مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ع٩٩ ٢٢/‏٤ ص ٢٠-‏٢٥
  • منفيّون في سيبيريا!‏

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • منفيّون في سيبيريا!‏
  • استيقظ!‏ ١٩٩٩
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • اخْذنا الى المنفى
  • العمل في المنفى
  • حياتنا الروحية
  • الاحتمال في ظل الاوضاع المتغيِّرة
  • نموي الروحي
  • كيف ازدهر العمل
  • فرحون بالتوسع العظيم
  • هدفٌ للهجوم السوڤياتي
    استيقظ!‏ ٢٠٠١
  • خدمتُ اللّٰه رغم التحديات
    استيقظ!‏ ٢٠٠٥
  • همِّي الرئيسي —‏ ان ابقى وليًّا
    استيقظ!‏ ٢٠٠٠
  • اكثر من ٤٠ سنة تحت الحظر الشيوعي
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٩
المزيد
استيقظ!‏ ١٩٩٩
ع٩٩ ٢٢/‏٤ ص ٢٠-‏٢٥

منفيّون في سيبيريا!‏

كما رواه ڤاسيلي كالين

اذا رأيتم رجلا يقرأ الكتاب المقدس بهدوء وسط ضجيج القذائف المدفعية،‏ أفلا تريدون ان تعرفوا كيف يستطيع المحافظة على هدوئه؟‏ لقد رأى ابي مشهدا كهذا قبل اكثر من ٥٦ سنة.‏

كان ذلك في تموز (‏يوليو)‏ سنة ١٩٤٢،‏ عندما كانت الحرب العالمية الثانية في اوجها.‏ فبينما كانت خطوط القتال الامامية الالمانية تمر عبر قرية والدي ڤيلشانيتسا،‏ في اوكرانيا،‏ عرَّج ابي على منزل بعض المسنّين.‏ ومع ان القذائف المدفعية كانت تزرع المنطقة بأسرها،‏ كان الرجل جالسا قرب الموقد يسخِّن القليل من الذرة ويقرأ الكتاب المقدس‏.‏

ولدتُ بعد ذلك بخمس سنوات،‏ ليس بعيدا عن مدينة ايڤانو-‏فرانكوفسك الجميلة التي تقع في غرب اوكرانيا،‏ والتي كانت آنذاك جزءا من الاتحاد السوڤياتي.‏ وقد اخبرني ابي لاحقا عن لقائه الذي لا يُنسى مع ذلك الرجل،‏ وهو واحد من شهود يهوه،‏ وايضا عن فظائع سنوات الحرب.‏ كان الوضع القائم قد انهك وشوَّش افكار الناس،‏ وكان كثيرون يتساءلون:‏ ‹لماذا يوجد الكثير جدا من الظلم؟‏ لماذا يموت آلاف الاشخاص الأبرياء؟‏ لماذا يسمح اللّٰه بذلك؟‏ لماذا؟‏ لماذا؟‏ لماذا؟‏›.‏

دارت بين ابي والرجل المسنّ مناقشة صريحة وطويلة حول اسئلة كهذه.‏ فأظهر الرجل لأبي اجوبة عن اسئلة طالما حيَّرته،‏ مشيرا الى آية بعد اخرى من كتابه المقدس.‏ وقد اوضح ان قصد اللّٰه هو ان يُنهي في وقته المعيَّن كل الحروب وأن الارض ستصير فردوسا رائعا.‏ —‏ مزمور ٤٦:‏٩؛‏ اشعياء ٢:‏٤؛‏ كشف ٢١:‏٣،‏ ٤‏.‏

اسرع ابي الى المنزل وهتف:‏ «هل يمكنكم ان تصدِّقوا ذلك؟‏ بعد مناقشة واحدة مع شهود يهوه،‏ تفتَّحت عيناي!‏ لقد وجدتُ الحق!‏».‏ وقال ابي انه بالرغم من تردُّده الى الكنيسة الكاثوليكية بانتظام،‏ لم يتمكَّن الكهنة قط من الاجابة عن اسئلته.‏ لذلك بدأ ابي يدرس الكتاب المقدس،‏ وانضمت اليه امي.‏ ثم ابتدأا ايضا بتعليم اولادهما الثلاثة —‏ اختي التي كانت في الثانية من العمر فقط،‏ وأخويَّ اللذين كانا في السابعة والحادية عشرة من العمر.‏ بعد ذلك بوقت قصير،‏ تضرَّر منزلهم كثيرا بسبب قنبلة تركت لهم غرفة واحدة فقط ليسكنوا فيها.‏

كانت امي من عائلة كبيرة مؤلفة من ست اخوات وأخ.‏ وكان ابوها من اثرى اثرياء المنطقة وكان يفتخر بنفوذه ومركزه.‏ لذلك قاوم الاقرباء في البداية ايمان عائلتي الجديد.‏ ولكن مع الوقت،‏ توقف العديد من هؤلاء المقاومين عن القيام بالممارسات الدينية غير المؤسسة على الكتاب المقدس،‏ كاستعمال الايقونات،‏ وانضموا الى والديَّ في العبادة الحقة.‏

كان الكهنة يحرِّضون الناس علانية ضد الشهود.‏ ونتيجة لذلك،‏ كان السكان المحليون يكسِّرون نوافذ منزل والديَّ ويهدِّدونهما.‏ لكنَّ والديَّ استمرَّا في درس الكتاب المقدس.‏ وهكذا،‏ عند ولادتي سنة ١٩٤٧،‏ كانت عائلتي تعبد يهوه بالروح والحق.‏ —‏ يوحنا ٤:‏٢٤‏.‏

اخْذنا الى المنفى

ان ذكريات الساعات الباكرة من صباح ٨ نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١ راسخة جيدا في ذهني،‏ مع انني كنت آنذاك في الرابعة من عمري فقط.‏ فقد دخل رجال الشرطة ومعهم كلاب الى بيتنا وأرونا امرا بالنفي ثم قاموا بتفتيش البيت.‏ وبينما وقف جنود معهم رشاشات وكلاب على عتبة باب بيتنا،‏ جلس بانتظارنا حول الطاولة رجال ببزَّات عسكرية فيما كنا نسرع في الاستعداد للرحيل في غضون الساعتين المعيَّنتين لنا.‏ لم استطع ان افهم ما كان يحدث،‏ فصرت ابكي.‏

طُلب من والديَّ ان يوقِّعا وثيقة تذكر انهما لم يعودا من شهود يهوه وأنه لن تكون لهما اية صلة بهم.‏ ولو وقَّعا لتُركا ليعيشا في منزلهما وموطنهما.‏ لكنَّ ابي اعلن بثبات:‏ «اني واثق بأن الهنا يهوه سيكون معنا ايًّا كان المكان الذي ستأخذوننا اليه».‏

فأجاب الضابط:‏ «فكِّر في عائلتك،‏ في اولادك،‏ فأنتم لن تُؤخذوا الى منتجع.‏ سيأخذونكم الى اقصى الشمال،‏ حيث لا نهاية للثلوج وحيث تجول الدببة القطبية في الشوارع».‏

في ذلك الوقت،‏ كانت الكلمة «سيبيريا» شيئا مريعا وغامضا للجميع.‏ ولكن تبيَّن ان الايمان والمحبة الشديدة ليهوه هما اقوى من الخوف من المجهول.‏ فشُحنت امتعتنا في عربة،‏ وأُخذنا نحن الى المدينة ووُضعنا في عربات شحن للسكك الحديدية مع ما يتراوح بين ٢٠ و٣٠ عائلة اخرى.‏ وهكذا بدأنا رحلتنا الى التايڠا،‏ او الغابات المخروطية،‏ النائية في سيبيريا.‏

على طول الطريق كنا نلتقي عند محطات السكك الحديدية قُطرا اخرى تَنقل المنفيّين،‏ وكنا نرى اللافتات المعلَّقة على عربات السكك الحديدية:‏ «شهود يهوه على متن القطار».‏ كان ذلك شهادة فريدة اذ علم الآلاف بهذه الطريقة ان الشهود وعائلاتهم يُرسلون الى مناطق مختلفة في الشمال والشرق الاقصى.‏

ان إلقاء القبض على شهود يهوه ونفْيهم في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١ مدعوم جيدا بالوثائق.‏ فقد كتب عنه المؤرِّخ والتر كولارس في كتابه الدين في الاتحاد السوڤياتي (‏بالانكليزية)‏:‏ «لم يكن هذا نهاية ‹الشهود› في روسيا،‏ بل مجرد البداية لفصل جديد في نشاطات هدايتهم.‏ فقد حاولوا ان ينشروا ايمانهم حتى عندما توقَّفوا في المحطات في طريقهم الى المنفى.‏ وبنفيهم لم تتمكن الحكومة السوڤياتية من فعل شيء افضل لنشر ايمانهم.‏ فمن قراهم المنعزلة أُحضر ‹الشهود› الى عالم اوسع رغم انه لم يكن الا العالم الرهيب لمعسكرات الاعتقال وعمل الرِّقّ».‏

كانت عائلتي موفَّقة،‏ لأنه سُمح لنا بأن نأخذ بعض الطعام معنا—‏ طحينا،‏ حبوبا،‏ وفاصولياء.‏ حتى انه سُمح لجدي بأن يذبح خنزيرا،‏ مما زوَّد الطعام لنا ولشهود آخرين.‏ وعلى طول الطريق كانت تُسمع ترانيم صادرة من القلب آتية من عربات السكك الحديدية.‏ فقد زوَّدنا يهوه بالقوة لنحتمل.‏ —‏ امثال ١٨:‏١٠‏.‏

سافرنا عبر روسيا لمدة ثلاثة اسابيع تقريبا ووصلنا اخيرا الى سيبيريا الباردة،‏ المنعزلة،‏ والنائية.‏ ثم أُحضرنا الى محطة تورِيا في منطقة تشانْسك من مقاطعة إركوتْسْك.‏ ومن هناك أُخذنا بعيدا الى قرية صغيرة في التايڠا،‏ الى ما وصفته وثائقنا بـ‍ «مستوطننا الابدي».‏ وقد استوعبت مزلجة جرَّها جرَّار عبر وحل الربيع امتعة ١٥ عائلة بسهولة.‏ وأقامت حوالي ٢٠ عائلة في حظائر تألَّفت من ممرّات طويلة دون فواصل.‏ وحذَّرت السلطات السكان المحليين مسبقا من شهود يهوه على انهم اناس اردياء.‏ فخاف الناس منا في البداية ولم يحاولوا ان يتعرفوا بنا جيدا.‏

العمل في المنفى

عمل شهود يهوه في قطع الاشجار في اصعب الظروف.‏ وأُنجز كل العمل باليد —‏ كنشر الجذوع،‏ تقطيعها،‏ شحنها في عربات تجرُّها احصنة،‏ ثم شحنها في عربات السكك الحديدية.‏ وما جعل الوضع اسوأ هو اسراب البعوض التي كان من المستحيل الاختباء منها.‏ وقد عانى ابي آلاما مبرِّحة اذ تورَّم جسده كله منها.‏ وكان يصلِّي كثيرا الى يهوه ان يساعده على الاحتمال.‏ ولكن على الرغم من كل الصعوبات،‏ لم يتزعزع ايمان الاغلبية الساحقة من شهود يهوه.‏

بعد ذلك بوقت قصير،‏ أُخذنا الى مدينة إركوتْسْك حيث سكنت عائلتنا في معسكر سابق للسجناء وعملت في مصنع لصنع القرميد.‏ كان القرميد يفرَّغ بالايدي مباشرة من افران حامية كبيرة،‏ وكانت حِصص العمل ترتفع باستمرار بحيث كان على الاولاد ان يساعدوا والديهم على اتمامها.‏ فتذكَّرنا اعمال السُّخرة التي قام بها الاسرائيليون في مصر القديمة كعبيد.‏ —‏ خروج ٥:‏٩-‏١٦‏.‏

اصبح واضحا ان الشهود اشخاص مجتهدون ومستقيمون،‏ وليسوا «اعداء الناس» كما زُعم.‏ وقد لوحظ انه لم يشتم اي شاهد السلطات،‏ ولا قاوم الشهود قرارات الذين في مركز سلطة.‏ حتى ايمانهم اصبح مع الوقت محطّ اعجاب كثيرين.‏

حياتنا الروحية

مع ان الشهود فُتِّشوا تكرارا قبل وبعد ان أُرسلوا الى المنفى،‏ وعندما كانوا في طريقهم اليه،‏ تمكَّن عديدون من تخبئة مجلات برج المراقبة وايضا كتب مقدسة.‏ ولاحقا،‏ نُسخت هذه إما باليد او بوسائل اخرى.‏ وقد عُقدت الاجتماعات المسيحية في الحظائر قانونيا.‏ وعندما كان آمر الحظائر يدخل ويجد فريقا منا يرنِّم ترنيمة،‏ كان يأمرنا ان نتوقف.‏ وكنا نطيع.‏ ولكن فور ذهابه الى الحظيرة التالية كنا نبدأ بالترنيم من جديد.‏ فكان من المستحيل ايقافنا.‏

ولم يتوقَّف قط عملنا التبشيري.‏ فقد كان الشهود يتكلَّمون مع كل شخص وفي اي مكان.‏ وغالبا ما كان اخواي الاكبران ووالداي يروون لي كيف تمكَّنوا من التكلُّم مع الآخرين عن حقائق الكتاب المقدس.‏ وبفضل ذلك،‏ ابتدأ حق الكتاب المقدس يستميل تدريجيا قلوب الاشخاص المخلصين.‏ وهكذا،‏ في اوائل خمسينات الـ‍١٩٠٠،‏ اصبح ملكوت يهوه معروفا في إركوتْسْك وجوارها.‏

في البداية،‏ اعتُقد ان الشهود هم اعداء سياسيون،‏ ولكن لاحقا اعتُرف رسميا بأن هيئتنا هي هيئة دينية محض.‏ وعلى الرغم من ذلك،‏ حاولت السلطات ان توقف نشاطنا.‏ فصرنا نجتمع من اجل درس الكتاب المقدس في فرق صغيرة مؤلَّفة من عائلتين او ثلاث محاولين تفادي اكتشاف امرنا.‏ وفي احد ايام شباط (‏فبراير)‏ ١٩٥٢ أُجرِيَ تفتيش دقيق في وقت باكر من الصباح.‏ وأُوقف بعده عشرة شهود،‏ وأُخذ الباقون الى اماكن مختلفة.‏ نُقلت عائلتنا الى قرية إيسْكْرا التي كان عدد سكانها حوالي مئة شخص وتقع على بعد نحو ٣٠ كيلومترا (‏٢٠ ميلا)‏ من مدينة إركوتْسْك.‏

الاحتمال في ظل الاوضاع المتغيِّرة

استقبلتنا ادارة القرية بحسن ضيافة غير متوقع.‏ وكان الناس متواضعين ووديين —‏ حتى ان العديد منهم خرجوا من بيوتهم ليقدِّموا لنا المساعدة.‏ كانت عائلتي العائلة الثالثة التي وُضعت في الغرفة الصغيرة عينها التي تبلغ مساحتها ١٧ مترا مربَّعا (‏١٨٠ قدما مربَّعة)‏.‏ وكانت مصابيح الكيروسين مصدر النور الوحيد لنا.‏

في صباح اليوم التالي كان هنالك انتخاب.‏ فقال والداي انه قد سبقا وصوَّتا لملكوت اللّٰه،‏ الامر الذي لم يفهمه الناس طبعا.‏ لذلك أُوقف اعضاء عائلتي الراشدون اليوم بكامله.‏ وفي ما بعد،‏ سأل العديد من الناس عن معتقداتهم،‏ مما زوَّد عائلتي فرصة جيدة ليتكلَّموا عن ملكوت اللّٰه بصفته الرجاء الوحيد للجنس البشري.‏

خلال السنوات الاربع التي اقمنا فيها بقرية إيسْكْرا،‏ لم يكن هنالك شهود آخرون في الجوار لنعاشرهم.‏ ولمغادرة القرية،‏ كان علينا ان نحصل على اذن خاص من الآمر،‏ الامر الذي قلَّما منحه،‏ لأن السبب الرئيسي لنفينا كان عزلنا عن الآخرين.‏ ومع ذلك،‏ سعى الشهود دائما الى الاتصال واحدهم بالآخر للاشتراك في اي طعام روحي جديد حصلوا عليه.‏

بعد موت ستالين سنة ١٩٥٣،‏ خُفِّضت مدة العقوبة التي حُكم بها على الشهود من ٢٥ سنة الى ١٠ سنوات.‏ اما بالنسبة الى الذين في سيبيريا،‏ فلم تعد هنالك حاجة الى وثيقة خصوصية تجيز لهم الانتقال.‏ لكنَّ السلطات ابتدأت على الفور تُجري تفتيشا وتعتقل الشهود الذين تجد في حوزتهم كتبا مقدسة او مطبوعات مؤسسة على الكتاب المقدس.‏ وأُنشئت معسكرات خاصة للشهود،‏ وأُلقي فيها حوالي ٤٠٠ اخ و ٢٠٠ اخت في جوار إركوتْسْك.‏

وصلت الاخبار عن اضطهادنا في الاتحاد السوڤياتي الى شهود يهوه حول العالم.‏ لذلك في الفترة الممتدة بين منتصف سنة ١٩٥٦ وشباط (‏فبراير)‏ ١٩٥٧،‏ جرى تبنّي عريضة صُنعت من اجلنا في ١٩٩ من المحافل الكورية التي عُقدت في كل انحاء العالم.‏ ووافق حضور مجموعه ٩٣٦‏,٤٦٢ شخصا على هذه العريضة التي قُدِّمت الى رئيس الوزراء السوڤياتي آنذاك،‏ نيقولاي أ.‏ بولڠانين.‏ وبين امور اخرى،‏ طالبت العريضة بأن نُحرَّر وأن «يُرَخَّص لنا في الحصول على مجلة برج المراقبة ونشرها بالروسية،‏ الاوكرانية،‏ وغيرهما من اللُّغات الاخرى حسب الحاجة،‏ بالاضافة الى مطبوعات الكتاب المقدس الاخرى التي يستعملها شهود يهوه حول العالم».‏

في هذه الاثناء،‏ أُرسلت عائلتنا الى قرية خودياكوڤو النائية،‏ التي تبعد حوالي ٢٠ كيلومترا (‏١٥ ميلا)‏ عن إركوتْسْك.‏ وأقمنا هناك سبع سنين.‏ وفي سنة ١٩٦٠ غادر اخي فيودور الى إركوتْسْك،‏ وفي السنة التالية تزوَّج اخي الاكبر مني سنا،‏ وانتقلت اختي للعيش في مكان آخر.‏ ثم في سنة ١٩٦٢،‏ أُلقي القبض على فيودور وسُجن بسبب كرازته.‏

نموي الروحي

كنا نسافر مسافة ٢٠ كيلومترا (‏١٥ ميلا)‏ سيرا على الاقدام او بواسطة دراجات من قريتنا خودياكوڤو للاجتماع مع الآخرين من اجل درس الكتاب المقدس.‏ لذلك حاولنا الانتقال الى إركوتْسْك لنصبح على اتصال اوثق بالشهود الآخرين.‏ ولكنَّ رئيس المنطقة حيث اقمنا كان ضد انتقالنا،‏ وفعل كل ما في وسعه لمنعه.‏ لكنَّ الرجل ابتدأ بعد وقت قصير يتجاوب اكثر معنا،‏ وتمكَّنا من الانتقال الى قرية پيڤوڤاريخا التي تبعد حوالي ١٠ كيلومترات (‏٦ اميال)‏ عن إركوتْسْك.‏ كانت توجد جماعة لشهود يهوه هناك،‏ فابتدأتُ حياة جديدة.‏ ففي پيڤوڤاريخا كانت هنالك فِرَق منظَّمة لدرس الكتاب الجَماعي وإخوة يشرفون على النشاطات الروحية.‏ فكم كنت سعيدا!‏

بحلول هذا الوقت،‏ نمت محبتي لحق الكتاب المقدس كثيرا وأردتُ ان اعتمد.‏ وقد تحقَّقت امنيتي في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٦٥ عندما اعتمدتُ في نهر أولخه الصغير،‏ حيث اعتمد كثيرون من الشهود الجدد خلال تلك الفترة.‏ وكان الامر يبدو للمشاهد غير المكترث وكأننا نتمتَّع بنزهة ونسبح في النهر.‏ بعد ذلك بوقت قصير تلقيتُ تعييني الاول كناظر لمدرسة الخدمة الثيوقراطية.‏ ثم في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٦٥،‏ أُضيف سبب آخر الى فرحنا عندما خرج فيودور من السجن.‏

كيف ازدهر العمل

سنة ١٩٦٥ جُمع كل المنفيّين وأُعلن انه يحقّ لنا الانتقال الى حيث نشاء،‏ وهكذا لم يعد المنفى «مستوطننا الابدي».‏ فهل يمكنكم ان تتخيَّلوا الفرح الذي غمرنا؟‏ وفي حين غادر كثيرون منا الى مناطق اخرى من البلد،‏ قرَّر آخرون البقاء حيث باركنا ودعمنا يهوه في نموِّنا ونشاطنا الروحيَّين.‏ وكثيرون من الذين بقوا ربّوا اولادهم،‏ حفداءهم وأبناء حفدائهم في سيبيريا التي تبيَّن مع الوقت انها ليست مرعبة الى هذا الحد.‏

سنة ١٩٦٧،‏ التقيت ماريّا،‏ فتاة من عائلة نُفيت ايضا الى سيبيريا من اوكرانيا.‏ وعندما كنا صغيرين عاش كلانا في قرية ڤيلشانيتسا الاوكرانية.‏ وقد تزوَّجنا سنة ١٩٦٨ ورُزقنا اولا بصبي،‏ ياروسلاف،‏ ثم بابنة،‏ أوكسانا.‏

استمررنا في استغلال مناسبات كالمآ‌تم والاعراس لالتقاء اعداد كبيرة من اجل المعاشرة الروحية.‏ وكنا ننتهز ايضا هذه الفرص لنفسِّر حقائق الكتاب المقدس للأقرباء والاصدقاء غير الشهود الذين كانوا يأتون.‏ وغالبا ما كان ضباط الامن يحضرون هذه المناسبات الاجتماعية،‏ حيث كنا نكرز علانية من الكتاب المقدس عن رجاء القيامة او عن تدبير يهوه للزواج والبركات المستقبلية في عالمه الجديد.‏

وذات مرة فيما كنت أُنهي خطابا في مأتم،‏ توقفت سيارة فجأة،‏ انفتحت الابواب،‏ وخرج احد الرجال منها وأمرني بالدخول الى السيارة.‏ لم اكن خائفا.‏ فنحن لسنا مجرمين بل مجرد مؤمنين باللّٰه.‏ ولكنني كنت احمل في جيبي تقارير الخدمة للاخوة في جماعتنا.‏ وكان من الممكن ان أُعتقل لهذا السبب.‏ لذلك سألت هل بإمكاني ان اعطي مالا لزوجتي قبل ان اذهب معهم.‏ فسلَّمتها محفظتي بهدوء امام اعينهم وكذلك تقارير الجماعة.‏

ابتداء من سنة ١٩٧٤،‏ ابتدأنا ماريّا وأنا بإعداد مطبوعات الكتاب المقدس سرًّا في منزلنا.‏ وبما انه كان لنا ابن صغير،‏ كنا نفعل ذلك في وقت متأخر من الليل حتى لا يعلم بالامر.‏ ولكن،‏ بسبب فضوله،‏ كان يتظاهر بأنه نائم ويختلس النظر ليرى ماذا نفعل.‏ وقال لاحقا:‏ «انا اعرف من يصنع المجلات عن اللّٰه».‏ فخفنا بعض الشيء،‏ ولكننا كنا دائما نطلب من يهوه ان يحمي عائلتنا في هذا العمل المهم.‏

وأخيرا،‏ اتَّخذت السلطات موقفا اكثر ليونة تجاه شهود يهوه،‏ فخططنا ان نعقد اجتماعا كبيرا في مركز مير للفنون والتسلية في مدينة أوسُلْي-‏سيبِرْسكُي.‏ وقد اكَّدنا لرسميي المدينة ان اجتماعاتنا تُعقد فقط من اجل درس الكتاب المقدس والمعاشرة المسيحية.‏ وقد اجتمع اكثر من ٧٠٠ شخص في كانون الثاني (‏يناير)‏ ١٩٩٠،‏ فملأوا القاعة ولفتوا نظر كثيرين من العامة.‏

بعد الاجتماع سأل مراسل صحفي:‏ «متى تمكَّنتم من تدريب صغاركم؟‏».‏ فقد ادهشه هو وزائرين آخرين جلوس الاولاد بانتباه مدة اربع ساعات في هذا الاجتماع العام الاول.‏ وسرعان ما ظهرت مقالة جميلة عن شهود يهوه في الصحيفة المحلية.‏ وقد ذكرت:‏ «يمكن للمرء حقا ان يتعلم شيئا من [شهود يهوه]».‏

فرحون بالتوسع العظيم

سنة ١٩٩١ عُقدت سبعة محافل في الاتحاد السوڤياتي حضرها ٢٥٢‏,٧٤ شخصا.‏ ولاحقا،‏ بعدما اصبحت الجمهوريات السابقة للاتحاد السوڤياتي مستقلة،‏ تسلَّمتُ تعيينا من الهيئة الحاكمة لشهود يهوه ان اذهب الى موسكو.‏ وهناك سُئلت هل بإمكاني ان اوسِّع اشتراكي في عمل الملكوت.‏ كان ياروسلاف آنذاك متزوِّجا وله ابنة،‏ وكانت أوكسانا مراهقة.‏ لذلك بدأنا ماريّا وأنا سنة ١٩٩٣ بالخدمة كامل الوقت في موسكو.‏ وفي تلك السنة عينها عُيِّنتُ منسِّق المركز الاداري للهيئة الدينية الاقليمية لشهود يهوه في روسيا.‏

والآن ماريّا وأنا نعيش ونعمل في تسهيلات فرعنا الجديدة الواقعة خارج سانت پيترسبرڠ.‏ وأعتبر تمكُّني من الاشتراك مع اخوة امناء آخرين في الاعتناء بالاعداد المتزايدة بسرعة من المنادين بالملكوت في روسيا امتيازا.‏ واليوم يوجد اكثر من ٠٠٠‏,٢٦٠ شاهد في الجمهوريات السابقة للاتحاد السوڤياتي،‏ واكثر من ٠٠٠‏,١٠٠ منهم هم في روسيا وحدها!‏

غالبا ما نفكِّر ماريّا وأنا في اقربائنا وأصدقائنا الأعزَّاء الذين يستمرون في خدمتهم للملكوت بأمانة في سيبيريا،‏ المكان الذي صار موطننا المحبوب.‏ واليوم تُعقد هناك محافل كبيرة قانونيا،‏ وهنالك نحو ٠٠٠‏,٢ شاهد نشيط في إركوتْسْك وجوارها.‏ حقا،‏ ان نبوة اشعياء ٦٠:‏٢٢ تتم ايضا في هذا الجزء من العالم:‏ «الصغير يصير الفا والحقير امة قوية».‏

‏[الصورة في الصفحة ٢٠]‏

مع ابي،‏ عائلتنا،‏ ومنفيّين آخرين في إركوتْسْك سنة ١٩٥٩

‏[الصورة في الصفحة ٢٣]‏

اولاد في المنفى في إيسْكْرا

‏[الصورة في الصفحة ٢٥]‏

سنة زواجنا

‏[الصورة في الصفحة ٢٥]‏

مع ماريّا اليوم

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة