مكتبة برج المراقبة الإلكترونية
برج المراقبة
المكتبة الإلكترونية
العربية
  • الكتاب المقدس
  • المطبوعات
  • الاجتماعات
  • ع٩٣ ٢٢/‏٩ ص ١٥-‏١٩
  • ‏«آه يا يهوه،‏ أَبقِ فتاتي امينة!‏»‏

لا تتوفر فيديوات للجزء الذي اخترته.‏‏

عذرًا، حصل خطأ عند تشغيل الفيديو.‏

  • ‏«آه يا يهوه،‏ أَبقِ فتاتي امينة!‏»‏
  • استيقظ!‏ ١٩٩٣
  • العناوين الفرعية
  • مواد مشابهة
  • الاضطهاد في المدرسة
  • النشاط السري
  • الى المدرسة الاصلاحية
  • اجتماع مؤثِّر للشمل
  • ماذا عساي أردّ ليهوه؟‏
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٩
  • وثقتُ بعناية يهوه الحبية
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ٢٠٠٤
  • لم ندعم حرب هتلر
    استيقظ!‏ ١٩٩٤
  • انتظرت يهوه بصبر منذ صباي
    برج المراقبة تعلن ملكوت يهوه —‏ ١٩٩٧
المزيد
استيقظ!‏ ١٩٩٣
ع٩٣ ٢٢/‏٩ ص ١٥-‏١٩

‏«آه يا يهوه،‏ أَبقِ فتاتي امينة!‏»‏

ولدتُ في السنة ١٩٣٠ في الألزاس،‏ فرنسا،‏ وسط عائلة تحب الفن.‏ في الأمسيات،‏ كان والدي يقرأ بعض الكتب عن الجغرافيا او علم الفلك وهو جالس على متَّكَئِه.‏ وكان كلبي ينام عند قدميه،‏ وكان ابي يشارك امي في بعض النقاط البارزة من قراءته فيما كانت تحوك للعائلة.‏ وكم كنت اتمتع بتلك الأمسيات!‏

ولعب الدين دورا كبيرا في حياتنا.‏ فقد كنا كاثوليكيين مخلصين،‏ والناس الذين يروننا ذاهبين الى الكنيسة صباح يوم الأحد كانوا يقولون:‏ «انها الساعة التاسعة.‏ عائلة آرنولد ذاهبة الى الكنيسة.‏» وكل يوم قبل ان اذهب الى المدرسة،‏ كنت اذهب الى الكنيسة.‏ ولكن بسبب سوء سلوك الكاهن،‏ منعتني امي من الذهاب الى الكنيسة وحدي.‏ كنت آنذاك في السادسة من عمري.‏

بعد ان قرأَتْ ثلاثة كراريس للـ‍ بيبلفورشر (‏تلاميذ الكتاب المقدس،‏ المعروفين الآن بشهود يهوه)‏،‏ بدأت امي تكرز من بيت الى بيت.‏ فاستاء ابي من ذلك.‏ وجعلها قاعدة ان لا تُثار اية مناقشة دينية امامي.‏ ‹ولا قراءة لهذا الهراء!‏› لكنَّ امي كانت متحمسة جدا للحق حتى انها قررت قراءة شيءٍ من الكتاب المقدس معي.‏ فحصلَت على ترجمة كاثوليكية للكتاب المقدس وكانت تقرأ منه كل صباح دون التعليق عليه،‏ اطاعة لأمر ابي.‏

في احد الأيام قرأَت المزمور ١١٥:‏٤-‏٨‏:‏ «اصنامهم فضة وذهب عمل ايدي الناس.‏ .‏ .‏ .‏ مثلها يكون صانعوها بل كل من يتَّكل عليها.‏» وربطَت ذلك بالوصية الثانية،‏ التي تذكر:‏ «لا تصنع لك تمثالا منحوتا.‏» (‏خروج ٢٠:‏٤-‏٦‏)‏ فنهضتُ بسرعة وأتلفت مذبحي الشخصي الذي كنت اقتنيه في غرفتي.‏

كنت اذهب الى المدرسة وأشارك رفقاء صفي الكاثوليك في قراءتي اليومية للكتاب المقدس.‏ فسبَّب ذلك اضطرابا الى حد بعيد في المدرسة.‏ وغالبا ما كان الأولاد يلحقون بي في الشارع ويدعونني «يهودية منتِنة!‏» كان ذلك في السنة ١٩٣٧.‏ فجعل هذا الوضع ابي يتحقق مما كنت اتعلَّمه.‏ وحصل لنفسه على كتاب الخليقة الذي اصدره شهود يهوه.‏ فقرأه وأصبح هو نفسه شاهدا!‏

حالما دخل الجيش الألماني فرنسا عبر الحدود البلجيكية،‏ بدأنا نرى صلبانا معقوفة على الأعلام فوق الكنائس،‏ رغم ان العلم الفرنسي استمر يخفق فوق مبنى البلدية.‏ وكانت الحكومة الفرنسية قد اغلقت قاعة ملكوتنا وحظرت عمل شهود يهوه،‏ وكنا نعمل سرًّا عندما جاء الألمان.‏ لكنَّ الجهود لسحق الشهود تكثَّفت.‏ وبعد سنتين،‏ في الـ‍ ١١ من العمر،‏ اعتمدت.‏

بعد شهر واحد،‏ في ٤ ايلول ١٩٤١،‏ في الساعة الثانية بعد الظهر،‏ رنَّ جرس الباب.‏ كان ذلك وقت عودة ابي الى البيت من العمل.‏ فوثبتُ من مقعدي،‏ فتحتُ الباب،‏ وقفزتُ معانقة اياه.‏ فصرخ رجل خلفه،‏ «هايل هتلر!‏» فوقفتُ على قدميَّ،‏ مدركة عندئذ ان الرجل الذي عانقته كان جنديا من وحدات الحماية SS!‏ فأرسلاني الى غرفتي واستنطقا امي لأربع ساعات.‏ وفيما كانا يغادران،‏ صاح احدهما:‏ «لن ترَي زوجكِ في ما بعد!‏ وهذا ما ستنالينه انتِ وابنتك!‏»‏

كان ابي قد أُوقف في ذلك الصباح.‏ وكان راتبه الشهري في جيبه.‏ وأقفلت وحدات الحماية الحسابَ المصرفي وحرمت امي البطاقة النقابية —‏ وثيقة ضرورية للحصول على عمل.‏ فكانت سياستهم الآن:‏ «لا اسباب رزق لهؤلاء الاشخاص المكروهين!‏»‏

الاضطهاد في المدرسة

خلال ذلك الوقت،‏ استمرت الضغوط تزداد في مدرسة الإعداد الجامعي التي كنت احضرها.‏ فكلما اتى المعلِّم الى الصف،‏ كان على جميع التلاميذ الـ‍ ٥٨ ان يقفوا بأذرع ممدودة ويقولوا،‏ «هايل هتلر.‏» وعندما يأتي الكاهن من اجل التعليم الديني،‏ كان يدخل ويقول،‏ «هايل هتلر —‏ مبارك الآتي باسم الرب.‏» ويجيب الصف،‏ «هايل هتلر —‏ آمين!‏»‏

كنت ارفض ان اقول،‏ «هايل هتلر،‏» فوصل الخبر الى مدير المدرسة.‏ فكُتبَت رسالة تحذيرية تذكر:‏ «هنالك تلميذ لا يخضع لقوانين المدرسة،‏ وإذا لم يحدث ايّ تغيير ضمن فترة اسبوع،‏ فسيضطر ذلك التلميذ الى مغادرة المدرسة.‏» وذُكر في اسفلها ان هذه الرسالة يجب ان اقرأها على اكثر من ٢٠ صفا.‏

وأتى اليوم الذي فيه دعيتُ امام صفي لأعلن قراري.‏ ومنحني المدير خمس دقائق اضافية إما لأقدم التحية او لآخذ اوراقي المدرسية وأغادر.‏ وبدت هذه الدقائق الخمس وكأنها الأبدية.‏ فضعُفت ساقاي،‏ عجَّ رأسي بالافكار،‏ وخفق قلبي بقوة.‏ والصمت المُطْبِق لكامل الصف قطعته عبارة «هايل هتلر» مُدوِّية،‏ ثم ك‍رَّرها كامل الصف ثلاث مرات.‏ فركضتُ الى مقعدي،‏ اخذت اوراقي،‏ وخرجت راكضة.‏

يوم الاثنين التالي،‏ سُمح لي بالذهاب الى مدرسة اخرى.‏ وقال المدير انه يمكنني ان احضر بشرط ألا اخبر احدا عن سبب طردي من المدرسة الاولى.‏ وعاداني رفقاء صفي،‏ اذ صاروا يدعونني لصة،‏ ولدا جانحا،‏ ويقولون ان ذلك كان سبب طردي.‏ فلم يكن بإمكاني ان اشرح لهم السبب الحقيقي.‏

قيل لي ان اجلس في مؤخرة الصف.‏ والفتاة التي كانت بجانبي ادركت اني لم اكن اقدِّم التحية.‏ فاعتقدَت اني من المقاومة الفرنسية.‏ فكان عليَّ ان اوضح لها فقط لماذا كنت ارفض ان اقدِّم تحية هتلر:‏ «استنادا الى اعمال ٤:‏١٢‏،‏ ‹ليس بأحد غيره الخلاص.‏ لأنْ ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطي بين الناس به ينبغي ان نخلص.‏› فالمسيح وحده مخلِّصنا.‏ وبما ان ‹هايل› تمثِّل الحصول على الخلاص بواسطة شخص،‏ فأنا لا يمكنني ان انسب هذا الخلاص الى ايّ انسان،‏ حتى الى هتلر.‏» وبدأت هذه الفتاة وأمها تدرسان الكتاب المقدس مع شهود يهوه وصارتا شاهدتين!‏

النشاط السري

خلال كل ذلك الوقت،‏ استمررنا نكرز سرًّا.‏ وكنا نذهب في اول احد من كل شهر الى مكان في الجبال حيث كنا نحصل على الطبعة الفرنسية من برج المراقبة لتُترجَم بالألمانية.‏ وكانت امي قد صنعت لي حزام حمَّالات جوارب تحتانيا خصوصيا مع جيب مخفي لأنقل برج المراقبة.‏ وذات يوم اوقفنا جنديان وأُخذنا الى مزرعة جبلية حيث فُتِّشنا.‏ ومرضتُ كثيرا حتى انهما جعلاني اذهب وأستلقي على التبن،‏ وبسبب ذلك،‏ لم يجدا قط برج المراقبة.‏ فبطريقة او بأخرى،‏ بدا ان يهوه كان دائما ينقذني.‏

في احد الأيام جرى إبلاغي ان اذهب الى «طبيب نفساني.‏» وتبيَّن انه اثنان من وحدات الحماية.‏ وكان هنالك اولاد آخرون من الشهود.‏ وكنتُ آخر مَن استُدعي للدخول.‏ كان «الطبيبان» جالسَين وراء طاولة،‏ فجلستُ وضوء باهر يسطع في وجهي،‏ وبدأ الاستنطاق.‏ كان احد «الطبيبين» يطرح عليَّ اسئلة جغرافية او تاريخية،‏ لكن قبل ان اتمكن من الإجابة،‏ كان الآخر يدخل النقاش بأسئلة عن العمل السري.‏ وكان يسأل ايضا عن اسماء الشهود الآخرين.‏ كنت على شفير الانهيار عندما قاطع اتصال هاتفي استجوابهما.‏ فما اروع الطريقة التي بها يأتي عون يهوه!‏

عندما علم مدير مدرستي انني كنت اشرح معتقداتي لواحدة من رفقاء صفي،‏ أُوقفتُ،‏ حوكمتُ،‏ وحكم القاضي بإرسالي الى «مدرسة اصلاحية.‏» وذكر الحكم قائلا ‹انها تربت وفق تعاليم جمعية تلاميذ الكتاب المقدس من جميع الأمم،‏ التي تعاليمها ممنوعة حسب القانون،‏ وستصير شخصية فاسدة وخطرا على الآخرين.‏› كان ذلك تجربة مريعة لي،‏ في الـ‍ ١٢ من العمر الآن،‏ في تلك المحكمة الموحية بالرهبة!‏ ولكن لسبب مساعدة صديق متعاطف يعمل في الادارة،‏ لم يجرِ تنفيذ الحكم عليَّ فورا.‏

بعد شهر تقريبا اختير صفي للذهاب الى مخيَّم تدريب الشبيبة الهتلرية لمدة اسبوعين.‏ ولم اكلِّم امي قط بشأن ذلك.‏ فلم أُرد ان تضطر الى تحمُّل اية مسؤولية ناتجة من قرار عدم الذهاب الذي اتخذته.‏ وقبل ان يأتي يوم الانطلاق،‏ حذَّرني مدير المدرسة:‏ «ان لم تكوني يوم الاثنين في محطة سكة الحديد او في مكتبي،‏ فسأجعل الشرطة تتعقَّبك!‏»‏

وهكذا في صباح يوم الاثنين مررت بمحطة سكة الحديد في طريقي الى المدرسة.‏ وكان كل رفقاء صفي ينادونني كي اذهب معهم،‏ لكن كنت مصممة على الذهاب الى مكتب المدير.‏ كنت قد تأخرت في الوصول الى هناك،‏ فاعتقد اني رحلت مع الآخرين في القطار.‏ وكان حنقا عندما رآني.‏ فأخذني الى غرفة صفه وجعل كامل الصف يدفع الثمن لأربع ساعات.‏ مثلا،‏ كان يستدعي كل ولد الى مقدمة الصف،‏ وبدلا من تسليمهم مفكِّرتهم،‏ كان يصفعهم بها على وجههم.‏ وكان يشير اليَّ ويقول:‏ «هي المسؤولة!‏» لقد حاول حمل الأولاد الـ‍ ٤٥،‏ في العاشرة فقط من عمرهم،‏ على معاداتي.‏ لكن عند نهاية الصف اتوا يهنِّئونني لأنني بقيت ارفض انشاد الاناشيد العسكرية.‏

وجرى تعييني لاحقا لأفرز الورق،‏ العلب،‏ والعظام.‏ فرفضت فعل ذلك لأن العلب كانت تُستعمل لأغراض عسكرية.‏ فضُربتُ وتُركتُ فاقدة الوعي.‏ ثم ساعدني رفقاء صفي على الوقوف على قدميَّ.‏

عندما عدتُ الى المدرسة،‏ فاجأتني رؤية جميع الصفوف واقفين في الساحة حول سارية علم،‏ وكانوا نحو ٨٠٠ ولد.‏ فوُضعتُ في الوسط.‏ وقُدِّم وصف طويل للحرية وعاقبة الخونة،‏ وتبع ذلك ثلاث صيحات زيڠ هايل!‏ (‏النصر والخلاص)‏.‏ وأُنشد النشيد الوطني وأنا واقفة جامدة ومرتعدة.‏ فدعمني يهوه؛‏ وحافظت على استقامتي.‏ وفي وقت لاحق،‏ عند دخول شقتنا،‏ وجدت ملابسي موضوعة على السرير مع رسالة تقول:‏ «يجب على سيمون آرنولد ان تحضر هي بنفسها الى محطة سكة الحديد غدا صباحا.‏»‏

الى المدرسة الاصلاحية

في صباح اليوم التالي،‏ كنا امي وأنا في محطة سكة الحديد.‏ فاحتجزتني سيدتان.‏ وفي القطار كرَّرت امي مشورتها بشأن سلوكي.‏ «كوني دائما مهذَّبة،‏ لطيفة،‏ ووديعة،‏ حتى عندما تقاسين الظلم.‏ لا تكوني معاندة ابدا.‏ لا تتكلمي ابدا بازدراء او تجاوبي بوقاحة.‏ تذكَّري ان الثبات لا علاقة له بالعناد.‏ وسيكون ذلك تعليمك المدرسي للحياة المستقبلية.‏ انها ارادة يهوه ان نكابد المحن من اجل خيرنا المستقبلي.‏ وأنت مستعدة جيدا لذلك.‏ فأنت تعرفين كيف تخيطين،‏ تطبخين،‏ تغسلين،‏ وتقومين بعمل البستنة.‏ انت سيدة شابة الآن.‏»‏

في ذلك المساء،‏ في كرْم خارج فندقنا،‏ ركعنا امي وأنا،‏ رنَّمنا ترنيمة ملكوت عن رجاء القيامة،‏ وقلنا صلاة.‏ وبصوت ثابت،‏ تضرَّعت امي من اجلي:‏ «آه يا يهوه،‏ أَبقِ فتاتي امينة!‏» وللمرة الأخيرة،‏ وضعتني امي في الفراش،‏ غطَّتني جيدا،‏ وقبَّلتني.‏

جرت الامور بسرعة في اليوم التالي عندما وصلنا الى بيت الاصلاحية،‏ دون ان تسنح لي فرصة لتوديع امي.‏ أرتني فتاة سريرا ذا فراش محشو نخالة قمح.‏ وأخذوا حذائي،‏ اذ كان علينا ان نمشي حوافي حتى اول تشرين الثاني.‏ كان اول غداء صعب الابتلاع.‏ وجرى اعطائي ستة ازواج من الجوارب لأرتقها؛‏ وإلا فلن احصل على ايّ طعام.‏ ولأول مرة،‏ بدأت ابكي.‏ وبلَّلتْ دموعي تلك الجوارب.‏ وبكيت طوال الليل تقريبا.‏

في صباح اليوم التالي استيقظت في الساعة ٣٠:‏٥ صباحا.‏ وكان سريري مبقَّعا بالدم —‏ كانت دوراتي الشهرية قد بدأت قبل ذلك بوقت قصير.‏ فذهبت وأنا ارتجف الى اول معلمة اصادفها،‏ الآنسة مَسِنجر.‏ فاستدعت فتاة اظهرت لي كيف اغسل ملاءتي بالماء البارد.‏ كانت الأرض الحجرية باردة،‏ والأوجاع تشتد اكثر.‏ فبدأت ابكي من جديد.‏ عندئذ قالت الآنسة مَسِنجر بابتسامة ساخرة:‏ «قولي ليهوه الهك انه يجب ان يغسل هو ملاءتك!‏» كان ذلك تماما ما كنت بحاجة الى سماعه.‏ فكفكفتُ دموعي،‏ ولم يتمكنوا قط من حملي على البكاء ثانية.‏

كان علينا ان نستيقظ في الساعة ٣٠:‏٥ من كل صباح لننظِّف البيت قبل الفطور —‏ طاس حساء في الساعة ٠٠:‏٨ صباحا.‏ وكانت المدرسة تُعقد في البيت لـ‍ ٣٧ ولدا،‏ من ٦ الى ١٤ سنة من العمر.‏ وبعد الظهر كنا نقوم بالغسل،‏ الخياطة،‏ والبستنة،‏ اذ لم يكن هنالك رجال ليقوموا بالعمل الشاق.‏ وفي شتاء ١٩٤٤/‏١٩٤٥،‏ كان عليَّ ان انشر مع فتاة اخرى اشجارا يبلغ قطرها حتى القدمَين (‏٦٠ سم)‏ باستعمال منشار يُشَدُّ من الطرفين.‏ ومُنع الأولاد من التكلم واحدهم الى الآخر ولم يُسمح لهم بأن يكونوا وحدهم،‏ ولا حتى للذهاب الى الحمام.‏ وكنا نستحم مرتين في السنة،‏ ونغسل شعرنا مرة في السنة.‏ وكان العقاب حرمان الطعام او الضرب.‏

كان يجب ان انظِّف غرفة الآنسة مَسِنجر.‏ وطلبَت ان انزل تحت السرير كل يوم لأنظِّف النوابض.‏ وكان عندي كتاب مقدس صغير هرَّبته الى البيت،‏ فتمكَّنتُ من حشره في النوابض.‏ ومن ذلك الحين فصاعدا،‏ صار في مقدوري ان اقرأ اجزاء من الكتاب المقدس كل يوم.‏ ولا عجب انني دُعيتُ ابطأ ولد كان عندهم!‏

كانت الفتيات الپروتستنتيات يذهبن الى كنيستهن يوم الأحد،‏ والفتيات الكاثوليكيات الثلاث الى كنيستهن،‏ أما انا فكان يجب ان اطبخ للـ‍ ٣٧ ولدا اجمعين.‏ وكنت قصيرة جدا حتى اني كنت اضطر الى الوقوف على مقعد وأُمسك الملعقة بكلتا اليدين لأحرِّك الحساء.‏ ولمعلِّماتنا الأربع،‏ كان يجب ان اطبخ اللحم،‏ اخبز الكعك،‏ وأحضِّر الخضر.‏ وبعد ظهر يوم الأحد،‏ كان علينا ان نطرِّز المناديل.‏ فلم يكن هنالك وقت للَّعب.‏

بعد بضعة اشهر،‏ اخبرتني الآنسة مَسِنجر بابتهاج واضح ان امي العزيزة أُوقفت وهي في معسكر اعتقال.‏

في السنة ١٩٤٥ وضعت الحرب اوزارها.‏ وانهارت معسكرات الاعتقال واندلقت محتوياتها المعذَّبة على الأرض،‏ جاعلة الآلاف يهيمون على وجوههم بحثا عن اية بقايا لعائلة ربما لا تزال موجودة.‏

اجتماع مؤثِّر للشمل

على الأقل كانت امي تعرف اين انا،‏ لكن عندما اتت لتأخذني،‏ لم اعرفها.‏ ولا عجب،‏ نظرا الى ما عانته!‏ فعندما أُوقفت امي،‏ أُرسلت الى المعسكر عينه الذي أُرسل اليه ابي،‏ شيرْمك،‏ إلا انها وُضعت في معسكر النساء.‏ ورفضت رتق بدلات الجنود فوُضعت في سجن انفرادي طوال اشهر في غرفة محصَّنة تحت الأرض.‏ ثم،‏ لجعلها تُصاب بالعدوى،‏ نُقلت لتعيش مع نساء مصابات بالزهري (‏السفلس)‏.‏ وفيما كانت تُنقل الى رڤنْسْبروك،‏ جعلها سعال ضعيفة جدا.‏ وفي ذلك الوقت هرب الألمان،‏ والسجناء الذين كانوا في طريقهم الى رڤنْسْبروك صاروا احرارا فجأة،‏ ومن بينهم امي.‏ فتوجَّهتْ الى كونْسْتانس،‏ حيث كنتُ،‏ لكنَّ انفجارا من اثر غارة جوية جرح وجهها وأدماه.‏

عندما أُدخلتُ الى حيث كانت موجودة،‏ كانت متغيِّرة جدا —‏ هزيلة بسبب الجوع،‏ مريضة بشكل واضح،‏ وجهها مكدَّم ودامٍ،‏ صوتها يكاد لا يُسمع.‏ وكان قد جرى تدريبي ان انحني امام الزوَّار وأُريهم كل عملي —‏ المطرَّزات،‏ الخياطة —‏ لأن بعض السيدات كنَّ يأتين الى البيت للحصول على خادمة.‏ وهكذا عاملتُ امي المسكينة!‏ وفقط عندما اخذتني الى قاضٍ لتحصل على الحق الشرعي في اخذي الى البيت ادركتُ انها امي!‏ وفجأة انفجرت الدموع التي ابقيتها في داخلي طوال الشهور الـ‍ ٢٢ الماضية.‏

وفيما كنا نغادر كان قول المديرة،‏ الآنسة لادرلي،‏ مثل زيت ملطِّف بالنسبة الى امي.‏ فقد قالت:‏ «أردُّ اليك ابنتكِ بالموقف العقلي نفسه الذي اتت به.‏» فكانت استقامتي لا تزال سليمة.‏ ووجدنا شقتنا وبدأنا نستقر بها.‏ والأمر الوحيد الذي كان لا يزال يحزننا هو ان ابي كان مفقودا.‏ وقد ادرج الصليب الأحمر اسمه في قائمة الموتى.‏

في منتصف ايار ١٩٤٥،‏ قُرع الباب.‏ وركضت ايضا لأفتحه.‏ فكانت ماريا كول،‏ صديقة،‏ عند الباب،‏ وقالت:‏ «سيمون،‏ انا لستُ وحدي.‏ ابوك عند اسفل الدرج.‏» بالجهد الجهيد تمكَّن ابي من صعود الدرج،‏ وكان قد فقد سمعه.‏ فمرَّ بجانبي تماما وتوجَّه مباشرة الى امي!‏ فالفتاة العفوية الصغيرة البالغة من العمر ١١ سنة التي كان يعرفها كبرت وصارت مراهقة صغيرة خجِلة خلال تلك الشهور الطويلة.‏ حتى انه لم يعرف هذه الفتاة الجديدة.‏

لقد ترك ما عاناه اثرَه فيه.‏ ففي البداية أُخذ الى شيرْمك،‏ معسكر خاص،‏ ثم الى داخاو،‏ حيث اصيب بالتيفوس وبقي بعد ذلك فاقد الوعي ١٤ يوما بسببه.‏ واستُعمل لاحقا في التجارب الطبية.‏ ومن داخاو أُرسل الى ماوتهاوسن،‏ معسكر ابادة اسوأ من داخاو،‏ حيث قاسى الأشغال الشاقة والضرب وهجمت عليه الكلاب البوليسية.‏ لكنه نجا وها هو اخيرا في البيت من جديد.‏

عندما صرت في الـ‍ ١٧ من العمر،‏ اشتركت في الخدمة كامل الوقت كخادمة من شهود يهوه ثم ذهبت الى جلعاد في الولايات المتحدة،‏ مدرسة جمعية برج المراقبة للمرسَلين.‏ وفي المركز الرئيسي العالمي للجمعية،‏ التقيتُ ماكس ليبستر،‏ وهو يهودي الماني صار شاهدا في احد معسكرات هتلر للاعتقال.‏ وتزوجنا في السنة ١٩٥٦،‏ وبمساعدة الهنا،‏ يهوه،‏ استمررنا حتى هذا الوقت في الخدمة كامل الوقت كخادمَين في الفتح الخصوصي هنا في فرنسا.‏

كم كانت صادقة كلمات امي التي تفوَّهت بها في صلاتها من اجلي في الامسية التي سبقت تركي في بيت الاصلاحية قبل هذه السنوات الكثيرة:‏ «اتضرَّع اليك،‏ آه يا يهوه،‏ أَبقِ فتاتي امينة!‏»‏

وهذا ما فعله يهوه تماما،‏ حتى هذا اليوم!‏ —‏ كما روتها سيمون آرنولد ليبستر.‏

‏[الصورة في الصفحة ١٨]‏

سيمون آرنولد ليبستر وزوجها،‏ ماكس ليبستر

    المطبوعات باللغة العربية (‏١٩٧٩-‏٢٠٢٥)‏
    الخروج
    الدخول
    • العربية
    • مشاركة
    • التفضيلات
    • Copyright © 2025 Watch Tower Bible and Tract Society of Pennsylvania
    • شروط الاستخدام
    • سياسة الخصوصية
    • إعدادات الخصوصية
    • JW.ORG
    • الدخول
    مشاركة