مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ع٩٩ ٢٢/‏٢ ص ١٠-‏١٦
  • نصف قرن تحت الطغيان الكلياني

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • نصف قرن تحت الطغيان الكلياني
  • استيقظ!‏ ١٩٩٩
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • ملزم بأن اقرر
  • فرار صعب
  • نشاط ما بعد الحرب
  • اعتراضنا عند ستالين
  • الاضطهاد يشتد
  • حياة قاسية في سيبيريا
  • تغييرات في حياة السجن
  • شاهد امين
  • اطلاق سراحي ورحلة العودة
  • تحت الضغط في أستونيا
  • هدفان للـ‍ KGB
  • سدّ الجوع الروحي
  • حياة مسيحية تجلب الاكتفاء
  • تعلمتُ ان أتّكل على اللّٰه
    استيقظ!‏ ٢٠٠٦
  • خدمتُ اللّٰه رغم التحديات
    استيقظ!‏ ٢٠٠٥
  • هدفٌ للهجوم السوڤياتي
    استيقظ!‏ ٢٠٠١
  • وعد قطعت العهد ان أفيَ به
    استيقظ!‏ ١٩٩٨
المزيد
استيقظ!‏ ١٩٩٩
ع٩٩ ٢٢/‏٢ ص ١٠-‏١٦

نصف قرن تحت الطغيان الكلياني

كما رواه لمبت توم

في سنة ١٩٥١،‏ حُكم علي بعشر سنوات من الاعمال الشاقة في سيبيريا.‏ ونُقلنا آلاف الكيلومترات الى معسكر فوق الدائرة القطبية الشمالية بكثير.‏ كان العمل مرهِقا،‏ والطقس قاسيا،‏ والاحوال المعيشية مروِّعة.‏ دعوني اوضح كيف انتهى بي المطاف الى هناك ولمَ لم يذهب عذابنا سدى.‏

كان ابي يُعتبر رجل فكر في أستونيا،‏ احد بلدان البلطيق حيث ولدتُ في ١٠ آذار (‏مارس)‏ ١٩٢٤.‏ لكنَّه،‏ في سنواته الاخيرة،‏ ادار مزرعة العائلة في يرڤاما في وسط أستونيا.‏ كانت عائلتنا عائلة لوثرية كبيرة مؤلفة من تسعة اولاد،‏ وكنت انا الاصغر بينهم.‏ وعندما بلغت الثالثة عشرة من عمري،‏ مات ابي.‏

وفي السنة التالية،‏ تخرجت من المدرسة الابتدائية.‏ وفي ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٣٩،‏ عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية،‏ أُخذ اخي اريخ للالتحاق بالخدمة العسكرية،‏ ولم يعد بإمكاني متابعة دراستي.‏ ثم في سنة ١٩٤٠،‏ ضُمَّت أستونيا الى الاتحاد السوڤياتي،‏ وبعد ذلك بسنة احتلها الالمان.‏ فزجّوا بإريخ في السجن لكنهم اخلوا سبيله فعاد الى أستونيا في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤١.‏ وفي سنة ١٩٤٢،‏ تمكنت من دخول مدرسة الزراعة.‏

وخلال زيارتي للمنزل في عيد الميلاد سنة ١٩٤٣،‏ اخبرتني اختي ليدا ان طبيب عائلتنا تحدث اليها عن الكتاب المقدس،‏ وأعطاها بعض الكراريس الصادرة عن جمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس.‏ فقرأتُها وبحثت فورا عن الطبيب ارتور إيندس،‏ فباشر درسا في الكتاب المقدس معي.‏

ملزم بأن اقرر

في هذه الاثناء،‏ تصاعدت حدة القتال بين المانيا والاتحاد السوڤياتي.‏ وبحلول شباط (‏فبراير)‏ ١٩٤٤،‏ كان الروس قد اقتربوا من الحدود الأستونية.‏ فأُخذ اريخ الى الجيش الالماني،‏ وتلقيت انا ايضا اوراقي لألتحق بالجيش.‏ لكنني كنت أومن ان شريعة اللّٰه تمنع قتل رفيقنا الانسان،‏ وقال الطبيب إيندس انه سيساعدني على ايجاد مكان اتوارى فيه عن الانظار حتى تضع الحرب اوزارها.‏

وفي احد الايام،‏ وصل الى مزرعتنا شرطي وقائد الدفاع المدني المحلي.‏ وكانا قد أُمرا بإلقاء القبض علي بتهمة محاولة تجنب الانخراط في الخدمة العسكرية.‏ ادركت عندئذ انه لم يعد من مفر سوى الهرب من البيت حتى لا اواجه معسكر الاعتقال الالماني.‏

فلجأت الى مزرعة احد شهود يهوه.‏ وفيما انا مختبئ،‏ قرأت كل ما في وسعي ان اقرأه في الكتاب المقدس ومطبوعات جمعية برج المراقبة لأقوي ايماني.‏ وفي احدى الليالي،‏ تسللت الى منزلي لآخذ بعض الطعام.‏ كان البيت يعج بالجنود الالمان،‏ اذ كان اخي اريخ قد عاد مع بعض اصدقائه لقضاء عطلة لبضعة ايام.‏ وتمكنت من التحدث الى اريخ بالخفية في تلك الليلة في المكان حيث كنا ندرس الحنطة.‏ ولم اره قط بعد ذلك.‏

فرار صعب

في الليلة عينها،‏ بعد عودتي الى المزرعة حيث كنت اختبئ،‏ جرت مداهمتها.‏ فالشرطي والرجال المحليون في الدفاع المدني كانوا يتحققون من خبر مفاده ان احدا يختبئ في المزرعة.‏ فتسللت الى حيز المجاري والانابيب الضيق تحت ارضية البيت،‏ وسرعان ما سمعت فوق رأسي جزمة بحافظة نعل معدنية.‏ وصرخ الشرطي وهو يهدد المزارع بالبندقية:‏ «ثمة رجل مختبئ في هذا البيت!‏ كيف السبيل للوصول الى حيز المجاري والأنابيب؟‏».‏ كان بإمكاني رؤية شعاع المشعل الكهربائي يبحث عني.‏ فتحركت ببطء قليلا الى الوراء وقبعت هناك انتظر.‏ بعد مغادرتهم،‏ بقيت في مكاني قليلا لأتأكد من زوال الخطر.‏

قبل بزوغ الفجر،‏ تركت المنزل،‏ وقلبي يطفح بالشكر ليهوه لأنهم لم يعثروا علي.‏ وساعدني الاخوة المسيحيون على ايجاد مكان آخر للاختباء،‏ ومكثت هناك حتى نهاية الاحتلال الالماني.‏ وسمعت لاحقا ان الشرطي وقائد الدفاع المدني المحلي قُتلا،‏ على يد انصار الروس،‏ دون شك.‏ وفي ١٩ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٤،‏ رمزت الى انتذاري للّٰه بمعمودية الماء،‏ وصارت اختي ليدا ايضا واحدة من شهود يهوه.‏

بدأ الاحتلال السوڤياتي الثاني لأستونيا في حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٤،‏ وبعد بضعة اشهر،‏ صرت حرا لأعود الى المنزل لأساعد في اعمال المزرعة.‏ ولكن في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏،‏ بعد رجوعي بفترة وجيزة،‏ أُمرت بالحضور الى الجيش الروسي.‏ وبكل شجاعة،‏ شهدت بجرأة للجنة التجنيد.‏ فأعلموني ان النظام السوڤياتي ليس مهتما بمعتقداتي وأنه يجب على كل فرد ان يخدم في الجيش.‏ لكنني استطعت ان ابقى حرا طوال الفترة الباقية من الحرب ووقفت نفسي للمساعدة في تزويد الرفقاء الشهود بمطبوعات الكتاب المقدس.‏

نشاط ما بعد الحرب

عندما وضعت الحرب اوزارها في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٥ ومُنح المعترضون بسبب الضمير العفو العام،‏ رجعت الى المدرسة.‏ وبحلول اوائل سنة ١٩٤٦،‏ استنتجت انه لا مستقبل لي في مضمار الزراعة في أستونيا،‏ اذ ان نظام التأميم السوڤياتي وضع يده على كل القطاعات الخاصة.‏ لذلك تركت المدرسة وبدأت بالمشاركة بشكل اكمل في عمل الكرازة بالملكوت.‏

تحت الحكم السوڤياتي،‏ لم يعد بالامكان الكرازة بشكل علني.‏ وكان الاتصال بجمعية برج المراقبة قد قُطع اثناء الحرب العالمية الثانية.‏ وهكذا بواسطة آلة نسخ قديمة،‏ ساعدتُ في نسخ المطبوعات التي كنا قد حافظنا عليها.‏ وبذلنا ما في وسعنا ايضا لكي نعقد اجتماعات الجماعة.‏

وفي آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٨،‏ بدأت الـ‍ KGB (‏لجنة امن الدولة السوڤياتية)‏ باضطهاد شهود يهوه.‏ فاعتُقل خمسة من الذين كانوا يرأسون العمل وزُجَّ بهم في السجن،‏ وسرعان ما صار واضحا ان الـ‍ KGB تريد اعتقال الجميع.‏ فتألفت لجنة من اربعة اشخاص،‏ كنت واحدا منهم،‏ لتنظيم عمل الكرازة،‏ تشجيع اخوتنا المسيحيين،‏ ومساعدة الذين في السجن.‏ وبما انني كنت لا ازال اتمتع بحرية نسبية،‏ استُخدمت لأقوم بالاتصال بالرفقاء الشهود.‏

أُرسلت رسالة اعتراض خطية رسمية مؤرخة في ٢٢ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٨ الى الرسميين السوڤيات في أستونيا.‏ ووصفت هذه الرسالة هيئتنا وهدف عملنا،‏ وطالبت بإخلاء سبيل رفقائنا المؤمنين.‏ وماذا كان التجاوب؟‏ المزيد من الاعتقالات.‏ وفي ١٦ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٤٨،‏ ارسلنا اعتراضا آخر الى مجلس المحكمة العليا لجمهورية أستونيا الاشتراكية السوڤياتية مطالبين بتبرئة وإطلاق سراح اخوتنا.‏ ولا تزال نسخ من هذه العرائض وغيرها ضمن ملفات سجلات مدينة تالين.‏

كان السفر خطِرا اذ لم يكن بإمكاننا الحصول على الوثائق اللازمة.‏ رغم ذلك زرنا الجماعات في ارڤيتي،‏ اوتيپا،‏ تارتيو،‏ تالين،‏ وڤورو على دراجة نارية قوية جدا مزودة بسيارة جانبية ابتيعت من شرطي روسي.‏ ودعوناها تحبُّبا «المركبة».‏

اعتراضنا عند ستالين

في ١ حزيران (‏يونيو)‏ ١٩٤٩،‏ أُرسلت عريضة اخرى بالبريد الى اعلى سلطة في جمهورية أستونيا الاشتراكية وإلى نيقولاي شڤيرنك،‏ رئيس اللجنة التنفيذية الدائمة للسوڤيات الاعلى.‏ وهذه الوثيقة،‏ التي سحبنا نسخة منها من سجلات تالين،‏ تحمل ختم نيقولاي شڤيرنك مما يؤكد انه تسلمها وأرسل نسخة منها الى جوزيف ستالين،‏ رئيس الدولة في الاتحاد السوڤياتي.‏ نقرأ في الجزء الاخير من العريضة:‏

‏«نحن نطالب بإطلاق سراح شهود يهوه من السجون والحؤول دون اضطهادهم مجددا.‏ ان هيئة يهوه اللّٰه،‏ ممثَّلة بجمعية برج المراقبة للكتاب المقدس والكراريس،‏ يجب ان يُسمح لها بالكرازة،‏ دون عائق،‏ ببشارة ملكوت يهوه لكل سكان الاتحاد السوڤياتي؛‏ وإلّا فإن يهوه سيدمر كليا الاتحاد السوڤياتي والحزب الشيوعي.‏

‏«ونحن نطالب بهذا الامر باسم يهوه اللّٰه وملك ملكوته،‏ يسوع المسيح،‏ وأيضا باسم كل الرفقاء المؤمنين المسجونين.‏

‏«الامضاء:‏ شهود يهوه في أستونيا (‏١ حزيران [يونيو] ١٩٤٩)‏».‏

الاضطهاد يشتد

في اوائل سنة ١٩٥٠،‏ تسلمنا ثلاثة اعداد من مجلة برج المراقبة من شخص عائد من المانيا.‏ ولكي يستفيد اخواننا المسيحيون كلهم من هذا الطعام الروحي،‏ اتُّخذ القرار بأن ننظم محفلا في ٢٤ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥٠،‏ في مخزن تبن يملكه تلميذ للكتاب المقدس قرب قرية اوتيپا.‏ ولا نعلم كيف علمت الـ‍ KGB بخططنا،‏ فهيأت للقيام باعتقالات جماعية.‏

تمركزت شاحنتان محملتان جنودا عند محطة سكة الحديد في پالوپيرا حيث كان يجب ان ينزل الاخوة.‏ وبالاضافة الى ذلك،‏ اختبأ شرطي مع مُرسِل راديوي عند جانب الطريق المؤدي من پالوپيرا الى اوتيپا،‏ على مقربة من موقع المحفل.‏ وعندما لم يصل بعض الاخوة الذين كنا بانتظارهم في الوقت المحدد،‏ ساورنا الظن ان خططنا جرى اكتشافها.‏

فأخذت معي احدى الشاهدات،‏ إيلا كيكاس،‏ وهرعت بالدراجة النارية الى محطة سكة الحديد قبل پالوپيرا بمحطتين.‏ ولم تكن قد مرت لحظات على وصول القطار،‏ فصعدت وإيلا اليه،‏ كلٌّ من جهة من القطار،‏ وصرنا نركض في مقصوراته صارخين للجميع ان ينزلوا.‏ عندما ترجل الشهود،‏ قمنا بترتيبات لعقد المحفل في مخزن ثانٍ للحبوب في اليوم التالي.‏ وهكذا،‏ أُحبطت خطة الـ‍ KGB لاعتقال جماعي للشهود.‏

لكن بعد شهرين من عقد المحفل،‏ بدأت الاعتقالات على صعيد واسع.‏ فأُخذتُ للاستجواب في ٢٢ ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٥٠،‏ وكذلك ايضا الاعضاء الثلاثة الباقون في اللجنة التي كانت تشرف على عمل الكرازة في أستونيا.‏ فوضعونا في سجن الـ‍ KGB في تالين في شارع باڠاري طوال ثمانية اشهر.‏ بعد ذلك،‏ نُقلنا الى السجن العام في شارع كالدا،‏ الذي كان معروفا بالضرب الذي كان يجري فيه.‏ وحُجزنا هناك مدة ثلاثة اشهر.‏ وبالمقارنة مع سجن الـ‍ KGB حيث سجنا في قبو،‏ كان هذا السجن على بحر البلطيق كمنتجع سياحي.‏

حياة قاسية في سيبيريا

بُعيد ذلك،‏ حُكم علي بعشر سنوات في معسكر في نوريلسك البعيدة،‏ في سيبيريا،‏ برفقة هاري اينيكا،‏ اليكسندر هارم،‏ البرت كوزي،‏ ليونهارد كريباي.‏ وهناك،‏ لا تغرب الشمس لمدة شهرين خلال الصيف،‏ وفي الشتاء لا تشرق لمدة شهرين.‏

في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٥١،‏ بدأنا المرحلة الاولى من رحلتنا من تالين الى نوريلسك بالقطار.‏ فسافرنا ٠٠٠‏,٦ كيلومتر تقريبا (‏٥٠٠‏,٣ ميل)‏ عن طريق پيسكوف،‏ سانت پيترسبرڠ (‏لينينڠراد سابقا)‏،‏ پيرم،‏ إيكاتيرينبورڠ (‏سْفيردْلوفسْك سابقا)‏،‏ نوڤوسيبرسْك،‏ وكراسنويارسك،‏ على نهر ينيسي.‏ اخيرا،‏ في اوائل تشرين الاول (‏اكتوبر)‏،‏ صعدنا على متن قارب مسطح يُستعمل عادة لنقل الرمل او الحصى في كراسنويارسك وجرى سحبنا شمالا اكثر من ٧٠٠‏,١ كيلومتر (‏٠٠٠‏,١ ميل)‏.‏ بعد اسبوعين وصلنا الى مدينة دودينكا الواقعة فوق الدائرة القطبية الشمالية بكثير.‏ وفي دودينكا انتقلنا مجددا الى قطار لمتابعة المرحلة التالية من الرحلة الى نوريلسك البالغ طولها ١٢٠ كيلومترا (‏٧٥ ميلا)‏.‏ ومن محطة نوريلسك،‏ مشينا في الثلج المتراكم المسافة المتبقية،‏ ١٥ كيلومترا (‏١٠ اميال)‏ الى معسكر العمل خارج المدينة.‏

بما ان ثيابي الشتوية كانت قد سُرقت عندما كنا على متن القارب لم اكن املك سوى معطف خفيف،‏ قبعة،‏ وصندل.‏ كان الارهاق قد اخذ منا كل مأخذ بسبب اسابيع السفر الطويلة من تالين ولأننا لم نحصل على حصتنا اليومية الضئيلة من الطعام.‏ فأُغمي على بعض السجناء.‏ وساعدناهم حتى جُلبت الاحصنة،‏ ثم وضعناهم على مزالج تجرها الاحصنة.‏

عند وصولنا الى المعسكر،‏ جرى تسجيلنا،‏ ثم أُخذنا الى حمام بخاري،‏ وبعد ذلك أُعطينا حصتنا اليومية من الطعام.‏ كانت الثكنات دافئة،‏ لذلك سرعان ما استغرقت في نوم عميق.‏ لكن في منتصف الليل،‏ استيقظت مع الم حاد سببه التهاب في اذنيّ.‏ في الصباح التالي،‏ مُنحت العناية الطبية وأُعفيت من العمل.‏ لكنَّ الرسميين في السجن حنقوا علي لأنني لم استطع العمل فانهالوا عليَّ ضربا.‏ ثم رُميت في سجن انفرادي مدة شهر،‏ اذ قالوا انني «أعكر السلام في المعسكر».‏ لكن،‏ لحسن التوفيق زودوني بالدواء من المستوصف،‏ فأتاح لي مرور الوقت في السجن الانفرادي ان استرد صحتي.‏

اول شتاء في المعسكر كان الاقسى.‏ فالعمل،‏ ومعظمه في منجم مكشوف للنيكل،‏ كان مرهِقا،‏ وكمية الطعام القليلة لم تكن كافية.‏ وحين ظهرت اعراض الاسقربوط على كثيرين،‏ صرنا نُحقَن بالڤيتامين C للتخفيف من حدة المرض.‏ ولكن لسعادتنا التقينا رفقاء شهودا كثيرين في المعسكر،‏ اتوا من مولداڤيا،‏ پولندا،‏ وأوكرانيا.‏

تغييرات في حياة السجن

في ربيع سنة ١٩٥٢،‏ بدأ السجناء بالحصول على راتب صغير سمح لنا بشراء المزيد من الاكل.‏ وصار بعض الشهود يحصلون ايضا على الطعام في علب بقاعدة مزيفة أُعدت لتخبئة مطبوعات الكتاب المقدس.‏ وفي احدى المرات،‏ تسلَّم شاهد مولداڤي علبة طعام تحتوي على شحم خنزير.‏ وعندما استُهلك شحم الخنزير،‏ ظهرت معدة الخنزير وفيها ثلاثة اعداد من مجلة برج المراقبة!‏

عندما مات ستالين في ٥ آذار (‏مارس)‏ ١٩٥٣،‏ تغيرت حياة السجن بشكل جذري.‏ في البداية،‏ انفجرت الاضرابات والثورات عندما طالب السجناء بالتحرر.‏ فأُرسلت قوات من الجيش لقمعها.‏ وفي نوريلسك،‏ قُتل ١٢٠ سجينا اثناء احدى الثورات؛‏ لكنَّ الشهود لم يتورطوا فلم يُقتل او يُجرح منهم احد.‏ وفي صيف ١٩٥٣،‏ توقف العمل في منجم النيكل مدة اسبوعين.‏ بعد ذلك،‏ صارت حياة السجن اسهل.‏ فأُطلق سراح بعض السجناء،‏ وقُصِّرت مدة السجن للبعض الآخر.‏

شاهد امين

بعد فترة الاضطراب هذه في المعسكر،‏ نُقلتُ الى معسكر في الجنوب قرب مدينة تايشت في مقاطعة إركوتْسْك.‏ وهناك التقيت ارتور إيندس الذي كان اول من درس الكتاب المقدس معي.‏ وكان قد رفض العمل في المخيم كطبيب،‏ مفضلا قبول عمل يتطلب جهدا جسديا اكبر.‏ وأوضح:‏ «لم يسمح لي ضميري ان اعطي اجازة مرضية للسجناء الاصحاء الذين كانوا قد أُعطوا مراكز مسؤولية،‏ في حين كان السجناء المرضى فعلا مجبَرين على العمل».‏

وبحلول ذلك الوقت كان الاخ إيندس قد اصبح هزيلا ومريضا اذ لم يعتد قبلا القيام بالاعمال التي تتطلب الجهد الجسدي.‏ لكنه اخبرني انه شعر بأن معاناته صقلت قلبه بطريقة روحية.‏ قضينا معا زهاء ثلاثة اسابيع.‏ ثم أُخذ الى مستشفى المعسكر حيث مات في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٥٤.‏ وهناك في مكان ما في الغابة الشاسعة المجاورة للقطب الشمالي يرقد في ضريح لا اسم عليه.‏ لقد مات مسيحيا امينا وينتظر القيامة.‏

اطلاق سراحي ورحلة العودة

في سنة ١٩٥٦ أُرسل ممثلون عن اللجنة التنفيذية للسوڤيات الاعلى الى معسكرنا لمراجعة ملفات السجناء.‏ عندما مثلت امام اللجنة،‏ سألني القائد المسؤول:‏ «ماذا ستفعل بعد اطلاق سراحك؟‏».‏

فأجبت:‏ «سنرى عندما يحين الوقت».‏

صُرفت من الغرفة وعندما استُدعيتُ ثانية قال القائد:‏ «انت اخطر عدو للاتحاد السوڤياتي،‏ فأنت عدو إيديولوجي».‏ ولكنَّه اضاف:‏ «سنطلق سراحك انما سنكون في اثرك».‏ وأُخلي سبيلي في ٢٦ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥٦.‏

قضيت اليومين التاليين في زيارة شهود اوكرانيين في سويتيكا،‏ قرية قرب تايشت كانوا قد نُفوا اليها سنة ١٩٥١.‏ ثم توقفت لأربعة ايام في مقاطعة تومْسْك قرب المكان الذي كانت امي قد نُفيت اليه.‏ ومن محطة القطار سرت ٢٠ كيلومترا (‏١٥ ميلا)‏ الى قرية ڠريڠرييڤكا.‏ وهناك كانت الاحوال اسوأ مما كان قد عاناه معظمنا في المعسكرات!‏ كانت اختي ليدا قد أُطلق سراحها قبل عدة شهور من احد معسكرات الاعتقال في قازاخستان وأتت الى المنطقة لتكون مع امي.‏ ولكن لأن جواز سفرها كان قد حُجز لم يعد باستطاعتها الرجوع الى أستونيا.‏

تحت الضغط في أستونيا

بعد فترة،‏ وصلت الى بلدي أستونيا واتجهت مباشرة الى مزرعة والديّ.‏ فاكتشفت،‏ كما كانت قد تناهت الى مسامعي الاشاعات في سيبيريا،‏ ان الحكومة دمرت ابنيتنا كلها!‏ بعد ايام قليلة،‏ أُصبت بشلل الاطفال.‏ فدخلت المستشفى مدة طويلة وتابعت العلاج بعد ذلك.‏ ولا زلت اعرج حتى اليوم.‏

سرعان ما حصلت على وظيفة في شركة كنت قد عملت فيها في صيف ١٩٤٣،‏ هي شركة ليتسي لفحم الخث.‏ وبواسطتها حصلت على شقة.‏ وعندما عادت امي وأختي من المنفى في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٦،‏ اتتا للعيش معي في ليتسي.‏

في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ سنة ١٩٥٧،‏ تزوجت إيلا كيكاس،‏ التي لم يكن قد مضى وقت طويل على عودتها هي ايضا من معسكر اعتقال في سيبيريا.‏ وبعد شهرين،‏ انتقلنا الى تارتيو،‏ حيث حصلنا على شقة صغيرة في منزل خاص.‏ وأخيرا تمكنت من الحصول على وظيفة سائق في تعاونية المستهلكين في منطقة تارتيو.‏

فيما كنت في سيبيريا ترجمت عشر مقالات درس في مجلة برج المراقبة من الروسية الى الأستونية وجلبتها معي الى بلدي.‏ لاحقا،‏ حصلنا على كتاب من الفردوس المفقود الى الفردوس المردود‏،‏ الذي ترجمناه ايضا بالأستونية.‏ ثم اصدرنا نسخا منه مطبوعة على الآلة الكاتبة.‏ في هذه الاثناء ثابرت الـ‍ KGB على مراقبتنا.‏ وحيث ان طرائقهم في اقتفاء الآثار صارت مألوفة لدينا،‏ كنا دائما نحترس ونتوخى الحذر،‏ كالحيوانات الخائفة من فخ الصياد.‏

هدفان للـ‍ KGB

في اوائل ستينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ بدأت الـ‍ KGB بحملة افتراءات ضد الشهود.‏ كنت وزوجتي المستهدفَين الرئيسيين.‏ فبدأت الصحف تكتب مقالات افترائية وتكلم الراديو والتلفزيون مطولا بالسوء عنا.‏ وعقدت الـ‍ KGB اجتماعات علنية مرتين في مكان عملي.‏ وعرض ممثلون محترفون مسرحية هزلية هجائية عني على خشبة مسرح أستونيا في تالين.‏ فذكَّرني الوضع بكلمات داود:‏ «يتكلم فيَّ الجالسون في الباب وأغاني شرَّابي المُسكر».‏ —‏ مزمور ٦٩:‏١٢‏.‏

استمرت هذه الجهود المبذولة لإلحاق الخزي بنا حتى سنة ١٩٦٥ حين عُقد اجتماع اخير في مبنى الصحة العامة للعمال في تارتيو.‏ كنت وإيلا كلانا هناك،‏ فضلا عن عملاء للـ‍ KGB وحشد من الناس.‏ وعندما كانت إيلا تُستجوب كان الجمهور يتجاوب مرات عديدة بالتصفيق.‏ فمن الواضح ان الجمهور كان الى جانبنا.‏ وقد خاب امل عملاء الـ‍ KGB وحنقوا مما اسفرت عنه النتيجة.‏

سدّ الجوع الروحي

رغم ان الشيوعيين حاولوا الحؤول دون انتشار مطبوعاتنا،‏ فقد استطعنا بعد سنة ١٩٦٥ تزويد اخوتنا المسيحيين بمخزون لا بأس به.‏ لكنَّ نشاط الترجمة السري والطباعة في اماكن سرية تطلَّبا الكثير من الطاقة والوقت.‏ وفي احدى المرات قال لي احد عملاء الـ‍ KGB مشيرا الى نشاطي ووسائلي السرية في نقل المطبوعات:‏ «انت يا توم مثل حقيبة بقعر مزدوج».‏

طبعا،‏ كان علينا ان نعقد اجتماعاتنا في السر وضمن فرق صغيرة.‏ وجرت كرازتنا بطريقة غير رسمية.‏ وكان على اخوتنا ان يتوقعوا تفتيش شققهم بين لحظة وأخرى.‏ لذلك كان عليهم ان يخبئوا مطبوعات برج المراقبة بحذر شديد.‏ لكن حتى في هذه الظروف،‏ وُجد كثيرون احبوا حق الكتاب المقدس وأخذوا موقفهم الى جانب الملكوت.‏

عندما بدأ الرئيس السوڤياتي ميخائيل ڠورباتشوف اصلاحاته في ثمانينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ حققنا حرية اكبر في خدمة اللّٰه.‏ وفي النهاية،‏ سنة ١٩٩١،‏ انحل الاتحاد السوڤياتي،‏ وحصل شهود يهوه على اعتراف شرعي.‏ حاليا توجد اربع جماعات في تارتيو،‏ وأُكمل مؤخرا بناء مجمَّع قاعات الملكوت الخاص بنا.‏ وهنالك اليوم اكثر من ٨٠٠‏,٣ شاهد يشاركون في الخدمة في أستونيا،‏ بالمقارنة مع نحو ٤٠ او ٥٠ عندما بدأتُ بالكرازة منذ اكثر من نصف قرن.‏

حياة مسيحية تجلب الاكتفاء

لم اشك قط في انني اتخذت القرار الصائب عندما اخترت خدمة يهوه.‏ اتأمل في الماضي بقلب مفعم بالاكتفاء،‏ وأنا سعيد لرؤية هيئة يهوه تستمر في احراز التقدم بنشاط ولرؤية مزيد من الاشخاص يتوافدون بغية خدمة يهوه.‏

انا جد شاكر ليهوه اذ ان محبته وحمايته رافقتاني وزوجتي عبر هذه السنين الكثيرة.‏ والتفكير في ان نظام يهوه البار هو قريب جدا زودنا بالقوة الروحية.‏ وعندما نتأمل في النمو الرائع لأعداد الذين يعبدون يهوه،‏ نقتنع بأن الالم الذي اختبرناه لم يذهب سدى.‏ —‏ عبرانيين ٦:‏١٠؛‏ ٢ بطرس ٣:‏١١،‏ ١٢‏.‏

‏[الخريطة في الصفحتين ١٢ و ١٣]‏

‏(‏اطلب النص في شكله المنسَّق في المطبوعة)‏

خريطة تظهر رحلة الشهرين الطويلة من تالين الى معسكر نوريلسك السيِّئ السمعة

تالين

پيسكوف

سانت پيترسبرڠ

پيرم

إيكاتيرينبورڠ

نوڤوسيبرسْك

دودينكا

نوريلسك

كراسنويارسك

الدائرة القطبية

‏[مصدر الصورة]‏

Mountain High Maps® Copyright © 1997 Digital Wisdom,‎ Inc.‎

‏[الصورة في الصفحة ١٤]‏

ارتور إيندس،‏ شهيد مسيحي شجاع

‏[الصورة في الصفحة ١٤]‏

سجناء في سيبيريا،‏ سنة ١٩٥٦.‏ انا الرابع من اليسار في الصف الخلفي

‏[الصورة في الصفحة ١٥]‏

مع زوجتي امام المركز الرئيسي السابق للـ‍ KGB حيث جرى استجوابنا مرارا

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة