخوة وحدتهم.‏ فعاقبوهم بتفريقهم في الابنية التي تأوي غير الشهود.‏ حتى انهم منعوهم من الجلوس وقت الوجبات بجانب الشهود الآخرين.‏ إلّا ان هذا القصاص كان بركة.‏ فقد تمكن الاخوة من القيام بما ارادوا فعله منذ البداية:‏ الكرازة لأكبر عدد ممكن من السجناء.‏

تربية ابنتيَّ وحدي

في ذلك الحين،‏ كنت انا وابنتيَّ نعيش في روتردام.‏ وكان شتاء ١٩٤٣/‏١٩٤٤ قاسيا جدا.‏ بالاضافة الى ذلك،‏ نُصب خلف منزلنا مربض للمدفعية المضادة للطائرات وتمركز فيه جنود ألمان.‏ وكان بيتنا يطلّ ايضا على مرفإ عند نهر ڤال.‏ وهذا المرفأ صار هدفا لغارات الحلفاء.‏ فلم يكن بيتنا مكانا آمنا على الاطلاق.‏ وفوق كل ذلك،‏ لم نتمكن من الحصول على ما يكفي من الطعام.‏ فتعلمنا في تلك الفترة اكثر من اي وقت مضى ان نتكل على يهوه كاملا.‏ —‏ امثال ٣:‏٥،‏ ٦‏.‏

كانت إستِر البالغة من العمر ثماني سنوات تساهم في الاعتناء بعائلتنا الصغيرة بالوقوف في الصف للحصول على الاعاشة.‏ ولكن غالبا ما كانت الاعاشة تنفد قبل ان يحين دورها.‏ وفي احد الايام عندما كانت تبحث عن الطعام،‏ شُنَّت غارة جوية وابتدأتُ اسمع دوي القنابل،‏ فأُصبت بالذعر.‏ لكن سرعان ما زال خوفي وحلّت محله دموع فرح عندما عادت سالمة وبيدها بعض الشمندر السكري.‏ فبادرتها بالسؤال:‏ «ماذا حصل؟‏».‏ اجابت بهدوء:‏ «اثناء سقوط القنابل فعلت كما علّمني ابي.‏ فقد قال لي:‏ ‹انبطحي على الارض وصلّي›.‏ وهأنذا سالمة!‏».‏

بسبب لكنتي الالمانية،‏ كان من الافضل ان تذهب إستِر الى السوق لشراء الحاجيات.‏ فلفت ذلك نظر الجنود الالمان الذين ابتدأوا بطرح الاسئلة عليها.‏ لكنها لم تبُح بأي سر.‏ وكنت ادرس معها الكتاب المقدس في البيت.‏ كما علمتها القراءة والكتابة ومهارات اخرى،‏ لأنني لم استطِع ارسالها الى المدرسة.‏

ساعدتني إستِر ايضا في عمل الكرازة.‏ فقبل ان اذهب لدرس الكتاب المقدس مع المهتمين،‏ كانت تسبقني لتتأكد ان الطريق سالك وآمن.‏ فقد كانت تتأكد من وجود العلامات التي اتفقتُ عليها مع تلميذتي للكتاب المقدس.‏ مثلا،‏ كنت اطلب من التلميذة التي سأزورها ان تضع اناء زهور بطريقة معيّنة على النافذة لأعرف ان بإمكاني زيارتها.‏ وخلال درس الكتاب المقدس،‏ كانت إستِر تبقى خارجا وتجرّ ذهابا وإيابا عربة الاطفال التي تجلس فيها رُوث الصغيرة،‏ وذلك لكي تنذرني في حال اشتبهَت بخطر ما.‏

الى زاكسنهاوزن

كيف كانت حال فرديناند في هذه الاثناء؟‏ في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٤،‏ أُجبر فرديناند على المشي مع غيره من السجناء الى محطة القطار حيث كانت عربات قطار الشحن المقفلة في انتظارهم.‏ فحُشر ٨٠ سجينا في كل عربة.‏ وكان في كل منها دلو واحد لقضاء الحاجة،‏ ودلو آخر مملوء ماءً للشرب.‏ استغرقت الرحلة ثلاثة ايام وثلاث ليالٍ.‏ وكانت العربات مكتظة جدا بحيث ان السجناء اضطروا الى الوقوف طوال الوقت!‏ كما انها افتقرت الى التهوية لأنها كانت بلا نوافذ وليس فيها سوى شقوق صغيرة.‏ ويعجز اللسان عن وصف ما عانوه من حر وجوع وعطش،‏ هذا اذا لم نذكر الروائح الكريهة.‏

توقف القطار في معسكر زاكسنهاوزن السيئ السمعة.‏ وصودرت كل الاغراض الشخصية التي كانت في حوزة السجناء،‏ ما عدا الكتب المقدسة الـ‍ ١٢ الصغيرة التي أخذها الشهود معهم خلال الرحلة!‏

أُرسل فرديناند وثمانية اخوة آخرين الى معسكر في مدينة راتِنو تابع لمعسكر زاكسنهاوزن لكي يعملوا في صنع المعدات الحربية.‏ لكنهم رفضوا القيام بهذا العمل مع انهم هُدِّدوا بالاعدام مرات عديدة.‏ وكانوا يشجعون واحدهم الآخر بمناقشة آية من الكتاب المقدس في الصباح،‏ مثل المزمور ١٨:‏٢‏،‏ لكي يتأملوا فيها باقي النهار.‏ وساعدهم ذلك على التفكير في الامور الروحية.‏

اخيرا،‏ بشّر دوي القذائف المدفعية باقتراب الجيش الروسي والجيوش الحليفة.‏ ووصل الروس قبل غيرهم الى المعسكر حيث كان فرديناند محتجزا.‏ فأعطوا السجناء بعض الطعام وأمروهم بمغادرة المعسكر.‏ وفي نهاية نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٤٥،‏ سمح الجيش الروسي للسجناء بالعودة الى بيوتهم.‏

اخيرا!‏ اتّحدنا معا كعائلة

في الخامس عشر من حزيران (‏يونيو)‏،‏ وصل فرديناند الى هولندا.‏ فاستقبله الاخوة في ڠرونِنْڠِن بحرارة.‏ وسرعان ما عرف اننا لا نزال على قيد الحياة وأننا نعيش في مكان ما من الريف.‏ وعرفنا نحن ايضا انه عاد.‏ وقد بدا الوقت الذي انتظرت فيه عودته دهورا طويلة.‏ لكن في احد الايام صرخت رُوث الصغيرة:‏ «امي،‏ هنالك رجل غريب على عتبة الباب!‏».‏ وهذا الرجل الغريب كان زوجي الحبيب وأبا ابنتيّ!‏

قبل ان نعود الى حياتنا الطبيعية كعائلة،‏ لزم ان نحلّ عددا من المشاكل.‏ فلم يكن لدينا مكان للعيش فيه،‏ وواجهنا مشكلة كبيرة هي استعادة وضعنا الشرعي كمقيمين دائمين في هولندا.‏ فبما اننا ألمان،‏ عاملَنا الرسميون الهولنديون طوال عدة سنوات كأشخاص منبوذين.‏ لكن في النهاية،‏ تمكنّا من الاستقرار والعودة الى الحياة التي نعزّها ونتوق اليها كثيرا:‏ خدمة يهوه معا كعائلة.‏

‏«على يهوه اتوكل»‏

خلال سنوات ما بعد الحرب،‏ غالبا ما كنا نجتمع انا وفرديناند مع أصدقائنا الذين عايشوا هذه الايام الفظيعة.‏ وفي كل مرة،‏ كنا نتذكر رعاية يهوه الحبية خلال هذه الاوقات العصيبة.‏ (‏مزمور ٧:‏١‏)‏ وكم فرحنا لأن يهوه سمح لنا على مر السنين بأن نشترك في تقدم مصالح الملكوت!‏ وكنا نعبّر دائما عن سعادتنا لأننا قضينا شبابنا في خدمة يهوه المقدسة.‏ —‏ جامعة ١٢:‏١‏.‏

بعد فترة الاضطهاد النازي،‏ خدمنا يهوه انا وفرديناند لأكثر من ٥٠ سنة قبل ان ينهي مسلك حياته الارضي في ٢٠ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٩٥.‏ أما انا فقد شارفت الـ‍ ٩٨ من العمر.‏ وأشكر يهوه يوميا لأن ابنتينا دعمتانا خلال هذه السنوات الصعبة،‏ ولأنني لا أزال أمجِّد اسمه قدر استطاعتي.‏ وأحمد يهوه على كل ما فعله من اجلي.‏ وأنا مصممة على الاستمرار في العيش وفق الشعار الذي اتّخذته:‏ «اما انا فعلى يهوه اتوكل».‏ —‏ مزمور ٣١:‏٦‏.‏

‏[الصورة في الصفحة ١٩]‏

انا وفرديناند في تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٣٢

‏[الصورة في الصفحة ١٩]‏

مركب «ألمينا» المستخدم في عمل الكرازة مع طاقمه

‏[الصورة في الصفحة ٢٢]‏

مع فرديناند وابنتينا

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة