مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • تعلمتُ ان أتّكل على اللّٰه
    استيقظ!‏ ٢٠٠٦ | نيسان (‏ابريل)‏
    • تعلمتُ ان أتّكل على اللّٰه

      كما روته إيلا توم

      عاشت عائلتنا في بلدة اوتِپا الصغيرة في جنوب أستونيا،‏ على بعد نحو ٦٠ كيلومترا من الحدود الروسية.‏ وفي تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ ١٩٤٤،‏ اي بعد تخرُّجي من المدرسة الثانوية ببضعة اشهر،‏ كانت الحرب العالمية الثانية على وشك ان تضع اوزارها.‏ في تلك الاثناء،‏ كان الجيش الروسي يجبر الالمان على التراجع عبر أستونيا،‏ مما اضطرّنا وجيراننا (‏نحو ٢٠ شخصا)‏ الى الاختباء في الغابات مع مواشينا.‏

      بقينا عالقين طوال شهرين بين طرفَي القتال والقنابل تنهمر حولنا.‏ كنا في هذه الفترة نجلس معا فيما اقرأ انا،‏ وللمرة الاولى في حياتي،‏ مقاطع من الكتاب المقدس،‏ وخصوصا من سفر مراثي ارميا.‏ ذات يوم،‏ تسلّقت تلة عالية وركعت وصلّيت الى اللّٰه،‏ قائلة:‏ «عندما تنتهي الحرب،‏ اعدك ان اذهب الى الكنيسة كل يوم احد».‏

      ولم يمضِ وقت طويل حتى انتقلتْ جبهة القتال غربا.‏ وأخيرا،‏ انتهت الحرب العالمية الثانية في اوروبا عندما استسلم الالمان في ايار (‏مايو)‏ ١٩٤٥.‏ وفي هذا الوقت،‏ وفيت بوعدي للّٰه ان اذهب الى الكنيسة كل اسبوع مع ان ذلك سبَّب لي الارباك اذ لم اجد هناك سوى قلة من النساء المسنات.‏ وكلما اتى احد الى بيتنا على غفلة،‏ كنت اخبِّئ الكتاب المقدس تحت الطاولة.‏

      بعيد ذلك،‏ بدأت اعلّم في المدرسة المحلية.‏ وكان النظام الشيوعي في تلك الاثناء قد تولّى مقاليد الحكم وأصبح كثيرون ملحدين.‏ مع ذلك،‏ رفضت الانضمام الى الحزب الشيوعي.‏ وانشغلت بالتحضير للكثير من المناسبات الاجتماعية،‏ كتصميم الرقصات الشعبية للاولاد.‏

      التعرُّف بالشهود

      احتاج الاولاد الى ملابس مصمَّمة بشكل خاص من اجل المسرح،‏ لذلك قصدت في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٤٥ خيّاطة ماهرة اسمها إميلي سانّاميس.‏ فسألتني:‏ «ما رأيك في الاوضاع العالمية؟‏».‏ لم اعرف آنذاك انها واحدة من شهود يهوه.‏ وبما ان مؤتمرا للسلام كان يُعقد في سان فرانسيسكو،‏ الولايات المتحدة الاميركية،‏ اجبتها:‏ «ستزول هذه الحكومة قريبا،‏ وأنا واثقة ان الهدف من هذا المؤتمر هو التأكد من ازالتها».‏

      فقالت لي ان هذا المؤتمر لن يؤدي الى اية فوائد طويلة الامد،‏ وعرضت ان تظهر لي السبب من الكتاب المقدس.‏ لم اكن آنذاك مستعدة ان اصغي لهذه المرأة المتوسطة العمر واللطيفة،‏ ولكن قبل مغادرتي طرحتْ عليّ ما يلي:‏ «هل تعرفين اين قصد اللّٰه ان يعيش آدم وحواء؟‏».‏ لم اعرف الجواب،‏ فقالت بكل بساطة:‏ «اسألي اباك».‏

      وهذا ما فعلته عندما ذهبت الى البيت.‏ لكنَّ ابي لم يعرف الجواب وقال انه لا داعي ان نشغل انفسنا بدرس الكتاب المقدس؛‏ كل ما علينا فعله هو الايمان.‏ وعندما عدت لأخذ الملابس،‏ اخبرت إميلي ان ابي لم يعرف الجواب عن سؤالها.‏ فقامت هي وأختها بقراءة آيات من الكتاب المقدس تظهر ان اللّٰه طلب من آدم وحواء ان يعتنيا بموطنهما الفردوسي،‏ وأنه أراد ان يعيشا هناك بسعادة الى الابد.‏ كما اظهرتا لي ان اللّٰه قصد من البداية ان ينجب آدم وحواء اولادا ويوسّعا نطاق الفردوس ليشمل الارض كلها.‏ فأثارت هذه البراهين التي رأيتها في الاسفار المقدسة فضولي.‏ —‏ تكوين ١:‏٢٨؛‏ ٢:‏٨،‏ ٩،‏ ١٥؛‏ مزمور ٣٧:‏٢٩؛‏ اشعيا ٤٥:‏١٨؛‏ رؤيا ٢١:‏٣،‏ ٤‏.‏

      حضور اجتماع مسيحي للمرة الاولى

      في ذلك الصيف،‏ دُعيت الى حضور مقرَّر للمعلّمين في تارتيو مدته ثلاثة اشهر.‏ فأعطتني إميلي عنوان احدى الشاهدات في تلك المدينة،‏ فضلا عن كتاب الخلق،‏ الذي اثّر فيّ كثيرا بعرضه الواضح لحقائق الكتاب المقدس الاساسية.‏ وفي ٤ آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٥ قصدت عنوان تلك الشاهدة.‏

      عندما وصلت لم اجد احدا،‏ فطرقت الباب بقوة بحيث ان احد الجيران فتح بابه وأعطاني عنوانا آخر:‏ ٥٦ شارع سالْمي.‏ وحين بلغت وجهتي،‏ سألت امرأة كانت تقشّر البطاطا في احد المشاغل:‏ «هل يُعقد اجتماع ديني هنا؟‏».‏ فطلبت مني الانصراف بلهجة غاضبة وقالت انه غير مرحَّب بي هنا.‏ لكنني اصررت على البقاء،‏ فما كان منها إلا ان دعتني الى طابق علوي حيث انضممت الى فريق لدرس الكتاب المقدس.‏ ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت فترة استراحة الغداء،‏ فهممت بالمغادرة.‏ لكنَّ الموجودين اصرّوا على بقائي.‏

      وفيما كنت اجول النظر حولي خلال الاستراحة،‏ رأيت قرب النافذة شابين شاحبين ونحيلين جدا.‏ علمت لاحقا انهما خلال الحرب أمضيا اكثر من سنة يختبئان في عدة امكنة سرّية كيلا يجري اعتقالهما.‏a وبعد الظهر،‏ ألقى فريدريخ آلتپير خطابا استعمل فيه كلمة «هرمجدون».‏ وكانت هذه المرة الاولى التي اسمع فيها هذه الكلمة فسألته عنها لاحقا وأراني اياها في الكتاب المقدس.‏ (‏رؤيا ١٦:‏١٦‏)‏ لكنه عندما رأى مدى استغرابي،‏ تفاجأ هو ايضا لدى معرفته بأنني لم اسمع بها من قبل.‏

      فأدركت آنذاك ان هذا الاجتماع هو فقط للشهود المعروفين والموثوق بهم.‏ وعلمت لاحقا انه الاجتماع الاول الذي يعقدونه بعد الحرب!‏ مذّاك بدأت ارى اهمية الاتّكال على اللّٰه.‏ (‏امثال ٣:‏٥،‏ ٦‏)‏ وبعد سنة،‏ في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٤٦،‏ رمزت الى انتذاري للإله الحقيقي يهوه بالمعمودية وأنا في العشرين من عمري.‏

      مواجهة المقاومة العائلية

      فرضت الحكومة تعليم مذهب الالحاد في المدرسة،‏ الامر الذي امتحن ضميري المدرَّب على الكتاب المقدس.‏ ففكرت في تغيير مهنتي وأخبرت امي بذلك.‏ غير انها سخطت علي ومن شدة غضبها هاجمتني ونزعت خصلا من شعري.‏ لذلك قررت ان اترك البيت.‏ لكنَّ ابي شجّعني على التحلِّي بالصبر واعدا اياي بأنه سيساعدني.‏

      انضم اخي أنتس الى امي في مقاومتي.‏ إلا انه طلب مني ذات يوم بعض المطبوعات التي قرأها وأحبّها كثيرا.‏ اما والدتي فجُنّ جنونها.‏ كما بدأ أنتس يتحدث عن اللّٰه في المدرسة،‏ لكنه توقف عن معاشرة الشهود بعدما واجه الاضطهاد.‏ بعيد ذلك،‏ تعرّض اثناء الغطس لإصابة في رأسه تركته مشلولا اسير حمّالة،‏ اما عقله فبقي سليما.‏ فسألني عندئذ:‏ «هل يسامحني يهوه؟‏».‏ فكان جوابي ايجابيا.‏ ولكن من المؤسف انه مات بعد ايام قليلة وهو في الـ‍ ١٧ من عمره.‏

      في ايلول (‏سبتمبر)‏ ١٩٤٧،‏ تركت عملي في المدرسة.‏ وقد بقيت امي عدائية جدا تجاهي حتى انها ذات يوم رمت كل ثيابي خارجا،‏ مما دفعني الى مغادرة البيت.‏ لكنّ إميلي سانّاميس وأختها استضافتاني عندهما.‏ وكانتا تشجعانني دائما بالقول ان يهوه لا يتخلى ابدا عن خدامه.‏

      الامتحانات في أستونيا بعد الحرب

      دعتني الاختان سانّاميس الى العمل معهما في خياطة الثياب للعائلات في المزارع.‏ وغالبا ما كنا نتمكن من نقل حقائق الكتاب المقدس اليهم.‏ كانت تلك الايام جميلة لأني اكتسبت خبرة في الخدمة المسيحية فضلا عن تعلّم الخياطة.‏ كما اني حصلت على عمل كمدرِّسة رياضيات خصوصية.‏ لكن في سنة ١٩٤٨،‏ بدأت السلطات تعتقل الشهود.‏

      وفي تشرين الاول (‏اكتوبر)‏ من السنة التالية،‏ صادف اني كنت اعمل في احدى المزارع حين أُعلمت ان السلطات ذهبت الى بيت الاختين سانّاميس لاعتقالي.‏ وعندما قصدت مزرعة الاخ هوڠو سوسي للاختباء فيها،‏ علمت انه قد اعتُقل للتوّ.‏ فدعتني احدى النساء التي كنت اخيط لها الملابس الى المكوث ببيتها.‏ وبعد ذلك صرت انتقل من مزرعة الى اخرى،‏ اخيط الثياب وأواصل نشاط الكرازة.‏

      عندما حل فصل الشتاء،‏ وجدتني لجنة امن الدولة السوفياتية (‏KGB)‏ في تارتيو بمنزل ليندا ميتّيڠ،‏ شاهدة شابة غيورة تكبرني ببضع سنوات.‏ فاعتُقلت وخضعت للاستجواب.‏ وهناك أُجبرت على نزع كل ملابسي،‏ وراح الشرطيون الشبان يحدِّقون إليّ،‏ ما جعلني اشعر بالذلّ والمهانة.‏ لكن بعدما صلّيت الى يهوه،‏ غمرت السكينة قلبي.‏

      بعد ذلك وُضعت في زنزانة ضيّقة جدا لم استطع حتى التمدد فيها.‏ ولم يكن يُسمح لي بالخروج إلا عند الاستجواب.‏ فكان الشرطيون يقولون:‏ «نحن لسنا نطلب منك ان تنكري وجود اللّٰه،‏ فقط توقفي عن كرازتك السخيفة هذه،‏ فيكون مستقبلك واعدا».‏ وكانوا يهددونني قائلين:‏ «هل تريدين العيش ام الموت مع إلهك في حقول سيبيريا؟‏».‏

      استمر استجوابي على نحو متكرر طيلة ثلاثة ايام مُنعت خلالها من النوم.‏ لكن التأمل في مبادئ الكتاب المقدس ساعدني على الاحتمال.‏ اخيرا،‏ دعاني احد المستجوبين وطلب مني توقيع وثيقة أقرّ فيها انني سأتوقف عن الكرازة.‏ فقلت له:‏ «لقد فكرت مليا بالموضوع وأفضّل البقاء في السجن وعلاقتي باللّٰه سليمة على نيل حريّتي وخسارة رضاه».‏ فصرخ المستجوب عندئذ قائلا:‏ «ايتها الغبية!‏ جميعكم ستُعتقلون وتُرسلون الى سيبيريا».‏

      اطلاق سراحي فجأة

      من المدهش انه قبيل منتصف الليل طلب مني المستجوبون ان آخذ اغراضي وأرحل.‏ كنت اعلم ان الشرطة ستتعقّبني،‏ لذلك لم اقصد بيوت رفقائي المسيحيين كي لا يُكشف امرهم.‏ وفيما كنت اسير في الشوارع،‏ لاحقني ثلاثة رجال.‏ فصلّيت الى يهوه طلبا للارشاد ودخلت شارعا مظلما ثم ركضت مسرعة نحو احدى الحدائق.‏ وهناك تمددت على الارض وغطيت نفسي ببعض اوراق النبات.‏ كنت اسمع خُطى الرجال الذين يلاحقونني،‏ وأرى ضوء مصابيحهم.‏

      مرّت عدة ساعات وأنا على هذه الحال حتى خدرت عظامي من البرد.‏ ثم قمت وسرت في الشوارع المرصوفة بالحجارة حاملة حذائي كي لا احدث ضجة.‏ وبعدما غادرت المدينة،‏ مشيت في خندق على طول الطريق العام.‏ وكنت اتمدد ارضا كلما اقتربت السيارات مني.‏ اخيرا عند الخامسة صباحا،‏ بلغت بيت ميتا ويوري توميل الذي لا يبعد كثيرا عن تارتيو.‏

      فجهّزت ميتا السونا من اجلي على الفور كي استدفئ.‏ وفي اليوم التالي،‏ ذهبتْ الى تارتيو واتصلتْ بليندا ميتّيڠ.‏ فحثّتني ليندا قائلة:‏ «لنبدإ الآن بالكرازة ونعلن البشارة في كل أستونيا».‏ وهذا ما حصل بعد ان غيّرت تسريحة شعري ووضعت نظارات والقليل من مستحضرات التجميل.‏ وطوال الاشهر التالية،‏ قطعنا على الدراجة مسافات طويلة.‏ وأينما ذهبنا كنا نشجِّع الرفقاء المؤمنين الذين يعيشون في المزارع.‏

      نظّم الشهود لعقد محفل في ٢٤ تموز (‏يوليو)‏ ١٩٥٠ في مخزن كبير للتبن يملكه تلميذ للكتاب المقدس قرب اوتِپا.‏ وعندما علمنا ان الـ‍ KGB اكتشفوا خططنا،‏ تمكَّنا من تحذير غالبية الشهود الذين كانوا في طريقهم الى موقع المحفل.‏ ورتَّبنا لعقد المحفل في موقع آخر في اليوم التالي.‏ وقد بلغ عدد الحضور نحو ١١٥ شخصا ذهبوا كلهم فرحين ومصممين اكثر من قبل ان يحافظوا على ولائهم في وجه المحن.‏b

      بعد ذلك،‏ واصلتُ انا وليندا عمل الكرازة وتشجيع الرفقاء المسيحيين.‏ وفي وقت لاحق من تلك السنة،‏ اشتركنا في جني البطاطا ونقلنا رسالة الملكوت الى زملائنا في العمل.‏ حتى ان صاحب احدى المزارع توقف عن عمله وأصغى الينا طوال ساعة،‏ ثم علّق قائلا:‏ «نحن لا نسمع اخبارا جميلة كهذه كل يوم!‏».‏

      عدنا انا وليندا الى تارتيو،‏ حيث علمنا ان المزيد من الشهود جرى اعتقالهم،‏ بمن فيهم والدة ليندا.‏ فقد اصبح الآن غالبية اصدقائنا موقوفين،‏ بمن فيهم الاختان سانّاميس.‏ وبما اننا علمنا ان الـ‍ KGB يبحثون عنا،‏ حصلنا على دراجتين وواصلنا عمل البشارة خارج تارتيو.‏ وفي احدى الامسيات عثر عليّ الـ‍ KGB في منزل ألما ڤاردجا،‏ شاهدة اعتمدت حديثا.‏ وبعد التحقق من جواز سفري،‏ هتف احدهم:‏ «إيلا!‏ كنا نبحث عنك في كل مكان!‏».‏ كان هذا في ٢٧ كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥٠.‏

      سجني ثم ترحيلي الى سيبيريا

      وضبت انا وألما بعض الاغراض بكل هدوء ثم جلسنا لتناول الطعام.‏ فنظر الينا عملاء الـ‍ KGB مندهشين وقالوا:‏ «انتما لا تبكيان حتى!‏ فقط تجلسان لتناول الطعام».‏ فأجبناهم:‏ «نحن ذاهبتان الى تعييننا الجديد،‏ ولا نعرف متى سنتناول وجبتنا التالية».‏ ثم أخذت معي حراما صوفيًّا صنعت منه في ما بعد جوارب وقفّازات تدفئني.‏ وبعد قضاء عدة اشهر في السجن،‏ كنت بين عدد من الشهود الذين نُفوا من استونيا في آب (‏اغسطس)‏ ١٩٥١.‏c

      من أستونيا أُرسلنا بالقطار الى لينينغراد (‏الآن سانت بيترسبرغ)‏،‏ روسيا،‏ ومن هناك الى معسكرات العمل الالزامي الرديئة السمعة في ڤوركوتا،‏ بجمهورية كومي،‏ التي تقع فوق الدائرة القطبية الشمالية.‏ ولم يكن بين السجناء سوى ثلاث شاهدات.‏ وبما اني سبق ان تعلمت الروسية في المدرسة،‏ صرت اتمرَّن على هذه اللغة منذ اعتقالي.‏ لذلك بحلول الوقت الذي وصلنا فيه الى المعسكرات كنت اتكلم الروسية بطلاقة.‏

      التقينا في ڤوركوتا شابة اوكرانية اصبحت شاهدة خلال وجودها في معسكر اعتقال نازي في بولندا.‏ وفي سنة ١٩٤٥،‏ كانت قد أُرسلت مع ١٤ شاهدا آخر على متن سفينة صمَّم الالمان على اغراقها في بحر البلطيق.‏ إلا ان السفينة وصلت بأمان الى الدانمارك.‏ لاحقا،‏ وبعد عودة هذه الاخت الى روسيا،‏ اعتُقلت بسبب الكرازة وأُرسلت الى ڤوركوتا حيث كانت مصدر تشجيع كبير لنا.‏

      وصادفنا ايضا امرأتين سألتا بالاوكرانية:‏ «مَن هنا من شهود يهوه؟‏».‏ فأدركنا في الحال انهما اختان مسيحيتان!‏ فشجعتانا واعتنتا بنا.‏ فبدا الامر في نظر السجناء الآخرين كما لو ان لدينا عائلة بانتظارنا.‏

      نقلي الى معسكرات موردوڤيا

      في كانون الاول (‏ديسمبر)‏ ١٩٥١،‏ اظهرت الفحوصات التي خضعت لها انني اعاني خللا في الغدة الدرقية.‏ لذلك نُقلت مسافة ٥٠٠‏,١ كيلومتر تقريبا باتجاه الجنوب الغربي الى مجمّع السجون الضخم في موردوڤيا الذي يقع على بعد نحو ٤٠٠ كيلومتر من جنوب شرق موسكو.‏ وخلال السنوات اللاحقة هناك،‏ التقيت في معسكرات النساء شاهدات من ألمانيا،‏ أوكرانيا،‏ بولندا،‏ وهنغاريا.‏ كما تعرّفت بسجينة سياسية من أستونيا تدعى مايمو.‏

      وَلدتْ مايمو اثناء وجودها في السجن بأستونيا طفلة قام حارس لطيف بإعطائها لوالدتها.‏ ثم في سجن موردوڤيا قبلت مايمو الحق بعدما درسنا معها الكتاب المقدس.‏ وبما انه كان يُسمح لها بمراسلة والدتها،‏ نقلت هذه الحقائق اليها.‏ فأحبّت والدتها ما تعلّمته وغرسته في طفلة مايمو،‏ كارين.‏ ولم تجتمع مايمو بابنتها إلا عند اطلاق سراحها بعد ست سنوات.‏ وعندما كبرت كارين،‏ تزوجت احد الشهود.‏ وطوال الـ‍ ١١ سنة الماضية خدمت هي وزوجها في مكتب فرع شهود يهوه في تالين،‏ أستونيا.‏

      دُعي احد المعسكرات في مجمّع السجون الضخم بموردوڤيا «القفص».‏ وكان ذلك عبارة عن ثكنة صغيرة ذات حراسة مشددة داخل المعسكر المسوّر.‏ وقد سُجنتُ هناك مع ست شاهدات اخريات بسبب نشاطنا المسيحي.‏ ولكن حتى خلال وجودنا فيه،‏ تمكَّنا من صنع نسخ مصغّرة مكتوبة باليد لمقالات برج المراقبة وتهريبها الى آخرين في المعسكرات المجاورة.‏ وإحدى الوسائل التي استخدمناها كانت احداث تجويف في لوح من الصابون،‏ وضع المقالة داخله،‏ ثم سدّ اللوح ثانية.‏

      خلال وجودي في سجن موردوڤيا،‏ تمكنت من مساعدة اكثر من عشر نساء على اخذ موقفهن الى جانب اللّٰه.‏ وأخيرا في ٤ ايار (‏مايو)‏ ١٩٥٦،‏ قيل لي:‏ «انت حرة،‏ يمكنك الذهاب وعبادة الهك يهوه».‏ فعدت الى أستونيا في الشهر عينه.‏

      العودة الى موطني منذ نحو ٥٠ سنة

      عدت الى أستونيا صفر اليدين:‏ لا عمل ولا مال ولا بيت.‏ ولكن في غضون ايام قليلة من وصولي،‏ التقيت امرأة اظهرت اهتماما بتعاليم الكتاب المقدس.‏ وقد سمحت لي بالبقاء فترة من الوقت معها ومع زوجها في بيتهما المؤلف من غرفة واحدة.‏ فاشتريت صوفا بمال تديّنته وصرت احيك الكنزات وأبيعها في السوق.‏ ثم عُرض عليّ عمل في مستشفى تارتيو للامراض السرطانية،‏ حيث قمت بأعمال متنوعة طوال السنوات السبع التالية.‏ وفي هذه الاثناء،‏ كان لمبت توم قد عاد ايضا من المنفى في سيبيريا،‏ فتزوجنا في تشرين الثاني (‏نوفمبر)‏ ١٩٥٧.‏

      ولأن عمل الكرازة كان لا يزال محظورا،‏ استمر الـ‍ KGB يراقبوننا ويضايقوننا.‏ مع ذلك،‏ فعلنا كل ما في وسعنا لإعلان ايماننا.‏ وصف لمبت هذه المرحلة من حياتنا في استيقظ!‏،‏ عدد ٢٢ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٩.‏ ومن اواخر الخمسينات حتى ستينات وسبعينات الـ‍ ١٩٠٠،‏ كان الشهود الباقون يعودون تدريجيا من المنفى.‏ وفي اواخر الثمانينات،‏ اصبح هنالك اكثر من ٧٠٠ شاهد في أستونيا.‏ وسنة ١٩٩١،‏ صار نشاطنا المسيحي شرعيا وبدأنا نشهد الزيادات بحيث بلغ عدد الشهود في أستونيا اكثر من ١٠٠‏,٤!‏

      لقد مضى اكثر من ٦٠ سنة على حضوري اول اجتماع للشهود يُعقد سرًّا في أستونيا بعد الحرب العالمية الثانية.‏ ومذّاك صممت ان أطبِّق حض الكتاب المقدس:‏ «اتَّكل على يهوه وافعل الخير».‏ وقد تعلمت ان ذلك يؤدي الى نيل ‹ملتمس قلبنا›.‏ —‏ مزمور ٣٧:‏٣،‏ ٤‏.‏

      ‏[الحواشي]‏

      a احد هذين الشابين هو لمبت توم،‏ الذي ترد قصته في عدد ٢٢ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٩ من استيقظ!‏‏.‏

      b انظر استيقظ!‏،‏ عدد ٢٢ شباط (‏فبراير)‏ ١٩٩٩،‏ الصفحتين ١٢-‏١٣ من اجل وصف مفصّل عن المحفل.‏

      c نُفيَ معظم الشهود في أستونيا في نيسان (‏ابريل)‏ ١٩٥١.‏ انظر عدد ٢٢ نيسان (‏ابريل)‏ ٢٠٠١ من استيقظ!‏‏،‏ الصفحات ٦-‏٨‏،‏ وكاسيت الفيديو امناء رغم المحن —‏ شهود يهوه في الاتحاد السوفياتي (‏بالانكليزية)‏.‏

      ‏[النبذة في الصفحة ٢٣]‏

      ‏«لنبدإ الآن بالكرازة ونعلن البشارة في كل أستونيا».‏ —‏ ليندا ميتّيڠ

      ‏[الصورة في الصفحة ٢٤]‏

      مع تسع شاهدات أخريات داخل سجن موردوڤيا

      ‏[الصورة في الصفحة ٢٤]‏

      اليوم،‏ مع زوجي لمبت

  • كيف تجيب؟‏
    استيقظ!‏ ٢٠٠٦ | نيسان (‏ابريل)‏
    • اجوبة الصفحة ٣١

      ١‏-‏ سمعان،‏ المسمّى ايضا بطرس،‏ اندراوس أخوه،‏ يعقوب ويوحنا،‏ فيلبس وبرثولماوس (‏نثنائيل)‏،‏ متى وتوما،‏ يعقوب بن حلفى،‏ سمعان الذي يُدعى «الغيور»،‏ يهوذا بن يعقوب،‏ ويهوذا الاسخريوطي،‏ الذي تحوَّل الى خائن.‏ —‏ لوقا ٦:‏١٤-‏١٦‏.‏

      ٢-‏ نثنائيل.‏

      ٣-‏ سمعان.‏

      ٤-‏ توما.‏

      ٥-‏ موسى —‏ ١٥٩٣ ق‌م.‏

      ٦-‏ آدم —‏ ٤٠٢٦ ق‌م.‏

      ٧-‏ نوح في الفلك —‏ ٢٣٧٠ ق‌م.‏

      ٨-‏ محلون —‏ راعوث ٤:‏٩،‏ ١٠‏.‏

      ٩-‏ ياعيل —‏ قضاة ٥:‏٢٤-‏٢٧‏.‏

المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
الخروج
الدخول
  • العربية
  • مشاركة
  • التفضيلات
  • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
  • شروط الاستخدام
  • سياسة الخصوصية
  • إعدادات الخصوصية
  • JW.ORG
  • الدخول
مشاركة