اسئلة من القراء
غالبا ما شرحت مطبوعاتنا في الماضي ان بعض روايات الكتاب المقدس ترمز الى امور اعظم في المستقبل، مستعملة مصطلحات مثل «رمز» و «مرموز اليه». فلماذا لم تعد تركِّز كثيرا على الصور الرمزية في السنوات الاخيرة؟
ذكر عدد كانون الاول (ديسمبر) ١٩٥٢ من مجلة برج المراقبة ما يلي: «نجد في اثناء درسنا الحقل النبوي عبارات ومصطلحات مستعملة ككلمة ‹رمز› مثلًا، وتعني صورة شيء يُتوقع حدوثه في المستقبل. وكلمة ‹المرموز له› ويراد بها حقيقةَ ما يرسمه الرمز. وتُستعمل الكلمة ‹ظل› بدل ‹رمز› والكلمة ‹حقيقة› . . . بدل ‹المرموز له›».
ومنذ سنوات كثيرة، ذكرت مطبوعاتنا ان رجالا ونساء امناء مثل أليهو، ايوب، دبورة، راحاب، رفقة، يفتاح، وغيرهم كانوا رموزا، او ظلالا، تمثِّل إمَّا الممسوحين او ‹الجمع الكثير›. (رؤ ٧:٩) مثلا، قيل ان أيوب ورفقة ويفتاح رمزوا الى الممسوحين، في حين رمزت دبورة وراحاب الى الجمع الكثير. فلماذا لم نعد نُجري مقارنات كهذه في السنوات الاخيرة؟
الرمز
كان حمل الفصح في اسرائيل القديمة رمزا. — عد ٩:٢.
المرموز اليه
قال بولس ان المسيح هو «فصحنا». — ١ كو ٥:٧.
تذكر الاسفار المقدسة ان بعض الشخصيات في الكتاب المقدس هي رموز لحقائق اعظم. ففي غلاطية ٤:٢١-٣١، ذكر بولس رواية عن امرأتين قائلا انها «رمز». فهاجر، جارية ابراهيم، مثَّلت او ناظرت امة اسرائيل الجسدي التي كانت في علاقة عهد مع يهوه بواسطة الشريعة الموسوية. اما سارة «الحرة» فرمزت الى الجزء السماوي من هيئة اللّٰه المشبَّه بزوجة. وفي الرسالة الى العبرانيين، سلَّط بولس الضوء على اوجه الشبه بين الملك والكاهن ملكي صادق ويسوع. (عب ٦:٢٠؛ ٧:١-٣) بالاضافة الى ذلك، قارن بين اشعيا وأولاده من جهة ويسوع وأتباعه الممسوحين من جهة اخرى. (عب ٢:١٣، ١٤) وبما ان بولس كتب رسائله تحت الوحي، يمكننا ان نثق ثقة تامة بأن هذه الرموز دقيقة.
ولكن حتى لو قال الكتاب المقدس ان البعض كانوا رموزا لأشخاص آخرين، لا يعني ذلك ان كل تفصيل او حادثة في حياة الرمز هو ظل لحقيقة اعظم. على سبيل المثال، مع ان بولس يخبرنا ان ملكي صادق رمز الى يسوع، لا يذكر شيئا عن المناسبة التي جلب فيها ملكي صادق لإبراهيم خبزا وخمرا بعدما هزم اربعة ملوك. لذا، ليس هناك اي اساس في الاسفار المقدسة لنبحث عن معنى خفيٍّ في تلك الحادثة. — تك ١٤:١، ١٨.
على ان بعض الكتبة في القرون التي تلت موت المسيح وقعوا في الفخ واستخرجوا رموزا من شتى روايات الكتاب المقدس. وتعليقا على تعاليم اوريجانس وأمبروسيوس وجيروم، تذكر دائرة معارف الكتاب المقدس القانونية الاممية (بالانكليزية): «بحثوا عن الرموز — ووجدوها طبعا — في كل واقعة وحادثة مسجلة في الكتاب المقدس مهما كانت تافهة. حتى ابسط التفاصيل، ولو كانت عادية، رأوا انها تخفي في طياتها اعمق الحقائق قاطبة . . . حتى عدد الاسماك الـ ١٥٣ التي اصطادها التلاميذ ليلة ظهر لهم المخلِّص المُقام من الموت، حاول البعض جاهدين ان يقرأوا فيه معاني رمزية!».
ويتوسَّع اوغسطين من هيبّو في التعليق على الرواية التي اطعم فيها يسوع نحو ٠٠٠,٥ رجل بخمسة ارغفة شعير وسمكتين. فبما ان الشعير اعتُبر اقل قيمة من الحنطة، استنتج اوغسطين ان الارغفة الخمسة يجب ان تمثِّل اسفار موسى الخمسة (معتبرا ان «العهد القديم» هو ادنى شأنا من «العهد الجديد» كما ان الشعير هو اقل قيمة من الحنطة). وماذا عن السمكتين؟ لقد رأى فيهما لسبب ما اشارة الى ملك وكاهن. وثمة عالم آخر مولع بالبحث عن الصور الرمزية أكَّد ان شراء يعقوب بكورية عيسو لقاء طبيخ احمر مثَّل شراء يسوع بدمه الاحمر ميراث الحياة السماوية للبشر!
اذا بدت لك هذه التحليلات صعبة التصديق، فقد فهمت المعضلة. فليس بمقدور البشر ان يعرفوا اية رواية في الكتاب المقدس هي ظل لحقائق في المستقبل. لذلك فإن المسلك الاسلم هو هذا: حين تعلِّم الاسفار المقدسة ان شخصية او حادثة او شيئا هو رمز، نسلِّم بصحة ما تقول. وإلا يجب ان نمتنع عن إسناد معانٍ رمزية الى احدى الشخصيات او الى رواية ما، ان لم يكن في الاسفار المقدسة اساس محدَّد يبرِّر ذلك.
اذًا، كيف نستفيد من الحوادث والامثلة المذكورة في الاسفار المقدسة؟ كتب الرسول بولس في روما ١٥:٤: «كل ما كُتب من قبل كُتب لإرشادنا، حتى باحتمالنا وبالتعزية من الاسفار المقدسة يكون لنا رجاء». فكان بولس يقول ان بإمكان اخوته الممسوحين في القرن الاول تعلُّم دروس هامة من الحوادث المدوَّنة في الكتاب المقدس. غير ان شعب اللّٰه على مدى الاجيال، سواء عاشوا في «الايام الاخيرة» ام لا، وسواء كانوا ممسوحين او ‹خرافا أُخر›، يستفيدون من الدروس التي يستمدونها من «كل ما كُتب من قبل». — يو ١٠:١٦؛ ٢ تي ٣:١.
لذلك عوض تطبيق اغلب روايات الكتاب المقدس على صف واحد فقط، اما الممسوحين او الجمع الكثير، وعلى فترة زمنية محددة، يمكن لشعب اللّٰه، الى اي صف انتموا وفي اي فترة عاشوا، ان يطبِّقوا على انفسهم الكثير من الدروس التي تعلِّمنا اياها هذه الروايات. مثلا، لا يجب ان نطبِّق سفر ايوب حصرا على ما مر به الممسوحون خلال الحرب العالمية الاولى. فالعديد من خدام اللّٰه — رجالا ونساء، ممسوحين وخرافا أُخر — يمرُّون بظروف تشابه تلك التي واجهها ايوب، و ‹يرون عاقبة يهوه، انه حنون جدا ورحيم›. — يع ٥:١١.
وفي جماعاتنا اليوم، الا نجد نساء وليات كدبورة، شيوخا شبانا وحكماء كأليهو، فاتحين غيورين وشجعانا كيفتاح، ورجالا ونساء امناء وصبورين كأيوب؟ حقا، كم نحن ممتنون لأن يهوه حفظ لنا سجلا ‹بكل ما كُتب من قبل› حتى «بالتعزية من الاسفار المقدسة يكون لنا رجاء»!
لهذه الاسباب، اصبحت مطبوعاتنا في السنوات الاخيرة تركِّز على الدروس التي نتعلمها من روايات الكتاب المقدس، عوض البحث عن صور رمزية فيها.